Sunday, December 01, 2024

أيهما الأولى ؛ دِين بلا إنسانية, أم إنسانيّة بلا دِين!؟

أيّهما الأولى ؛ دِين بلا إنسانيّة, أم إنسانيّة بلا دِين!؟ تحتل الأديان مكانة جوهريّة في حياة الإنسان, فهي لا تقتصر على تنظيم العبادات أو الطقوس، بل تمتد إلى تشكيل الأخلاق والقيم التي توجّه سلوك الأفراد والمجتمعات. ومع ذلك، وفي ظل التحديات التي تواجه العالم اليوم، يبرز تساؤل عميق: هل يمكن أن يكون التدين منفصلًا عن القيم الإنسانيّة؟ و هل الإنسانية وحدها تكفي إذا غاب الإيمان الديني؟ و من هو الأفضل و الأولى في هذا السياق؟ الأديان تُقدّم إطارًا معنوياً ونظاما أخلاقيًاً يساعد الأفراد على مواجهة الأسئلة الكبرى في الحياة: من نحن؟ ما معنى وجودنا؟ وكيف ينبغي أن نعيش؟ كما تمنح شعورًا بالسلام الداخلي، وتربط الإنسان بما هو أعظم من ذاته. تسعى الأديان أيضًا إلى تعزيز الأخلاق وتنظيم العلاقات البشرية من خلال قيم مثل العدل والرحمة والتعاون. وبالإضافة إلى ذلك، تمنح الأديان شعورًا بالانتماء الاجتماعي، مما يعزز الروابط بين الأفراد ويخلق مجتمعات متماسكة, ولكن، يبرز إشكال جوهري حينما يتحول الالتزام الديني إلى ممارسة شكلية فارغة من مضمونها الإنساني. هنا يظهر التساؤل: هل التدين وحده كافٍ ليجعل الإنسان صالحًا؟ التدين بلا إنسانية: أن يكون الإنسان متدينًا دون إنسانية يعني أن تُمارَس العبادات والطقوس كروتين خالٍ من الروح والقيم الأخلاقية التي يفترض بالدين أن يرسخها, في هذه الحالة، تتحول المظاهر الدينية و الطقوس العبادية إلى غاية بحد ذاتها، بينما تتلاشى قيم الرحمة والتسامح و الأيثار, هذا النمط نلمسه في مجتمعات كثيرة، حيث يغلب الشكل على الجوهر، ويتحول التدين إلى قناع اجتماعي أو وسيلة لفرض السيطرة و التشدد. البعض يظهر التزامًا صارمًا بالدِّين في العلن، لكنه يناقض ذلك في أفعاله الخفيّة، ما يجعل تديّنهم أقرب إلى النفاق. هؤلاء قد يحتفظون بمظهرهم كمتدينين، لكنهم يخلوّن من الرحمة والتعاطف، مما يترك أثرًا سلبيًا على المجتمع رغم مظاهر الالتزام الظاهرة. الإنسانية دون تدين : في المقابل، هناك من يختار أن يكون إنسانيًا دون الانتماء إلى دين معين. هؤلاء يعتمدون في أفعالهم على مبادئ أخلاقية نابعة من العقل والفطرة، ويتعاملون مع الآخرين بكرم واحترام، بعيدًا عن التعصب لأي فكر أو معتقد, يلتزمون بقيم التعددية وقبول الآخر، و يساهمون في تحسين المجتمع بدوافع إنسانية بحتة، لا خوفًا من عقاب ولا طمعًا في ثواب, رغم غياب البعد الروحي في حياتهم، إلا أنّ إنسانيتهم تشكل قاعدة متينة للتعايش، وقد يكونون في بعض الأحيان أقرب إلى جوهر الدِّين المتمثل بالقيم الدينية ممّن يدّعون التديّن. الخيار الأمثل هو الإنسانية والتدين معًا: و رغم ما سبق، يبقى النموذج الأفضل هو الجمع بين التدين والإنسانية. الدين في جوهره دعوة إلى تحقيق إنسانية عميقة تنبثق من الإيمان بالله وتترجم إلى أفعال رحمة وعدل ومحبة. الإنسان الذي يدمج بين الإيمان والأخلاق يمتلك سلامًا داخليًا وروحانية متوازنة، ما يمنحه القوة للتعامل مع تحديات الحياة برحابة صدر. في هذا النموذج، تكون القيم الإنسانية واجبًا دينيًا يُمارس طاعة لله وحبًا للناس. هذا التوازن يجعل الإنسان قدوة في محيطه، يساهم في بناء مجتمع أكثر عدلًا ورحمة، ويترك أثرًا إيجابيًا على الآخرين. الخلاصة: الدين والإنسانية ليسا متعارضين، بل هما وجهان لعملة واحدة. التدين الحقيقي لا يقتصر على الطقوس، بل يظهر في التعامل الإنساني مع الآخرين. الإنسانية هي الروح التي تحيي الدين، والدين هو البوصلة التي توجه الإنسانية نحو الخير الأسمى. إذا كان الخيار بين التدين بلا إنسانية والإنسانية بلا تدين؛ فإن الانحياز للإنسانية يبدو أكثر عقلانية, لكن النموذج الأمثل هو الجمع بين الاثنين لنعيش حياة تتجلى بآلقيم والإنسانية والأيثار من خلال الإيمان بآلله، لنترك أثراً طيبًا نُخلد به في الوجود و يخلّد ذكرانا بين الناس. خلاصة المقال و بحسب نظرية الفلسفة الكونية العزيزية, فإن جواب السؤآل الوارد كعنوان؛ (أيهما الأفضل؛ دين بلا إنسانية أم إنسانية بلا دين)؟ هو : الأثنان مطلوبان معاً؛ الدين الذي يربط الأنسان بآصل الوجود, و الأنسانية التي تتناغم مع أصل الدين, حيث لا يمكن أن تتديّن بلا إنسانية و لا يمكن أن تكون إنساناً ثمّ آدميّاً؛ ما لم تتديّن]. ألعارف الحكيم عزيز الخزرجي

No comments:

Post a Comment