صدى آلكون ............................................................................ إدارة و إشراف : عزيز آلخزرجي
Monday, March 11, 2024
أخطر ظاهرة في الحكم و السّياسة أنصاف المتعلمين - الحلقة الأولى
أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة أنصاف المتعلمين ؛ الحلقة الأولى :
أنصاف المتعلمين الذين يمثلون كل سياسينا و حكامنا و رؤوساء الأحزاب و الحكومات و حتى القضاة في بلادنا و معظم بلاد العالم, بحيث باتت ظاهرة خطيرة ولّدَتْ كل الخراب و آلفساد و الظلم الواقع و الجاري للأسف على جميع الفقراء بشكل خاص .. ..
أنها ظاهرة أخطر من ألف داعش وداعش وكافر وملحد و منافق لأنها تمتد و تستمر مع الأجيال, بينما داعش تنهزم فجأة بعد ظهورها!؟
لقد بان بالاستقراء بأن معظم المشكلات في المجالات الحياتية المختلفة حتى في الحياة الشخصية و الزوجية و تربية الأطفال ناهيك عن المدارس التعليمية و الأقتصادية و السياسية و الأجتماعية و النفسية و التنظيمة؛ سببها أنصاف المثقفين؛ العلماء؛ المهندسين؛ أنصاف الأطباء؛ أنصاف الاقتصاديين و هكذا غيرهم في كافة المجالات!
فالجاهل النصف مثقف لا يستطيع أن يصنع سفينة أما العالم فيصنع أمتن السفن لأنه يملك أدوات المعرفة وجوهر قوانينها وفلسفتها !
أما النصف عالم (مثقف) فيصنع لك سفينة لتغرق بها و من ركبها في منتصف البحر! فهو يمتلك أدوات المعرفة لكن لا يملك قوانينها.
أين تكمن العلة؟!
الجاهل لا يؤذي إلا نفسه! الجاهل لن يضرك كثيراً فهو لا يستطيع حتى أن يبرهن على أقواله؛ أما نصف المثقف فهو أشد خطراً من الجاهل و حتى المنافق بل و حتى الشيطان!
ونصف الثقافة أو المعرفة أو الفلسفة أشد خطراً من الجهل و حتى المجنون!
فالجاهل قد يحثه جهله على التعلم، و قد يشفى المجنون أو يتعقل يوماً .. لكن النصف مثقف أو النصف سياسي أو المتعالم الذي حاز على القشور وترك اللب؛ أو عرف شيئا و غاب عنه أشياءاً فظن أن العلم هو هذا فقط! فإنه يسبب دمار العائلة و الحكومة و حتى المجتمع كله ..
فلا هو عالم لينتفع بعلمه ولا هو جاهل في نظر نفسه فيتعلم.
نصف مهندس أو طبيب أو سياسي أو فيلسوف؛ هو من قرأ كتابا أو كتابين أو حتى دورة كاملة ليحصل على شهادة في الطب .. فصار يعرف الدواء لكنه لا يعرف قانون الدواء!
و يعرف المثلث و الدائرة لكنه لا يعرف كيف يستفيد بربطه بمعادلة إنشائية و بنائية لتحقيق هدف معين ..
ترى المهندس يخطط لبناء شارع أو عمارة سكنية فإذا به يُخرب منطقة زراعية بآلكامل .. أو طبيب يخلط الدواء بعضه ببعض فيقتل مريضه بالتسمم أو بالوفاة، ونصف الشيخ هو من قرأ مجلدا أو مجلدين فصار يعرف الحكم لكنه لا يعرف حال المخاطب أو أرض الواقع!
فيخلط حالا بحال وأصلا بأصل، حتى أنصاف القراء أنفسهم ممن إذا قرأوا سطرا لم يكملوه أو إذا قرأوا سفرا لم ينهوه أو إذا قرأوا كتابا ظنوا أنهم أحاطوا بمجامع العلم وأتقنوا صنوفه، لكنه في الحقيقة هم كحسو الطير، ينقر هنا مرة وهنا مرة.
إن افتراق الأمة كان بسبب هؤلاء "المُنَصِّـفين" الذين يأخذون بالنصف ويتركون النصف الآخر، فالخوارج مثلاً أخذوا آيات الوعيد وتركوا آيات المغفرة، والمرجئة أخذوا آيات المغفرة وتركوا آيات الوعيد.
وهنا تكمن المشكلة و علة العلل!
فنصف المثقف يستطيع خداعك بمصطلحاته التي لا يفقهها بنفسه!
فتراه يتكلم باصطلاحات العلماء لكنه متخبط في فحواها لا يفهم لها معنى، وغالباً ما نضطر إلى تصديقه لأنه يتكلم بلسان العلماء! أو بالأدق يسرق مصطلحاتهم! فلا نستطيع -كعوام- أن نعرف إن كان حقا عالما أم مخادعاً؟!
فمثلا تجد نصف الطبيب يستخدم نفس مصطلحات الطبيب كمصطلح (التداخل الدوائي) لكن في الحقيقة هو لا يعرف معناه أو في أحسن الأحوال قرأه في مقالة على أحد المواقع!
ونصف الكاتب أو (المفكر) يستخدم نفس مصطلحات الفيلسوف أو الفقيه كمصطلح (مفهوم الخطاب) أو (العادة محكمة) لكنه في الحقيقة لا يعرف مواطن توظيفها و ربطها و الأستفادة منها!
ولا تنسى أن شيوع الفساد و الأنحراف في الامة و حتى العالم هو بسبب الفرقة و الأختلاف بين الأمة الواحدة و بين الشعوب و الأمم , و كله كان و وقع بسبب هؤلاء "المُنَصِّـفيّن[الذين يأخذون بالنصف ويتركون النصف الآخر] كما يقول ذلك المختصون بهندسة العقل!
فالخوارج مثلاً أخذوا آيات الوعيد و تركوا آيات المغفرة، و المرجئة أخذوا آيات المغفرة و تركوا آيات الوعيد، وهكذا الحال مع المعتزلة أخذو جانباً من التشريع و حذفوا أو تركوا الباقي, و جميع المذاهب و الطوائف و للأسف أخذوا جانباً من القرآن وأغفلوا جوانب أخرى!
وهذا ما نبّهنا لها الله تعالى و أكدها سبحانه في آيات كثيرة و بآلأخص على هذا المعنى فقال : [الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا] (الفرقان: 59).
فلا تسأل متعالما عن الله عز وجل, فإنه حتماً مضلك!
و لا تسأل أنصاف المتعلمين أو السياسيين و لا أنصاف القراء!
وهكذا في كل مجالات الحياة و فروعها! عليك بأهل الخبرة و العلوم الكاملة الملمين بجوانب و فلسفة الحياة و البناء و الإعمار و التغيير ، ودعك من هؤلاء المتعالمين المدعيين للدين و العلم و الفلسفة و للثقافة زوراً.
الخطر الحقيقي وراء هذا النوع من المثقفين أنه تحوّل إلى ظاهرة خطيرة جداًً (ظاهرة أنصاف المثقفين) والتي أدّت بدورها إلى (تدمير المهنة) و (قلة احترام التخصص) و بآلتاي تدمير المجتمع الصغير و كذا المجتمع الكبير و كذا العالم كله و كما نشهد اليوم و على كل صعيد!
كثيراً ما تجد من قرأ مقالاً في الفلسفة أو الهندسة أو الطب و ظن نفسه طبيباً ماهراً !
و من قرأ مقالاً في التربية أو الفقه و ظنّ نفسه مربّياً أو فقيهاً أصولياً!
ومن قرأ مقالاً في السياسة ظن نفسه سياسياً محنكاً!
و من إنضم إلى حزب صار قيادياً و منظراً ..
و هكذا صار الجميع سياسيون و مهندسين و أطباء و فقهاء والجميع يعرف كل شيء عن كل شيئ!
فلا تكاد تعرض مسألة أو حادثة إلا والجميع يدلي بدلوه! فلا أحد يحترم المهنة ولا أحد يحترم التخصص, هنا في الغرب و بغض النظر عن سريان بعض تلك القوانين التي أشرنا لها ؛ لكنك ترى في الطب أو الهندسة مثلاً عندما تسأل هؤلاء المختصين سؤآلاً لا يجيبك على الفور ؛ إنما يتمهل و يتمحص الأمر و يراجع الخلفيات و في النهاية مع كل هذا قد لا يجيبك أو يقول لك [سؤآل جيد] و هذا ما حدث معي مرات و مرات.
تصور في بلادنا و رغم كل هذا عندما عرضت على البعض بوجوب فتح المنتديات الفكرية في كل مؤسسة و جامعة و مدينة و محلة ؛ لم يسمح ولم ينفذ ذلك إلا القليل القليل منهم كأخوتنا في شارع المتنبي و في بعض المدن و العواصم الأخرى و اشكرهم على ذلك رغم إجحافهم معنا و عدم تدارك التفاصيل حول الأهداف الكبرى لهذا الأمر ..!!
لكن ما السبب في كل هذا .. وكيف العلاج؟!
العلة الحقيقية وراء هذه الظاهرة يمكن حصرها في ثلاثة أسباب أساسية:
[قلة أو ندرة الفلاسفة و العلماء و المفكرين]
[المحسوبية الحزبية والولائية و العشائرية الطاغية في الحكومات].
[سهولة تناول العلم في جامعاتنا .. طبعا قشور العلم كما أشرنا لا جوهرها و غايتها و تطبيقاتها].
فقلة العلماء و ندرة الفلاسفة أدى إلى ظهور هذا النوع من المثقفين المتجزئين و المجترين على القول بغير علم, حيث ينقلون العبارات من هنا و هناك لبعض العلماء و الفلاسفة ولا يعرفون غاياتها بآلضبط و الكمال , و بآلتالي خراب العباد و البلاد!
وقد أخبر النبي(ص) عن ذلك بآلقول :
[إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَ لَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا] .
من قرأ مقالاً في الطب ظن نفسه طبيباً ماهراً !، و من قرأ مقالاً في الفقه ظن نفسه فقيهاً أصولياً! ومن قرأ مقالاً في السياسة ظن نفسه سياسياً محنكاً, و هكذا من قرأ مقالا في الفلسفة ظن نفسه فيلسوفاً للأسف و قد لا يعرف حتى تعريفا صحيحا للفلسفة؟!
والمحسوبية و المنسوبية هي من خيانة الأمانة، فصار الحاكم حاكماً بسلطانه لا باستحقاقه أو إنتمائه الحزبي, أو أصبح عضوا في برلمان بإنتخابات شكلية مدعومة بآلمال الحرام المسروق من الفقراء بأصوات ضعيفة و قليلة لا تأثير لها!
وصار الفقيه فقيهاً بمجاملاته و نسبه و حسبه! فتسلط الجهال من أنصاف المثقفين على سدة الفتوى و القرار .. بينما أهل الكفاءة في الزوايا لا مكان لهم في ميزان المحسوبيات و الرشاوي و المليارات الحرام .. بل بعضهم أو أكثرهم(العلماء و الفلاسفة) يعاني الجوع و الغربة و العيش بسلام بسبب التهديدات من هذا الحاكم و ذاك الحزبي و أسياده في البلاد الكبرى!!؟
ولهذا قال النبي(ص) :
[إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة].
وقوله(ص) : [إذا تقدم قوم شخص و فيهم من هو أفضل منه فأمرهم إلى سفال].
و هذا ما هو الواقع في بلادنا , و في العراق خصوصاً!
وسهولة تناول المعرفة و العلم(يعني الشهادة ودرجة الأجتهاد) حتى صار ورقة العلم في متناول الجميع، فمع وجود المصادر المفتوحة والإنترنت؛ تستطيع أن تجمع عشرات المقالات في ثوان معدودة فتأخذ منها ما تحب و تترك ما تشاء بدون أسس علمية أو مناهج بحثية متخصصة و عدم ذكر حتى المصدر أو صاحب النظرية!
و هنا أتذكر مقولة لأحد العلماء القدامى ؛ [لا تُعلموا السفلة العلم].
و السبب في ذلك أنهم يأخذون من بعض العلم فيوظفوه بعيداً عن مقصده(للمال عادة), و ربما لمصالح خاصة و حزبية و فئوية وووو .
وهناك أضافة لما أسلفنا ظاهرة مقززة و مسببة للكثير من الفساد و الخراب أيضا ؛ و هي ظاهرة النقل و الأخذ من أفكار و تقريرات الآخرين؛ فترى هذا البعض و بلا حياء أو شعور أو وجدان ينقل من البعض نصوصهم من دون أن يشير للمصدر .. و هذا شائع أيضا بين السياسيين حيث يصرحون بها من دون الأشارة للمصدر مما يتسبب بآلفوضى و العشوائية و الخراب لأنه نفسه (المصرح) لا يعرف كيفية توظيف تلك المقولات أو تطبيقها على أرض الواقع , فيعتمد على مستشارين أو أنصاف مستشار .. الذي بدوره يسبب الخراب و الفساد و التزوير أيضا ..و هكذا
و للأسف فإنّ حكومات الدول الإستعمارية و المتحكمة ببلادنا ترتاح لمثل تلك الحكومات النصف مثقفة و تدعمهم و تحاول إبقائهم في الحكم مدة أطول لتحقيق مصالحها, و بآلمقابل ترفض و تحارب العلماء و الفلاسفة الحقيقيين!؟
إن علاج هذه الظاهرة يكمن في إتباع نهج الله تعالى الذي أمرنا بتغيير أنفسنا قبل كل شيئ و إرجاع حقوق الناس كشرط أولي للتغيير! :
- إصلاح أنفسنا أولاً و قبل كل شيئ بآلتنزه عن الكذب و الغيبة و كبح جماح النفس و تزهيده و ترويضه على الدوام بأن هناك من يراقبه من الغيب.وطرد الأنتهازيين و أنصاف المثقفين ثانياً.
فعلاج النفس هو بتأهيل الذات عبر (التزام الحدود و احترام (التخصص و المتخصص) مع الاستزادة من الثقافة المستدامة.
و قد قال الأمام علي(ع) : [علمٌ لا يصلحك و(الامة) ضلال].
و قال الامام الصادق(ع) : [رحم الله امرءا عرف قدر نفسه]، و غيرها من المقولات العديدة بهذا الشأن.
و على الأنظمة السياسية و الأوساط العلمية قطع دابر هؤلاء المتعالمين و عدم تقديرهم أو وضع لهم شأناً!
و على الجميع أن لا يلقوا لما يقولون بالاً،
و لا تقفوا لهم على باب. و احرصوا على متابعة أهل الفكر و التخصص،
و اتركوا عنكم المتعالمين أهل التلصص، و قديما قالوا :
[من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب], و الخطر كل الخطر , يأتي من أنصاف المتعلمين, و هذا ما وقع و يقع في العراق اليوم .. و فوقها يأتي السياسي النصف المثقف و يعترف بلا حياء أمام الناس و في وسائل الأعلام قائلا ً : [لقد أخطئنا و أخطأ الجميع ممن معي و نعتذر للشعب و الأمة].
هذا السياسي الذي إعترف بخطئه لا يعرف أيضاً ؛ بأنّ إعترافه ذاك هو جرم كبير آخر بحق الله و رسوله و الأمة .. لأن خطأ المسؤول يكلف كثيراً و ليس كخطأ المواطن العادي .. لإن خطأ الإنسان العادي أو الموظف الصغير يمكن تداركه و علاجه و تصحيحه ربما بلا خسائر تذكر أو ربما خسائر سطحية جداً .. لكن خطأ و تصريح المسؤولو تبعاته يكلف كثيرا ً.. قد يكلف خزينة الدولة و حقوق الأنسان و حتى مصيرها و يصعب عادة أو لا يمكن جبرها بسهولة ..
و هذا أمر خطير لا يعرفه أحزابنا و حكامنا و سياسينا خصوصا رؤوساء ألأحزاب المتحاصصة بشكل خاص و للأسف لمعرفتي الدقيقة بمستوياتهم, لهذا فإن الخراب يستمر و سيتعمق يوما بعد آخر مع تعنت هؤلاء المتجزئين من أنصاف المثقفين؛ ما لم نقف أمامهم و نقطع دابر فسادهم!
و من هنا أيضاً أفكر أحياناً و أميل إلى جانب المرجعية التقليدية التي لا تؤمن ببناء دولة في عصر الغيبة الكبرى هذه .. لكن يعترض هذا التفكير إشكال كبير يتعلق عند عزوفنا عن تأسيس دولة عادلة أو شبه عادلة يتسبب في تسلط الظالمين علينا وعلى الأمة ..!؟
و إنا لله و إنا إليه راجعون, و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز حميد مجيد
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment