صدى آلكون ............................................................................ إدارة و إشراف : عزيز آلخزرجي
Wednesday, August 14, 2024
الإقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الأسلام :
الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام
إعداد
د. مشهور فوّاز
رجب 1430 هـ / يوليو 2009 م
المقدمة:
الحمد لله الملك الجواد الهادي إلى سبل الرشاد الذي خلق الخلق كما أراد وأنعم علينا بنعم كثيرة لا تحصيها الأعداد, وأشهد أن لا اله إلا الله شهادة أدخرها ليوم المعاد وأستعين بها على الكرب والشداد وأشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسله رحمة وهدى للعباد.. وبعد:
لم يخلق الله الإنسان عبثاً ولم يتركه سدى بل ضمن له رزقه وقدّر له قوته وشرع له من التشريعات ما يحقق له الوقاية والحفظ والحماية.
ولقد كان من ضمن التشريعات التي شرعها الإسلام لحفظ المجتمع ووقايته تحريم الربا واعتباره من الكبائر بل من الموبقات المهلكات. وقد ورد بذلك العدد من النصوص النبوية والآيات.
ولخطورة الربا نجد أنّ الله سبحانه وتعالى قد حرمه في جميع الأديان وذلك نظراً لما يسبب العداوة بين الأفراد ويقضي على روح التعاون بينهم كما أنّه يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئاً وإنما تربح وتستغل وغيرها يكدح وينصب ويعطيها من جهده ممّا يؤدي إلى تكديس الأموال في أيدي هذه الطبقة المترفة دون جهد.
فالربا من المحكمات المجمع على تحريمها في كل زمان ومكان مهما اختلفت الصور والأشكال ومهما تبدلت الأمم والمجتمعات أو وصلت البشرية إلى درجات سامقة من الحضارة والتقدم التكنولوجي…
والمتابع لتساؤلات المستفتين في هذه المسألة يجد قاسماً مشتركاً بينها وهو محاولة الكثيرين صياغة الأسئلة بصياغةٍ لا يجد المفتي بكثير من الأحيان مناصاً من الإفتاء للضرورة أو الحاجة…بدعوى الإقامة بغير دار الإسلام.
والحقيقة أنّ الإسلام لم يهمل احتياجات النّاس وضرورياتهم ومصالحهم في دنياهم ومعاشهم ولكن وفق حدود وضوابط ومقاييس ومعايير وضعها الشرع الكريم…وليس كما يتصورها الناس أو يصورونها, كما لا يفوتنا أن الفتوى قد تختلف باختلاف الشخص والزمان والمكان, فالمسلم المقيم في المملكة العربية السعودية مثلاً قد يُفتى في مسألة معينة بالحرمة بينما قد يُفتى آخر مقيم في غير دار الإسلام بحكم آخر في ذات المسألة, وليس معنى ذلك تطريز أو تفصيل للفتوى كما يظنّ البعض, فالحكم هو ذات الحكم لا يختلف ما دامت السماوات والأرض ولكن إسقاط الحكم قد يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
وأضرب على ذلك مثالاً:
إيداع الأموال في البنوك الربوية محرّم, هذا كحكم شرعي أي هو الأصل.
ولكن إذا خشي الشخص على ماله من السرقة ولم يجد مكاناً آمناً لحفظ المال عدا البنك الربوي, أصبح إيداع المال حينها مباحاً.
فمن يعيش في دولة يتواجد فيها مصارف إسلامية لا يُفتى له بالإيداع بالبنوك الربوية مطلقاً لوجود بديل لذلك, ومن يتواجد في بلاد لا وجود فيها للمصارف الإسلاميّة قد يُفتى له بذلك.
ما الذي اختلف إذن؟
إن الذي اختلف هو ليس الحكم, وإنمّا الذي اختلف الظروف المناطة بالحكم. وهذا ممّا يجهله الكثيرون حيث يخلطون بين الفقه والفتوى, وشتان بينهما…
فالفقه هو الحكم والفتوى هي إنزال الحكم على الواقع, لذا لدى إسقاطها على أرض الواقع قد تتغير وتختلف مسايرة للواقع الذي نعيشه وليس ذلك تسييباً, لأنّ التسييب يكون بلا حدود تحدّه وضوابط تضبطه.
فمثل الفقيه والمفتي كمثل الصيدلاني والطبيب.
فالصيدلاني يقول أنّ وجع والآلام الرأس يوصف له الدواء الفلاني, بينما الطبيب قد يمنع المريض من هذا الدواء لمضاعفات قد يسببها له فيصف له دواءً آخر.
وكذلك الفقيه يقول: أن الميتة مثلاً حرام ولكن المفتي قد يجيزها لوجود الضرورة وفق ضوابط وشروط بينها العلماء.
أو يقول الفقيه إن الصوم واجب, بينما قد يمنع المفتي شخصاً من الصوم بسبب المرض…
والناظر في السنة النبوية يجد لهذه القاعدة تغير الفتوى أصلاً فيها ودليلاً عليها في أكثر من شاهد ومثال.
-فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: ” كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, فجاء شاب فقال يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم؟ قال: لا, فجاء شيخ, فقال: يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم؟ قال نعم, فنظر بعضنا إلى بعض, فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد علمت نظر بعضكم إلى بعض: إن الشيخ يملك نفسه”(1) .
ومثل ذلك: حديث سلمة بن الأكوع, حيث قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ” من ضحى منكم فلا يصبحنّ بعد ثلاثة ويبقى في بيته منه شيء”.
فلما كان العام المقبل , قالوا: ” يا رسول الله, نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ قال: ” كلوا وأطعموا وادّخروا, فإن ذلك العام كان بالناس جهد –أي شدة وأزمة- فأردت أن تعينوا فيها, وفي بعض الأحاديث: ” إنما نهيتكم من أجل الدافّة التي دفت”, أي القوم الذين وفدوا على المدينة من خارجها.
ومعنى هذا: “أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام في حالة معينة ولعلّة طارئة وهي وجود ضيوف وافدين على المدينة, فلما انتهى هذا الظرف العارض والعلة الطارئة نزل الحكم الذي أفتى به الرسول تبعاً لها, فإنّ الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً…
ومن ثمّ قرر المحققون كالعلامّة “ابن القيّم” وغيره ” أنّ الفتوى تتغير وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والنيات “(2).
وليس معنى هذا أنّ أحكام الشريعة كلها قابلة لتغيّر الفتوى بها, بتغيّر الزمان والمكان والعرف, فمن أحكام الشريعة ما هو ثابت عام دائم ولا مجال فيه للتغير والاختلاف مهما تغيرت الظروف والأحوال, وفي هذا يقول ابن القيم في ” إغاثة اللهفان ” الأحكام نوعان:
نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها, لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقررة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك, فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشرع ينوع فيها بحسب المصلحة”(1) …
وما أجمل تعبير ابن القيم بمصطلح ” تغير الفتوى” اعتياضاً عن ” تغير الأحكام “.
وهذا في الحقيقة أدق وأصح تعبيراً, لأن الحكم القديم باقٍ إذا وجدت حالة مشابهة للحالة الأولى, وإنما الفتوى هي التي تغيرت بتغير مناط الحكم.
وفي ذلك يقول الشيخ علي الخفيف رحمه الله تعالى: ” …إذا تغير الوسط ( البيئة ) وتبدل العرف الذي حدثت فيه الواقعة, تغيرت بذلك المسألة وتبدل وجهها وكانت مسألة أخرى اقتضت حكماً آخر لها…وهذا لا ينفي أن المسألة السابقة بظروفها لا زالت على حكمها وأنها لو تجددت بظروفها ووسطها لم يتبدل حكمها, فآخذ الأجرة على تعليم القرآن في وسط يقوم أهله بتعليمه احتساباً لوجه الله وطاعة له غير جائز في كل مكان وفي كل زمان, وأخذ الأجرة على تعليمه في وسط انصرف اهله عن تعليم القرآن والدين إلا بالأجر- أمر جائز في كل زمان ومكان”(2) .
هذا وممّا لا ينبغي إنكاره أنّ هذا باب واسع اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير من تلك القابلة للتغير بتغير الظروف والأحوال.ولعلّ أخطر ما جاء في مقولات بعض المعاصرين:
إنّ النّصوص إذا عارضت المصالح –كما يتوهمونها- يجب أن تقدم المصالح على النصوص, فالنصوص بتصور هؤلاء معللّة بتحقيق مصالح العباد, فهي تدور مع المصلحة حيث دارت وجوداً وعدماً ويقول بعضهم: حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله.
وهذا صحيح فيما لا نص فيه أو فيما فيه نص ظني يحتمل عدة وجوه وأمّا في غير ذلك, فأينما وجد شرع الله فثم المصلحة, فالاستقراء أثبت أنّ المصلحة دائماً مع نص الشارع القطعي الدلالة.
وإنني أمام قضايا عصري وما يستجدّ فيه من أحداث وعقود ومعاملات أجد من الواجب الكفائي على الأقل أن أُعمِل في هذه المستجدات نظري بما ينسجم ويتوافق مع مصالح الناس وفق أدلة الشرع وقواعده عليها, مستلهماً روح التشريع ومقاصده عند بيان حكمها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه.
فإن أَصبت فمن الله وحده, وإن أخطأت فمن نفسي, والله المستعان وبه الحول وعليه التكلان.
المؤلف
الفصل التمهيدي : ” مدخل إلى القروض الربوية”:
تُعدُّ القروض أهم أعمال البنوك التجارية, وذلك لأنّ قيامها بقبول أموال المودعين, إنما هو بهدف إقراض هذه الودائع لمن يفتقر إلى المال, لقاء فائدة تحصل عليها من المقترضين وهذه الفائدة هي العائد الأساسي من أنشطة هذه البنوك.
وإننا إذا أمعنا النظر في القروض التي يقترضها الناس من البنوك, نجد أنها في المجمل العام تنقسم إلى قسمين:
1- قروض إستهلاكية: وهي تلك القروض التي يأخذها المحتاجون لقضاء حوائجهم , حيث يلجأ صغار الموظفين وعامة المحتاجين إلى الاقتراض عند الشدة من البنوك مقابل فوائد ربوية إلى أجل محدّد.
ومن الطبيعي أن دخل هؤلاء المساكين يعجز عن الوفاء بما عليهم من ديون مما يؤدي إلى تراكمها وزيادتها عاماً بعد عام…مما يؤدي بهم إلى الانحراف وارتكاب الجرائم فضلاً عن الهموم والأحزان التي تنخر كفاءتهم ونشاطهم الذهني والبدني.
ولهذا كان هذا النوع من القروض من أعظمها ضرراً وأشدّها خطورة سواءً على الصعيد الديني أم الاجتماعي أم الاقتصادي, حيث أن المرابي يسلبُ آخر ما تبقى عند الطبقة الفقيرة من قوة الشراء ليضيفها لخزائنه ممّا يؤدي بالمجتمع إلى مزيد من القروض التي تجلب المزيد إلى خزائنه وهذا ما لا يخفى على أحد من الاقتصاديين ضرره وخطورته.
2- القروض الإنتاجية: وهي تلك القروض التي يقترضها العميل أو الزبون من البنك لتوظيفها في مشاريع استثماريّة كتطوير مشروع أو بناء مشروع يحقق له عائداً وأرباحاً مقابل فوائد ربويّة مترتبة على هذا القرض يدفعها المستثمر للبنك.
وبذلك يضمن البنك ربحاً شهرياً أو سنوياً دون بذل أدنى مجهود, بينما يقوم المقترض بالكدح والعمل وتحمّل الخطر وربما يخسر فيطالبه البنك برأس المال والربح.
ولا شك أنه ليس هنالك أحد ينكر فداحة شرور القروض الربوية ومفاسدها على المجتمع الإنساني وبالتالي لا يتردد مفتٍ أو عالم بالقول بحرمتها واعتبارها من الكبائر بل من السبع الموبقات.
ولكن هل تسوّغ الحاجة أو الضرورة الخاصة أو العامة الإقتراض من هذه البنوك للبناء أو التعمير او الاستثمار أو التطوير, هذا ما سأبينه في هذه الدراسة من خلال الكتاب الكريم والسنة المطهرة ومن خلال ما فهمه العلماء الأجلاء من الوحيين في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها, حيث أن الشريعة الإسلاميّة لم تهمل احتياجات الناس ولا ضرورياتهم بل عالجت كافة المشكلات في كافة البيئات بأعدل الحلول وأصلحها عن طريق مراعاة الفطرة والواقع والأحوال والأوضاع, بغير عنت ولا إرهاق.
فإنه لا يعقل أن يوحي الله العليم الحكيم بشريعة خالدة عامة للبشرية ويحرجهم في دينهم أو يضيق عليهم في دنياهم.
فهذا ما يتكفل البحث بيانه وتوضيحه مؤيداً بالأدلة من أوثق المصادر وأمتنها ” وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيبُ ” .
الفصل الأول: “حكم الربا في غير دار الإسلام“
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف دار الحرب ودار الإسلام.
المبحث الثاني :صيرورة دار الإسلام دار حرب.
المبحث الثالث: حكم الربا في دار الحرب, وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: “آراء الفقهاء في المسألة“.
المطلب الثاني: “عرض الأدلة“.
المطلب الثالث: “المناقشة والترجيح“.
المبحث الأول: “تعريف دار الحرب ودار الإسلام” :
لقد عرّف فقهاء المسلمين الدارين (دار الحرب ودار الإسلام ) بتعريفات وضوابط مختلفة, لكنه اختلاف لا يعدو أن يكون لفظياً, بحيث يمكن تلخيصها بتعريف واحد وهو: ” أن دار الإسلام هي الدار التي تجري فيها الأحكام الإسلامية ودار الحرب هي الدار التي تجري فيها أحكام الكفر”. فالعبرة إذن عندهم للدستور الحاكم وليس بنوعية السكان وعددهم.
ويلاحظ أن مصطلح دار الحرب يتداخل مع مصطلح دار الكفر في استعمالات أكثر الفقهاء, وإنما ذلك للحالة السياسية لوضع الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى.
حيث أن واقع الدولة الإسلامية في عهد النبوة والصحابة والتابعين وأئمة الفقه وأصحاب المدوّنات فيه- كان في حالة حربٍ واقعةٍ أو متوقعةٍ مع الدول الأخرى. فتداخل مصطلح ( دار الحرب) مع دار ( الكفر) هو من باب مجاراة الواقع وتوصيفه, وليس من لوازم الدين, بمعنى أنه قابلٌ للتغيّر بحسب متغيّرات الواقع, طالما انه ليس مطلوباً لذاته وليس مأموراً به في نصوص الوحيين ( الكتاب والسنة ) . وفيما يلي أسرد بعض أقوال الفقهاء في تعريف الدارين:
أولاً: مذهب الحنفية:
يقول الإمام أبو يوسف رحمه الله تعالى :” تعتبر الدار دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها, وإن كان جل أهلها من الكفار, وتعتبر الدار دار كفر لظهور أحكام الكفر فيها وإن كان جلّ أهلها من المسلمين”(1) .
– وجاء في الفتاوى الهنديّة : ” دار الحرب تصير دار الإسلام بشرط واحد: إظهار حكم الإسلام فيها” 1)).
ثانياً: مذهب المالكية:
جاء في المدونة لسحنون: قال ابن القاسم وهو يذكُرُ مكة حين اشترى أبو بكر الصديق بلالاً وأعتقه: ” كانت الدّار يومئذٍ دار حربٍ, لأنّ أحكام الجاهلية كانت ظاهرةً”(2) .
فهذا النص يبيّن أن دار الإسلام عندهم هي التي يحكمها دستور الإسلام ودار الحرب هي التي لا تحكم بدستور الإسلام.
ثالثاً: مذهب الشافعية :
اشترط الشافعية في اعتبار دار الإسلام إضافة لكون نظام الحكم إسلامياً أن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين.
قال الشافعيّ: أخبرنا جماعة من أهل العلمِ من قريش وأهل المغازي وغيرهم. عن عدد قبلهُم: أن أبا سفيان بن حربٍ أسلم بِمرٍّ, ( موضع قريب من مكة ) ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظاهرٌ عليها, فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار إسلام(3.(..
وبرأيي أنّ كلاً من الشرطين متضمنٌ للآخر, ذلك أنّ من المعلوم بالضرورة أنه لا يمكن ظهور أحكام الإسلام إلا بوجود سلطة للمسلمين تحميها من الاعتداء على أهلها أو إلغائها, لأنّ سلطة الكفار لا تحمي أحكام الإسلام بحال, فجريان الأحكام ووجود السلطة أمران متلازمان, إذ لا يجري الحكم الإسلامي في دار إلا بوجود السلطة الحقيقيّة للحاكم المسلم.
وفي ذلك يقول السرخسي : ” وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للإسلام “(1).
رابعاً : مذهب الحنابلة :
أ – عقد العلامة ابن مفلح الحنبلي فصلاً وجيزاً لهذه المسألة في كتابه الآداب الشرعيّة, قال فيه ما نصه : “…فكلُ دارٍ غلب عليها أحكام المسلمين فدار إسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار الكفر ولا دار لغيرهما”(2) .
ب- وقال ابن القيم في كتابه ” أحكام أهل الذمة” : …قال الجمهور: دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون, وجرت عليها أحكام الإسلام وما لم يجرِ عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها” (3).
يلاحظ أنّ الحنابلة تعتبر عندهم الدار دار إسلام بشرط واحد وهو: أن يكون نظام الحكم فيها إسلامياً.
خامساً : الظاهرية:
اشترط ابن حزم الظاهري لتكون البلاد ( دار إسلام ) شرطاً واحداً, وهو: أن يكون الحاكم مسلماً, ولم يظهر من كلامه أنه يشترط أن يكون نظام الحكم إسلامياً, فالعبرة من ظاهر كلامه لشخص الحاكم.
جاء في المحلى: ” …استعمل عليه السلام عمّاله على خيبر وهم كُلّهم يهود, وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يُسمّى الساكن فيهم لإمارة عليهم أو لتجارةِ بينهم كافراً ولا مسيئاً, بل هو مسلم محسن, ودارهم دار إسلام لا دار شرك, لأن الدار إنّما تنسب للغالب عليها أو الحاكم فيها والمالك لها, ولو أنّ كافراً مجاهراً غلب على دار من دور الإسلام وأقر المسلمين بها على حالهم إلا أنّه هو المالك المنفرد لها بنفسه في ضبطها, وهو مُعلنٌ بدينِ غير الإسلام لكفر بالبقاء معه كل من عاونه وأقام معه وإن ادعى أنّه مسلم ” (1).
وبرأيي أنه ليس هنالك ثمة تعارض بين كلام ابن حزم والجمهور: حيث أن ابن حزم اشترط إسلام الحاكم والجمهور اشترطوا أن يكون نظام الحكم إسلامياً.
ومعلوم أنّ الحكم الإسلامي لا يتصور أنّ يطبقه إلا حاكم مسلم, وكذلك إنّ من مستلزمات وجود السلطة بين الحاكم المسلم أن يحكم بالإسلام.
فالاختلاف والله تعالى أعلم بين ابن حزم الظاهري وجمهور الفقهاء اختلاف لفظي ليس إلا, إلا أن يكون ابن حزم لا يشترط أن يحكم المسلم بشرع الله, وهذا غير متصوّر وبعيد!!
نخلص مما سبق من أقوال الفقهاء إلى ما يلي:
أنّ العلة في اعتبار الإقليم بلداً إسلامياً هي تطبيق الأحكام الإسلامية عليه, سواء كان أهله كلهم مسلمين أو كان أهله مسلمين وذميين أو كان أهله كلهم ذميين ولكنّ حكامه مسلمون يطبقون فيه أحكام الإسلام ويحكمونه بشريعة الإسلام.
أما لو كان الإقليم ( الدولة ) لا تحكم بشرع الإسلام فهي دار حربٍ سواء كان أهلها مسلمين أم غير مسلمين.
وبرأيي أن حمل هذه التعريفات والأقوال على ظواهرها دون معرفة المناسبة التي سيقت وقيلت من أجلها من الخطورة بمكانة, ذلك أنّ مقتضى هذا الرأي :أن غالبية الدول العربية هي دار حرب في نظر الإسلام .
لذا ينبغي على الفقيه أن ينظر إلى المناسبة والظروف التي أُنيطت بها هذه الأقوال الفقهية, وذلك من خلال الرجوع إلى الحالة السياسيّة التي كانت قائمة في عصر الاجتهاد بين دار الإسلام وغيرها من البلدان.
حيث أن الحالة السياسيّة السائدة في ذلك العصر اقتضت تقسيم الدار إلى قسمين ( دار إسلام/ دار حرب ) توصيفاً للعلاقة الخارجية لدولة الإسلام مع الدول الأخرى.
وفي ذلك يقول الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع- عضو المجلس الأوروبي للإفتاء : ” تقسيم المعمورة إلى ( دار إسلام ) و( دار كفر) تقسيم مأثور, دلّ عليه الواقع التاريخيّ لزمان التشريع وجاء استعماله في السنة والأثر كوصفٍ لذلك الواقع, وهو لا يعدو ( أي ذلك التقسيم ) أن يكون توصيفاً للواقع تبعاً للحالة السياسيّة السائدة, وليس مطلوباً لذاته, فليس مأموراً به في دلائل الكتاب والسنة لا أمر إيجاب ولا ندب وعليه فليس من لوازم دين الإسلام, وحيث إنه كذلك فهو قابلٌ للتغيّر بحسب متغيّرات الواقع, ولذلك ظهرت في تاريخ الدولة الإسلامية من بعد مصطلحات أملاها واقع حادث, ممّا يعطي فسحة للاجتهاد حسب المتغيرات” (1).
وبناءً على ذلك نقول: إن العلاقات الدولية المعاصرة اليوم تقوم على صفة مغايرة للصفة التي كانت عليها في عصر الدولة الإسلامية الواحدة , حيث كان التتقنينُ للعلاقات الخارجية بين الدول قائماً على الحرب إلا في حالات استثنائية.
المبحث الثاني: صيرورة دار الإسلام إلى دار حرب:
بيّنت فيما سبق أنّ دار الحرب تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها وتكون تحت سيادة المسلمين وسلطتهم, ولكن هذه الدار ( أي دار الإسلام) هل يتغير وصفها إلى دار حرب بسبب من الأسباب كالاحتلال أو أن يرتدّ أهلها فيجرون أحكام الكفر فيها بدلاً من أحكام الإسلام…؟
اختلف العلماء في هذه المسألة إلى الأقوال التالية:
القول الأول : أن هذا الإقليم الذي احتله الكفار يصير دار حرب بمجرد استيلاء الكفار عليه, وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن والحنابلة.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى :” إنّها (دار إسلام) تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها”(1).
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى : ” وأما بلد الكفار فضربان: الأول: بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل…” (2) وقال أيضاً : “ومتى ارتدّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب”(3) .
القول الثاني : أن دار الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها أو بمجرد استيلاء الكفار عليها, ما دام سكانها المسلمون يستطيعون البقاء فيها يدافعون عن دينهم ويقيمون بعض شعائر الإسلام فيها كالأذان والجُمعة والجماعات والعيد, وهو رأي المالكيّة وبعض المتأخرين من الشافعية.
قال ابن عرفة الدسوقي: “دار الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها” (4) .
وعندما سُئل الإمام الرملي الشافعي رحمه الله تعالى عن المسلمين الساكنين في وطن من الأوطان الأندلسيّة يُسمّى ” أراغون” وهم تحت ذمة السلطان النصرانيّ الذي سُلّط عليهم, فيأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبونه منها ولم يتعد عليهم بظلم لا في أموالهم ولا في الأنفس ولهم جوامع يصلّون فيها ويظهرون شعائر الإسلام عياناً ويقيمون شريعة الله جهراً, فهل تجب عليهم الهجرة أم لا؟ أجاب الرملي: ” بأنّه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم لقدرتهم على إظهار دينهم به ولأنّه صلّى الله عليه وسلّم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكّة لقدرته على إظهار دينه بها, بل لا تجوز الهجرة منه, لأنّه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم ولأنّه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب”(1).
القول الثالث : أنّ دار الإسلام لا تصبح دار حرب إلا بثلاثة شروط:
ظهور أحكام الكفر فيها: أي أنّ تجري فيها أحكام الكفّار على سبيل الاشتهار, وأن لا يحكم فيها بحكم الإسلام.
أن تكون متصلة بدار الحرب بحيث لا يكون بينهما بلد من بلاد الإسلام, وهو ما يُعبرونَ عنه بالمتاخمة لدار الحرب.
ج- ألاّ يبقى فيها مسلم آمن بإسلامه ولا ذمي آمنٌ بالأمان الأول قبل استيلاء الكفار.
وهذا رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى) .2)
المناقشة والترجيح :
بعد النظر في أدلة كل مذهب من المذاهب السابقة , أرى أنّ الراجح هو قول القائلين بأنّ دار الإسلام يمكن أن تصير داراً للحرب إذا زال عنها سلطان الإسلام, وظهرت فيها أحكام الكفر, وذلك لأنّ الإسلام والكفر صفة للدار, والصفة تتغير بتغير الموصوف.
لذا فإنّ القول الأرجح بنظري أنّ دار الإسلام تصبح دار حرب بالاحتلال, وهذا ما توافقه مباديء وقواعد الشريعة العامة.
المبحث الثالث : “حكم الربا في غير دار الإسلام “:
بيّنت في المبحث السابق المقصود بداري الحرب والإسلام, وفي هذا المبحث أبيّن حكم التعامل مع الحربيين في دار الحرب بمعاملات ربويّة محرمة في شريعة الإسلام.
المطلب الأول: آراء الفقهاء في المسألة :
اتفق الفقهاء على حرمة القيام بعقود ربويّة في دار الإسلام سواءً أكان ذلك بين المسلم والمسلم أم بين المسلم والحربي, وسواءً أكان ذلك برضاه أم بغير رضاه. واختلفوا في حكم التعامل بالربا بين أهل دار الإسلام وأهل دار الحرب في دار الحرب إلى الأقوال التالية:
القول الأول: وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وبعض الحنابلة, أنّه يجوز للمسلم أن يتعامل بالربا مع أهل دار الحرب في دار الحرب(1).
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : ” لو أنّ مسلماً دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس” .
وقال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى : “وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان “(2).
وقال أيضاً : ” ولو أنّ المستأمن فيهم باعهم درهماً بدرهمين إلى سنة ثمّ خرج إلى دارنا ثمّ رجع إليهم وأخرج من عامه ثم رجع إليهم فأخذ الدراهم بعد حلول الأجل, لم يكن به بأس” (3) .
وذكر بعض الحنابلة رواية عن الإمام أحمد : “أنّه لا يحرم الربا في دار الحرب ” (1).
ومن باب أولى إذا أجاز هذا الفريق للمسلم أن يأخذ الربا من الحربي في دار الحرب إذا دخلها بعقد أمان أن يبيح له أخذه إذا دخلها بغير عقد أمان.
وذهب سفيان الثوري والخرقي والمرداوي من فقهاء الحنابلة إلى القول بأنّ الربا محرم في دار الإسلام ودار الحرب إلا بين مسلم وحربي لا أمان(2) بينهما(3).
وأطلق الإمام الزركشي من فقهاء الحنابلة جواز الربا بين المسلم والحربي سواءً كان في دار الإسلام أو دار الحرب وسواء كان بأمان أو غيره(4).
والفرق بين كلام الزركشي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن أنّ الزركشي أباح التعامل بالربا بين المسلم والحربي مطلقاً سواءً حصل ذلك بدار الإسلام أم بدار الحرب بينما أبو حنيفة ومحمد بن الحسن اشترطا أن يكون ذلك في دار الحرب .
القول الثاني: وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد والأوزاعي وأبي يوسف من الحنفية والظاهرية , أنّه لا يجوز لأهل دار الإسلام من المسلمين والذميين أن يتعاملوا بالربا مع أهل دار الحرب مطلقاً, سواءً كانت المعاملة في دار الإسلام أو في دار الحرب(5).
قال النووي رحمه الله تعالى :” ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب, فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب, سواء جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي, سواء دخلها المسلم
بأمان أو بغيره , هذا مذهبنا , وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور(1).
وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله تعالى : “والصحيح من المذهب أنّ الربا محرم بين الحربي والمسلم مطلقاً, وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثيراً منهم, ونصّ عليه الإمام أحمد “(2).
المطلب الثاني : ” عرض الأدلة”:
أولاً: أدلة الفريق الأول:
استدل القائلون بجواز التعامل بالربا بين المسلم والحربي بما يلي:
بما روي عن مكحول عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : “لا ربا بين المسلم والحربيّ في دار الحرب”(1).
واعترض على هذا الاستدلال بما يلي:
أ- أنّ هذا حديث مرسل ضعيف لا يصح الاحتجاج به, حيث يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى :” والجواب على حديث مكحول أنّه مرسل ضعيف فلا حجة فيه”(2) .
فلا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به(3).
ب- إنه وعلى فرض صحة الحديث, فإنّ معناه يحتمل أن يكون المقصود به تحريم الربا بين المسلم والحربي كما هو محرم بين المسلمين, كقوله تعالى: ” فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ “(4) .
وعليه يقول النووي رحمه الله تعالى : ” ولو صحّ لتأولناه على أنّ معناه :لا يباح الربا في دار الحرب جمعاً بين الأدلة”(5) .
2- بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّه قال في خُطبته يوم الوداع بعرفات :” وربا الجاهلية موضوعٌ وأوّل ربا أضعُ ربانا ربا عباس بن عبد المطّلب فإنّه موضوعٌ كُلّه”(1) .
وجه الاستدلال: أنّ العباس رضي الله عنه بعد ما أسلم رجع إلى مكة وهي حينئذ دار حرب, وكان يربي بها قبل نزول التحريم وبعد نزوله إلى زمن الفتح, وهذا يدلّ على أنّ حكم الربا لا يجري بين المسلم والحربي في دار الحرب , وذلك لأنّه لو لم يكن الربا بين المسلمين والمشركين حلالاً في دار الحرب لكان ربا العباس موضوعاً يوم أسلم وما قبض منه بعد إسلامه مردوداً, لقوله تعالى: ” وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلِمون ولا تُظلمون” , وممّا يؤكد ذلك أنّه معلوم أنّه قد كان بين نزول الآية وبين خطبة النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة ووضعه الربا الذي لم يكن مقبوضاً عقودٌ من عقود الربا بمكّة قبل الفتح ولم يتعقبها بالفسخ ولم يميّز ما كان منها قبل نزول الآية ممّا كان بعد نزولها(2).
وأجيب على هذا الاستدلال بما يلي:
أنّه يكفي حمل لفظ الحديث على أنّ العباس رضي الله عنه كان له رباً في الجاهلية قبل إسلامه , لأنّه ليس ثمّة دليل واضح على أنه بعد إسلامه استمر على الربا , ولو سُلِّم استمراره عليه, فقد لا يكون عالماً بتحريمه, فأراد النبي صلى الله عليه وسلّم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ(3).
3- لأنّ مالهم مباح, وبعقد أحدنا الأمان منهم لم يصِر مالهم معصوماً, إلا أنّه التزامٌ بألاّ يتعرّض لهم بغدر ولا يأخذ ما في أيديهم بدون رضاهم, فإذا أخذ برضاهم وبطيب أنفسهم, أخذ مالاً مباحاً بلا غدر فيملكه بحكم الإباحة(4).
وعليه يقول ابن الهمام رحمه الله تعالى : ” لو لم يرِد خبرُ مكحول أجازه النظر المذكور, أعني: كون مالِه مباحاً إلاّ لعارض لزوم الغدر”(1) .
وأجيب على هذا الاستدلال بما يلي:
أنّه لا يلزم من كون أموالهم مباحةً بالاغتنام استباحتها بالعقد الفاسد ,ولهذا تباح أبضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد(2).
4- لأنّ أحكام المسلمين لا تجري عليهم, فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز.
وأجيب على هذا الاستدلال: بأنّه لا يلزم عدم جريان حكم الإسلام عليهم عدم جريانه على المسلمين ,فالمسلمون ملزمون بأحكامهم أينما يكونون, حتى ولو كان الطرف الثاني يرضى بذلك , لأنّ الربا وإن رضي به الطرفان, وهما بالغان رشيدان, لم يبح ذلك لما فيه من ظلم ومحق(3).
ثانياً: أدلة الفريق الثاني : استدل القائلون بعدم جواز الربا بين المسلم والحربي بما يلي: بعموم الآيات الدالة على تحريم الربا من غير فرق:
أ- قوله تعالى: ” الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطُه الشيطانُ من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنمّا البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من رّبه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”(4).
ب- قوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلِمون ولا تُظلمون”(5)
ج – قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفةً واتقوا الله لعلكم تُفلحون “(1) .
وجه الاستدلال : أنّ الوعيد والأمر بترك الربا والنهي عن أكله في الآيات المذكورة يفيد الإطلاق والعموم, فلم يُقيد ذلك بمكان دون مكان أو بزمان دون آخر, ولا يُخص عموم الآيات إلا بدليل, وعليه يقول صاحب البحر الزخار : ” ولا يحل الربا في دار الحرب إذ لم يُفصّل الدليل”(2) .
2- عموم الأخبار الدالة على تحريم الربا دون فرق بين مكان دون آخر ,ومن تلك الأخبار:
عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ,وقال: هم سواء(3).
عن عثمان بن عفان أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, قال: ” لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ” (4).
3- أنّ كل ما كان حراماً في دار الإسلام, كان حراماً في دار الحرب كسائر الفواحش والمعاصي(5) .
4- أنّ حرمة الربا كما هي ثابتة في حقّ المسلمين فهي ثابتة في حقّ الكفار, لأنّهم مخاطبون بالمحرمات في الصحيح من الأقوال(6).
لقوله تعالى: ” وأخذهمُ الربا وقد نهوا عنه وأكلِهم اموال الناس بالباطل”(7) .
5- القياس على المستأمن من أهل الحرب في دار الإسلام, فإنه إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان وباع درهمين بدرهم فإنه لا يجوز وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب وفعل ذلك فلا يجوز له, بجامع تحقق الفضل الخالي عن العوض المستحق بعقد البيع(1).
ثالثاً : “الترجيح “:
لا شك أن الأخذ برأي الجمهور أحوط, ولكنّه أشق, ذلك أنّ الامتناع عن التعامل بالربا كلّه وقليله وجليّه وخفيه في نظام لا يطبق الإسلام ليس بالأمر السهل, فالمسلم المقيم في غير بلاد الإسلام لو استطاع الامتناع عن أخذه فإنّه لا يستطيع الامتناع عن إعطائه.
لذا يمكن الأخذ بقول أبي حنيفة ومن وافقه في حالة الوفرة لمال المسلم سواء في حالة الأخذ منهم أم الإعطاء ، وذلك على اعتبار أنّ المسلم قد يكون مستفيدا في بعض الأحيان على الرغم من دفعه الربا كما سيأتي، فالمسلم بالإسلام يزيد ولا ينقص ويتقدم ولا يتأخر ، على الرغم من أنّنا لا نسلّم بوصف هذه الدول مطلقا بدار حرب كما بيّن الحنفية وغيرهم لمجرد كونها لا تحكم بالإسلام ، وفي غير هذه الحالة لا يفتى إلاّ في حالة الحاجة الماسّة التي تنزل منزلة الضرورة سواء أكانت عامة أم خاصة ، على أن يكون ذلك بحدود ضيقة يقدّرها المفتي مع صاحب الشأن .
ولا يسوغ للبعض أن يفهم كلام أبي حنيفة على إطلاقه فيجيز المعاملات الربوية مع غير المسلمين في دار الحرب على إطلاقها، ذلك أنّ المفهوم من كلام أبي حنيفة أن يكون المسلم هو الغالب في التعامل ….
الفصل الثاني
“الاقتراض من البنوك الربوية ”
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: “في ماهية القرض ومشروعيته“.
المبحث الثاني: “حكم الاقتراض من البنوك الربوية” .
المبحث الثالث: “تطبيقات معاصرة للاقتراض من البنوك الربوية” وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: الاقتراض من أجل بناء أو شراء بيت.
المطلب الثاني : الاقتراض من البنوك الربوية لإقامة مشروع تجاري.
المطلب الثالث : الاقتراض من البنوك الربوية لتطويرمشروع تجاري.
المطلب الرابع: الاقتراض من البنوك الربوية لشراء سيارة.
المطلب الخامس: الاقتراض من البنوك الربوية من أجل تخفيض نسبة الضرائب.
المطلب السادس: الاقتراض من البنوك الربوية لإثبات الأموال المستشمرة في المشروع.
المبحث الأول: “في ماهية القرض ومشروعيته “:
أولاً : القرض لغةً:يعني القطع(1) , وذلك لأنّ المقرض يقطع من ماله شيئاً ليعطيه إلى آخر ثمّ يرجعُ إليه بمثله.
قال الشربيني رحمه الله تعالى:” وسمي بذلك لأنّ المقرض يقطع للمقترض قطعة من ماله “(2).
ثانياً: القرض في اصطلاح الفقهاء: هو العقد الذي يتم عن طريقة تمليك المال إلى الغير تبرعاً إلى أن يردّ مثله”(3) .
وجاء في الدر المختار:” هوما تعطيه من مالٍ مثلي لتتقاضاه “(4).
والمال المثلي يشمل: الحيوان والعرض التجاري.
المبحث الثاني: حكم الاقتراض من البنوك :
إنّ الفائده اذا أُشترطَت في القرض , حرم القرض إجماعا , ولحق الإثمُ المقرضَ والمقترضَ بل وكاتب الربا وشاهده على حد سواء ؛ لأنّه ما حرم أخذه حرم اعطاؤه.
ومن المعلوم أنّ عمل البنوك بالدرجه الأولى قائم على الإقراض والإقتراض بالفائدة الربويه.
فلا يقرض البنك زبائنه من باب الرفق والإحسان وانما من باب الربح والاستغلال .
ومن المقرر فقهياً: “انه كل قرض جر نفعاً فهو ربا”.
ففوائد القروض التي تتعامل بها المصارف في حالتي القرض والاستقراض إمّا أن تكونَ مندرجةً تحت أصل من أصول الربا , وهو ربا الجاهليه , وهو الزياده في الدين نظير التأخير في الأجل وإما أن تكون تلك الفوائد الربويه مندرجه تحت القرض بفائدة مشروطه , وسواء قلنا :ان هذه الفوائد مندرجه تحت ربا الجاهليه او القرض بفائده مشروطه ؛ فكلاهما محرم بالكتاب والسنه والإجماع.
هل الإقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج دار الإسلام يختلف عن حكم البنوك القائمة خارج ديار الإسلام ؟
اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسالة إلى قولين:
القول الأول: أن الاقتراض بالربا في غير دار الإسلام حكمه كحكم الاقتراض بالربا في دار الإسلام ،لا يباح إلا لضرورة متحققة.
وهذا ما ذهب إليه فضيلة أد.محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعه الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلاميه وأ.د.وهبه الزحيلي أستاذ الفقه بكليه الشريعه بجامعه دمشق وعضو عده مجامع فقهيه، وأ.د. عبد الله مبروك النجار أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعه الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلاميه، أ.د.محمود الطحان أستاذ الحديث بكليه الشريعه جامعه الكويت ؛ أ.د.علي الصوا أستاذ الحديث بكلية الشريعة بالجامعة الأردنيه، أ.د.شرف القضاه الأستاذ بالجامعه الأردنيه.
وهذا ما فهمته من رأيهم في حرمة الإقتراض من البنوك الربوية لشراء البيوت للمقيمين في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ،على اعتبار أن تملك البيت ليس من الضروريات(1) .
القول الثاني: أن حكم الاقتراض بالربا في غير دار الإسلام يختلف عنه في دار الإسلام .
وابرز من قال بذلك من المعاصرين هو فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقاء رحمه الله تعالى حيث أجاز الاقتراض بالربا في غير دار الإسلام ،إذا كان اخذ القرض منهم (أي من غير المسلمين ) وإعطاؤهم الربا أوفر لمال المسلم أي بمعنى إذا كان المسلم هو الغالب :وذلك تأصيلاً على مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى .
جاء في فتاوى الزرقاء(ص626 ): “إنّ مذهب أبي حنيفة وصاحبه الإمام محمد انه من دخل دار الحرب مستأمناً أي بإذن منهم يحل له من أموالهم ما يبذلونه له برضاهم دون خيانة منه،ولو كان بسبب محرم في الإسلام كالربا أن يأخذه منهم ولكن لا يعطيهم الربا ، لانّ أموال الحربين عنده في دارهم غير معصومة لكنه دخل مستأمنا, فلا يجوز له اخذ شيء منها دون رضاهم ؛لكن منعه من إعطائهم الربا إنما هو لتوفير مال المسلمين عنهم ، فإذا انعكست الآية في بعض الأحوال وصار اخذ القرض منهم وإعطاؤهم الربا أوفر لمال المسلم ،يجب أن ينعكس الحكم ،لان الحكم يدور مع علته ثبوتا وانتفاء …فيكون ذلك جائزا …وليس المراد بدار الحرب في اصطلاح الحنفية أن يكونوا في حالة حرب قائمه بينهم وبين المسلمين ،بل المراد بدار الحرب أنها غير إسلاميه بل مستقلة غير داخله تحت سلطه الإسلام(1).
وإنني أميل إلى قول الشيخ الزرقاء رحمه الله تعالى بجواز الاقتراض في غير دار الإسلام بالربا اذا كان المسلم هو الغالب بذلك ،أو إذا دعت إلى ذلك حاجة مسوغة والحاجة تنزل منزلة الضرورة كما هو معلوم لدى الأصوليين .
والحاجة في المفهوم الأصولي: عبارة عن حاله يكون معها الإنسان في حالة من الجهد والمشقة التي لا تؤدّي به إلى الهلاك إذا لم يتناول المحرم شرعا ؛فهي إذن دون الضرورة في المرتبة ، ذلك أن الضرورة هي بلوغ حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب على الهلاك .
* إلا أنني لا أوافق فضيلته باعتبار كل دولة غير داخلة تحت سلطة الإسلام دار حرب, وقد سبق بيان مفهوم دار الإسلام ودار العهد ودار الحرب في هذا البحث فليرجع إليه.
وبذلك يتبيّن أنه يشترط لجواز الاقتراض من البنوك الربوية للمقيمين بغير ديار الإسلام إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن تدعو حاجة مسوّغة للاقتراض بالربا, وذلك بان تكون الشدة الباعثة على الاقتراض بالغة درجة من الحرج والمشقة غير المعتادة, على أن يلاحظ في تقدير الأمور الداعية إلى الاقتراض بالربا حالة الشخص المتوسط العادي, وأن تكون الحاجة متعينة, بمعنى ألاّ يكون سبيل آخر من الطرق المشروعة يمكن التوصل من خلالها إلى الغرض المقصود.
ولعلّ من نافلة القول أن نذكر أنّه لا يجوز للناس تناول الحرام لمجرد الشعور بالحاجة وليس لهم ذلك إلا أن يعجزوا عن التخلص من وطأة الحاجة بالوسائل المشروعة أصلاً مع الأخذ في الاعتبار أنّ ما أجيز للحاجة يقتصر فيه على موضع الحاجة فقط, ولا يجوز تجاوزه والزيادة عليه, لأن الحاجة تقدر بقدرها كالضرورة.
فإن قيل إن الذي يبيح الربا الضرورة…أما الحاجة فلا استدلالاً بقول الشافعي في ” الأم “: ” وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات من خوف تلف النفس فأمّا غير ذلك فلا أعلمه يحل بالحاجة، والحاجة فيه وغير الحاجة سواء”(1) .
وكذلك بما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر: ” الضرورة هي بلوغه حداً إن لم يتناول هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام, والحاجة كالجائع لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه في جهد ومشقة وهذا لا يبيح الحرام”(2) .
قلت: إن ما حرم لذاته لا تبيحه الحاجة وإنما تبيحه الضرورة فقط وما حرم سداً للذريعة تبيحه الحاجة ،
وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين: “ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة كما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المحرم” (3) .
وقال “ابن تيمية” رحمه الله تعالى: “قد يباح للمصلحة ما حرم سداً للذريعة “(4).و إن أكل الربا محرم لذاته فلا يباح إلا عند وجود الضرورة المتحققة كالإكراه الملجيء أو الخوف على النفس من الهلاك…أما إيكال الربا فحرام سداً للذريعة لذا تبيحه الحاجة, والمقترض بالربا لا يأكل الربا وإنما يوكله.
وفي ذلك يقول أ.د. يوسف القرضاوي: “إنّ أكل الربا محرم لذاته فلا يباح أكل الربا إلا لضرورة وأما إيكال الربا وكتابته والشهادة عليه محرم لسد الذرائع فيباح للحاجة, ومن المقرر فقهياً : ” أن ما حرم لذاته يباح للضرورة وأن ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة “(5) .
وقال “الشيخ شلتوت” رحمه الله تعالى: “وإني أعتقد أن ضرورة المقترض وحاجته يرفع عنه إثم ذلك التعامل لأنه مضطر أو في حكم المضطر, وقد صرح بعض الفقهاء فقالوا: يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح وإذا كان للأفراد ضرورة فإن للأمة ضرورة أو حاجة كثيراً ما تدعو إلى الإقتراض بالربح, فالمزارعون تشتد حاجتهم في زراعتهم وإنتاجهم إلى ما يهيئون به الأرض للزراعة, والحكومة تشتد حاجتها إلى مصالح الأمة العامة ولا شك أن الإسلام الذي يبني أحكامه على قاعدة اليسر ورفع الضرر ويعمل على العزة والتقدم وعلاج التعطل يعطي للأمة في شخص هيئاتها وأفرادها هذا الحقّ، ويبيح لها أن تقترض بالربح تحقيقاً لتلك المصالح التي بها قيام الأمة وحفظ كيانها وتقدير الحاجة يجب أن يرجع إلى رجال الاختصاص من القانونيين والاقتصاديين والشرعيين ولا يكون قرض إلا من جهة لا تضمر استغلالنا واستعمارنا ولولا الأمم الإسلامية تكاتفت على وضع أساس اقتصادي يحقق مصالحنا ويقيها شر التحكم الأجنبي لوجدت من مبادئ الإسلام الاقتصادية ما يجعلها في مقدمة الأمم اقتصاداً وقوة وحضارة “(1).
ثم إنّ الناظر في اجتهادات الفقهاء السابقين رحمهم الله تعالى في ضوء الخطط التشريعية التي رسمها الشارع لنا من خلال القواعد العامة يرى أن الضرورة في مجال المعاملات والعادات هي الحاجة وليست الضرورة التي يترتب على فقدانها الهلاك والاختلال للنظام العام وقد صاغ الفقهاء هذا الأصل بالقول إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ويتأكد هذا إذا كانت الحاجة عامة وهو ما يطلقون عليه عموم البلوى .
وأضرب على ذلك أمثلة من واقع فقهنا الإسلامي:
1- مشروعية بيع العرايا استثناءاً من بيع المزابنة للضرورة وذلك لرفع الحرج عن الناس مع أنها لم تصل إلى حد الهلاك.
والعرايا هي : “بيع الرطب على النخل خرصاً ( تقديراً) بتمر في الأرض كيلاً أو بيع العنب على الشجر خرصاً بزبيب في الأرض كيلاً” .
على الرغم من أن الأصل في بيع التمر بالرطب والعنب بالزبيب الحرمة وذلك لعدم تحقق المماثلة ممّا قد يؤدي إلى ربا الفضل، إلا أنه استثني بيع العرايا للضرورة, وهذا عند جمهور الفقهاء.
وصورة ذلك عند أبي حنيفة: ” أن يهب صاحب البستان لرجل ثمر نخلات معلومة من بستانه ثمّ يتضرر بدخوله عليه ( أي دخول الموهوب له ) فيخرصها ( أي يقدرها ) ويشتري رطبها ( أي صاحب البستان ) منه ( أي من الموهوب له ) بقدر خرصه بتمر معجل أي بقدر ما وهب له من الرطب بما يساويه تخميناً من التمر”(2) .
بكلمات أخرى: أي أن صاحب البستان يقدّر كمية الرطب التي على شجر النخل والتي وهبها لهذا الشخص ويعطيها بقدرها تمراً, مع العلم بأن هذا التصرف لا يجوز شرعاً لوجود نص صحيح صريح يمنع صحته, وهو ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزابنة “, والذي قد اعتبره الفقهاء من أنواع البيوع الربوية.
إلا أن الحنفية أجازوا بيع العرايا للضرورة استثناءً من الأصل, علما أن الضرورة بالمفهوم الأصولي التي تصل إلى حد الهلاك غير متحققة في هذه الحالة،وعلماً أن بيع الرطب بالتمر بيع ربوي محرمٌ بالنص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل الاختلاف.
وإنما رخص بذلك لتأذي وتحرج الواهب بدخول الموهوب له الأرض عند الحنفية, إذا دلّ ذلك على شيء فإنمّا يدلُّ على أن الفقهاء إذا أطلقوا لفظة الضرورة في باب المعاملات أُريد بها الحاجة, بل وذهب فريق آخر من العلماء إلى القول بأنّ بيع العرايا رخص به لحاجة الشهية وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية : “.. وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب “(2)
فإن قيل وجد نص من السنة يرخص ببيع العرايا فلا يمكن قياس غيره عليه:
قلت : أن هذا النص الذي استثنى بيع العرايا من المزابنة رسم لنا خطة تشريعية حتى نسير على سننها وعلى طريقها, في سائر المعاملات التي تدعو إليها الحاجة, وليس ذلك من قبيل القياس…
ثمّ إنّ فقهاء الحنابلة وقول للإمام مالك والشافعي أنّ القياس يجري في الرخص ، كقياسهم التعامل ببيع الزبيب بالعنب خرصا على التعامل ببيع التمر بالرطب خرصا بجامع عموم البلوى وحاجة التعامل .(3)
فما المانع من أن تقاس حادثة على حادثة بجامع عموم البلوى في كل منهما ، خصوصا وأنّ الأدلة العامة المثبتة لحجية القياس قد دلت بعمومها على أنّ القياس يجري في جميع الأحكام إذا توافرت أركانه وما يتعلق به من شروط لم تفرق تلك الأدلة بين حكم وحكم والرخصة من قبيل الأحكام الشرعية فتدخل في هذا العموم, والحوادث التي تعم بها البلوى من جملة الأمور التي يترخص فيها, فيصح إجراء القياس فيها…
لذا لا مانع عند تحقق الحاجة المعتبرة شرعاً من القول بجواز الاقتراض من البنوك لسداد هذه الحاجة, قياساً على بيع العرايا وهو بيع الرطب على الشجر بالتمر عن طريق الخرص والتقدير كما سبق وهو استثناءً من معاملة ربوية متفق على حرمتها وهو بيع الرطب بالتمر, حيث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد نهى عن بيع الرطب بالتمر وهو يسمى ببيع المزابنة عند العلماء وذلك لعدم تحقق المماثلة سداً للذريعة حتى لا يفضي إلى ربا الفضل الذي ثبتت حرمته بالسنة الصحيحة. فرخصت الشريعة السمحاء بيع العرايا لرفع الحرج والمشقة عن الناس, فلماذا لا نقيس الاقتراض من البنوك الربوية عند نزول الحاجة الخاصة أو العامة على بيع العرايا تأصيلاً على قول من يقول بجواز القياس في الرخص كالحنابلة.
2- ترخيصه صلى الله عليه وسلم بالسَلم, علما بأنه نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المعدوم, والسّلم ما هو إلا من هذا القبيل, فقد عرفه الفقهاء بأنه : ” عقد على موصوف بذمة مقبوض بمجلس عقد “(1) .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه تيسيراً على الناس وذلك لأنّ هذا البيع كان منتشراً في المدينة, وسند هذا الترخيص رفع الحرج عن الناس في أمر لهم فيه حاجة لا تصل إلى حد الضرورة والهلاك, وبهذا الاستثناء قد رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم منهج الترخيص في المعاملات المالية.
إذا دلّ ذلك على شيء فإنمّا يدلُّ على أن الفقهاء إذا أطلقوا لفظة الضرورة في باب المعاملات أُريد بها الحاجة .
3-مشروعية عقد الجعالة:الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام البنوك الاقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام CPA2 865697319
والجعالة هي: “التزام عوض معلوم على عمل معيّن أو مجهول عسُر علمه”(2).
وصورة ذلك: كأن يقول شخص: من ردّ عليّ دابتي أو متاعي الضائع فله كذا وكذا.
ومن المعلوم أن الجعالة عقد يحتمل الغرر والجهالة في العمل والمدة, ومن شروط الإجارة معلومية العمل والمدة, وهذا ليس بمتحقق في الجعالة, ومع ذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جوازها لأنّ الحاجة تدعو إليها, إذ لو قيل بعدم جواز التعامل بها لأدى ذلك إلى إلحاق المشقة العامة بالناس, إذ يعسر استغناؤهم عن العمل بالجعالة, وتعم بلواهم بذلك, فأبيح التعامل تيسيراً عليهم “(3).
وفي ذلك يقول ابن رشد : ” فإن الضرورة تدعو إلى ذلك أشدّ من القراض والمساقاة, والضرورة مستثناة من الأصول وقد مضى عمل المسلمين على ذلك في سائر الأمصار على قديم الأوقات والأعصار”(1).
4- أخذ الأجرة على الطاعات:
إنّ الأصل في كل طاعة عدم أخذ الأجرة عليها, فتعليم القرآن والأذان والإمامة مثلاً الأصل ألا يكون بأجرة ,ولكن نظراً لعموم البلوى, حيث يعسر الإستغناء عن تلك الطاعات والشعائر وكما يعسر القيام بها بلا مقابل لأنّ بذلك ضياع لهم ولعيالهم, وجدنا متأخري المذهب الحنفي يفتون بجواز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة وتعليم القرآن للضرورة (2) .
5 – مشروعية عقد الإستصناع(3) :
إنّ الأصل في البيوع عدم جواز بيع ما ليس عند البائع لورود النص في ذلك, إلا أنّ الفقهاء استثنوا عقد الاستصناع لأنّ الناس تعارفوا عليه وعمت به البلوى, وأصبح في منعه عسرٌ وحرج على الناس فيعمل بالنص الوارد في حرمة بيع الإنسان ما ليس عنده على عمومه ويُخصّ منه التعامل بالاستصناع للضرورة(4).
6 – جواز بيع الوفاء:
ويقصد ببيع الوفاء: ” التزام المشتري برد المبيع إلى البائع متى ردّ البائع إليه الثمن “(5) .
-حيث أنه من المعلوم أن كل شرط يشترط في العقد وفيه منفعة لأحد العاقدين أنه شرط مفسد للعقد لورود النهي عن بيع وشرط. إلا أننا وجدنا فقهاء الحنفية يقولون بجواز بيع الوفاء على الرغم من وجود منفعة لأحد العاقدين وهو البائع وذلك لحاجة الناس إلى التعامل به حتى عمت البلوى, وأصبح في منعه حرجاً شديداً.
وذلك لأنّ الناس أمسكوا عن إقراض أموالهم بلا منفعة ولو قيل بعدم جواز التعامل ببيع الوفاء لشق ذلك على من يريد الإنتفاع بالمال دون الوقوع في المراباة فيجوز حينئذ التعامل ببيع الوفاء دفعاً لتلك المشقة(1).
7 – جواز بيع الثمر إذا بدا صلاحه مع شرط إبقائه(2):
حيث أنّ الناس قد يحتاجون إلى بيع الثمر إذا بدا صلاحه مع شرط الإبقاء على الشجر, ونظراً لعُسر استغنائهم عنه حتى عمت به البلوى وصار متعارفاً عليه, ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد إلى جواز التعامل بذلك, علماً أن الأصل عدم جواز بيع وشرط, كما هو ثابت في السنة, إلا أنهم استثنوا بيع الثمر إذا بدا صلاحه مع شرط الإبقاء بسبب حاجة الناس إلى هذه المعاملة حتى عمت بذلك البلوى, كما بيّن الفقيه الحنفي محمد بن الحسن(3).
8 – جواز دخول الحمام من غير تقدير العين المستهلكة ومدة اللبث:
كما هو معلوم أن الأصل في عقد الإجارة معلومية مدة الإجارة والمعقود عليه.
إلا أنّ الناس في الزمن الماضي قد اعتادوا دخول الحمامات من غير تقدير لكمية الماء المستهلكة ولا بيان لمدة اللبث في الحمام, وفي ذلك جهالة في المدة والمعقود عليه, وكل ذلك كافٍ لإفساد هذه الإجارة, إلا أن الفقهاء قد أفتوا بجوازها نظراً للضرورة ولعموم البلوى بهذا العمل وتعارف الناس عليه, وفي منعه حرجٌ شديد ومشقة عليهم(1).
وفي ذلك يقول شبخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ” والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم, فكيف إذا كانت المفسدة منتفية ؟”(2) , أي أن ذلك أولى بالإباحة بناءً على مقتضى الحاجة.
ويقول أيضاً في موضع آخر : ” فكلّ ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية هي ترك واجب, أو فعل محرم لم يحرم عليهم, لأنّهم في معنى المضطر الذي ليس بباغ ولا عاد “(3) .
وقد ذكر بعض الفقهاء: أن الحاجة إذا عمت كانت كالضرورة(4) . أي في اعتبارها والحكم بالتيسير بناءً على مقتضاها.
ويقول د. يعقوب الباحسين : “…إذا بلغت الحاجة مبلغ الضرورة وذلك إذا عمت كما سبق- فإنه تجب مراعاتها والعمل بموجبها وإن اقتضت اباحة المحرم, ومخالفة الظاهر للنص”(5)…
وليس في استثناء ما عمت به البلوى ودعت إليه الحاجة معارضة أو مصادمة للنص الشرعي وإنما هو من قبيل تخصيص العام وتقييد المطلق, وذلك لأن مواقع الضرورة والحرج مستثناة من الأدلة العامة, وهذا كله خاضع لنظر المفتي في الوقائع برويةٍ وأمانةٍ وتبصر…وبكلمات أخرى: إن اعتبار المشقة يُقدّم على النص على سبيل الإستثناء وليس الإلغاء, وذلك في مواطن محددة محصورة تختلف بإختلاف الأفراد والأحوال…
وقد صرّح ابن الهمام باعتبار البلوى عند التعارض مع النص, حيث قال: ” وما قيل :أن البلوى لا تعتبر في موضع النص عنده(1) _ كبول الإنسان- ممنوعٌ بل تعتبر إذا تحققت بالنص النافي للحرج “(2) .
ويقول سعدي أفندي عند كلامه عن رعي الدواب حشيش الحرم الذي ثبت النهي عن قطعه بقوله صلّى الله عليه وسلّم عن حرم مكة : ” فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شوكه ولا ينفّر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها ولا يختلى خلاه “(3) .
– ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم : ( لا يعضد شوكه) : أي لا يقطع, وقوله ( ولا يختلى خلاه ) : أي لا يقطع ويؤخذ والخلا بفتح الخاء هو الرّطبُ من الكلأ ( العشب). فهذا نص صريح في حرمة قطع عشب الحرم, إلا أننا وجدنا من فقهاء الحنفية من يقول بجواز رعي الدواب لحشيش الحرم وذلك لعسر الاستغناء عنه, وفي منعه مشقة عامة تلحق أهل مكة والقادمين عليها للحج أو غيره.
جاء في حاشية سعدي أفندي على شرح العناية مع فتح القدير: ” فأين قولهم: مواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع, فلا يكون القطع بالمشافر(4) في معنى القطع بالمناجل(5) حتى يلحق به ” (6).
ومعنى كلامه: إن رعي الدواب حشيش الحرم مستثنى للضرورة من المنع الوارد في النص, واستثناؤه للضرورة يمنع من إلحاقه بقطع حشيش الحرم بالمناجل.
فكأن سعدي أفندي هنا يرى أن اعتبار المشقة مقدّم على النص على سبيل الاستثناء.
والمشهور عن الإمام مالك وهو المعوّل عليه: ” أن خبر الواحد يُردّ إذا كان معارضاً لقاعدةِ من قواعد الشرع ولم تعضده قاعدة شرعية أخرى”(1) .
وقد ذكر الشاطبي أن لذلك أصلاً في السلف, فقد ردت عائشة وابن عباس خبر أبي هريرة في غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء, وذلك استناداً منهما إلى أصل مقطوع به وهو رفع الحرج(2)…
فالذي يترجح إذن هو اعتبار العمل بالتيسير اعتباراً لعموم البلوى إذا عارضه نصّ, سواءً أكان النصّ ظنياً أم قطعياً, وذلك لأنّ اعتبار عموم البلوى قد ثبت بأدلةٍ كثيرة يحصل بمجموعها القطع باعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير, فإذا تحققت عموم البلوى في حادثة وكان ذلك معارضاً بنص ظني فإن العمل بعموم البلوى هو المعتبر, إذ أنّ ذلك من قبيل التعارض بين قطعي وظني, فيقدم القطعي, ويتأكد تقديم العمل بعموم البلوى إذا كان من قبيل الضرورة, فإن مواضع الضرورة مستثناة من نصوص الشرع: وكذلك يكون اعتبار عموم البلوى هو المقدّم عند التعارض مع النص القطعي وذلك لقطعية الأدلة الثابتة بشأن رفع الحرج وكثرتها(3)… وبناءً على ذلك فما المانع من القول بجواز الإقتراض من البنوك الربوية إذا دعت إلى ذلك حاجة ماسة أخذاً بقاعدة عموم البلوى ورفع الحرج التي سبق ذكرها,
فالنص الوارد في حرمة الإقتراض بالربا هو ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر, قال: ” لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آكل الربا وموكِلَهُ وكاتبه وشاهديه, وقال: هم سواء”(4) .
هذا نص عام ينبغي أن يقيد ويخصص بقواعد رفع المشقة والحرج وعموم البلوى الثابتة بالكتاب والسنة.
خصوصاً وأن لعن موكل الربا محرم لغيره ( أي سداً للذريعة) وليس لذاته كأكل الربا ,وذلك لأنه أعان على معصية وباطل, وفي ذلك يقول النووي رحمه الله تعالى: ” هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل”(1
ومعلوم أن ماحرم سداً للذريعة تبيحه المصلحة الراجحة عند الفقهاء كما سبق .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :” …إنّ المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أًبيح المحرم”(2.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: “ما حرم سداً للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة كما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المحرم”(3) .
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” قد يباح للمصلحة ما حرم سداً للذريعة”(4) .
ولكن يشترط لإعتبار عموم البلوى سبباً للتيسير في هذه الحالة ما يلي:
1 – أن تكون عموم البلوى متحققة لا متوهمة: بمعنى أن توجد المشقة والحرج فعلاً في حالة عدم الاقتراض, فإن كان يسهل الاستغناء عن الاقتراض من البنوك الربوية فلا يعتبر من قبيل عموم البلوى.
2 – ألا يكون الحرج والمشقة ناشئاً من تساهل المكلّف وتهاونه, فإن عموم البلوى لا يعتبر سبباً في التيسير في هذه الحالة….إنّما ينبغي أن تكون عموم البلوى من طبيعة الشيء وشأنه وحاله.
3 – أن يكون الترخص في حال عموم البلوى مقيداً بتلك الحال ويزول بزوالها: وهذا الشرط يدخل تحت قاعدة : “ما جاز لعذر بطل بزواله” .
4 – أن تخضع تقدير الحاجة إلى نظر المفتي في كل واقعة, وذلك حتى يطمئن المفتي من اعتبار الحاجة شرعاً لتوافر ضوابطها وشروطها.
-كما أنه يمكن أن يستدل على جواز الإقتراض من البنوك الربويّة عند الحاجة الماسّة أن الفقهاء المعاصرين تكاد تتفق كلمتهم على جواز الإيداع في البنوك الربوية خوفاً على المال من السرقة أو النهب عند عدم وجود البديل, ومعلوم أنّ الودائع البنكية ما هي إلا قروض من الزبائن للبنك(1), والبنك بدوره سيقرضها بالربا, وهذا ما قررته العديد من المجالس والمجامع الفقهية, فلماذا أجاز هؤلاء الإيداع في البنوك الربوية عند انعدام البديل ولا يجوزون الإقتراض عند الحاجة الماسة, ففي العمليتين إعانة على معصية, والفرق بين الحالتين: أنه في الإيداع يُقرِض الزبون البنكَ ويحصل على فائدة ربوية, وفي حالة الإقتراض, الزبون هو الذي يدفع الربا للبنك, ولا يخفى على ذوي البصائر أنّ أخذ الربا أشد حرمةً من إعطائه.
الحالة الثانية : أن يكون المسلم باقتراضه بالربا من هذه البنوك الربوية هو الغالب وليس مغلوباً, , فإذا اختلّ هذا الشرط فلا يصح الاقتراض حينها إلا للضرورة أو الحاجة الماسّة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفتوى خاصة للمقيمين بغير دار الإسلام, تأصيلاً على مذهب الإمام أبي حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن .
كما ينبغي أن يكون ذلك من قبيل الإفتاء الخاص المعيّن ولا يجوز الاعتماد عليه لإفتاء المجموع.
وممن ارتأى هذا الرأي أيضا من المعاصرين فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله تعالى, حيث أجاز الاقتراض من البنوك الربوية للمقيمين في غير دار الإسلام بشرط أن يكون القرض اوفر لمال المسلم وأربح له، كما سبق بيانه وتفصيله.
المبحث الثالث : ” تطبيقات معاصرة للاقتراض من البنوك الربوية“
أبيّن في هذا المبحث بعض التطبيقات المعاصرة لصور الاقتراض من البنوك الربوية.ومن ثمّ بيان الحكم الشرعي لكل صورة منها بعد عرضها على النصوص والمقاصد الشرعية.
وذلك وفق المطالب التالية:
المطلب الأول: الإقتراض من أجل بناء أو شراء بيت أو أرض.
المطلب الثاني: الإقتراض من البنوك الربوية لإقامة مشروع تجاري.
المطلب الثالث: الإقتراض من البنوك لتطوير المشروع التجاري .
المطلب الرابع: الإقتراض من البنوك لشراء سيارة.
المطلب الخامس: الإقتراض من البنوك من أجل تخفيض نسبة الضرائب.
المطلب السادس: الإقتراض من البنوك من أجل إثبات الأموال المستثمرة في المشروع .
المطلب الأول: “الاقتراض من أجل بناء أو شراء بيت أو أرض“.
والفرق بين الحالتين أنه في حالة الاقتراض الأولى(1) لا يرهن البناء للبنك بخلاف حالة الاقتراض الثانية , كما أنه في حالة الاقتراض الأولى تكون المدة أقل من حالة الاقتراض الثانية, بحيث تقدر مدة الاقتراض من أجل بناء البيت بمعدل 5-6 سنوات, لذا لا يتقاضى البنك إلا الزيادة الربوية, بينما في الحالة الثانية(2) يتقاضى البنك إضافة للزيادة الربوية ما يسمى بإضافة غلاء المعيشة.
وذلك لأنّ مدتها طويلة بحيث يصل إلى عشرين سنة فأكثر, كما أن البنك في حالةالإقتراض الثانية يلزم المستقرض بتأمين الحياة.
فما هو حكم الاقتراض من البنوك لبناء بيت أو شراء أرض أو بيت؟
للإجابة على هذا السؤال لا بدّ أولاً من بيان هل تملك المسكن من الضروريات أم من الحاجيات أم التحسينات, ومن ثمّ ما هي المزايا المالية التي تعود على المسلم بسبب هذا الاقتراض أي هل بذلك وفرة لمال المسلم عن غير المسلمين؟!
الجواب-السكن من الضروريات ولكن تملّك السكن من قبيل الحاجيات…
وذلك لأنّ الضروريات هي الأمور التي لا بدّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا, بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة , بل على فساد وتهارج وفوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.
وبيّنَ الشاطبي أنّ مجموع هذه الضروريات خمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل(3).
ولا شك أنّ السكن يدخل في مجال الضروريات, وذلك لأنّ نوم الإنسان في العراء بدون مسكن يسكنه هو وزوجته وأولاده لا يجعله بمنأى عن الاعتداء عليه في حياته أو عرضه أو ماله إلا إذا كان في ليلهِ يقظاً مستعداً بسلاحِه لصد اللصوص ومقاتلة المعتدين, وتكون حياة الفرد في هذه الحالة حياة غير مطمئنة, وإنما في حال استنفار دائم لصدّ الخطر أثناء الليل عن نفسه وعرضه وماله وأولاده, والمسكن إحدى الوسائل المؤدية إلى حفظ الضروري فيكون هو الآخر ضروريا, وقد صرح بهذا الإمام الشاطبي عندما تكلم عن الضروريات التي لا بدّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا, وهي حفظ الدين والنفس والعقل.. وذكر المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات, وهي المساكن (1) .
ولكن هل تملك البيت من الضروريات أم الحاجيات أم التحسينات؟
نستبعد أن يكون تملك المسكن داخلاً في مرتبة التحسينات, فليس تملك المسكن ترفاً أو شيئاً كمالياً يمكن الاستغناء عنه بلا مشقة أو حرج.
كما أنّ تملك المسكن ليس داخلاً في مرتبة الضروريات لأنّ عدم التملك لا يؤدي إلى الفساد أو التهارج أو فوت الحياة في الدنيا , وذلك لأنّ الضرورة كما سبق حالة استثنائية طارئة من الخطر أو المشقة الشديدة التي تقع على المكلف في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله…
ولكن في المقابل عدم التملك للسكن قد يلحق بالشخص نوعاً من الحرج الاجتماعي أو المالي…
وذلك لأنّ التملك يجعل الشخص أصفى ذهناً وأكثر استقراراً بحيث يختار الشخص المكان المناسب الذي يريد السكن فيه في الموقع الذي يحدده بإرادته وهو ما لا يتاح عند البحث عن مسكن للإيجار غالباً.
ولا شك أنّ استقرار المسلم في منطقة ذات نسبة عالية من الأمان أو بالقرب من مدارس أو جيرة ذات مستوى متقدم من العوامل المعينة له على تهيئة ظروف معيشية أفضل له ولأولاده مما قد يعينه على أنّ يعيش بإسلامه وأن يوجه طاقاته لخدمة الكيان الإسلامي الذي يعيش فيه.
كما أنّ تملك المسكن يعطي فرصة أكبر للأسرة المسلمة بزيادة عددها, بخلاف فيما لو كان مستأجراً فإنّه سيتقيد بحجم البيت وبالمصاريف الشهرية.
كما أنّ الشخص قد يجد صعوبة في بعض المناطق في الزواج وذلك لعدم قبول بعض الفتيات أو أوليائهن بتزويج من يسكن ببيت مستأجر, مدعياً أنّه يريد أن يؤمّن مستقبل ابنته, مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى بعض الشباب, الأمر الذي قد يساعد على انتشار الرذيلة والفساد.
وفي حالة الموافقة على السكنى ببيت مستأجر فإنها تكون بالغالب موافقة مشروطة على أن يبني بعد فترة وجيزة من زواجه, وفي العادة يصعب على الشاب أن يوفّق بين التزاماته الأسرية وبين تهيئة المسكن الذي وعد به الفتاة أو وليها قبل الزواج, مما يؤدي إلى نشوب بعض الخلافات أحياناً بين الشاب والفتاة أو بين الشاب ووليها بحيث قد تولِّدُ هذه الخلافات خلافات أسرية أخرى قد تكون ضحيتها في نهاية المطاف الأسرة بكليتها, ولعلّ الأمر يكون أكثر تعقيداً فيما لو كان هنالك أطفال لهذه الأسرة فيتجرعوا بذلك مرارة الأزمة بين ربيّ الأسرة.
وفضلاً عن ذلك إن هنالك بعض المزايا المادية التي قد يجنيها الشخص من وراء الاقتراض, منها:
أنّ قسط الإيجار في كثير من الأحيان يكون مساوياً أو أكثر من القسط الملزم بدفعه شهرياً للبنك, فلو أنّ شخصاً استقرض من البنك مبلغاً يقدّر بـ 80000 دولار لبناء بيت، فإنه يلزم بدفع 500 $ شهرياً للبنك وبالمقابل لو أراد أن يستأجر بيتاً فإنّه يحتاج إلى ما يساوي المبلغ نفسه, ولكن الفرق بين الحالتين أنّه في الحالة الأولى ” وهي الإقتراض” أنه بعد عشرين عاماً يكون مالكاً للبيت, وفي الحالة الثانية يبقى مستأجراً رغم أنه في الحالتين بعد عشرين عاماً يكون قد دفع المبلغ نفسه.
كما أن إحساس المالكِ بملكية بيته يزيده حفاظاً عليه وتحسيناً له واضافة عليه مما يزيد من قيمته المادية إذا ما أراد بيعه، بخلاف الإيجار فإن المستأجر يبخل في كثير من الأحيان على تحسين ظروف البيت وتطويره بل قد لا يسمح له القيام بذلك.
وهنالك أمر في غاية الأهمية وهو يتعلق بمسألة وقضية أساسية لفلسطيني الداخل وعلى وجه الخصوص أهل المدن الساحلية كحيفا وعكا ويافا الذين يضيّق عليهم بقصد إخراجهم من هذه المدن, حيث أنّ هنالك العديد من أهل هذه المدن اضطرتهم ظروف المعيشة الخروج إلى القرى والبلدان المجاورة بحثاً عن أرض أو بيت يمتلكونه, وذلك لأنه يتعسر عليهم تملك البيوت في تلك المدن بسبب ارتفاع أسعارها بالمقارنة مع أسعار البيوت في البلدان الأخرى.
فالمسلم المقيم في هذه المدن الساحلية بين ثلاثة أمور: إما أن يبقى طيلة عمره مستأجراً ولا يدري ما الذي يدخره له الدهر فقد يأتي عليه يوم لا يستطيع فيه دفع الأجرة الشهرية المستحقة فأين سيلقي حينها بأهله وأولاده؟! وإمّا أن يخرج من مدينته إلى القرى والبلدان الأخرى لأن إمكانياته المادية تسمح له بشراء أرض أو بيت هنالك وإما أن يبقى في مدينته ويقترض بفائدة ربوية وبذلك يحافظ على هوية وجوده في تلك المدن المختلطة التي يقطنها اليهود والمسلمون, بل المسلمون قد يكونوا فيها أقلية, ليكثر بذلك من الوجود الإسلامي.
وبعد ما تقدم من المعطيات السابقة, هل تعتبر تلك المعطيات والظروف مسوغّة للإقتراض من البنوك الربوية لغرض شراء البيت وبنائه أم لا؟
إنّ تعميم القول بأنّ الاقتراض من البنوك لتملك البيوت من قبيل الحاجات له خطورته كما أنّ القول بعدم الجواز على إطلاقه قد يلحق الحرج والمشقة ببعض الأشخاص أحياناً.
لذا أرى أنه يجوز الإفتاء الخاص وللمعيّن بالإقتراض الربوي لشراء البيوت لغرض السكن فقط.
بمعنى أن الإقتراض قد يباح لبعض الأشخاص دون البعض الآخر, ومن المقرر فقهياً أنّ الفتوى تقدّر بالشخص والزمان والمكان , فالفتوى تختلف باختلاف الاشخاص والزمان والمكان.
وبناءً على ذلك يمكن القول ما يلي:
1 – أن الأصل في الاقتراض من البنوك الربوية لغرض بناء أو شراء البيوت الحرمة.
2- يجوز في حالات خاصة يقدّرها المفتي الاقتراض لهذا الغرض ( السكن ) إذا تيقن المفتي من حاجة المستفتي الماسّة للإقتراض, وذلك بأن يجد المستفتي حرجاً مادياً أو اجتماعياً مُلحاً في الاستئجار.
وهذا ما توصل إليه مجلس الإفتاء الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الرابعة في مدينة بدبلن بأيرلندا في الفترة من 18-22 رجب 1420هـ الموافق 27-31 أكتوبر 1999م.
وما توصل إليه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث هو ما تبناه المؤتمر الفقهي الأول للمجلس الفقهي التابع لرابطة علماء الشريعة بأمريكا الشمالية المنعقد في مدينة ديترويت بولاية ميتشاجن في الفترة ما بين 10-13 شعبان 1420هـ الموافق 19-22 نوفمبر 1999م .
المطلب الثاني :”الاقتراض من البنوك الربوية لإقامة مشروع تجاري“:
هذه المسألة تختلف باختلاف طبيعية المشروع الذي من أجله تمّ الإقتراض .
حيث أنَّ هنالك البعض يقترض لإقامة مشروع من أجل ممارسة عمله على أرض الواقع, كطبيب يقترض لشراء المعدات اللازمة لممارسة عمله كطبيب مثلاً وذلك نظراً لغلاء المعدات الطبية, بحيث لا يقوى على شرائها إلا الموسرون, وفي الغالب طبيبٌ أفنى سنواتٍ عديدة من عمره في الدراسة والتعليم, لا يستطيع شراء مثل هذه المعدات الباهظة الثمن, وأنّى له ذلك وهو لم يكوّن ويؤسّس نفسه بعد, وحتى يؤسس نفسه لا بدّ أن يزاول مهنته وهو لا يستطيع أن يزاولها إلا إذا كانت لديه المعدات اللازمة ولا يتأتى ذلك له إلا بالاقتراض…ففي مثل هذه الحالة وأشباهها لا أرى بأساً بالاقتراض, ولكن شريطة أن يستنفذ أولاً الطرق المباحة والمشروعة التي يمكن من خلالها تحصيل المبلغ المطلوب…
فإذا رأى بعد ذلك أنّه لا يستطيع تحصيل المبلغ أو تجميعه خلال مدة قصيرة ولم يكن لديه من الأملاك ما يمكنه الاستغناء عنه مقابل شراء ما يحتاجه لمزاولة مهنته, فله أن يلجأ إلى البنك كآخر وسيلة لتحقيق حاجته, كما أنني أرى أن ذلك كله يعود إلى تقدير المفتى بحسب كل حالة وأخرى. .
وأما إذا كان الاقتراض لإقامة مشروع عمل جديد إضافي لمشروع عمله لتوسيع مرافق حياته ومعيشته فلا يجوز الاقتراض من البنوك الربوية لذلك: لعدم تحقق الحاجة الشرعية, كأجير مثلاً يعمل على آلة معينة كسيارة بالأجرة يريد الاقتراض ليتحول الى مستقل, فلا يجوز شرعاً له الإقتراض بالربا .
المطلب الثالث: الإقتراض من البنوك لتطوير المشروع التجاري:
وهذا التطوير امّا أن يكون لملاحقة السوق واما أن يكون لتغطية النقص في السيولة. وهذا النقص غالباً نابعٌ عن سوءِ الإدارة, كأن يبيع الشخص بالدين ويدفع نقداً للتجار, فيحتاج لمال لتمويل الزبائن بالمبيعات, مما يضطره إلى اللجوءِ للبنك من أجل الإقتراض لشراءِ المبيعات اللازمة من التجار.
وإن هذا الإِقتراض بغض النظر عن السبب الدافع إليه سواء ملاحقة السوق أم تغطية النقص في السيولة, فإنه من جهة النظر الشرعية محرم, وينبغي على التاجر أَن يضبط حساباته التجاريّة وذلك عن طريق الموازنة بين مبيعاتِه بالتأجيل وبين استطاعته المالية.
ثم إن هنالك العديد من المجالاتِ والإمكانيات لتطوير المحل التجاري وذلكَ عن طريق عقد المضاربة مثلا .
وفي ذلك يقول الأستاذ المودودي رحمه الله تعالى: ” …وكذلك استجماع الكماليات أو تهيئته المال لترقية التجارة ليس بأمر ضروريّ فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبّر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة”.
وقد سُئل أ.د. يوسف القرضاوي حول هذه المسألة فأجاب بالمنع, حيث جاء في فتاوى معاصرة:
“…أما الاقتراض من البنوك بالفوائد فهو حرام قطعاً لأنه ربا الذي لعن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه, ولا يحل مثل هذا الحرام القطعي إلاّ لضرورة, مثل الحاجة إلى القوت للأولاد والكسوة الضرورية لهم وعلاج المريض الذي يخشى عليه من تفاقم المرض ونحو ذلك. أما التوسع في التجارة فليس ضرورة يباح لها مثل هذا الحرام الذي آذن القرآن أصحابه بحرب من الله ورسوله(1).
المطلب الرابع:”الاقتراض من البنوك لشراء سيارة“:
إنّ السيارة وإن كانت من الحاجات الأساسية للإنسان إلا أنّه لا يمكن القول بجواز الإقتراض بالربا بصورة مطلقة مطردة, فتعميم الحكم على جميع الأحوال والظروف ليس سديداً. وذلك لأن هذه الحاجة يمكن دفعها بوسائل مباحة عديدة.
فبإمكان الشخص خلال فترة قصيرة من الزمن أن يوفر ثمن سيارة تفي باحتياجاته وبذلك يستغني عن البنك الربوي.
كما أن تجار السيارات اليوم على استعداد لبيع سيارات عن طريق الأقساط, فما يفعله بعض الناس من اللجوء إلى البنك لشراء سيارة من الوكالة أو الشركة أو لتجديد سيارةٍ إنما هو من قبيل الكماليات والتحسينيات التي لا تسوّغ الاستقراض بالربا…ومن يقدم على ذلك فإنه آثم.
وقد عُرض على المجمع الفقهي الإسلامي سؤالاً فيما يتعلق بشراء منزل السكن وسيارة الاستعمال الشخصي وأثاث المنزل بواسطة قروض البنوك والمؤسسات التي تفرض ربحاً محدداً على تلك القروض لقاءَ رهن الأصول, علماً بأنه في حالة البيوت والسيارات والأثاث عموماً يعتبر البديل عن البيع هو الإيجار بقسط شهري يزيد في الغالب عن قسط الشراء الذي تستوفيه البنوك؟ فكان جواب مجلس المجمع الفقهي: لا يجوز شرعاً( قرار رقم: 23 ( 11/23 ) .
المطلب الخامس: “الاقتراض من البنوك من أجل تخفيض نسبة الضرائب”
وصورة ذلكَ أن يستقرض من البنك ومن ثم يودع المبلغ المقترض في صندوق استكمال ومقابل المبلغ المودع في صندوق الاستكمال يحصل الزبون على استرجاع مبلغ معيّن من الضرائب.
فلو أودع شخص مثلاً في صندوق الاستكمال(13,000 $), وكان ربحه السنوي 100,000 $ , فإنه يدفع لسلطات الضرائب فقط عن 87,000 $.
الحكم الشرعي لهذه العملية:
لا تجوز هذه العملية شرعاً لوجود بدائل حسابية مباحة يمكن تنسيقها مع محاسب حاذق مؤتمن.
وذلك لأنه فضلاً عن أن هذه المعاملة ربوية , فإن الشخص في حالة إيداع المال في صندوق الاستكمال لا يستطيع أن يخرجها قبل انتهاء الفترة إلا إذا خصم 35% من المبلغ.
كما أن الشخص لا يعلم أين تستثمر هذه الاموال، فقد تستثمر في جهات غير مشروعة أو معادية للاسلام.
– ولكن إذا تعيّن الأمر بأن لم توجد وسيلة أخرى مباحة فبإمكان المسلم اللجوء إلى مثل هذه المعاملة طالما أنّ في ذلك وفرةً لمالهِ عن غير المسلمين وطالما أن المعاملة تتم خارج دار الإسلام, وذلك بأن يكون المبلغ المدفوع على القرض كربا أقل من المبلغ المدفوع لسلطة الضرائب, على أن يكون ذلك في حالات فردية مخصصة يُقدّرها المفتي مع استشارة أحد المحاسبين الثقات.
المطلب السادس: الإقتراض من البنوك لأجل اثبات الأموال المستثمرة في المشروع:
وصورة ذلك أن يستقرض شخص من البنك من أجل تغطيته من المساءلة القانونية من أين لك هذه الأموال التي استثمرتها في تطوير المشروع، فيلجأ الى الاستقراض من أجل أن يثبت لهم أنه استقرض هذا المبلغ من البنك, علماً أنه استثمره من أمواله الخاصة غير المصّرح عنها قانونياً أو مثلاً شخص يربح مبلغاً كبيراً ويصرح عن مبلغ لا يكفي للمعيشة, فيلجأ الى الاقتراض وذلك حتى يخفف من نسبة الضرائب التي يدفعها .
وذلك لأن المجموع الكلي للربا الذي يجب دفعه أقل من المبلغ الذي يجب دفعه لسلطات الضرائب.
الحكم الشرعي لهذه العملية:
إنّ هذه العملية وان كان فيها وفرة لمال المسلم, فإنها لا تجوز شرعاً لوجود بدائل حسابية أخرى يمكن تنسيقها مع محاسب حاذق مؤتمن.
وإذا قرر هذا المحاسب عدم وجود بديل سوى الإقتراض من البنوك, فإنه يجوز الإقتراض طالما أن بذلك وفرة لمال المسلم .
النتائج والتوصيات:
لقد توصلت في هذا البحث إلى النتائج التالية:
1-أنّ ربا القروض محرم بالكتاب والسنة والإجماع, بل هو من السبع الموبقات…
2-أنّ الربا مضرٌ للبشرية ومدّمر للمجتمعات الإنسانية على الصعيد الديني والاجتماعي والاقتصادي.
3-يختلف الربا عن الربح اختلافاً جوهرياً, حيث أنه في حالة الربا المال يلد المال, بينما الربح ثمرة جهد وعمل وتحمل خسارة ومخاطرة…
4-دار الإسلام هي التي تحكم بشريعة الإسلام.
5-دار الكفر هي التي لا تحكم بشرع الإسلام, وليست شعائر الإسلام الطابع العام لها.
6-تتحول دار الإسلام بالإحتلال إلى دار حرب.
7-إن تلازم مصطلح دار الكفر ودار الحرب في العبارات الفقهية القديمة يرجع إلى طبيعة الحالة السياسيّة لعلاقة الدولة الإسلامية مع ديار غير الإسلام حيث كانت في حالة حرب واقعة أو متوقعة.
8- تعتبر الدول العربية هي ديار الإسلام, على الرغم من أنها تحكم بغير شريعة الإسلام, وذلك لظهور شعائر الإسلام فيها من الآذان والصلاة والمساجد والزواج…
9-كلّ دار حرب هي دار كفر وليست كل دار كفر هي دار حرب.
10-ليس من الضروري أنّ البلاد التي لا تحكم بشرع الإسلام أن تكون بلاد حرب, كما هو متصوّر لدى البعض…
11-يََحرمُ الإقتراض من البنوك الربويّة ولو في غير ديار الإسلام إلا لحاجة ماسة تقدر بقدرها وعلى ألاّ يكون سبيل آخر من الطرق المشروعة يمكن التوصل من خلالها إلى الغرض المقصود…
12-يجوز في حالات ضيقة في دار الحرب الإقتراض من البنوك إذا كان المسلم هو الغالب, ولا بدّ في هذه الحالة من عدم وجود بديل للبنوك الربوية واستشارة أهل الشرع والإختصاص الثقات, بأنّ في الاقتراض وفرةٌ لمال المسلم…وليس هنالك سبيل مباح سوى البنك, وذلك تأصيلاً على مذهب أبي حنيفة.
13-الحاجة هي حالة يكون معها الإنسان في حالة من الجهد والمشقة…إذا لم يتناول المحرم شرعاً..
14-الضرورة هي: ما لا بدّ منه في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة…بل على فساد وتهارج وفوت حياة…
15-التحسينيات: هو ما استحسن عادة لحفظ المصالح دون احتياج بالمعنى السابق للحاجة.
16- إذا أطلقت كلمة الضرورة في مجال المعاملات والعادات أريد بها الحاجة.
17- يحرم الإقتراض من البنوك لبناء أو شراء بيت إلا إذا وجدت حاجة ماسة, بحيث يلحق بالمسلم المقيم في غير ديار الإسلام حرج ومشقة شديدة بغير تملكه للبيت, على ألا يكون هنالك بديل مباح غير البنك, وعلى أن يكون ذلك بحدود حاجة الفرد وضرورياته الأساسية..وأن تكون الفتوى من قبيل الإفتاء الخاص المعيّن.
18- يُقاس على الاقتراض لبناء أو شراء البيوت كل ما تدعو الحاجة إليه إذا كانت شروط وضوابط الحاجة متوفرة وإذا كانت الحاجة حقيقية لا متوهمة…كطبيب يقترض لشراء المعدات اللازمة لممارسة عمله كطبيب , شريطة أن يستنفذ أولاً الطرق المشروعة التي يمكن من خلالها تحصيل المبلغ المطلوب.
19- لا يجوز الإقتراض من البنوك لتطوير المشروع التجاري أو لشراء سيارة وغيرها من الكماليات إلا إذا كان المسلم مقيماً خارج ديار الإسلام وفي الاقتراض وفرةً لمالِهِ وليس هنالك بديل سوى البنك الربوي, وذلك بعد مشاورة أهل الإختصاص الثقات…
20- لا يجوز الإقتراض من البنوك الربويّة من أجل تخفيض نسبة الضرائب إلا لمسلم مقيم خارج ديار الإسلام وليس هنالك بديل سوى البنوك الربويّة بعد مشاورة أهل الخبرة والإختصاص …على أن يكون ذلك في حالات فردية وبأن يكون المسلم هو الغالب…
21- لا يجوز الإقتراض من البنوك الربويّة لإجل إثبات الأموال المستثمرة في المشروع إلا لمسلم مقيم خارج ديار الإسلام وليس هنالك بديل سوى البنوك بعد مشاورة أهل الإختصاص وعلى أن يكون بذلك وفرة لمال المسلم…
التوصيات :
1 – لا بدّ من المحاولة لإيجاد مصارف إسلامية , أو على الأقل إن تعذر ذلك فلا مانع من التعاون مع البنوك الربويّة من أجل فتح المجال أمام المعاملات المشروعة كعقد المرابحة والمضاربة والسلم وغيرها من البدائل الشرعيّة للقروض الربويّة…
2- التشجيع على إحياء طرق الإستثمار المشروعة ، من خلال بيانها وشرحها لرجال الأعمال والتجار ….
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…
–فهرس عام لأهم مصادر البحث –
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً: كتب التفسير:
أحكام القرآن : لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص, ت 370هـ, دار الفكر, دمشق.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل, القاضي ناصر الدين الشيرازي البيضاوي, مكتبة الجمهورية المصرية.
تفسير ابن كثير, اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي, طبعة الأندلس, بيروت, الأولى 1385هـ/1966م.
تفسير القاسمي, المسمّى : “محاسن التأويل” للعلامة محمد جمال الدين القاسمي, دار الفكر, بيروت, الطبعة الثانية, 1398هـ.
” جامع البيان في تفسير القرآن” , لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري.
تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن ) , للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي, طبعة دار الكتب المصرية.
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل, لأبي القاسم جاد الله محمود بن عمر الزمخشري.
في ظلال القرآن, سيد قطب, دار الشروق, القاهرة, بيرزت, 1998م.
كتب السنة:
ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل- لناصر الدين الألباني- طبعة المكتب الإسلامي- دمشق وبيروت- الأولى.
10 – “سنن ابن ماجه” : محمد بن يزيد بن ماجه, ت 275هـ, مطبعة عيسى البابي وشركاه, تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
11 – ” سنن أبي داود ” : أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني.
12- ” سنن النسائي” : أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.
13 – ” السنن الكبرى ” : للحافظ أحمد بن الحسين بن علي البيهقي.
14 – سنن الدارقطني: للحافظ علي بن عمر الدارقطني.
15 – صحيح البخاري: أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري, ت 256هـ.
16 – صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري, ت 261هـ.
17 – شرح النووي على مسلم, للإمام الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي.
18 – عون المعبود شرح سنن أبي داود, للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي.
19 – فتح الباري شرح صحيح البخاري, للحافظ الحجة أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
20 – الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد عبد الرحمن البنا, ط- دار الشهاب القاهرة- بدون سنة الطبع.
21 – فيض القدير شرح الجامع الصغير, للعلامة عبد الرؤوف المناوي.
22- مسند الإمام أحمد, للإمام أحمد بن محمد بن حنبل.
23 – المصنف في الأحاديث والآثار, للحافظ عبد الله بن محمد أبي شيبة.
24 – نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار, محمد بن علي الشوكاني, نشر رئاسة إدارة البحوث العلميّة والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية, 1402هـ.
25- نصب الراية لأحاديث الهداية, للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي.
26- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الثانية, 1402هـ.
27- معالم السنن شرح سنن أبي داود, للإمام أبي سليمان الخطابي البستي.
28- الموطأ, موطأ الإمام مالك : رواية يحيى بن يحيى الليثي, المتوفى سنة 234هـ.
ثالثاً:كتب الفقه: أ.فقه الحنفية
29- الإختيار لتعليل المختار, عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي, دار المعرفة, بيروت.
30- بدائع الصنائع, في ترتيب الشرائع, علاء الدين بن مسعود الكاساني, دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الثانية 1982م.
31- البحر الرائق شرح كنز الدقائق, للعلامة زين العابدين بن نجيم الحنفي المتوفى سنة 970هـ.
32- حاشية رد المحتار على الدر المختار, محمد أمين الشهير بابن عابدين, دار الفكر, بيروت.
33- الفتاوى الهندية, لجماعة من علماء الهند الأعلام في القرن الحادي عشر للهجرة حوالي 1070هـ.
34- شرح السير الكبير, للإمام عبد الله بن أحمد محمود النسفي والحنفي, دار الطباعة العامرة 1285هـ.
35- شرح فتح القدير على الهداية, للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي المعروف بابن الهمام.
36- المبسوط, للعلامة شمس الأئمة أبي بكر محمد السرخسي, الطبعة الثانية, دار المعرفة, بيروت, لبنان.
ب- كتب المالكية:
37- البيان والتحصيل, أبو الوليد محمد بن رشد, دار الغرب الإسلامي, بيروت 1986م.
38- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, للعلامة شمس الدين الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي, والشرح الكبير, للدردير, المطبعة الأزهرية, مصر, 1345هـ.
39- حاشية علي العدوي على شرح الخرشي, للعلامة علي الصعيدي العدوي المالكي, مطبوعة بهامش شرح الخرشي على مختصر خليل.
40- جواهر الإكليل شرح مختصر خليل, صالح عبد السميع الآبي, مصورة دار المعرفة, بيروت.
41- القوانين الفقهية, أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي, مطبعة النهضة الأميرية التونسية, 1344هـ.
42- المدونة الكبرى, رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس- مطبعة السعادة, 1323هـ.
ج- كتب الشافعية:
43- الأم, للإمام أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي, دار المعرفة, بيروت, لبنان, الطبعة الثانية 1393هـ.
44- الحاوي الكبير, لأبي الحسن الماوردي, دار الكتب العلميّة, بيروت, 1994م.
45- الأشباه والنظائر, لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى, 1403هـ.
46- تحفة المحتاج بشرح المنهاج, ابن حجر الهيتمي, دار الكتب العلمية, بيروت 2005م.
47- روضة الطالبين, للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي, المكتب الإسلامي, بيروت, لبنان.
48- الفتاوى الكبرى الفقهية, شهاب الدين أحمد بم محمد بن حجر الهيتمي, دار الكتب العلمية, بيروت, 1997م.
49- الفقه المنهجي, د. البغا ود. الخن.
50- المجموع شرح مهذب الشيرازي, للإمام أبي زكريا محيي الدين ابن شرف النووي, تحقيق وتعليق محمد نجيب المطيعي.
51- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, محمد بن محمد الشربيني الخطيب, دار إحياء التراث العربي, بيروت, 2001م.
52- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, شمس الدين الرملي, دار الكتب العلمية, بيروت, 2003م.
د- كتب الحنابلة:
53- الآداب الشرعية والمنح المرعيّة, أبو عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي.
54- الفروع, شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي.
55- المبدع في شرح المقنع, لأبي اسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي.
56- المغني على مختصر الخرقي, للعلامة أبي عبد الله بن احمد بن قدامة, ومختصر الخرقي, للعلامة أبي القاسم عمر بن حسين ابن عبد الله الخرقي, مكتبة الرياض الحديثة.
57- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل, لشيخ الإسلام علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي, الطبعة الأولى, 1378هـ, مطبعة السنة المحمدية, القاهرة.
هـ- الظاهرية
58- المحلى, للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم, دار الأوقاف الجديدة, بيروت.
و– مذهب الشيعة الزيدية
59- البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار, للإمام المجتهد المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى, الطبعة الأولى, مطبعة دار السعادة, مصر, 1947م.
ز– كتب فقهية مستقلة
60- الإشباه والنظائر, لأبي حفص سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري, المعروف بابن الملقن, الطبعة الأولى, 1417هـ.
61- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك, لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي, دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الأولى, عام 1332هـ.
62- المقدمات والممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات, لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد, دار الغرب الإسلامي, بيروت, الطبعة الأولى, 1408هـ/1988م.
63- المحصول في أصول الفقه, لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي, مؤسسة الرسالة, بيروت, الطبعة الثانية, عام 1412هـ/ 1992م.
64 – أحكام أهل الذمة, للعلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر قيم الجوزية, دار العلم للملايين, بيروت, لبنان.
65- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والراعية, لشيخ الإسلام احمد بن عبد الحليم بن تيمية, دار الكتاب العربي, بيروت.
66-القواعد النورانية الفقهية, لشيخ الإسلام ابن تيمية, مكتبة المعارف, الرياض, الطبعة الثانية, 1404هـ/1983م.
67- إعلام الموقعين عن رب العالمين, للعلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية, دار الجيل, بيروت, لبنان.
68- اقتضاء الصراط المستقيم, لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية.
69- رسالة نشر العرف ضمن مجموع رسائل ابن عابدين, لمحمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين.
70- شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول, لشهاب الدين أبي العباس أحمد إدريس القرافي, دار الفكر للطباعة والنشر, القاهرة وبيروت, الطبعة الأولى, عام 1393هـ/ 1973م.
71- مجموع فتاوى شيخ الإسلام, أحمد بن تيمية, الطبعة الثانية, مطابع دار العربية, بيروت.
كتب فقهية معاصرة
72- بيع المرابحة للآمر بالشراء, كما تجريه المصارف الإسلامية, أد. يوسف القرضاوي, مكتبة وهبة, جمهورية مصر.
73- الربا والقرض في الفقه الإسلامي, د. أبو سريع محمد عبد الهادي, دار الاعتصام.
74- الربا وأثره على المجتمع الإنساني,د . عمر سليمان الأشقر, دار النفائس, الطبعة الثانية, 1410هـ/1991م.
75- الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية, د. عمر بن عبد العزيز المترك, دار العاصمة للنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية, الطبعة الثالثة, 1428هـ.
76- عموم البلوى دراسة نظرية تطبيقية, مسلم بن محمد بن ماجد الدوسري, مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة الأولى, 1420هـ/2000م.
77- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية, د. صالح بن عبد الله بن حميد, دار الإستقامة, الطبعة الثانية, عام 1412هـ.
78- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية, د.يعقوب عبد الوهاب الباحسين, دار النشر الدولي, الطبعة الثانية, عام 1416هـ.
79- الربا, للشيخ أبي الأعلى المودودي, تعريب محمد بن عاصم الجواد- دعر الفكر- دمشق.
80- بحوث في الربا, للشيخ محمد أبو زهرة, دار البحوث العلمية, بيروت.
81- التدابير الواقية من الربا, د. فضل الهي, الطبعة الأولى, 1406هـ/ 1986م.
82- اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات , د. اسماعيل لطفي فطاني, دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع, جمهورية مصر العربية, الطبعة الثانية, 1418هـ/1998م.
83- أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي, د. عباس أحمد محمد الباز, دار النفائس, عمان, الأردن, الطبعة الأولى, 1418هـ/ 1998م.
84- أخطاء شائعة في البيوع, سعيد عبد العظيم , دار الإيمان, الإسكندرية.
85- تقسيم المعمورة في الفقه الإسلامي, عبد الله بن يوسف الجديع, من اصدارات المجلس الأوروبي للإفتاء, دبلن, 2007م.
86- الجامع في أصول الربا, د. رفيق المصري, دار القلم, دمشق, الطبعة الثانية, 1422هـ/2001م.
87- الفقه الإسلامي وأدلته, اد. وهبة الزحيلي.
88- الفتاوى من أحسن الكلام , للشيخ عطية صقر.
89- الفتاوى للإمام الأكبر, الشيخ محمود شلتوت, دار الشروق, مصر.
90- فقه التاجر المسلم وآدابه, د. حسام الدين عفانة, المكتبة العلمية, القدس.
91- معاملات البنوك من منظور إسلامي, أد. عبد الفتاح ادريس.
92- المدخل الفقهي العام, لمصطفى أحمد الزرقا, دار الفكر, الطبعة التاسعة, عام 1967م-1968م.
93- موقف الشريعة الإسلامية من البنوك , أد. رمضان حافظ عبد الرحمن, دار السلام, الطبعة الأولى, 1425هـ/2005م.
94- فتاوى معاصرة, د. يوسف القرضاوي.
95- القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية, أد. محمد عثمان شبير, دار الفرقان, الأردن.
96- المعاملات المالية معاصرة, أد. محمد عثمان شبير, دار النفائس, الأردن, 1422هـ/2001م.
97- فوائد البنوك هي الربا والحرام, د. يوسف القرضاوي, الطبعة الثالثة, 1415هـ/ 1994م.
98- فتاوى محمد رشيد رضا, جمعها وحققها د. صلاح الدين المنجد.
99- شراء البيوت عن طريق البنوك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية, أسامة عبد الرحيم علي سعيد, دار البيان, مدينة نصر, جمهورية مصر العربية.
100- نظرية الضرورة, أد. وهبة الزحيلي.
101- الوجيز في أصول الفقه, أد. عبد الكريم زيدان.
102- حكم ودائع البنوك وشهادات الإستثمار, أد. علي أحمد السالوس, مكتبة دار القرآن, قطر, الطبعة الرابعة عشر.
103- يسألونك, أد. حسام الدين عفانة.
104- فتاوى المعاملات الشائعة, د. الصادق عبد الرحمن الغرياني, دار السلام, القاهرة.
105- مقدمة في البنوك والنقود, محمد زكي شافعي.
106- مقالات في الربا والفائدة المصرفية, وهبي سليمان غاوجي, مؤسسة الريان, دار ابن حزم, بيروت.
107- حلول لمشكلة الربا, د. محمد أبو شهبة, مكتبة السنة, القاهرة.
المجلات والصحف
108- مجلة الإقتصاد الإسلامي, ربيع الثاني, 1409هـ/ نوفمبر 1989م, العدد 101.
109- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي.
110- قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
111- بيان من علماء الأزهر في مكة المكرمة للرد على مفتي مصر الذي أباح الربا.
كتب اللغة
112- أساس البلاغة, مطبعة أولاد أورفاند, 1372هـ.
113- لسان العرب المحيط, لابن منظور, دار لسان العرب, بيروت.
(1) رواه أحمد في مسنده, حديث ( 7054) , وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: إسناده صحيح.
(2) أنظر: [ إعلام الموقعين , (ج3/ ص14-15 ) ] .
(1) أنظر: [ إغاثة اللهفان , لابن القيم, ( ج1/ص346-349) ] .
(2) أنظر: [ محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء, ص257 ] .
(1) أنظر : [ المبسوط, للسرخسي , ج10/ ص144 ] .
(1) انظر الفتاوى الهندية ،( ج2/ 232)
2)انظر المدونة ، لسحنون ، (ج2/22)
3) انظر،الأم ، للشافعي ، (ج9 / 371 )
(1) أنظر : [ المبسوط, ج10/ ص114 ] .
(2) أنظر: [ الاداب الشرعيّة, ج1/ص213 ] .
(3) أنظر: [ أحكام أهل الذمة, ج1/ص266 ] .
(1) أنظر :[ المحلى , 11/200 ] .
1) أنظر : [ تقسيم المعمورة في الفقه الإسلامي , ص48 ] .
(1) أنظر: [ بدائع الصنائع, ج7/ ص130 ] .
(2) أنظر : [ المغني, ج5/ ص748, الشرح الكبير, ج3/ ص495 ] .
(3) أنظر : [ المغني, ج8/ ص138 ].
4) أنظر: [ حاشية الدسوقي , ج2/ص188 ] .
(1) أنظر: [ فتاوى الإمام العلامة الرملي بهامش الفتاوى الكبرى, لابن حجر الهيتمي, ج4/ ص52-54 ].
2) انظر : بدائع الصنائع ، للكاساني ، 7/131)
(1) أنظر: [ حاشية ابن عابدين, ج4/ص196 , البحر الرائق, ج6/ص135-136 ] .
(2) أنظر : [ شرح السير الكبير , ج4/ ص1410 ] .
(3) أنظر : [ شرح السير الكبير , ج4/ ص1486 ] .
(1) أنظر: [ الإنصاف, للمرداوي, ج5/ص53, الفروع, لابن مفلح, ج3/ص147 ].
(2) الأمان لغةً: ضد الخوف وأيضاً بمعنى الأمن والأمانة, أنظر: [ لسان العرب, ج13/ص21-22] , واصطلاحاً: ” عقد يفيد ترك القتل والقتال مع الحربيين” , أنظر: [ مغني المحتاج, ج4/ص236 ].
(3) أنظر: [ المغني, ج8/ص458, الإنصاف, للمرداوي, ج5/ص52 ] .
(4) أنظر: [ الإنصاف, ج5/ص53, الفروع, ج4/ص147 ].
(5) أنظر: [ روضة الطالبين, ج3/ص395, الأم, ج7/ص358-359, المغني, ج4/ص46, ج8/ص458, الفروع, ج4/ص147, الإنصاف, ج5/ص52, المحلى, ج8/ص514 ].
(1) أنظر: [ روضة الطالبين, ج3/ص395 ].
(2) أنظر : [ الإنصاف, ج5/ص52 ] .
(1) قال ابن حجر العسقلاني: لم أجده, لكن ذكره الشافعي ومن طريقة البيهقي. أنظر: [ الدراية في تخريج أحاديث الهداية, لابن حجر, ج2/ص158 ].
(2) أنظر: [ المجموع, ج9/ ص391 ].
(3) أنظر: [ المغني, ج4/ص46 ] .
(4) سورة البقرة , آية: 197 ].
(5) أنظر :[ المجموع , ج9/ ص391 ].
(1) رواه مسلم, ج15/ ص147 .
(2) أنظر: [ المبسوط, للسرخسي, ج10/ص28, ج14/ص57, أحكام القرآن, للجصاص, ج1/ص471 ].
(3) أنظر: [ تكملة المجموع للسبكي , ج10/ ص439 ] .
(4) أنظر :[ البحر الرائق, لابن نجيم , ج6/ص135, الإنصاف, للمرداوي, ج5/ص53 ].
(1) انظر: [ شرح فتح القدير , ج6/ ص178 ].
(2) أنظر: [ المجموع للنووي, ج9/ ص391, وتكملة المجموع, للسبكي, ج10/ص419 ].
(3) أنظر :[ مجموع فتاوى ابن تيمية, ج15/ ص126 ].
(4) سورة البقرة , آية: 275.
(5) سورة البقرة , آية: 278-279.
(1) سورة آل عمران, آية :130 .
(2) أنظر: [ البحر الزخار, أحمد بن يحيى المرتضى, ج4/ص340 ].
(3) رواه مسلم , حديث رقم ( 1598 ).
(4) رواه مسلم, حديث رقم (1585 ).
(5) أنظر: [ الأم, للشافعي, ج4/ص227, المبدع, ج4/ص157, المجموع, للنووي, ج9/ص391 ].
(6) أنظر : [ بدائع الصنائع, للكاساني , ج5/ ص192] .
(7) سورة النساء , آية: 161.
(1) أنظر : [ بدائع الصنائع, ج5/ ص192 ].
(1) أنظر: [ لسان العرب المحيط(3/ 59), مادة ( قرض )] .
(2) أنظر: [ مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ( 2/ 117 ) ] .
(3) أنظر: [ نهاية المحتاج, للرملي , ج3/ ص243 ] .
(4) أنظر:[ الدر المختار,( ج4/ص179 ) ] .
(1) أنظر: [ شراء البيوت عن طريق البنوك, أسامة عبد الرحيم, ص 163-165, ص 223-224, ص230, ص 346-348 ] , وذلك في مؤتمر رابطة علماء الشريعة في مدينة ديترويت بولاية ميتشجن/الولايات المتحدة/ 10-14 شعبان, 1420هـ الموفق 19-22/1999م .
(1) انظر :(فتاوى الزرقاء ،ص626).
(1) أنظر: [ الأم, للشافعي, ( 3/238 ) ] .
(2) انظر: [ الأشباه والنظائر, للسيوطي ,ص85 ].
(3) أنظر: [ إعلام الموقعين, ج2/ص161 ].
(4) مجموعة الفتاوى ( 29/237 ) .
(5) مقتبس من كلمة د. القرضاوي في لابيان الختامي في المؤتمر الفقهي الأول لرابطة علماء الشريعة في مدينة ديترويت بولاية ميتشجن بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة 10-14 1420/هـ الموافق 19-22-1999م , أنظر :[ شراء البيوت عن طريق البنوك , أسامة عبد الرحيم, ص245 ].
(1) أنظر: [ الفتاوى, للشيخ شلتوت, ص355 ].
(2) أنظر: [ مختصر الطحاوي, ص78, نيل الأوطار, ج5/ص201 ].
2 أنظر: (إعلام الموقعين ، 2/ 159 )
3- انظر : المغني ، (لإبن قدامة ، 6/128) ، الأم ، للشافعي ، ( 3/95) ، تكملة المجموع ، للنووي ، (13/ 107) ، شرح تنقيح الفصول ( 415 ) ، المحصول ، ( 5/ 394).
(1) أنظر: [ مغني المحتاج, ج2/ص102, كشاف القناع, ج3/ص276].
(2) أنظر: [ مغني المحتاج, ج2/ص429, كشاف القناع, ج4/ص225 ].
(3) أنظر : [ المغني, ( ج8/ ص323) ].
(1) أنظر: [ المقدمات الممهدات , ( 2/176 ) ].
(2) أنظر: [ الإختيار لتعليل المختار, ( 2/59, 60 ) , رد المحتار على الدر المختار ( 5/34-35 ) ].
(3) الإستصناع هم : ” عقد مع صانع على عمل شيء معيّن في الذمة” , أنظر: [ المجلة: م 124 ], أي العقد على شراء ما سيصنعه الصانع, وتكون مادة الصنعة والعمل من الصانع.
(4) أنظر: [ المدخل الفقهي العام, للزرقا ( 2/896) , عموم البلوى, للدوسري, ص397-398 ].
(5) أنظر: [ المدخل الفقهي العام ( 1/544-545 )] .
(1) أنظر: [ الأشباه والنظائر, ابن نجيم , ( 100/113) ,رسالة نشر العرف, لابن عابدين ( 2/120 ) ].
(2) أنظر: [ فتح القدير ( 5/489), بداية المجتهد (2/150-151 ) , تكملة المجموع( 11/435) , المغني ( 6/155-156 ) ].
(3) أنظر: [ المبسوط ( 12/196) , فتح القدير ( 5/489-490 ) ].
1– انظر الإختيار لتعليل المختار (2/60) ، رد المحتار ( 5/ 232) ].
(2) أنظر : [ القواعد النورانية , ص155 ].
(3) المرجع السابق , ص 165.
(4) أنظر: [ الأشباه والنظائر, للسيوطي, ( 179) , المنثور في القواعد ( 2/24) ].
(5) أنظر: [ رفع الحرج, د. يعقوب الباحسين, (ص439 )].
(1) أي محمد بن الحسن.
(2) أنظر: [ فتح القدير (1/179 ) ] .
(3) رواه البخاري , كتاب جزاء الصيد, باب لا يحل القتال بمكة, حديث ( 1834) , وذكره أيضاً في كتاب الجزية والموادعة, باب الغادر للبر والفاجر, حديث ( 3189) , ورواه مسلم, كتاب الحجّ, باب تحريم مكة وصيدها , حديث ( 1353).
(4) المشافر: جمع مِشفَر أو مشفَر وهو للبعير كالشفة للإنسان, أنظر : [ لسان العرب مادة ( شفر ) ].
(5) المناجل : جمع مِنجَل وهو حديدة ذات أسنان يحصد به , أنظر: [ لسان العرب, مادة ( نجل ) ].
(6) أنظر: [ حاشية سعدي أفندي (3/34 )
(1) أنظر: [ الموافقات , للشاطبي, ( 3/ 12,17 ) ].
(2) الموافقات ( 3/14 ) .
(3) أنظر : [ رفع الحرج, د. يعقوب الباحسين, ( ص101), رفع الحرج, د. صالح بن عبد الله بن حميد, ص (293) ].
4) رواه مسلم , حديث ( 4069 ) .
1) انظر: [ شرح النووي على مسلم , ( ج11/ص28 )].
2) انظر: [ القواعد النورانية , ص155 ].
(3) أنظر: [ اعلام الموقعين , ( 2/161) ].
(4) أنظر: [ مجموعة الفتاوى, ( 29/237) ].
(1) معلوم أنّ مسمّى الوديعة هو اصطلاح بنكي وليس بمعنى الوديعة الفقهية, فهنالك اختلاف كبير بين الوديعة البنكية والوديعة الفقهية من حيث المضمون والآثار, والودائع البنكية تكييفها الفقهي قروض, أنظر: [ حكم ودائع البنوك, أد. علي السالوس, ص68-70, فوائد البنوك, د. القرضاوي, ص173)] .
(1) أي حالة الاقتراض من أجل البناء.
(2) أي حالة الاقتراض من أجل شراء بيت أو أرض.
أنظر: [ الموافقات ,ج2/ص10] .(3)
(1) أنظر: [ الموافقات ,ج2/ص9 ].
(1) أنظر: [ فتاوى معاصرة , ج1/ص622 ].
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment