Friday, June 11, 2021

 

صفحات كونيّة(8) ألعوامل ألمؤدّية لإنحراف ألفكر:

[هل حقّاً قدّمَ الأمام ألرّاحل الإسلام 5 قرون للأمام و تسبب دُعاة الحُكم ليس بإرجاعه 5 قرون للخلف بل و إنحراف الناس!؟
و هل السبب في فقدان الشيعة للحكم هو الفكر ألذي تأسس عليه نهج الحركات والأحزاب الشيعة السياسية بعد سقوط الصنم؟
سنجيب على هذا السؤآل المحوري لعلاقته بأصل الموضوع المطروح في ثنايا هذا البحث الهام الذي يجب التوقف عنده.
 
ألحمدُ لله ألمُتفرّد بكماله؛ ألمُتعالي بجلاله؛ ألمُتجلّي ببهائه و جماله؛ ألذي أغرقَ الكائنات بفيض آلائه، و كفى بوجودها بعد عدم نعمةً وكرامةً, ثمّ خصّ منها الإنسان بوافر عطائه، (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ)(1)، حتى عادت ألطَفَ الموجودات و أرقاها له خاضعة و مطيعة، (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)(2).

و لم يكن امتياز الإنسان عن سائر الكائنات إلّا بعلمه ومعرفته إلى جانب تقواه، (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ(3), سجدت له الملائكة لذلك ، (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(4).

و كرامة العالم و المعرفة التي بها كمال الإنسان و شرافته ، إنّما هي ثمرة جهود الأدوات التي جهّزه خالقه بها في ظاهره و باطنه، (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ)(5): أيّ ألحِسّ, كما أشرنا خلال البحوث السابقة ..

إنّ أيّ فكر أو عقيدة مُعرّضة للتّبدل و التّغيير و الإصابة بآلأنحراف و بحالة ألتّوهم بجانب الحقائق ألأخرى, ما لم يُحصِّن صاحبه نفسه بمبادئ أصوليّة كونيّة و أخلاقيّة يتّفق عليها عقلاء و عرفاء العالم بغضّ النظر عن الجزئيات و الخصوصيات حتى في الأديان و الأنظمة التي يعتقدون بها, و العرفان ألكونيّ هو النهج الأمثل المُوحّد ألأقوى والأضمن للبشريّة وآلمُحقق لوحدتهم و تآلفهم لتحقيق رسالة الحياة و الوجود.

و من هنا نرى أن العرفاء الحُكماء قد حرّروا هذا الجانب بكشفهم لآليّة القلب كأساس لوجود الأنسان و موطنه ألحقيقيّ ألذي يجب أن يعتنى به و يبنى محتواهُ بشكلٍ سليم, لكن
لا ذلك القلب الماديّ المُكوّن من كتلة لحم يضحّ الدم إلى أجزاء البدن لأحياء الحواس الظاهرية؛ بل المراد بآلقلب في الفلسفة الكونيّة؛ هو وجود و وجدان الأنسان و نفسه المكونة من (إندماج الروح الإلاهية الواعية مع الجسد عن طريق الدّم). و هذا ما يُشير له سبحانه بقوله:
[إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ](ق : 37).

ومن المعلوم و كما ألمحنا بأنّ المراد من تعبير القلب هنا؛ هي القوة المتمركزة داخل الوعاء الذي يحتضنه الجسم ألماديّ بعد إلتصاقه بآلرّوح، و ليس كل إنسان يمتلك هذا القلب, فالبشر اليوم يفتقدونه بسبب مؤثرات سلبية عديدة, إنّما المراد هو من كان له عقل مدرك و واع و قلب نابض بآلأحساس و آلأنسانيّة و المحبة و العدالة و الفكر الكونيّ و يحاول البقاء دائماً على إتصال مع آلأصل الذي يغذيه بطاقة كونيّة إيجابية
، وقالوا: و الإستمرار على هذا الوضع مدّة من الزمن قد لا تزيد على 40 يومأً يحرص خلاله السالك عدم إدخال لقمة الحرام في بطنه؛ و حفظ الحواس من آلمحرّمات لئن ينال مرتبة كونيّة رفيعة من الاستشراق والإلهام بعد المرور بمنازل آلسائرين التي أشرنا لبعضها سابقاً و تبدأ بحسب تقريرات بعضهم كآلفيلسوف ألحكيم ألآملي بـ :

1 - أليقظة.

2 - ألتوبة.

3 - ألمحاسبة.

4 - ألإنابة.

5 - ألتفكّر.

6 - ألتذكر.

7 -  الاعتصام.

8 - ألانقطاع.

9 - كبح جماح النفس.

10 - درك اللطائف.
و بعضهم حدّدها بعشرات ألمنازل و المراحل,
فأسفار الشيخ (إبن عربيّ) : الذي لقبه الأمام الرّاحل(رض) بآلشيخ الأكبر, حيث حدّد 27 مرحلة بحسب رسالات الأنبياء الذين ذكرهم الباري في القرآن الكريم بآلأسم, حيث يجب دركها لتحقيق المطلوب و الهدف من الحياة الدّنيا و كما جاءت تفاصيل ذلك في كتابه المعروف (فصوص الحكم).
أما أسفار ألملا صدرا : و هو صاحب الأسفار ألأربعة و التي ضمّـت الحكمة المتعالية و تتحقّق بعد تحقق أربعة مراتب, هي:
1- سير آلخلق إلى الحقّ؛ و هو آلسّير و السّعي لطلب المعشوق الحقيقي بديلاً عن العشوق المجازية بالتجرد عن الماديات.
2- سيّر بآلحقّ في الحقّ؛ و هو السّير عبر أسفار الأنسان لمعرفة الحقّ بشكلٍ مُبرهن و مشهود ليكون مؤهلاً لهداية الناس.
3- سيّر من الحقّ إلى الخلق بآلحق؛ و هي العودة إلى الخلق بعد معرفة الحقّ بشكل واضح و مبرهن.
4- سيّرٌ في الحقّ بآلحقّ؛ و هو الذوبان في المعشوق و الرجوع بعد نهاية الأسفار الكونية التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
بإختصار شديد لقد عرض بوضوح (الحكمة آلمتعالية) عبر الأسفار العقلية الأربعة, و كان صدر الدّين محمد الشيرازي (1572-1640م) بحقّ عارفاً حكيماً جمع أسفاره الأربعة العظيمة في 9 مجلّدات.

ثم أسفار فريد آلدّين العطار النيشابوري : و يتحدّد أسفارهُ بسبعة مراحل جمعها في كتابه المشهور  بين العرفاء بمدن أو أسفار العطار ألسّبعة,  و هي:
ألطلب – العشق – ألمعرفة – ألتوحيد – ألتوحيد – ألأستغناء – الحيرة - ثم الفقر و الفناء.

و لمعرفة حقيقة و تفاصيل كلّ مرحلة(مدينة)؛ راجعوا كتابنا الموسوم بـ [ألأسفار الكونية السّبعة] للتفاصيل(3).
ثمّ أسفار ألشيخ ألخواجة عبد الله الأنصاري(4), و قد حدّدها بإثنين و خمسين مرتبة تيمّناً بعدد الركات اليومية و نوافلها والمعروفة بصلاة 52 أو 51 بإعتبار ركعتيّ (الوتيرة) بواحدة لأنها تُؤدّى جلوساً, و ليس سهلا أن يُداوم الطالب على  النوافل اليومية.

أما أسفار ألعارف ألحكيم محمد باقر الصدر : فقد حدّدها  بثلاثة شروط هي:
معرفة الله - ألتوحيد – ثمّ حُبّ الله, ملاحظة : تفرّد الحكيم الفيلسوف عن غيره بقدرته الفائقة على أختصار القضايا بإسلوب حكيم و بليغ لم أجده سوى في نهج البلاغة و كلام الأئمة و القرآن الكريم.


ثُمّ فصلّنا الكلام في تلك المنازل الّتي تسمّى بـ [منازل السائرين] وعددها  يختلف من مدرسة لأخرى كل بحسب نظرته و نهجه و قد عرضنا أمثلة وافية و شافية لبعض تلك الأسفار, كمنازل إبن عربي و الشيخ العطار و الصدر الأول و غيرهم,كلها لأجل بناء و تطيّب القلب و تنويره بآلمعارف الكونية ليكون منطلقاً هادياً للناس محققاً رسالته في هذا الأمتحان العسير حقاً.
و إن الذي لا ينال حظا من تلك المراتب و المنازل عبر الأسفار ؛ فأنه يبقى خارج حلقة و مدار الأنسانيّة لآخر العمر و بذلك يحرم نفسه من الخير الكثير .. و البدء بتلك الأسفار التي عرضناها و العياذ بآلله, ليعيش داخل إطار محدود و محجوم و ضيّق لا ينال فيها الراحة حتى نفسه الراحة ضمنها .. بل و يأتي الظالمون المستكبرين  للتحكم بهم و بمقدّراتهم و باسم الأنسانية و الوطن و الدين ووو غيرها, و كما شهدنا و نشهد اليوم حتى على مستوى الشعوب و الأمم التي تتعرض للإذلال و التبعية و الذل, و الشعب العراقي خير مثال على ذلك لأن عقيدته لم تبنى على القلب و الباطن و كما أسلفنا .. إنمّا مجموعة ظواهر و شكليّات بُنيت على الحواس و الظنون و الأوهام للأستهلاك المحلي و الخصوصي, لذا ممّا تقدم نستنتج أنّ كل عمل ليس فقط حرام أو إرتكاب معصية؛ بل حتى الإتيان بمكروه يسبب الخلل في فكر الأنسان و بآلتالي يبعده عن نيل المطالب الكونيّة !؟

وفيما يلي نذكر هنا إجمالاً آليّة الأداة (الوسيلة) التي تُمثل الله في وجود الأنسان و التي  تقرر حياته و آخرته و مصيره:

آليّة ألقلب في إدراك ألمعارف :

إنّ سبب إنحراف الحركات الإسلاميّة حتى الشيعيّة منها و فشلها في تحدّي الشيطان و نصرة الحقّ و كما حدث في العراق و غيره؛ هو عدم إستناد آيدلوجيتهم على أرضية فكريّة – ثقافيّة مستدلّة – يعني وجود ضعف واضح و كبير في بناء الجانب الأخلاقيّ و الرّوحي و العقائدي .. لهذا رأينا كيف إن قادة الأحزاب قبل آلأعضاء في الخط الثالث و الرابع من التنظيم ؛ قد مالوا نحو ربّهم الحقيقيّ و تركوا الله الحقّ, و بات الدّولار (الرواتب) هو المعيار في تحديد المواقف و العلاقات, فأفضلهم ليس فقط لم يسير ليعبر حتى منزلاً واحداً من منازل السالكين, بل وقف حجرة عثرة أمام الفكر و الأخلاق و القيم و باتت العمالة عندهم مسألة عادية بعد ما غيّروا أسماء أحزابهم ظنا منهم أنه سيخفف عنهم العذاب, لهذا سقطوا في الفتنة .. و تسببوا خصوصا ألذين أدّعوا بكون الصدر قائدهم؛ فغرتهم الحياة الدنيا, و صار الدولار عندهم هو الله بدل الله تعالى.
إنّ تفصيل آلبحث في تلك المنازل يتوقف على عرض ألعرفان ألإسلامي على الباحثين ، و هذا لا يناسب موضوع الكتاب ، وإنّما نذكر أثر طيِّ المنازل في تقويم الحياة العلميّة و آلأجتماعية و السياسية و الإقتصادية العملية.

إنّ لطيّ هذه المنازل أثرين بارزين في الوقوف على المعارف و حقائق الوجود, و بآلتالي إحياء الفكر و الوجدان الذي عبّرنا عنه - بصوت الله في قلب الأنسان - و بآلتالي الثبات على نهج عقائدي واضح لا يؤثر فيه المال أو السلطان و لا أية قوة على الأرض يهدده بآلموت:

1 - إنّ الباصرة الظاهرية تَقْدَر على رؤية الأشياء البعيدة عنها, و لكن إذا كان هناك ضباب أو غبار ، ينحصر البصر برؤية الأشياء القريبة ربما لا تتجاوز امتار محدودة فقط ، فالضباب والغبار مانعان للرؤية ، ولكن الباصرة مستعدة لها.
إنّ النفس الإنسانية قادرة على التعرّف على الحقائق الموجودة في مجال الحسّ و العقل. لكن العصبية والهوى و الأجواء الحاكمة يعميان الإنسان لينحرف بسهولة خصوصا لو كان الأعلام مسخراً لتمرير ذلك، فيعود منكراً للمحسوس والمعقول ، فأدنى أثر لطيّ هذه المنازل هو صيرورة الإنسان .. إنساناً خالصاً؛ مجرّداً عن الهوى والعصبية المعميين؛ كاملاً لا يطلب إلّا الواقع ولا يعشق إلّا الحقيقة، سواء أَ كانت لصالحه أم لا؛ وافقت انتماءه القومي أم لا، وغير ذلك من موانع المعرفة الّتي لها دور عظيم و رئيسي في درء الأنحراف , وسيأتي البحث عنها(6).

2 - إنّ طيّ هذه المنازل يُعطي للنفس قوّة و اقتداراً و ثقة للاتّصال بعالم الغيب، وإشراق صور ومعانٍ منه عليها، ويُلهم مفاهيم وحقائق لا يتوصل الإنسان العادي إليها بأدوات المعرفة الحسيّة والعقلية, وعلماء الأخلاق يوصون بأُمور ، و يحذّرون من أُمور: يُوصون بالإيثار والتقوى والشجاعة والاستقامة و الطيبة و طلب الخير للناس. و يحذّرون من البخل ، والانحلال ، والجبن والانخذال ولكنهم يكتفون بالإيصاء بتلك والتحذير من هذه ، من دون الإفاضة في كيفية توصّل الإنسان إليها ، وأنّه في ظل أي عامل يقدر على تحصيل الفضائل ، وتحت أي حافزٍ يستطيع اجتناب الرذائل ، فهذه النقطة الحساسة قد أُهملت في كتب الأخلاق ، فلا تجد فيها سوى الدعوة إلى الفضائل ولزوم التحلي بها ، والتحذير عن الرذائل ولزوم اجتنابها ، من دون بيان الطرق الّتي يصل بها الإنسان إلى تلك الأُمنية الكبرى.

وقد سدّ العرفاء الإسلاميون هذه الثغرة ، و بيّنوا الوسيلة الّتي يبلغ بها الإنسان تلك الأهمية ، وهي سلوك المنازل ألمختلفة والمتقدم ذكرها، ليصير الإنسان بعدها كاملاً ذا حسّ وعقل وشهود .. بحيث يستحق معها آلتّوحد مع الأصل الذي إنفصل عنه.

بإختصار بليغ؛ ألفكر - أعني به ألباطن و ليس الظاهر - أيّ من خلال العقل الواعي _ يعني حقيقة الأنسان و وجوده, و حين يجهد الأنسان لأجل معرفة الواقع و حقيقة الوجود و يجتهد حقاً و يرتقى إلى ما وراء ذلك سعياً لكشف الأسرار الكونية؛ فأنه لا بد و أن يتوصّل إلى تحديد (نظرية المعرفة) كدلالة لنهجه, و نحن كما يعلم اهل العِلم قد حاولنا و جهدنا حتى توصلنا لنظرية المعرفة الكونية ليكون منهجاً شاملاً لكشف حقائق الوجود كاملة و بشكل يرضي اهل القلوب و الوجدان، فنظرية المعرفة الكونية علم يبحث عن حقيقة الأنسان وآلكون وقيمتهما وأدواتها، و ما يرتبط بتلك من العوارض كمراحل المعرفة وحدودها وموانعها وغير ذلك، وهو من العلوم التي عكف عليها الغرب في القرون الأخيرة واضافوا عليه صبغة علم مستقل.

وقد بحث عنها الفلاسفة الإسلاميون في مختلف فصول علميّ المنطق و الفلسفة ، و لكنهم لم يفردوها بالبحث المستقل, لذا رأيت من واجبي أن أُقدّم مقالات و محاضرات تشتمل على ألمسائل المتعلقة ، مع التركيز على ما هو المحقّق في الفلسفة الإسلامية ، والتطرق إلى آراء الغربيين فيها ، فكانت مقالاتي و كتبي هي الجواب ، و ثمرتها مجموة من الكتب الجديدة في مجال الفكر الكوني الذي يعتمده معظم أساتذة الفلسفة و العلماء في العالم ، وهي نتيجة ثمرة أكثر من 60 عاماً من البحث.

وقد بذلنا  الكثير من الجهود و تحمّلنا ألوان الغربة و الفقر و الجوع لتحقيق ذلك .. وأسأله سبحانه أن يوفقنا لأيصاله للناس كافة لتحقيق الكمال ، بجناحي المعرفة و العمل، إنّه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير.

والعقل ، وما يتركب منهما و بها يكتسب ما لا يعلمه إطلاقاً ، أو يُخرج إلى الفعلية ما يعلمه بالقوة من الإدراكات الفطرية الأولية و انكار واحدةٍ من تلك الأدوات ، نتيجته شلّ الفكر الإنساني عن إدراك ما يحيط به من كونٍ و وجود، غائب و مشهود. كما أنَّ إثباتها مع إنكار كاشفيتها أو القول بنسبيتها أو الشك فيها ؛ نتيجته تخطئة المعارف والعلوم البشرية ، وسلب الإنسان ذلك الكمال.

الفتوحات ألغيبيّة و آلذّكر ألحكيم:

إنّ في الذكر الحكيم لآيات كثيرة تصرِّح بأنّ الإنسان المتّقي ، المُتحلّي بالفضائل ، و المُنزّه عن الرذائل كما أشرنا أعلاه ؛ ترعاه عناية الله تعالى، و تفيض عليه بالهداية بعد الهداية ، و العلم بعد العلم ، و لا يزال يرقى مدارج المعرفة حتّى يبلغ مقام شهود عالم الغيب, و نذكر فيما يلي نبذة منها.

1. يقول عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً)(7), أيّ يجعل في قلوبكم نوراً تفرّقون به بين الحقّ والباطل ، وتميّزون به بين الصحيح والزائف ، تارة بالبرهنة والاستدلال ، وأُخرى بالشهود والمكاشفة.

2. ويقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(8), و المراد بالنور ، النور الّذي يمشي المؤمن في ضوئه في دينه ودنياه وآخرته ، وهذا النور نتيجة إيمانه وتقاه. ويوضحه قوله سبحانه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها)(9).

3. ويقول سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(10), فإنّ العطف يحكي عن وجود صلة بين التّقى والتعليم.
4. ويقول سبحانه : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(11). والمراد رؤية الجحيم قبل يوم القيامة ، رؤية قلبية. وهذه الرؤية غير متحققة لمن ألهاه التكاثر ، لأنّها من آثار اليقين ، ومن ألهاه التكاثر خلو منه.
5. ويقول سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(12). فلو أقام الإنسان نَفْسَه في مسير الهداية ، وطلبها من الله سبحانه ، زاده تعالى هدى وآتاه تقواه. ولا تختص الهداية بالعمل حتّى تُفَسَّر بتوفيقه سبحانه للطاعات ، بل هي أوسع من ذلك.
6. ويقول سبحانه : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً)(13). والآية تبيِّن حال أصحاب الكهف الذين اعتزلوا قومهم وتغرّبوا حفظاً لدينهم ، فزاد الله من هداه فيهم ، وربط على قلوبهم ، كما يقول سبحانه: (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً)(14).

فهذه الآيات تُعرب عن أنّ نافذة الفتوحات الباطنية ، والمكاشفات والمشاهدات الرّوحيّة ، و الإلقاءات في الرَّوْع ، غيرُ مسدودة ، بل هي تتنزل على الأمثل فالأمثل من أفراد الأُمّة ..

ألإمامُ عليّ و آلإنسان ألكامل:

وللإمام علي بن أبي طالب(ع)، تصريحات وإشارات إلى انفتاح هذه النافذة أمام قلب الإنسان ألذي وصل مستوى الآدميّ:

1. يقول (ع) في وصف للمُتّقي : [قد أحيا عَقْلَه ، وأمات نفسه ، حتّى دقَّ جليلُه ، ولطف غليظه ، وبرق له لامعٌ كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل](15).

2. ويقول (ع) في حجج الله تعالى في أرضه كما أورده المجلسي في بحاره : [كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه، إما ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا  لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عددا، و الأعظمون قدرا  بهم يحفظ الله حججه وبيناته، حتى يودعوها نظراءهم، و يزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا  روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى، يا كميل أولئك خلفاء الله], لهذا علينا عدم ترك أهل العلم و الفكر لأنهم إن رحلوا رحلوا .. ولا سبيل للإستفادة منهم و كسب علمهم, فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)؛ [عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : [ثَلَاثَةٌ يَشْكُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : مَسْجِدٌ خَرَابٌ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ. وَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ. وَ مُصْحَفٌ (كتاب) مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ](16).


3. ويقول عليه‌السلام : [و ما برح لله عزّت آلاؤه ، في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ، عبادٌ ناجاهم الله في فكرهم، و كلَّمهم في ذات عقولهم](17).

هذه الآيات والروايات توقفنا على أنّ المعرفة الحقيقية الّتي تحيا بها نفس الإنسان ، لا تُستوفى بالسَّير الفكري ، و إنّما بتهذيب النفس و الرّياضات الروحية، و تطهير القلب ، و الانقطاع عن كل شيء، حتّى يرفع دونها كل حجاب مضروب، وكل ستار مسدول ، فيرى عالم الغيب و يعاين معارفه و حقائقه بعين القلب.

و إكمال هذا البحث يتوقف على شرح الأسفار الّتي يسلكها العارف في سيره الروحي و المعنوي ، حيث وفقنا الله لبحثها بإسلوب بليغ و واسع في بحوث منفصلة ضمن سلسلتنا الكونية, فيرجى مراجعة ذلك لمعرفة الكثير, و لكل منا طريقه ونهجه آلمعرفي للوصول إلى الله, حيث يقول الحديث ألشريف ؛ [ألطرق إلى الله بقدر أنفاس الخلائق].

هذا ، و لا يحق للباحث ألعزيز الكريم أن يستنتج ممّا تقدّم أنّ دعوى آليّة القلب و المكاشفة و الشهود و الإلهام ، في كسب المعرفة الحقّة؛ إحباط لمقام الحسّ و العقل الظاهر, أو إنكار لفضلهما و لزوم إعمالهما. لا ، ليس الأمر كذلك أبداً ، بل إنّ لكلّ أداة مقامها و قوتها و مداها، و مجال عملها ، لكننا نحث لبيان آليات أخرى أوسع مدى و أبعد قوة لمعرفة أسرار هذا الوجود!

ألوحيّ:

إلى جانب ما أسلفنا؛ هناك أداةً أُخرى تقرُب من الإلهام والإشراق و المعرفة، وهي المسمّاة بالوحيّ في مصطلح الشرع و الغيب، وهو الّذي يخصّ به الخالق تعالى أنبياءه و رسله بعد إختيارهم.

والوحي إدراك خاص مُتميّز عن سائر الإدراكات ، و ليس نتاج الحسّ ولا العقل ولا الغريزة؛ إنّما هو شعور عميق خاص يُوجده سبحانه في بعض عباده الصالحين من العرفاء الحكماء، وهو يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان عامّة, و إن من ينزل عليه الوحي لا يغلط في إدراكه، و لا يختلجه شك، و لا يعترضه ريب في أنّ الّذي يوحي إليه هو الله تعالى، من غير أن يحتاج إلى إعمال نظر أو التماس دليل أو إقامة حجة أو برهان, و لو افتقر إلى شيء من ذلك لكان اكتساباً عن طريق ألقوة النظريّة لا تلقّياً من الغيب.

و الفرق بين الوحيّ ألألهي و ما تقدم من الإلهام والإشراق؛ هو أنّ الوحي يتضمن تعاليم في مجالي العقيدة و العمل، فيكون الموحى إليه نبيّاً مبعوثاً من جانب الخالق تعالى لتربية و هداية الناس و تزكيتهم لتحقيق الهدف من الخلق و النشأة.

و هذا بخلاف الإلهام و الإشراق؛ ألّلذان لا يتضمنان تشريعاً ولا تقنيناً ، ولا يكون المُلْهَمُ مبعوثاً من جانبه سبحانه لتبليغ ما أُلهم, إنما يمكن إعتبارهم أنبياء (أرضيون) أنعم الله عليهم الخير كله عبر الألهام و الأستشراق لتبليغ رسالته العظيمة.

قيمة الإلهام و آلإشراق:

إنّ قبول قولٍ بلا حجة ولا برهان ، خروج عن الفطرة ، فالإنسان العاقل هو من يقبل الدّعوى إذا قورنت بالدليل، فصاحب المعرفة الحسيّة أو العقلية يصحّ له تعميم معرفته إلى غيره ، فيرشدنا إلى مُبْصرَاته و مسموعاته ، فنقبلها لأجل تطابق الحسَّيّن .. و يرشدنا إلى ما عَقَلَه ُبالبرهان ، فنتعقله به أيضاً.

و أمّا مُدّعي الإلهام، فبما أنّه يدّعي أمراً غير محسوس ولا معلوم بالبرهان؛ يكون شهوده حجّةً على نفسه و مريديه فحسب، و دليلاً لهم لا لكل الناس, و لا يُمكنه تعميم ما ألهم و أَشْرَقَ على قلبه كما كل  الإشراقيين، وإراءته لغيره ليشاهده و يعاينه ويشرق على قلبه .. لأنّ للإلهام والإشراق مبادئ و مؤهلات خاصة ، كما تقدّم.

و لكن مع ذلك ، لا يكذّب مدّعي الشهود والكشف ، غاية الأمر أنّه لا يمكن تعدية ما انكشف له ليكون قاعدة مطردة في مجالات العلم والمعرفة .. نعم ، إذا تضمَّن الاتّصال بعالم الغيب تنبّؤاً بالوظائف الإنسانية في مجالَيْ العلم والعمل ، كما في الوحي؛ يكون حُجّة على الجميع, و يكون المخبر نبياً ، و التابعون له أُمة ، و للبحث في هذا .. مجال آخر.

كما عرضنا في آلمباحث ألسّابقة بأنّ إشد المصائب على أمّة أو شعب أو حزب أو عشيرة أو جماعة أو حتى عائلة في حال عدم تحقق حقّ اليقين في وجوده؛ هي إصابتهم بالتفرقة و الخصام و العداوة بينهم بسبب (الأنا) و التسلط نتيجة فقدان الثقة و شيوع الغيبة و الكذب و النّفاق لقلة المعرفة و الأدب و إرتكاب الذنوب و في مقدمتها لقمة الحرام التي يكون دورها هدّأم و مخرّب كآلمعول في هدم روح و فكر الأنسان و العائلة و المجتمع ككل, لهذا حذّرنا الله تعالى و كذا المرسلين و الأئمة و المصلحين و الحكماء و العرفاء بوجوب الوحدة و التآلف و المحبة و آلأنسجام بين الجماعة لأدامة الحياة و تأدية ألرسالة التي وجدنا من أجلها على أحسن وجه, لأنّ الخلاف يُؤدي كما وصف القرآن إلى أن الخلاف يؤدي إلى الفشل و ذهاب ريحكم و تضعيف همتكم و توقف تطوركم و نموّكم و رفاهكم, لهذا قال الحكماء و الأئمة (ع) ؛

[لو سكتَ الجّاهل ما إختلفَ الناس] أو [... لإرتاح العالم], لانه يُسبّب تشويش الفكر و تخريب الأذهان, و بآلعكس بآلحكمة و الأرادة القوية تقصر المسافات و تتحقق الآمال!

 قبل بيان تفاصيل موضوع هذا الفصل, و كما أشرنا في نهاية الحلقة السابقة؛ لا بدّ من بيان بعض الحقائق النافذة في المجتمعات القائمة  المختلفة اليوم, بخصوص الفكر أو الرأي آلآخر, فآلدّكتاتوريات الحاكمة بمسميات شتى كآلدّيمقراطية و الأسلامية المؤدلجة و الجّمهوريّة الشعبية و الإشتراكية الليبرالية و الشيوعية و الاميرية و الملكية و غيرها؛ لا تسمح بحريّة الرأي و تداول المسائل الخلافيّة, بل يجب أن يكون بداية و متن و نهاية كلّ موضوع أو بيان أو مقال أو خطاب مختوم باسم و بحُب الأمير أو الملك أو الرئيس أو الحزب الحاكم, و إلاّ فأنك من المخربيين, و يجب معاقبتك بشتى الوسائل الممكنة و المتوفرة حتى تموت من الجوع, فآلعقل نعمة كبيرة علينا الأستفادة منه, و ليعلم المثقفين و المفكرين بأنّ (شرّ آفات العقل الكِبر) و (مّنْ لا يعرف لأحد ألفضل فهو آلمُعجب برأيه) و غيرها من النصوص الكونيّة, و لا يحصل العِلم و المراتب الكونيّة مهما تكبّر كما الأرض العالية التي لا تبقى فوقها ماء .. بل تسيل من جوانبها لتسكن الأرض المنحنية الواطئة, لهذا يجب عليهم إعادة التفكير بوضعهم, و أليكم نصّ من مقال بهذا الخصوص(18):

[وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ].
بالنِّسبةِ لـ (القافُل) كما هو حال المجتمعات ال
بشرية المختلفة؛ فأَنت أَمام أَحد خيارَين؛
إِمَّا أَن تُفكِّر كما يُفكِّر هوَ أَو كما يُفكِّر [عجلهُ السَّمين] الذي يعبُدهُ مِن دُونِ الله تعالى و تعتقدُ بما يعتقدُ بهِ هوَ، أَو أَن تخرجَ من [المجموعةِ] فلا تبقى فيها [تُخرِّب أَفكارنا]!.

خياران لا ثالِثَ لهُما {لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۖ}؟.


 أَو أُسكُت ولا تتكلَّم أَو تكتب أَو تنشُر {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}؟.

ويقولُ تعالى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.

[القافُل] يتلبَّس بلِباسِ الحريصِ على دِينِ النَّاس الذي يحمي البلادَ من الفسادِ بكُلِّ أَنواعهِ ليُحصِّنَ نفسهُ بالقُدسيَّة المُزيَّفةِ في حالِ تصدَّى للمُصلحِ أَو للأَفكارِ التنويريَّةِ أَو أَرادَ أَن يغتالَ شخصيَّة المُتصدِّي للفسادِ والفشلِ بالتَّسقيطِ والمنشُوراتِ الصَّفراء والتُّهم والإِفتراءات.

يقُولُ تعالى {قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ}.

مُشكِلتهُ أَنَّهُ أَجَّرَ عقلهُ لـ [الصَّنم] الذي يعبُدهُ من دونِ الله، فهوَ لا يفقهُ شيئاً على الرَّغمِ من أَنَّ الله تعالى منحهُ القلبَ والعقلَ ليفقهَ بهِما الأَشياء.

وهوَ لا ينظرُ إِلى الأُمورِ بعَينَيهِ وإِنَّما بعُيونِ الآخرين [الصَّنم مثلاً] على الرَّغمِ من أَنَّ الله تعالى منحهُ عَينَينِ ليرى بهِما لا ليضعَ عليهِما غِشاوةً!.

وهو لا يسمعُ مُباشرةً بأُذُنَيهِ من صاحبِ العِلاقةِ مثلاً ليعرِفَ الحقيقة أَو ليُميِّزَ بينَ الأُمُورِ، وإِنَّما استعارَ آذان الآخرينَ ليسمعَ بهِا، على الرَّغمِ من أَنَّ الله تعالى منحهُ أُذُنَينِ ليسمعَ بهِما.

يقُولُ تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}.

وقَولهُ تعالى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}.

ثُمَّ تُعاتبني إِذا وصفتُ (القافُل) بالدَّابَّة مثلاً؟!.

يقُولُ تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

خُلاصةُ الأَمر أَنَّ [القافُل] غافِل في أَحسنِ الفروضِ!.


حيث ختم مقاله بآلقول: فكيفَ نتعامل مع [القافلين], مضيفاً؟

- لا تُجادلهُم لأَنَّ الجِدالَ معهُم عقيمٌ لا يولَدُ منهُ شيئاً وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقُول {فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ} فهُم يستهلكُونَ جُهدك ووقتكَ من دونِ أَن تلمِسَ لكُلِّ ذلكَ أَثرٌ.

- لا تُحاولُ كثيراً نصحهُم فـ [القافُل] يتصوَّر أَنَّ النَّصيحة [تنازُلٌ] ولذلكَ فالتَّركُ أَولى {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِىٓ إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} أَو أَنَّها ضربٌ من الجنُون {إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعْتَرَىٰكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٍۢ}.

- و بالنِّسبةِ  لِـ [القافلِين] فأَنت [خوش آدمي] مادُمتَ تُغرِّد في سربهِم! لكنَّكَ مغضُوبٌ عليكَ [عميل، جوكر، مأجور، وما شِئتَ فعدِّد] إِذا اجتهدتَ برأيٍ فهمُوهُ أَنَّهُ تغريدة [خارج السَّرب] {قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَآ ۖ}.

- تجنَّبهم قدر ما تستطيع فإِذا رأَيتَ أَحدهُم يسيرُ على جانبٍ من الرَّصيف فاقفز أَنت إِلى الجانبِ الآخر، لأَنَّهم يُحاولُونَ دائماً التحرُّش بكَ ليجرُّوكَ إِلى شِباكِهِم، فإِذا نزلتَ إِلى مُستواهم خسرتَ أَشياءً.

- و [القافِلون] قد يتجاوزُون [لسانهُم] فيمدُّوا أَيديهِم إِلى خناجرهِم أَو [كواتمهِم] إِذا أَوجعتهُم برأيٍ قويٍّ دُستَ بهِ على رأسِ [عجلٍ سمينٍ] خاصَّةً إِذا كُنت مكشُوفَ الظَّهر بِلا عشيرةٍ تحميكَ! {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }.

- [القافِلونَ] لا يُناقِشون الأَفكار لأَنَّ الأَفكار لا تعنيهِم، وهُم لا يُحاورُونَ ليصِلوا معكَ إِلى الحقيقةِ أَو على الأَقل إِلى مُنتصفِ الطَّريقِ، لأَنَّ كُلَّ هذا لا يعنيهِم.

إِنَّهُم مُجنَّدون للتَّشويشِ على الأَفكار لتضييعِها، ولذلكَ تراهُم عندما لا يُعجِبهُم رأيٍ أَو يشمُّونَ فيهِ محاولةً لفضحِ فاسدٍ أَو - فاشلٍ، يشرعُون في معرِضِ ردِّهم بالسَّبِّ والتهجُّمِ والطَّعنِ والإِتِّهاماتِ الباطلةِ، فأَين المنطقُ في كُلِّ هذا؟!

أَين ردُّهُم على الفكرةِ والرَّأي؟! لا يوجدُ شيءٌ من هذا القبيلِ أَبداً.

- إِنَّهم الحمقى الذين عجزَ عن مُداواتهِم نبيَّ الله عيسى (ع).

- و صدقَ مَن حذَّرَ منهُم بقَولهِ [ما جالستُ أَحمقاً فقُمتُ إِلَّا وجدتُ النَّقصَ في عقليّ].

و أَخيراً؛ فإِنَّ مُشكلة المُتعصب المُتحجّر فكرياً, أو ما أطلق عليه بـ [القافُل] هي أَنَّهُ يعبُد هواهُ [مصالِحهُ] ؛ [أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ]؟

و المصالحُ تُختمُ – تعمي - القلبِ و البصرِ فلا يبقَ منفذاً للتَّأثيرِ، إِلَّا إِذا لامستَ مصالحهُ!
و لا يتحقَّقُ ذلكَ إِلَّا بالباطلِ عادةً!

·         و هذا النوع هو الشائع اليوم بين مجتمعاتنا و هو الأخطر على الفكر و الأنتاج العلمي, و لعله السبب المباشر في إعتمادنا الأساسي و الدائم على الغرب و الشرق لبناء وطننا, حتى عملية التنظيف لشوارعنا و التي لا تحتاج إلى علوم معقدة.

كما مرّ .. قلنا : بأنّ الفكر و التّفكر يتجمّع و يتشكل في ذهن الأنسان و يستوطن قلبه شيئا فشيئا منذ ولادته بل قبلها من مصادر مختلفة كآلوالدين و المحيط و المدرسة و الأصدقاء و الأعلام و الدّين و غيره - بغض النظر عن صحتها أو عقمها؛ حيث إن سلوكه هو الذي يعكس ماهيّة تلك الأفكار و المبادئ التي إختزنها, فلو كانت تلك الأفكار و المبادئ خاطئة و منحرفة فإنّ آلنتيجة تكون خاطئة و فاسدة, و يظهرون أخلاقا سلبيّة و سيّئة, خصوصاً عند تعاملهم مع حقوق الناس و كرامتهم ناهيك عن الصّفات الأخرى كآلكذب و الغيبة و الحسد و النميمة و الظهور على حساب الآخرين, فهذه كلّها مفاسد تسبب بدورها مفاسد إجتماعية خطيرة تُعمم  وىقد لا تُصلح بسهولة!
و لأصلاح الفكر نحتاج إلى إصلاح المقدمات لتقويم النتائج!

و إصلاح المقدمات لا تكون بشعارات ظاهرية أو محاضرات موسمية أو تزويقات سطحية و كما هو السائد الآن في بلادنا, لأنها لا و لن تؤثر في شخصيّة الفاسد .. بل البناء العقائدي و الفكري  يجب أن يشمل الباطن بتعبئته بكل ما هو خير و أدب, يعني إيجاد الوسائل و الطرق التي من خلالها ننفذ لباطنه لتغذيته بتلك المبادئ حتى يتهيأ المعني للبدء بآلسفر, و هذا ما أكّد عليه الباري تعالى في آية عظيمة هي محور التغيير و علته, حيث قال تعالى:

[...لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم](19), بمعنى عملية التغيير يجب أن تكون شاملة للجميع, و لا يمكن أن يتغيير فرد أو عائلة دون تغيير باقي أبناء المحيط و المجتمع, فآلتأثير هنا متبادل, و الوسائل و البرامج المتبعة قد بيّناها في مواضيع سابقة و في كتاب خاص بهذا الشأن(20), و بذلك نقضي على الأفكار الخاطئة و نستبدلها بآلأفكار النافعة!

وتجدر الإشارة إلى أنّ [الأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر], لها شروط شرعيّة يجب أن يعرفها و يدرسها ألآمِر بذلك, وهي؛

أن يكون محيطاً بآلزمان و المكان.
ألا يؤدِ إلى منكر أكبر من الأول. 

الموازنة في حال اختلط المنكر بمعروف.

المسائل الخلافية لا تدخل في الأمر والنهي.

المعرفة بحال من يأمره أو ينهاه.

أن يكون المنكر ظاهراً.

و قد حدّدت الفلسفة الكونيّة أربعة شروط أخلاقية - فنّية للحوار من أجل التغيير نحو الأفضل وهي:
أن يكون صادقاً في حواره و نقاشه مع الآخر.
أن يكون المناظر واعياً للقضية المطروحة.
أن يعي جيدا ما يطرحه المقابل من مسائل.
أن يقبل بآلدليل الذي لا يُمكن ردّه علمياً. (21).

في سبعينيات القرن الماضي و بينما كنت منهمكاً في هداية البعض(22) بحسب برامج و نقاشات مرحلية وعلمية مُعمّقة كانت بعضها تقتضي أشهراً و ربما يتجاوز العام - لإقناع البعض ممن يدعي الإسلام في هويته – المريض .. ألمنحرف في أفكاره و معتقداته – و أثناء تحركنا و سعينا لأقناعهم بوجود خالق للكون و بآلتالي رسالة يجب الألتزام بها لتحقيق الهدف من وجودنا و في تلك الظروف ألامنية القاسية التي كنّا نُعبّر عنها بسنوات ألمحنة و الجّمر ألعراقي, لصعوبة العمل و التحرك بسبب أجهزة نظام الجهل البعثي المتوحشة التي كان هدفها الأول القضاء على الفكر و الحرية وآلأخلاق و القيم لمسخ الشعب العراق و قد نجح إلىحدّ بعيد, خصوصا لو علمنا بأن رئيسهم الجاهل صدام قد صرّح بعد إستلامه رئاسة العراق؛ بأنه لن يترك العراق إلا أرضا بلا إنسان و بآلفعل كان له ما أراد.

في تلك الأجواء ألرّهيبة .. إهتدى أحد الأخوة و كان طبيباً و مثقفاً لكنه تسبب لي بأمراض مزمنة ما زلت أعاني منها بعد أكثر من 40 عاماً منها قرحة المعدة, على كل حال, قلت له ياعزيزي؛ الآن علينا أن نغتسل و في صباح الغد سنذهب إلى النجف لزيارة قيادتنا الحقيقية المتمثلة بآلمرجعية الدينية, ليبارك الله لنا في إيماننا و عملنا في ذلك اللقاء إن شاء الله, و عند وصولنا في اليوم التالي للنجف ذهبنا بعد زيارة الأمير العلي الأعلى إلى بيت السيد الخوئي (رحمه الله) و جلسنا عنده بحدود ساعة كاملة إستمعنا خلال اللقاء إلى نقاشات جرت بين اية الله السيد محمد حسين آل ياسين و السيد الخوئي و آخرين نسيت أسمائهم, لكن المفاجأة التي حدثت و التي أحزنتني, هي أن أحد أبناء السيد (رحمه الله) تقرّب منّا(أنا و صديقي الذي إهتدى لتوه) وقال بدون مقدمات و هو يؤشر بإصبعه؛ أخي لا يجوز لبس هذا الخاتم (حلقة الزواج) لأنه من ذهب, و الذهب حرام على الرّجال و لو أردت السبب أستطيع بيانه لك!!؟

لكن صديقي العاقل ؛ المثقف ؛ و الذكي ردّه على الفور قائلاً : أنا طبيب و أفهم منك أكثر ولا داعي للتوضيح, فأنسحب السيد و جلس محله, و قبيل خروجنا سنحت لي فرصة قصيرة قلت فيها لإبن السيد ... ما هذا الذي بدا منك كان عليك أن تكون حليماً أكثر .. قضيت ما يقرب من سنة كاملة و أصابني ما أصابني حتى إهتدى و أنت بإسلوبك الجاف قد تركت أثراً سيئا في نفسه؟

حنى رأسه و رحل, و بعد خروجنا من محضرهم, قال لي على الفور: لا يمكنني قبول مثل هؤلاء كقادة لي .. قائدي هو الامام عليّ و الأئمة و الرسول (ص) و هؤلاء مجرد جماعة عاطلة عن العمل و الأنتاج و لا نفع فيهم .. إنزعجت كثيراً و قلت له: يا صديقي العزيز ؛ مهلاً فهؤلاء بشر مثلنا قد يخطؤون و قد يصيبون و عليك أن توسع صدرك .. فهناك مراجع عظام أعظم من هذا بكثير و سأُريكهم, قال هيا إذن, فأخذته على الفور إلى بيت إستاذي الشهيد العارف الحكيم محمد باقر الصدر و كان هذا عام 1978م, و بمجرد دخولنا لحضرته في تلك المقبرة التي كان قد إتّخذها بيتاً و مقرا له, بدأت دموعنا تنهمر بلا إرادة, بعد ما سألني هل هذا هو كاتب (فلسفتنا و إقتصادنا و الأسس المنطقية ووغيرها) قلت نعم يا صديقي الطيب!؟

فبدأ صراخنا و بكائنا يزداد بحيث فقدنا السيطرة على أنفسنا, و الشهيد الصدر ينظر إلينا و عيناه كانت تدمع و كأنه أحسّ بتفاصيل ما جرى و يجري علينا و عليَّ بآلذات, لأنه كان عارفاً و حكيماً و ينظر بعين الله لا بتلك العين المجردة كحاسة للنظر و كما يفعل بقية مراجع الدين التقليديون, لقد كان حقا ممّن تطهّر من كل الموبقات و هو أساساً لم تنجسه الجاهليات الفكرية و لا الحزبية ولا المادية ولا غير .. بل كان منذ الطفولة عالماً و صادقاً و طاهراً كآلماء الزلال, لهذا بقيت أفكاره و علومه نافذة لحدّ الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن عليها, لهداية الناس و كأنه يعيش بيننا.
بإختصار بعد جلوسنا في حضرته بحدود ساعة أيضا خرجنا بعد توديعنا له بآلدموع من تلك الغرفة في تلك المقبرة الصغيرة, و إذا بصديقي الطيب يقول لي و دموعه على خدّيه: [هذا هو الأمام القائد الذي يجب أن يقودنا و يقود العالم]!

خلاصة الكلام ؛ سلوك الأنسان الحكيم و صمته يجزي و يعادل عشرات القصص و المحاضرات أحياناً!؟
و قد قلنا في حكمة كونية : [إذا ضاق بنا ثوب الكلام فعلينا بإرتداء ثوب الصمت].
لذا علينا تعلّم فنّ الصّمت , لنعرف كيف نتكلم بحكمة و بآلتالي نربيّ جيلاً سليماً !
و بتمكننا من القضاء على آفات الفكر و تحصينه من الأنحراف و آلفساد, نتمكن من إحياء الخيال الخصب لتحقيق رسالة السماء بإذن الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء : الآية ٧٠.

(2) سورة البقرة : الآية ٣٤ والإسراء : ٦١. الكهف : ٥. طه : ١١٦.

(3) سورة العلق : الآيتان ٤ و ٥.

(4) سورة البقرة : الآية ٣١.

(5) سورة النحل : الآية ٧٨.
(6) الأنفال : ٢٩.

(7) الحديد : ٢٨.

(8) الأنعام : ١٢٢.

(9) البقرة : ٢٨٢.

(10) نهج البلاغة ، الخطبة ٢١٥.

(11) نهج البلاغة ، الكلم القصار ، الرقم ١٤٧, من كلام له(ع) لكميل بن زياد النَّخعي.

(12) نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٨.
(13) التكاثر : ٣ و ٤.

(14) محمد : ١٧.
(15) الكهف : ١٣.
(16)
الكافي 2 / 613 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران.
(17) الكهف : ١٤.

(18) مقال للكاتب نزار حيدر برقم 15 لسنة 2021
م, من سلسلة (أسحار رمضانية), حيث يطابق صياغته الموضوع.
(19) [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ](الرعد/11) لاحظ الآية بدأت بـ (إنّ) وهي من الحروف المشبهة بآلفعل.
(20) راجع كتابنا الموسوم بـ [أسس و مبادئ المنتدى الفكري], و يختص بكيفية أقامة المنتديات كأفضل وسيلة فاعلة للتغيير و التأثير إيجابيّاً بمسار الأمة كهدف مركزي لفكرنا و تحركنا.
(21) إليكم أسس و شروط
الأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر و تدخل ضمن أصول الدّعوة في آلفلسفة الإسلامية:
العلم؛ ينبغي على الآمر بآلمعروف و الناهي عن المنكر أن يكون على عِلم بالحكم الشرعيّ فيما يأمر به أو فيما ينهى عنه ولا يصح منه الكلام وفق الظن أو التقدير أو وفق ما يلتزمه هو من عادات و أعراف و معتقدات و نحوها مما لا يعرف حكمه, (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر الا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فما ينهى عنه). 
و قيل نقلاً عن بعض الأعلام: (فإن كان من الواجبات الظاهرة أو المحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها تقريباً، و إن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بأصول الاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه و لا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء) إذنْ ثمّة أمور يعلمها آلمسلم و ثمة أمور يختصّ بمعرفتها أهل العلم والمجتهدين، فالمسلم العاميّ يعلمُ أمورَ الصلاة والصيام ونحوها من الواجبات، و يعلمُ حرمة الرِّبا و الغش و كشف العورة فينهى عنها، وهذا ما يسمى بالمعلوم من الدّين بالضرورة، و ما سوى ذلك يختص به أهل العلم.
الأولى فالأولى: القاعدة في هذا أنْ يبدأ بالأمر بالواجبات قبل السنن وأنْ يَنهى عن المحرمات قبل المكروهات، و كثيراً ما يجتمع في الموقف الواحد معروفان أو منكران، فيُشْكِلُ على المسلم بأيّهما يبدأ - بالأمر أم بالنهي؟ فإن الأَوْلى في كل ذلك أن يقدم الفرض قبل السُّنة في الأمر وأن يقدم في النَّهي المُحرم قبل المكروه، إلا إذا كان يَقدر على أحدهما دون الآخر فيأمر أو يَنْهى على ما يقدر عليه دون ما لا يقدر عومن مثال ذلك لو اجتمع في بائع الغش والحلف في البيع، فالغش من المحرمات و الحَلفُ من المكروهات فيجب تقديم النهي عن الغش - على النهي عن الحلف، و لكن إنْ خشي على نفسه أو لم يَقْدِر لسببٍ صحيح على أنْ يَنهى عن الغش فله أنْ يَنْهى عما يستطيعه، و ذلك لا ينفي أنْ يَنْهَى عن المخالفتين معاً لكن لا بد من مراعاة الأولى فالأولى, أمراً أو نهياً, كما قد يجتمع منكر يحتاج إلى نهي عنه مع معروف يترك يحتاج إلى أنْ نأمر به، و مثال ذلك:
إقامة الصلاة بعد دخول وقتها وأحدهم جالس لم يقم إلى الصف و قد لبس لباسا متسخا، فهنا هل يأمر هذا الجالس أن يقوم إلى الصلاة أم يذكر له اتخاذ الزينة من اللباس عند الصلاة؟ وقد يكون الموقف لا يستوعب إلا أمرٌ واحدٌ!
والجواب؛ أنْ يقدم الأولى .. فالأولى وهنا لا شك أنه الأمر بالصلاة.
أ لا يؤدِ إلى منكر أكبر من الأول: وهو فقه مهم يغفل عنه الكثير من الناس بل ربما بعض الدُّعاة، و ذلك مستنبط من الأحاديث الكثيرة التي وردت, يجب الحرث على عدم فوات ما هو أبلغ وأهم منه أو خشية وقوع فتنة بين الناس، وكم سمع الناس بنهي عن منكرٍ جرَّ منكراً أعظم من الأول، وما وقوع ذلك إلا لقلة الوعي و الإخلاص.
الموازنة في حال اختلط المنكر بمعروف: و هذا يشبه النقطة السابقة في وجه، ومن مثال اختلاط المعروف مع المنكر ما قد يقع في بعض المراكز و المساجد مما يخالف روح الإسلام من بدع أو عادات, فإن نهى أحدهم عن تلك المخالفات لربما أدّت إلى نفور الناس عن آلمركز أو المسجد، فالتصرف الصحيح هو الطيب من القول و الهداية إلى الصراط الحميد.
المسائل الخلافية لا تدخل في الأمر و النهي و يجب الرجوع فيها إلى العالم الحكيم: وذلك إذا كان الخلاف معتبراً عند أهل العلم وخاصة عند المذاهب الإسلامية المتبعة، لأنَّ لكل مذهب إمام و دليل عليه العمل، ولا يمكن أنْ يتفق أهل العلم في كل الفروع والأحكام لكن يجب الحفاظ على وحدة المسلمين ما أمكن، والمصيب واحد, لأنّ الحق واحد لا يتعدد والمخطئ غير متعيّن لنا ولا يمكن الجزم بالصواب مطلقا، والإثم مرفوع عن المجتهد وعمّن يتابعه و يقلده ما دام لا يصل حدّ الدّم و ذهاب كرامة أو تشويه سمعة ولا يمنع ذلك من الرّدِّ العلمي ومناقشة المخالف بالأدلة البيّنات ونحو ذلك, و الخروج من الخلاف حسن مستحب مندوب إلى فعله برفق كما قالوا خصوصا حين تحيط المخاطر بآلأمة و تهدد مصيرها.
الخروج من الخلاف أو تركه واجب  إذا لم يلزم منه إخلال بحكم آخر أو وقوع في خلاف آ
عظم أو مفسدة أما الخلافُ الشّاذُ أو غير المعتبر فيحق تركه, بل يجب الإنكار على صاحبه، لعدم قيامه على دليل مقبول ولا قيمة لهذا النوع من الخلاف ولا يمنع من الإنكار.
 يجب المعرفة بحال من يأمره أو ينهاه: و هذا نحو من دخل بلداً وهو لا يعرف عاداتهم أو لهجاتهم أو مذاهبهم الفقهية وسوى ذلك، وخاصة ما قد يكون ممّن حاله الاضطرار كمن جاز له أكل الميتة أو لحم الخنزير، و كمسافر أفطر في رمضان و نحو ذلك واختلال معرفة أحوال من نأمره بمعروف أو ننهاه عن منكر؛ قد يتسبب بالخطأ أو الحرج أو الوقوع في منكر آخر.
أن يكون المنكر ظاهراً: فلا يتحسس و لا يتجسس على الناس، فلا يصحّ و لا ينبغي لمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنْ يتتبع عورات الناس و يكشف أستارهم و لا يبحث عما لم يظهر منهم و هذا فساد عظيم يؤدي إلى دمار المجتمع، و استثنى العلماء من ذلك ما يفوت استدراكه من المُحرَّمات كمن اختلى برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيصح الإقدام على الكشف
واجب لإيقاف وقوع الجرم.
أنْ يكون المنكر واقعاً في الحال لا في الماضي: فلا يجري الإنكار على ما وقع من شخص ما من منكرات في أزمان ماضيّة، إلا إن كان من باب التذكير بالتوبة أو وقوع المفاسد الممكنة و نحوها لمن فرط أو قصر في حقّ الله تعالى أو حقوق الناس
.
تأجيل الأمر أو النهي إلى وقت مناسب: إذا احتمل أن التأخير يسبب الصلاح, فالكثير من الناس نراه من المتعجلين في الأمر أو النهي فيما يصادفه من الأمور و الحقّ أن المسارعة في النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمودة غالباً إذا كانت في الواضحات وفي المواقف التي قد لا تحتمل التأجيل, لكن نخصص الحديث عن كثير من المواقف والحالات التي تحتمل التأخير إلى وقت أنسب أو مكان أبلغ في الأمر أو النهي؛ حتى يحصل التأثير الذي يدفع الناس إلى الاستجابة كأن يؤجل أحدهم أمر أحد جيرانه إلى يوم الجمعة أو إلى وقت زيارته أو حين يجد منه رقة في القلب أو همة في العبادة ونحو ذلك وهذا من الفقه الدقيق والعمل الصالح السليم نسأل الله التوفيق.
استثمار الفرص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: و يقصد بذلك من أوقات وأماكن مخصوصة وتجمعات كالجُمع و الجماعات، فما يتقبله الناس في رمضان أكبر و أكثر مما يتقبلونه في سواه، و كذلك في الحجّ و نحوه من مواسم و أماكن العبادة و المناسبات, ومن خلال ما تيسر بيانه وذكره, و بمراعاته يتضح للمسلم متى يأمر ومتى ينهى ومتى لا يأمر ولا ينهى. فلا ينهى عن منكر وقع في الماضي ولا يتجسس من أجل ذلك ولا ينهى من لا يعرف حاله ولا يُدخل الخلاف الفقهي في مسائل الأمر والنهي ويوازن في حالات اختلاط المعروف بالمنكر ويأمر بالأولى والأهم و دون أن يؤدِ إلى منكر مماثل أو أكبر من الأول ولا يأمر ولا ينهى إلا عن علم و لصلاح و لحفظ كرامة الآخر و عدم تشويه سمعته لرضا هوى نفسه أو كشف عورات الآخرين بإساليب شيطانية, كأن يبدأ كلامه بحسن نيه لكن المراد الحقيقي هو سوء نيّه للنيل من الآخر ويدخل ضمن الغيبة و الكبائر التي لا يغفرها حتى الله تعالى والله الموفق وهو الهادي والحمد لله رب العالمين.
(22) كان البرنامج الذي أعددته لأعضاء التنظيم في الحركة الأسلامية العراقية خلال السبعينات, هو : على للداعية أن يهدي كل يوم أو أيام عراقي واحد لطريق الحقّ بدل طريق الجهل الذي بدأ ينتشر بقوة معت تصدي حزب البعث للحكم, و لم يكن سهلاً .. لأنك كنت تخاطر بحياتك نتيجة دعوتك للناس .. فبمجرد تقرير من أحدهم كان كافياً لئن يتسبب بإعدامك, و قد حدث مراراً و تكراراً.

Thursday, June 10, 2021

العراق سفينة آيلة للغرق

 العراق سفينة آيلة للغرق


ان المخاوف التقليدية التي تنتاب قوات الأحتلال الامريكية والحكومة العراقية من تردي ألاوضاع ‏الراهنة تشير بوضوح الى أن مجرى الرياح في العراق بدأ يتخذ اتجاهات معاكسة لرغبة السفان ‏الامريكي وطاقمه العراقي، كما قال المتنبي” تجري الرياح بما لا تشتهيه السَفَن”. وبدأت رياح السموم ‏تقلق هذه القوات وحلفائها بشكل جدي، رغم قيامها بتوسيع دائرة التآمر وهو تآمر مكشوف ومرهون ‏بظروف متغيرة لا يمكن الأعتداد بها، كما انه يتجاوز طاقة الطاقم وربانه، و يثير ردود فعل متفاوتة ‏على الصعيد الوطني والعربي والدولي، فقد اصبحت ادارة دفة السفينة عبء كبير لايطيق الربان ‏الامريكي تحمله، وان نائب الربان الفارسي أخذ دور الربان الامريكي كاملا في قيادة السفينة وتحديد ‏مسارها، مستعينا ببوصلة الولي الفقيه، كما أن ثقة الركاب باتت محدودة بكفاءة الربان ونائبه الفارسي ‏والطاقم العراقي وقدرتهم على أيصال السفينة الى مرفأ الأمان، او على الأقل ضمان عدم تحطمها ‏بالكامل، حاملة معها كل حمولتها الى القاع العميق. ‏
العراق اليوم دولة آيلة الى السقوط الحتمي في ظل الجمود الأمريكي تجاه التغول الايراني في كل ‏مقدرات العراق، سيما ان الميليشيات الولائية باتت هي التي تتحكم بالقرار السياسي، والرئيس الأمريكي ‏يخشى من وضح حد لهذه الميليشيات الإرهابية على الرغم من مزاعمه بمحاربة الإرهاب، فهو يعتبر ‏النظام الإيراني الراعي الأول للإرهاب الدولي، مع هذا فهو يتفاوض مع راعية الإرهاب. كما انه على ‏علم بأن الميليشيات الولائية في العراق وسوريا ولبنان واليمن هي أذرع الأخطبوط الايراني، وهي ‏اوراق ضغط لنظام الملالي في جميع مفاوضاته النووية وغير النووية، وان قطع هذه الإذرع ستجعل ‏الخامنئي في حال عطل تام.‏
ويعلم الرئيس بايدن بأن نظيره السابق ترامب كان على حق في شدٌ قبضته على رقبة الولي الفقيه وخنقه ‏اقتصاديا، فهو نظام ارهابي دموي لا يؤتمن جانبه مع شعبه، فكيف مع بقية الشعوب؟ ‏
على الرغم من تبجح الرئيس بايدن بملفات حقوق الإنسان كأولويه في سياسته الخارجية كما أعلن في ‏حملته الإنتخابية، فأنه تناول الكثير من هذه الملفات التي تتعلق بالصين وروسيا والسعودية ومصر ‏ولبنان وسوريا وغيرها من الدول، لكن الغريب في الأمر انه لم يتطرق مطلقا الى ملفي حقوق اللإنسان ‏في ايران والعراق على الرغم من إنهما من أخطر ملفات حقوق الإنسان في العالم.‏
ويعلم الرئيس بايدن ان تجربة الرئيس السابق اوباما مع نظام الملالي، كانت أسوأ طريقة في التعامل ‏الأمريكي، فالمليارات المجمدة التي أفرج عنها الرئيس الأسود في البيت الأبيض تحولت الى جيوب ‏الإرهابيين، ولم يلمس الشعب الإيراني أية منفعة منها. ان كراهية الرئيس اوباما للعرب عموما ‏والسعودية خصوصا، وحبه للفرس هو الذي فتح قفص الذئاب الفارسية لتفتك بشعوب المنطقة، ‏فالولايات المتحدة تتحمل جميع المآسي والكوارث التي تعرضت وتتعرض لها شعوب المنطقة، وما ‏هيمنه ايران على المنطقة إلا بتشجيع الولايات المتحدة، ولا يمكن تفسير السكوت الأمريكي تجاه التغول ‏الايراني في المنطقة بالحياد أو عدم الرضا، المنطق العقلاني يرفض هذا التبرير ويستسخفه.‏
فشلت الولايات المتحدة فشلا مريعا في إحتلال العراق، وتسويق تبريرات الغزو، فهي في موقف حرج ‏تجاه شعبها والعالم كله، على إعتبار انها من أتت بالتجربة الديمقراطية الجديدة الى العراق، وحاولت نقله ‏من الدكتاتورية الى عالم الحرية والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، كما تزعم، وكانت النتائج معاكسة ‏تماما في جميع الصعد. ولم تستطع على أقل تقدير تسويق هذه التجربة للعالم، فلا يمكن لصانع ‏الديمقراطية ان يصارح شعبه والعالم بأن تجربته الديمقراطية في العراق كانت فاشلة وفق كل المقاييس. ‏
ولا يمكن ان تبرر الإدارة الأمريكية غزوها لممولي الحرب من كبار أصحاب رؤوس الأموال، ممن ‏وعدتهم بإستثمارات هائلة في العراق بعد الغزو عبر إعادة إعمار ما دمرته الحرب. فقد خرجت من ‏العراق فاضية اليدين فلا نفط ولا استثمارات امريكية، لقد تحولت هذا الموارد العراقية الى العدوين ‏الايراني والصيني، وكما ابتلعت الصين ولاية الفقيه في ايران، فإنها ستبتلع ايضا ولاية السيستاني في ‏العراق.‏
كذلك لا يمكن تبرير غزو العراق تحت ذريعة محاولة إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فقد تبين بطلان هذه ‏الحجة بإعتراف كبار المسؤواين في الإدارة الامريكية، وكشفت الولايات المتحدة عن إزدواجية المعايير ‏في تعاملها مع دول العالم، فقد كان العراق متعاونا مع فرق التفتيش الدولية، على العكس من نظام ‏الملالي المتغطرس، فهو لا يحترم الإرادة الدولية عبر نبرة التحدي برفع مستويات تخصيب اليورانيوم، ‏والولايات المتحدة بدلا من أن تتخذ موقفا صارما تجاه هذا التحدي، تطالب إسرائيل بتخفيف مواقفها ‏والحد من ضرباتها سواء داخل ايران او معسكرات الميليشيات الولائية في سوريا، وهذه المواقف ‏الامريكية والأوربية المتخاذلة تحت مسمى الدبلوماسية الناعمة، تشجع النظام الايراني على التمادي في ‏تحديه للمجتمع الدولي، وفرض شروطه.‏
كما ان مسألة تبرير الغزو بإعتبار العراق من دول محور الشر، وانه يرعى تنظيم القاعدة الإرهابي، ‏تبين كذب التبرير، فلم تثبت وجود اية علاقة للعراق بتنظيم القاعدة، والأمر من هذا ان كبار قادة تنظيم ‏القاعدة مقيمون في ايران، وترفض ايران تسليم القادة الإرهابيين الى الولايات المتحدة. بل إن الزرقاوي ‏بعد مقتله تبين أنه كان مقيما في إيران، وتوجد عدة تأشيرات في جواز سفرة تبين دخوله لإيران عدة ‏مرات، ومنها الى العراق حيث فطس.‏
دمرت الولايات المتحدة افغانستان والعراق، وسلمتهما الى ايران، وانسحاب القوات الامريكية من ‏افغانستان تعني إعادة اللعبة، فطلبان ستعيد سيطرتها لاحقا على افغانستان، والحكومة الأفغانية لا تختلف ‏في ضعفها عن الحكومة العراقية، فلماذا غزا الأمريكان إفغانستان ولماذا انسحبوا منها طالما ان البلد لم ‏يستقر أمنيا بعد؟ اية مسرحية هذه؟
العراق اليوم مهدد بالزوال ككيان ودولة وشعب وأرض وحضارة وتأريخ وهوية وتحاول الحكومة ‏العراقية العميلة البحث عن مخرج لهما من هذه الورطة مع توفير الظروف الملائمة للحفاظ على مكاسبها ‏حاضراً ومستقبلاً، وقد باتت ازمتها حقيقة رغم عدم وضوح بعض ملامحها للرأي العام ويرجع ذلك لعدة ‏عوامل منها ماكنة الأعلام الأمريكي والعراقي حيث تحاول أن تموه حقيقية ما يحصل في العراق معتبرة ‏أن العنف الدموي الذي يشهده البلد سببه الأرهاب الداعشي، دون أن تُحمل قوات الأحتلال نفسها ‏مسؤولية جلب الإرهاب الى العراق الذي كان خالي الساحة من هذا السرطان الذي تفشى مع قدوم قوات ‏الأحتلال، وأنتشر في كافة أنحاء البدن العراقي والمنطقة. ‏
كما ان الحكومة العراقية بدورها لا تزال تتبجح بالمكاسب التافهة التي حققتها ومنها حكومة منتخبة ‏والتصويت على الدستور، دون ان تنظر بعين الأعتبار ان هذه الأنجازات فقدت بريقها الزائف بفعل ‏التزوير الذي صاحب هذه العمليات والنتائج الكارثية التي نجمت عنها. ‏
كما ان الحكومة العراقية تحاول أن تظهر بمظاهر الدولة ذات السيادة وانها العامل المحرك للحياة ‏السياسية، في الوقت الذي ليس لها أي وزن على الصعيد الوطني فهي حبيسة المنطقة الخضراء ولا ‏يجرأ مسؤول عن مبارحتها إلا بعد توفير طاقم كبير من الحمايات والحراسات؟ ‏
اما على الصعيد العربي فأن الحكومة العراقية لا تحظى باحترام الدول العربية والجامعة العربية، وان ‏مظاهر الأحترام الظاهرة ليست سوى جزءاً من متطلبات البروتوكول لا أكثر، وها أمر بديهي، لا يمكن ‏إحترام دولة تقودها ميليشيات ذات ولاء خارجي، وهي أقوى من السلطة التنفيذية، بل انها لا تحترم ‏رئيس الوزراء الذي جاءت به الى الحكم بعد ان كان صحفيا مغمورا فاشلا، لا أحد يعرفه عنه شيئا، ‏وسرعان ما تبرأت منه، واعتبرته عميلا للولايات المتحدة، متناسية ان جميع زعماء العراق هم صناعة ‏امريكية انكليزية بإمتياز.‏
ولا يمكن إحترام دولة تستعمر إيران جنوبها ووسطها، وتستعمر تركيا شمالها، ويعبث حزب العمال ‏التركي بعدة مدن عراقية. ‏
لا يمكن إحترام دولة تضم جيشين، اولهما الجيش العراقي هو الحلقة الأضعف، والثاني هو الحشد ‏السيستاني وهو الأقوى. والثاني لا يحترم الأول، بل يحتقره، ويطعن به دائما، وهذا الجيش في الحقيقة ‏لا يستحق الإحترام، بسبب ضعفة، وضمه ضباط الدمج، وطائفيته المقيتة.‏
ولا يمكن إحترام دولة يُسيرها مرجع فارسي ولائه لبلاده الأم ايران، حتى موقعه الالكتروني في ايران، ‏ومعظم مشاريعه العمرانية في ايران، والإستثمارية في لندن.‏
نقول لهذا المرجع أما آن الأوان لتتخلص مما في رقبتك من ذنوب ارتكبها حشدك، بإصدار فتوى تحله؟
الا يستحق الإستعمار التركي في شمال العراق اصدار فتوى كفائية لمقاومته من قبل ما يسمى بمحور ‏المقاولة او المقاومة؟ شلت يمينكم ان انصفتم الشعب العراقي يوما!‏

حوارٌ مات قبل إتمامه!؟

 

حوارٌ مات قبل إتمامه!؟

خلال الفترة السابقة .. بل منذ عقد تقريباً شرعت بكتابة مجموعة مقالات تنبيهية للمتحاصصين الذين سرقوا بلداً بآلكامل بحاله و ماله و دينه ليكفر معظم الناس, و من ضمن ما أكّدت عليه هو: [حرمة إراقة دم الأنسان حتى لو كان كافراً لخروجه على السلطان(الحكم) مطالباً بحقوقه أو مظلوميته], أما لو كان مسلماً و قُتل فيعتبر شهيداً و تفقد الحكومة بإراقة دمائهم شرعيتها جملة و تفصيلاً ..

وفي مقال آخر ؛ قلت تعقيباً على الأحداث و ثورة الفقراء التي أسموها بـ (الثورة التشرينية) فيما بعد و التي حذّرت المتحاصصين و نبّهتهم عنها بسنوات حتى وصلت حجم الكوارث و المظاهرات و عدد المتظاهرين لعدّة ملايين في بغداد و المحافظات خلال العامين الأخيرين وقد أكّدت عليها قبل وقوعها بعشر تسع سنوات بعنوان (ثورة الفقراء)؛ وقارنت تلك النهضة الجماهيرية الشعبية التي كان عمادها الفلاح و العامل والفني و المسحوق المحروم و كل طبقات الشعب بإستثناء المتحاصصين و من حولهم من المرتزقة؛ بكونها تأتي بعد آلثورة الإسلاميّة حين نهض الشعب الإيراني ضد نظام الشاه حتى سقوطه الرهيب بقياة الأمام الراحل(قدس), و هنا أضيف ميزة أخرى لثورة تشرين هي: أن ألأفضلية الإيجابية لثورة تشرين تتعدى الثورة الإسلامية من باب أنّ الثورة الأسلامية المباركة كانت لها قيادة عظيمة و إمام ثائر بتقدمهم و يرشدهم للخلاص و تلك من نعم الله التي حُرم منها الشعب العراقي لتسلط الطغاة و المنافقين عليه .. هذا رغم تأئييد جميع مراجع الدّين في النجف لتلك الثورة و إعتبار المقتوليين و الجرحى و المعوقيين فيها شهداء في سبيل الله, بحيث فرضت على الحكومة أن تعيين لهم الرواتب و الأضرار!

لكن لم تشاركهم تلك المرجعية"التقيّة" ميدانيّا ًكما فعل الأمام الراحل(قدس) أو الصدْرَيين لأسباب لا مجال لبحثها هنا تعود إلى أصل الخلاف الفقهي بين نظريّة (ولاية الفقيه) و بين (إقامة دولة إسلامية في زمن غياب الأمام المعصوم) ولا مجال لبحث التفاصيل هنا, المهم تمّ تأئييدهم رغم عدم إيمان المرجعيّة بقيام أو حراك ضد الأنظمة الحاكمة, و هذه مفارقة و نقطة جوهرية يجب التوقف عندها
!

يضاف لذلك؛ أن الأمام (الولي القائم بآلأمر) الآن قد أيّد هو الآخر تلك الثورة المظلومة التي قادت و تقود نفسها بنفسها فطرياً ضد الظلم مهتدية بآلأمام الحُسين(ع) وهم - أيّ المتظاهرون - يُواجهون قتلة و قناصين لا يعرفون الرحمة ولا يؤمنون بآلقيم السماوية و لا الأنسانية, بينما معظهم من الكادحين البسطاء بينهم من يعيش على المزابل وفضلات الناس لشدّة فقرهم, هذا بعد ما قست قلوب أولاد الحرام وإنمسخوا بسبب لقمة الحرام والرواتب الحرام والكذب المباح كآلتنفس لهم بجانب النهب العلني لحقوق  المتظاهرين الذين وصل عددهم لأكثر من عشرين مليون عراقي نصفهم 20% يعيشون تحت خط الفقر و الباقي؛ فقراء و مرضى و معوقين ...آلخ

بعد هذه المقدمة  الواضحة كحقائق واقعة كآلشمس عاشها الناس و لحد هذه اللحظة و بآلأرقام الرسمية؛ طلب منّا يوم امس أحد الأصدقاء الفيليين و هو صديق قديم و مشرف على أحد المواقع الأعلامية في (الواتساب) للأكراد الفيليية الذين لا يزالون أفضل من غيرهم من المتحاصصين من ناحية الفساد و النهب الذي ثبت على الجّميع في الرئاسات الثلاث أو الأربع لو قبلنا بكون الأعلام هي السلطة الرابعة .. و أسأله تعالى أن لا يدخلوا - الفيلييون - الحرام كآلباقيين في حال تسلمهم للمناصب الكبيرة .. المهم طلب ذلك الصديق إجراء حوار(1) و نقاش(سؤآل وجواب) معنا حول قضية الثورة التشرينية التي ستُغيير وجه العراق عاجلا أو آجلاً وقضية مقايستها بآلثورة الأسلاميّة لأني سبق أن ذكرت بأنها تأتي بآلمرتبة الثانية بعد الثورة الإسلامية ألمباركة!

فقلت له بعد التي و اللتيا : أخي العزيز؛ نتيجة حوارات سابقة معكم .. أرجو إتباع الشرطين التالين لقبول إجراء الحوار .. و بغير ذلك أعتذر .. و الشرطان هما:
ألأول: الألتزام بقواعد الحوار العلميّ الهادف و هي أربعة شروط تمّ بيانها مفصلا في الفلسفة الكونية وفي مقالات متعددة, ليكون الحوار هادفاً و منتجاُ .. لا كحوار الطرشان .. كتلك الحوارات العراقية – و العربية التي جرت و تجرى الآن من خلال الفضائيات دون نتيجة و لا نهاية علميّة يستفيد منها الناس,  أشرت بأنني سبق وأن أرسلت لكم الروابط و يفترض بكم كإعلامي ومسؤول أن تكونوا إطلعتم عليها.
ألثاني: كي يكون الحوار مفيداً؛ يُرجى نشره على أحدى المواقع الأعلامية ليطلع أكبر عدد ممكن عليه و بآلتالي نكون قد أفدنا لأن العلي الأعلى (ع) يقول في نهج البلاغة: [فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حق], بل الدّنيا نفسها [دار الغرباء و موطن الأشقياء], و إتباعا لهذا النهج لا بد من الإلتزام بآلشرطين أعلاه لئلا يتكرّر ما حدث بيننا سابقا, و لا أدري سبب رفضه رغم إنّ طلبي كان منطقياً و علمياً؟ لربما لم يقرأ أساسا تلك الشروط و حتى الفلسفة الكونية التي تختصر كل نتاج الفكر الأنساني من آدم و للخاتم و ما بعده !؟
حكمة كونيّة: [ما أفلح قومٌ ضاع الحقّ بينهم].
ألعارف الحكيم : عزيز حميد مجيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 .[4:17 p.m., 2021-06-06] (1) إليكم مجمل الرسائل الأولية بيننا ؛
نبدأها بآلمقال المعنيّ: (ألنّهاية آلمُؤسفة قريبة) ألذي إستنبط منه سؤآله:
أصبحتُ لا أدافع عن الأسلام ألذي يُعتبر أعظم حضارة قدّمت و خدمت البشرية بعد ما قادهُ أعظم أئمة و شهداء أطهار و مراجع ثاروا على آلظلم و ما زال مَنْ ينتظر منهم مُرابط على آلخط رغم فساد المُدّعين الذي آخّرَ إنتشار الأسلام لقرون بعد ما أحياه و قدمه الأمام الخميني للأمام قروناً ... يُضحّون بكلّ شيئ للحقّ لا للراتب و المنصب؛ لأنّ آلرّماديّون ألجّهلاء سيضعون صورتي جوار صورة قادة ألشّيعة العار كالمالكي و الرّكابي و الخزاعي و آلصّغير و الحقير و إمشتّت و كلّ مُتحاصص إمتلأ جيبهُ و أقرانه و أبنائه بأموال الفقراء و قوت المجاهدين حتى الطفل الرّضيع منهم وهكذا السُّنة؛ لأنهم ذبّاحون و يكفي هذا لتعريفهم, ليصبح (الأخضر بسعر اليابس) و (ياحوم إتبع لو جرّينة) و هكذا ضاع الحقّ بشكل معقد..بل أصبح الناس يأمرون بآلمنكر و ينهون عن المعروف بسبب المتحاصصين و كما أخبرنا الرسول(ص) بذلك في حديث متواتر و مشهور...
تصوّر رغم كل المآسي التي أحاطت بي .. حاصرني كلّ (المتحاصصون) بإستثناء صديق واحد(...) حين أردت البقاء في العراق بعد رجوعيّ الأخير مشيرين بآلانتماء لأحزابهم و خطوطهم و تنفيذ مشاريعهم للنهب و إلا فلا .. و بما أني حرّ لا أنتمي للجّهل و أحزاب النفاق... (يرجى مراجعة تفاصيل وتكملة المقال في الأنترنيت إن أحببتم)..

ألسؤآل الأوّل وردنا ؛ من الأخ الصديق الأعلامي (...) المشرف على موقع للكُرد الفيليية, هذا نصه:

[6:49 a.m., 2021-06-07] السلام عليكم
ملاحظه فقط هل فعلا تعتقد أن ما تسميه ثورة تشرين جاءت بعد ثوره قادها مرجع كالسيد الخميني و باركها مرجع  عظيم كالسيد الصدر مرتبه  وتطلق عليها بالثوره العظيمه !!!؟؟


اخي ابا محمد .. لست في موضع نقاش و إنما فقط التفاته اتمنى ان تقف عندها!

[8:55 p.m., 2021-06-07]
عزيز : عزيزي (...): وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته:
نعم و الدليل:
حجم تلك الثورة و مطالبها العادلة _ كحقوق طبيعية - و عشرات الآلاف من الجرحى و المعوقين و الشهداء مع ملايين من المتظاهرين و تأئيد المرجعية العليا يعطيها كامل آلدعم و الشرعية الكونية و ليست الدنيوية فقط .. يضاف لذلك حقوق الناس المنهوبة و المهضومة التي تعتبر في نهج الأمام الخميني(قدس) و الصدر المظلوم(رض) نفسه .. وفوقهم مولاهم الأمام علي(ع) خطاً أحمراً لا يستطيع حفنة من المتحاصصين الفاسدين الجّهلاء الذين إمتلأ بطونهم و بطون عوائلهم و من حولهم و حتى أطفالهم الرُّضع بآلمليارات الحرام من حقوق أؤلئك المظلومين المتظاهرين و كأنهم صدام آخر لكن بعباءة شيعية هذه المرة و الشيعيّة منهم براء لأنّ أكثرهم عملاء و جواسيس فقدوا الولاية التي يدّعونها بلسانهم و يرفضونها بقلوبهم و عملهم لأنها تضر بجيوبهم ولا يمكنهم  أن يقرّروا بهذا الوضع مصير شعب يأكله الفقر و الجوع و المرض و العنف و التحاصص و الجّهل لفقدان حتى المدارس التي إمتلأت بها حتى أفريقيا و آسيا و كل بلدان و قارات العالم الفقيرة بينما نحن من أغنى بلدان العالم, و إن المستقبل المجهول و قوى الغرب هي هي التي تُسيّرهم و تتحكم بقراراتهم المركزية .. و إلا كيف يتنمّر شخص عفن جاهل  و صدامي للعظم ما زال يحنّ له مثل البارزاني
ونيرفاني و أمثلاهم من الصهاينة - أستثني المخلصين منهم - يتحكمون بقرارات المركز و يفعلون ما يشاؤون بأموال الفقراء العرب و الكرد و غيرهم .. حيث لا يجرأ أيّ متحاصص أن يعارضه على أبسط القرارات .. و حين يذهب قطبهم الأوحد لبغداد العار تستقبله الحكومة و كأنه رئيس دولة مقدسة و قادم من أعماق الغرب!؟ محبتي لوعيك!

[8:57 p.m., 2021-06-07]
عزيز: عزيزي(...): مآذا أرادَ آلصّدر من آلنّاس؟
أخواني الصّدرييـون: أيها الناس .. يا عالم:
هذا خطاب عظيم للجّميع .. بإستثناء "الدّعاة" ألعار, لأنهم قفلوا بعد ما قتلوا نهج الصّدر و محو مبادئ الأسلام من الجذور في العراق نتيجة تصرفاتهم البطنية و ما دونها بقليل و إصطفوا عملياًّ مع نهج صدام رغم معاداتهم له بآللسان و الأعلام, و كان الأولى بقياداتهم الفاقدة للوعي و الأيمان أن تلتزم بنهج الصدر على الأقل بحسب مدّعاهم لتضمن خير الدارين لكنها فعلت العكس تماماً و ستخسر كل شيئ .. فتولّدت بسببهم (ثورة تشرين الكبرى) التي لا تنتهي إلا بتغيير الواقع بتطبيق نهج الصدر والأقتصاص من الفاسدين و تحكيم العدالة التي نادى بها كل شهيد.

إن أحياء دم الصّدر الأول و الثاني و من إستشهد على نهجهم و الثأر لهم؛ لا يتمّ بآلبكاء أو الأعلام أو مؤتمر يعلن فيه عن كل شيئ إلّا الفكر لأنه عدوّ لدود لكل متحاصص .. أو بلبس السواد و سكب العَبرات و إقامة الفواتح و حتى زيارة قبورهم و مراقدهم الطاهرة أو اللطم عليهم و كما يفعل أكثر أهل العراق الذين يدّعون حُبّهم لآل الصدر .. و هم لا ... (راجع التفاصيل عبر شبكة الأنترنيت) لمن يحب معرفة التفاصيل؟

[9:03 p.m., 2021-06-07]
عزيز : عزيزي الغالي (...) المحترم:
بآلتأكيد قرأت قصّة قوم هود و ناقة صالح .. و مصير القوم لأن شابا واحدا منهم عقر الناقة(أصاب رجلها) .. أكرر عقر الناقة و لم يقتلها:
و ما تبعها من دمار و إنتقام إلهي شامل لهم .. بسبب ماذا ؟ هل كان بسبب قتل شعب أم حتى قتل رجل أو إمرأة أو طفل ؟
هل كان بسبب قتل حيوان؟ هل كان بسبب عجوز مريض أشرف على الموت؟
هل كان بسبب قتل طفل ؟ و كل من ذكرت لهم إعتبار و قدسية و كرامة عند الله تعادل الكون كله بحسب الآيات و الروايات و ليس فقط حرمة الكعبة.. كما إشتهر بين الناس!؟
فكيف يمكن أن لا يكون الأنتقام الإلهي عظيماًُ بسبب قتل أكثر من 800 شهيد و هضم حقوق ملايين من آلمسلمين و أكثريتهم من (الشيعة المحرومين المسروقين) مع جرح و تعويق عشرات الآلاف منهم!؟
فهل هؤلاء الكادحين الفقراء لا إعتبارلهم أو حتى لا قيمة لهم بقدر ناقة(حيوان)!؟
أكرر بقدر ناقة؟ و ناقة تمّ عقرها لا قتلها!؟
يجب يا عزيزي الأعلامي و كل من يسمع خطابنا الكوني؛ أن نؤسس أفكارنا على مفاهيم و قيم كونيّة .. لا حزبية ولا قبلية و لا عشائرية و لا تجسّسية .. كي لا تشتبه علينا الأمور و نخلط الحق مع الباطل و الوهم مع التقدير.

[3:26 a.m., 2021-06-08]
السلام علی-;-کم

أخی-;- الفاضل ابا محمد:

هل حقا انك ترى ان حجم المشاركه الجماهيريه في الثوره الاسلاميه هي بحجم المشاركة في ما يطلق عليه بثورة تشرين!!!
كما ان الاعلام واجهزة التصوير لم تكن في ايام الثورة الاسلاميه كما هي الان فالحال افضل وان كل ما جرى في تلك الثوره لم يتم نقل تفاصيلها كما اليوم.

ثم تقول عشرات الالاف من الجرحى والمعوقين والشهداء حقيقتا لم اسمع بهذا العدد حتى من قناة العربيه والحدث ناهيك عن قنوات العراقيه وغيرها وايضا من مصادر نواشيط الثوره !! لان احصاءات النواشيط والعربيه او بالاحرى قناة العبريه قالت ب حوالي ٧-;-٠-;-٠-;- شهيد و ما يزيد عن ٣-;- الاف جريح.

ثم كما ذكرت لكم قاد الثوره الاسلاميه مرجع كبير يعرفه العدو قبل الصديق وايده مرجع لا يقل منه مكانه وشارك فيها علماء أجلاء كالشهيد مطهري وبهشتي والقائمه طويله فمن قاد ثورة تشرين اليس حسن الوسخ وعلي سبرنكه و...

[8:06 a.m., 2021-06-08]
عزيز: بسم الله الرحمن الرحيم
و سلام عليكم مجدداً يا عزيزي(...) المحترم:
لأجل إستكمال النقاش في حقيقة ما جرى أو سيجري في العراق بخصوص ثورة تشرين العظيمة المظلومة؛ لا بد و أن يكون الحديث شفافاً, لاننا نحكم على أمّة إختلط فيها الحابل بآلنابل و سيطول و يتشعب الحديث في ذلك .. و خوفيّ أيضا أن  لا يكون شفافاً كما حدث في السابق فيضيع كل شيئ و يمحوه محدودية النشر .. لذا و لأجل أن يكون الحوار شفّافاً و نزيهاً و سليماً و مرضيا لله تعالى و رسوله و المؤمنين و نصل لنتيجة؛ أرجو قراءة (شروط البحث و المناظرة ألأربعة) و التي حدّدناها ببيانات واضحة في فلسفتنا الكونيّة ليمكننا إدامة الحديث بشكل سلس و تجاوز المكرّرات الممّلة .. و يفترض أنكم إطلعتم عليها – على الشروط - حيث سبق و أن أرسلت الروابط .. و إلا فحديثنا سيكون لا سامح الله (حديث الطرشان) كما يقال بآلعراقي مرّة أخرى و كما حدث في السابق  و يضيع ساعات عزيزة من عمرنا القصير.. هذا أولا.
و ثانياً : يا صديقي العزيز الطيب: ليس من الأنصاف حصر مثل هذا النقاش الهام و ما سنطرحه من معلومات بيننا فقط و و بآلتالي ضياع معلومات ثمينة وساعات من عمرنا, فلا بُد أن يطلع العالم عليها .. فحتى لو سلمنا بحسن وسلاسة النقاش و نتائجه الطيبة معكم في النهاية؛ فأن الفائدة ستكون في حال عدم نشرها؛ محصورة بيننا و الناس سيُحرمون منها, و لذلك شرطيّ آلآخر هو؛
أرجو فتح صفحة نقاشنا هذا على موقع عامّ كي يطّلع الناس عليه ليستفيد الجميع منه لنشر الوعي ولنستفيد نحن أيضاً من ثوابه يوم القيامة إن شاء الله, و شكرا لتعاونكم و تفهُّمكم لأجل الوصول للحقّ الضائع بشكل معقد بسبب أهل الكروش و العروش ألمتحاصصين.

[8:16 a.m., 2021-06-08]
جواب الأخ (...)؛ السلام عليكم
هو ليس نقاش بيننا وإنما فقط استفسارات عن ما كتبته وهي تعكس بالتالي  ارائكم وقد  اوقفتني .. واتطلع منكم الاجابه عليها لا اكثر واعتقد ان استفساراتي محدّده بنقاط واضحه لا تفرعات قد تجرنا الى حوارات نحن عن غنى عنها.

وهذه النقاط هي التفاتات بسيطه لما سطره قلمك  املا ان لا تفسره في غير محله.

جوابنا للأخ (...), اشكركم مرة أخرى؛

[12:15 p.m., 2021-06-08]
عزيز : عزيزي(...): نعم .. بآلضبط بحسب الظاهر .. و هذا هو ما قصدته أنا أيضا, و بآلتالي فهو  حوار  من (سؤآل و جواب) .. و بآلتالي حتى لو لم يتداخل الحوار نقاشات ..  فأرجو لو أردت و أحببت سماع أجوبة عن ما يدور في خلدك من أسئلة .. سواءاً كانت إيجابية أو سلبية؛ واقعية أو وهمية؛ صحيحة أو خاطئة؛ صريحة أو مبطنة؛ إستفهامية أو إستنكارية, فنحن بآلخدمة و الشرع السماوي و المنطق العقلي و العلم هو الحكم الفص .., فأرجو الألتزام بآلشروط المرسلة إن كان الموضوع يهمك .. مع دعائي بآلتوفيق.
لكن الغريب الذي وصلني بعد كلّ تلك المقدمات الواضحة و السلسلة؛ هو عدم الإكترات بما قدّمته و بيّنتهُ .. ليدخل .. أو ليقوم مباشرة بطرح سؤآله الأول الذي رفضتُ الإجابة عليه طبعاً بحسب مُراده و تسويقه لتغاضيه عن الشرطين الآنفين, و كان سؤآله التالي و بلا مقدمات أو حتى إشارة لما أسلفت خصوصا ما يتعلق بآلشرطين:

[1:12 p.m., 2021-06-08]
أخی ابا محمد: سوالي ألاول: ذكرت لك ان من قاد الثورة الاسلامية في ايران هو المرجع السيد الخميني رض و تبعه ثله من العلماء الاتقياء كالشهيد مطهري وبهشتي وغيرهم كثير ممن عرفوا حينها بقيادة المظاهرات ضد الشاه في المدن الايرانيه .. فمن هم قادة ثورة تشرين العظيمه؟؟؟
ثم أضاف لذلك ما هو الأكثر غرابة و هو:
ارجو الاجابة على سوالي الاول لكي ننتقل الى سوال ثاني وشكرا لك استاذي الفاضل!!؟؟

[1:18 p.m., 2021-06-08]
و كان جوابنا: عزيزي (...) : نعم أسئلة واضحة – أي سؤآله الآنف - و جوابه أوضح أيضا .. لأننا أشرنا له منذ أكثر من سنة و سنعيدها لكم أيضا هنا الآن .. لكن أين إلتزامكم بآلشرطين؟ لذا .. يُرجى ألألتزام .. حتى نتمكن التقدم إن شاء الله. محبتي و أحترامي.
وهكذا توقف الحوار هنا ولم يردنا أي جواب, و مات (الحوار) قبل إتمامه .. و ضاع نصف ساعة من عمرنا بلا فائدة نتيجة الأحكام المسبقة التي تخالف الفلسفة الكونية للأسف.

Monday, June 07, 2021

 ماذا أراد آلصّدْرَيْنْ من الناس؟

مآلذي أراده الصدر من الناس؟ أخواني الصدريين:
أيها الناس:
هذا خطاب عظيم للجميع بإستثناء الدّعاة لأنهم قتلوا نهج الصدر و إصطفوا عملياً مع صدام رغم معاداتهم له بآللسان و الأعلام ربع قرن أو يزيد ..
إن أحياء دم الصّدر الأول و الثاني و من إستشهد على نهجهم لا يتمّ بآلبكاء أو لبس السواد و العَبرات و الفواتح و حتى زيارة قبورهم و مراقدهم الطاهرة و اللطم عليهم و كما يفعل أكثر أهل العراق الذين يدّعون حبهم لآل الصدر .. و هم لا يدركون فلسفة الحب كما غيرها من القضايا الكونية .. بسبب الجهل:
بل - بل كبيرة جداً - يتمّ إحياء نهج أؤلئك العظام بتطبيق رسالتهم و أخلاقهم و فكرهم و عملهم في الواقع و ليس العكس و كما حدث..
أكرّر :
تمّ إحياء نهج أؤلئك العظام الكونيون؛ بتطبيق رسالتهم و أخلاقهم و فكرهم و عملهم على أرض الواقع و ليس آلعكس وفي الأعلام و البيانات الصفراء و كما حدث للأسف.. ولا يتحقق ذلك إلا بعد آلتسلح بفكرهم و تطبيقه على أنفسهم و عوائلهم قبل أي شيئ ..
و معرفة كيفيّة تعاملهم مع نهجهم الحق (المظلوم) أيضا في المجال السياسي؛ يتمّ عبر نصرة المستضعف و معاداة الظالمين لا التحاصص معهم و دعمهم و السُّراق و الفاسدين كدعم البعثيين و البرزانيين و الجواسيس الذين هم الآن يقودون الساحة و يستلمون الأموال و الرواتب و المخصصات للأسف الشديد .. بينما آخرون حملوا همّ بيان و نشر نهج الصدريّن يوم كان الشعب العراقي بقيادة مراجعه التقليديون يركعون على أبواب قصور الصنم الجاهل صدام .. حيث ما زالت أبسط حقوقهم و قضاياهم و مستقبلهم و مستقبل أطفالهم معلّقة للأسف,!بل بعضهم مشرّدون في البلاد لأنّ العراقيين (إخوة إمحيسن) قطعوا سُبل العمل و العيش و الحياة بوجههم بسبب موجة الجهل التي أسدلت أستارها على كل بيت في العراق للأسف.
محبّتي لكل الكونيين..
يقول الحديث الشريف عن مولى الصّدرَيين الأمام عليّ(ع) الذي لولاه ما عرف الناس حتى إسم الله, يقول:
[لن يفلح قوم ضاع الحقّ بينهم].
و السلام على كل من سار على نهج آل الصّدر عملياً إلى يوم القيامة.
ألعارف الحكيم

Saturday, June 05, 2021

النهاية المؤسفة للعراق:

 

ألنهاية المؤسفة للعراق:

أصبحتُ لا أدافع عن الأسلام ألذي قادهُ أعظم أئمة و شهداء أطهار ثاروا على آلظلم و ما زالوا مُرابطين على آلخط يُضحّون بكلّ شيئ للحقّ؛ لأنّ آلرّماديّون ألجّهلاء سيضعون صورتي جوار صورة قادة ألشّيعة العار كالمالكي و الرّكابي و الخزاعي و آلصّغير و الحقير و إمشتّت و كلّ مُتحاصص إمتلأ جيبهُ و أقرانه و أبنائه بأموال الفقراء و قوت المجاهدين حتى الطفل الرّضيع منهم وهكذا السُّنة لأنهم ذبّاحون, ليصبح (الأخضر بسعر اليابس) و يضيع الحقّ بشكل معقد .. بينما للآن لم أستلم حتى تقاعدي الوظيفي بغض النظر عن تأريخي الوظيفي و الجهادي الذي صفحة واحدة منه يُعادل كلّ مدّعياتهم الحزبية و الشخصية!؟ لهذا أشكو بثّي و حُزني إلى الله البصير بآلعباد .. خصوصاً بعد ما أغمضتْ الولاية عينها عن جرائم ألفاسدين عملياً حين أساؤوا لسمعتها بحيث إضطر الوليّ ألفقيه إعلان البراءة منهم جُملةً و تفصيلا بعد إندلاع ثورة تشرين العظيمة التي حذّرتهم منها وجاءت بعد الثورة الأسلامية مرتبة؛ لقد تبرأت منهم أحزاباً و أفراداً, لكنهم ما زالوا يقبضون الرّواتب و التقاعد الحرام بضمنهم مليون أجنبي بينهم جواسيس كُثر مع 600 ألف بعثي مجرم معروف للجميع, فأولى لهم جميعاً توبةً و طاعةً وقول معروف وردّ المظالم, فإذا عزموا الأمر وصدّقوا الله لكان خيراً لهم, و إلّا فالجّميع على رأسهم 500 مُتحاصص مع 5000 آلاف زومبي سيُقدّمون للعدالة كرؤوس للفاسدين وما أفلح قوم ضاع الحق بينهم!؟
 و إن غداً لناظره قريب!؟


حكمة كونيّة: [حلّ مشكلة العراق و حتى العالم لا يتحقق بمحاربة الثقافة و المثقفين و المفكريين و الفلاسفة إن وجدوا, بل العكس بآلوعي و الثقافة التي يُنظّر لها المفكر و الفيلسوف و الحكماء إن وجدوا؛ و الثقافة الكونيّة تنتشر من خلال المنتديات الفكريّة - الثقافيّة - لمسح الثقافة الحاليّة المنتشرة التي سببّت ألمسخ بسبب الجهل و ضياع الحقّ بشكل مُعقّد, و يتمّ من خلال أحيائها داخل الجّامعات و الوزارات و المؤسسات فإنّ لم تستطع فأقمها في المنطقة و المحلة؛ و إن لم تستطع فأقمها في بيتك على الأقل وهو أضعف الأيمان].
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد

ألأنسان ذلك المجهول:

 أل

الإنسانُ ذلك المجهول:
صفحات كونيّة

هكذا بدأ أليكسيس كارل فلسفته لوصف الأنسان و الوجود .. بعد ما إعتبر كل شيئ فيه لغز .. الحياةُ لغزٌ؛ الموتُ لغزٌ؛ طبيعةُ الإنسان لغزٌ, ما أشدَّ غربةَ الإنسان وما أقساها، يعيشُ الإنسان غريبًا ويموتُ غريبًا؟
الإنسانُ غريبٌ في هذا العالَم، غريبٌ عن وجوده المادي في الحياة، غريبٌ عن الزمان والمكان، غريبٌ بعد الموت في العالَم الآخر. يكتب دوستويفسكي: "إن الإنسانَ سرٌّ بالنسبة لي، وهذا السرُّ ينبغي أن يُفسَّر، أن يُشرَح، وسوف أمضي حياتي كلّها في البحث عن هذا السرّ: من أين جاء الإنسان، ومن هو الإنسان، والى أين المصير؟ ولماذا يعتدي الإنسان على أخيه الإنسان؟ ولماذا يكون طيباً أحيانًا، وشريرًا أحيانًا أخرى؟".
وحدُه لحظةَ الموتِ يخوضُ الإنسانُ تجربةً وجودية رهيبة و عصيبة للمرة الأولى والأخيرة، تجتمع فيها أشرس تحديات حياته وأقساها، وكأنها تختصر كلَّ تجارب عيشه الباهضة. تجربةُ الموت متفردةٌ في كلّ شيء، لا تحدث للإنسان إلا مرة واحدة، لا تشبهها أيةُ تجربة كان يخوضها الإنسانُ في حياته. الموتُ هو الحدثُ الوحيدُ الذي يختزل كلَّ أحداثِ حياةِ الكائن البشري المريرة، وأيامِه الموحشة، وامتحاناتِه الحزينة، وذكرياتِه الكئيبة، ومحنه القاسية. تجربةُ الموت حدثٌ فردي تتوقف فيه رحلةُ الحياة الدنيا، لا يكرر الموتُ تجاربَ الحياة اليومية، ولا يتموضع في خبرات الكائن البشري المعروفة، ولا تنكشف للإنسان حقيقتُه ما دام حيًا.
الموتُ حدثٌ مذهل يشطبُ فورًا على كلِّ الفوارق العنصرية والثقافية والدينية والسياسية والمالية والاجتماعية والطبقية، وكلِّ تمييز احتقاري فرضه الإنسانُ المستعلي على الإنسان البائس والضعيف والفقير. في الموت يتوحد الكلُّ رغمًا عنهم، يمحو الموتُ لحظةَ حدوثه كلَّ العناوين والألقاب والرتب والامتيازات والفوارق. يتساوى في الموت: الرئيسُ والمرؤوس، الغنيُ والفقير، القويُ والضعيف، الشريفُ والحقير، وغير ذلك من عناوين فرضتها المجتمعاتُ وصنّفت على وفقها الناسَ تراتبيًا. الموتُ يلغي كلَّ قناع زائف يتلفع فيه الطواغيتُ والجبارون والمتكبرون والمغرورون والمتغطرسون، يضعهم بعد علوّهم، يصفع هؤلاء بشراسة فيمزق غطرستهم، يوقظهم ليستفيقوا فزعين من سكرتهم مذعورين، يسقطهم فجأةً من عليائهم، ليجدوا أنفسَهم بحالة مزرية يتمنون عندها لو كانوا كمَنْ ينظرون إليهم بازدراء واحتقار من قبل، الموتُ يختطف كلَّ الأضواء والشهرة والاستعلاء الذي ظنوا أنه أبدي لن يفتقدوه. الموتُ هو اللحظة التي يرضخ فيها الإنسان كُرهًا للإعلان عن هشاشته وفقره الوجودي وفاقته وإملاقه، لحظةَ الموت يستحقّ كلُّ إنسان الشفقةَ والعطفَ مهما كان مقامُه في الحياة الدنيا. حدثُ الموت يُخرِس كلَّ اللغات، وتكفّ عن دلالاتها عند مداهمته كلُّ الكلمات.كي نفهمَ معنى الموت لا بدَّ أن نمتلك لغةً تحكي خبرةً جديدةً خارجَ سياق ما تعرفه لغتُنا من دلالات. لن تبوح اللغةُ بمعنى الموت مالم تكن منبثقة من فضاء الموت. تعجزُ لغتُنا البشرية عن القبض على حقيقة الموت، لأن هذه اللغةَ ولدت وتنوعت وتغذّت من أحداثِ حياتنا وتجاربِ عيشنا المألوفة. اللغةُ معطى يختزن خبراتِ تعاطي الإنسان مع كلّ ما حوله من بشر وكائنات حيّة وغير حيّة، تتسع اللغةُ لتصوير أكثرِ أفكارِ الإنسان ومشاعرِه وأحلامِه ومتخيلِه، وتعجز عن التعبير عمّا لا يدرك الذهنُ صورتَه، فتنتقل دلالتُها إلى رمزية،كما في دلالتها على الله والغيب.
الموتُ مأزقٌ وجودي، عند مواجهة الإنسان للموت تصمت كلُّ الفلسفات والآداب والفنوان والثقافات واللغات، كلُّها تعجز عن إسعاف الإنسان لحظةَ الموت، لا يُسعِف الإنسانَ في تلك اللحظة إلا صوتُ الله والإيمانُ به. سؤالُ معنى الحياة والموت سؤالٌ ميتافيزيقي، وكلُّ سؤالٍ ميتافيزيقي سؤالٌ فلسفي. لا جوابَ مقنعًا لمعنى الحياة والموت خارج الدين، يتعذر تفسير معنى الحياة والموت ميتافيزيقيا وفقًا للعلوم ولقوانين الطبيعة، ‏في الدين فقط يمكن ان نعثر على معنى للحياة، ‏ومعنى للموت بوصفه طورًا جديدًا لوجود الإنسان، وحياةً أخرى على شاكلة ذلك الوجود.
لا يصنع الكائنُ البشري حاجتَه للدين، الحاجةُ للدين مستودعةٌ في أعماق الكينونة الوجودية لهذا الكائن، ما يصنعه هو أشكالُ تديّنه في حياته الفردية والمجتمعية. ويدلّ على ذلك حضورُ الدين ورموزُه وتعبيراتُه المتنوعة في حياته منذ ظهوره على الأرض حتى اليوم. ‏لا يموت الدينُ إلا أن يموتَ الموت، ولا يستطيع الإنسانُ أن يدفع الموتَ عن نفسه مهما حاول.
أقسى أشكال الغربة غربةُ الروح في هذا العالَم، تغتربُ الروحُ بسبب اختناقها في سجنها المادي. الروحُ حين تفتقرُ للصلة بالله تأكلها وحشةُ الوجود المادي، وتستنزفُ طاقتَها ظلماتُه، فتتيه وينتابها القلقُ والخوفُ والحزنُ والألم، وأحيانًا الهلع. الألمُ قدرُ الإنسان حيثما كان، كلٌ منا يتألمُ على شاكلته، مَنْ لا يتألمُ لا يتكاملُ.
الإنسانُ مخلوقٌ ضعيفٌ هشٌّ يستحقُّ الشفقةَ والعطف والرعاية، عجزُه عن تخليص نفسه من الموت هو ما يفضح هشاشتَه وضعفه. الإنسانُ ضحيةٌ لجهله بنفسه وغربته واغترابه ومصيره. الحياة ُكأنها مكوثٌ في فندق على عجل، لمدة لا تتجاوز ليلة أو ليلتين في أقصى الأحوال، ومثل هذا المكوث السريع جدًا ‏يتطلب: الصمتَ أكثر من الكلام، التأملَ أكثر من الغفلة، الحضورَ داخل الذات أكثر من الحضور بين الناس، السعي الدائم لتأمين منابع إلهام السلام الباطني، وتغذيتها باستمرار بما يثريها ويرسخها. السلامُ الباطني هو المنبع للحياة الهادئة المطمئنة، السلامُ الباطني مفتاحُ سلام المجتمع. حين يفتقدُ الإنسانُ السلامَ الباطني يعيشُ كئيبًا، يتمزقُ من الداخل، يعجزُ عن اطفاء نار الكآبة المستعرة داخله، وتتحول حياتُه إلى سلسلةٍ لا تنتهي من المكابدات النَكَدة المنهكة. ‏
غرورُ الإنسان، وجهلُه بمحدودية قدراته، وعجزُه عن اكتشاف أعماق نفسه، من أشدِّ أسباب غربته في هذا العالَم، وهذه ليست حالةٌ شاذةٌ في بني آدم. لا يتنبهُ الإنسانُ لعجز جسده، وقصورِ معرفته، وهشاشة عاطفته، وخوائِه الروحي. توهمُ الإنسانُ بقوته الخارقة، وغطرسته وتباهيه بأن علمَه يمكن أن يحيطَ بكلِّ شيء، وإحساسُه بأنه يستطيعُ أن يعيشَ في الأرض، ويؤمِّن لنفسه متطلباته المادية والمعنوية، ويتخلص من خوائِه الروحي، من دون أن يحتاح لغيره، وتوهمه بأن الموتَ يمكن أن يقعَ على كلِّ الناس إلا هو، أو على الأقل شعورُه بأن الموتَ يمهله ويمنحه فرصةً بلا نهاية، حتى فراغه من إنجاز كلِّ طموحاته واستيفاء مختلف أحلامه. تتضخم طموحاتُ أكثر الطموحين وأحلامُهم أكثر من قدراتِهم الآنية والمستقبلية بآلاف المرات، ومع ذلك يظلون يلهثون وراءها بلا أن يتوقفوا برهةً ليعيدوا النظرَ في حدود ذواتهم وافتقارهم للامكانات التي يتعذر عليهم تأمينُها ماداموا أحياء.
غفلةُ الإنسان عن السعي لاكتشاف قدراته، وجهلُه بحدود امكاناته يشعره بعدم القناعة، ويستلب منه الهدوء والشعور بالسلام، ويوقع مشاعره في انفعال متّقد يستنزفه. ما يمكنه إنجازُه بالفعل ضئيل جدًا مقارنةً بما تورطه فيه أوهامُه عن قدراتِه اللامحدودة. يلبث الإنسانُ مسجونًا في اغترابه الوجودي، مادام لا يستطيع التحرّرَ من غروره وجهله بقصور قدراته، ويتنكر لاحتياجه إلى الله. اعترافُ الإنسان بشيء من ضعفه، وانتباهُه لقصور قدراته عن أن تنال كلَّ ما يتمناه من شأنه أن يحرّره من الشعورِ الزائف بالاكتفاء بذاته، والاستغناءِ عن الله، وعدمِ الاحتياج للإيمان الذي ينقذه من اغترابه الوجودي. يقول علي عزت بيغوفيتش: (إن التسليمَ لله هو الطريقةُ الإنسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لا حلَ لها ولا معنى، إنه طريقٌ للخروج بدون تمرد، ولا قنوطَ، ولا عدميةَ، ولا انتحار. إنه شعورٌ بطولي "لا شعور بطل"، بل شعور إنسان عادي قام بأداء واجبه وتقبّل قدره).
للإيمان والدين أثرٌ إيجابي بنّاءٌ على الصحة النفسية، وحمايةِ الإنسان من اضطرابات الشخصية، ولولا الدينُ وما يغذّيه من المحبة والرحمة والشفقة والتضامن وكلِّ القيم السامية، لما استطاع النوعُ الإنساني الاستمرارَ في العيش على الأرض كلَّ هذه الأحقاب التاريخية.
ولا يعني ذلك أن الإيمانَ والدين يقيان كلَّ إنسانٍ من الاكتئاب والقلق والهلع وغير ذلك من الأمراض النفسية. الإيمانُ والدين ليسا بديلين عن العلاج والطب النفسي. للأمراض النفسية أسبابٌ مختلفة وعواملُ معقدة متشابكة، يتطلب الكشفُ عنها والتعرّفُ عليها وسائلَ علمية ومهارات خبراء متخصصون، ولا يمكن الشفاءُ منها إلا بمراجعة عيادات نفسية متخصصة، وأحيانًا يتطلب علاجُ الحالات الحادة سنوات طويلة، وتختلف مدةُ العلاج وأساليبُه تبعًا لنوع المرض وشدّته. الإيمانُ يظهر أثرُه بوضوح إن كان الإنسانُ يتمتع بسلامة نفسية، وفي حالات المرض النفسي غير المستعصية يمكن أن يخفضَ الإيمانُ من ضراوةِ المرض وفتكِه بالإنسان، ويجعلَ طريقةَ العلاج أسهلَ ومدّتَه أقصر.