Wednesday, February 21, 2024

العلم و الفلسفة

هدف العلم هو إقامة علاقات عقلانية – علاقات هوية أو سببية – حيث أننا أثبتنا أن هدفه هو التفسير، وأن التفسير هو إقامة علاقات هوية أو سببية بين الأشياء. بعد أن عرفنا كل هذا، دعونا نرى ما هي الشروط التي يجب أن يستوفيها نظام المعرفة حتى يستحق أن يطلق عليه اسم العلم. قبل كل شيء، يجب أن يكون له موضوع مناسب للتفسير، ويجب عدم الخلط بين هذا الموضوع وموضوع أي علم آخر، ويجب تحديده جيدًا. كيف يمكننا أن نفسر عندما يكون الشيء المراد شرحه غير محدد؟ ثانيًا، يجب أن يخضع هذا الموضوع إما لقانون الهوية أو لقانون السببية، الذي بدونه لا يمكن تفسيره، وبالتالي لا يوجد علم. لكن هذين الشرطين الأولين ليسا كافيين: في الواقع، لكي نتمكن من تفسير شيء ما، يجب أن يكون في متناولنا بطريقة ما. إذا لم يكن من الممكن الوصول إليها بالنسبة لنا، فلن نتمكن من القيام بالعلم حولها. إن الوسائل أو الوسائل التي يجب أن يكون تحت تصرف العقل حتى يتمكن من الاقتراب من دراسة هذا الكائن تشكل الطريقة. الشرط الثالث الذي يجب توفره في العلم هو أن يكون لديه طريقة لدراسة الموضوع. ومن خلال هذه المبادئ، دعونا الآن نفحص ما إذا كانت الفلسفة علمًا. وله موضوعه الخاص والمحدد جيدًا والذي لا يتعامل معه أي علم آخر: حالات الوعي. وبذلك يتحقق الشرط الأول. – إن الحقائق التي تشكل موضوعه تخضع لعلاقات عقلانية: لا يمكن للمرء أن يدعي أن حالات الوعي تفلت من قانون السببية. وبذلك يتحقق الشرط الثاني أيضاً. – وأخيرًا، للفلسفة منهجها، المنهج التجريبي: فهي بالتالي تستوفي الشروط الثلاثة اللازمة للحصول على لقب العلم وربما اعتباره علمًا بحق. بما أن الفلسفة علم، فما هي علاقاتها بالعلوم الأخرى؟ في بداية التخمين، اعتقد الفلاسفة، بسبب الثقة المفرطة، أن هذا العلم يشمل كل العلوم الأخرى، وأن الفلسفة وحدها تؤدي إلى المعرفة العالمية. ومن ثم فإن العلوم لن تكون سوى أجزاء وفصول من الفلسفة. إن تعريف الفلسفة وإثبات حقوقها كعلم متميز يكفي لبيان عدم جواز قبول هذه النظرية. في أيامنا هذه ظهرت فكرة أخرى: لقد تم التأكيد على أن الفلسفة لم يكن لها وجود خاص بها وأنها كانت فقط الفصل الأخير من العلوم الوضعية، وتجميع مبادئها الأكثر عمومية: كان هذا، على سبيل المثال، فكر أوغست كونت. وما علينا إلا أن نستحضر تعريف الفلسفة لدحض هذه النظرية. للفلسفة موضوعها الخاص، حالات الوعي، موضوع مستقل عن موضوع كل العلوم الأخرى. هناك، هو في بيته، مستقل، وإذا أراد أن يشرح موضوعه فإنه يمكن أن يستعير من علوم أخرى، فهو على أية حال لا يخلط مع أي منها، ومع ذلك يبقى علماً متميزاً بين العلوم الأخرى. فما هي إذن علاقات الفلسفة بهذه العلوم الأخرى؟ – هناك نوعان: العلاقات العامة، وهي واحدة في جميع العلوم؛ العلاقات الخاصة التي تختلف من علم إلى آخر. دعونا نلقي نظرة على التقارير العامة أولا. إن الأشياء التي تدرسها العلوم الإيجابية المختلفة لا توجد لدينا إلا بقدر ما هي معروفة. أما العلم الذي يدرس قوانين المعرفة فهو الفلسفة. ولذلك فهو يقع في المركز الذي تتلاقى فيه جميع العلوم، لأن العقل نفسه يقع في مركز عالم المعرفة. لنفترض على سبيل المثال أن الفلسفة قررت أن العقل البشري، كما اعتقد كانط، ليس له قيمة موضوعية، أي أنه لا يستطيع الوصول إلى الأشياء الحقيقية، وبالتالي فإن جميع العلوم محكوم عليها بأن تكون ذاتية فقط. دعنا ننتقل إلى تقارير محددة. وهم نوعان: الفلسفة تأخذ من العلوم الأخرى وتعطيها. وتستعير الفلسفة من العلوم الأخرى عددا كبيرا من الحقائق التي تعكسها والتي تسهل تفسير موضوعها. على سبيل المثال، من المستحيل القيام بعلم النفس دون اللجوء إلى تعاليم علم وظائف الأعضاء. عندما نتأمل في الظواهر الخارجية، يجب علينا أن نأخذ بيانات الفيزياء والكيمياء كأساس لتفكيرنا. ومن ناحية أخرى، تستخدم العلوم المختلفة، لتأسيس نفسها وبنائها، وسائل مختلفة، اعتمادًا على ما يتعين عليها تفسيره: الرياضيات لديها استنتاج؛ الفيزياء والتحريض. التاريخ الطبيعي، التصنيف. لكن من يدرس هذه العمليات؟ إنها الفلسفة. إنها تضع نظريتها، وترى الشروط التي يجب أن تخضع لها للحصول على نتائج عادلة. ولذلك، فهي تتساءل كيف يجب الجمع بين هذه العمليات المختلفة بشكل مختلف لدراسة الموضوعات المختلفة للعلوم المختلفة. باختصار، فهو يسعى إلى إيجاد أفضل طريقة لكل علم معين. وهذا حتى موضوع جزء مهم من المنطق يسمى المنهجية. هذه هي العلاقات بين الفلسفة والعلوم المختلفة التي تحيط بها.

فشل الإسلاميين في عقيدتهم :

فشل الإسلاميين الذريع في اختراق العملية الثقافية في العراق د. علي المؤمن على الرغم من أن الجماعات الإسلامية الشيعية هي جماعات عقدية ثقافية بالأساس، في تكوينها وأهدافها ووسائلها، وهكذا بالنسبة لعموم المثقفين المتدينين الشيعة، وأن العملية الثقافية هي محور حركتهم وأهم أدواتهم، إلّا أن ما حدث بعد العام ٢٠٠٣ في العراق، كشف عن فشل ذريع للإسلاميين الشيعة في الإمساك بالعملية الثقافية ووعي أهميتها، برغم إمساكهم التدريجي بالعملية السياسية وبأغلب مفاصل الدولة، من خلال إرادة عالية على التنافس والتدافع وكسب أصوات الشعب واكتساح الانتخابات، ووعي موضوعي بأهمية الإمساك بالعملية السياسية والأمنية. وليت اهتمامهم بثقافة الدولة وإعلامها وفنونها ومؤسساتها ونقاباتها، يصل الى واحد بالمائة من اهتمامهم بالعملية السياسية والمالية والأمنية. ولا أنفي وجود وعي نظري نسبي بأهمية العملية الثقافية والإعلامية والفنية لدى كثير من الإسلاميين، وخاصة لدى مثقفيهم، ولكن على المستوى الواقعي والعملي يختفي هذا الوعي عند الجميع، حتى نجد أنهم لا يعون خطورة إدارة ظهورهم للعملية الثقافية والإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، ومؤسساتها ونقاباتها، والتي لا تقل عن خطورة التفريط بالعملية السياسية والأمنية، ولا يعون خطورة فشلهم الذريع في الإمساك بالعملية الثقافية والإعلامية، وتسليمها على طبق من ذهب للبعثيين والشيوعيين والعلمانيين، الذين باتوا يوجِّهونها وفق أجنداتهم وأهدافهم وأفكارهم وخلفياتهم السياسية والايديولوجية، حتى بات الإسلاميون غرباء عنها بالكامل. ومن خلال التأمل في واقع المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والمدنية التي تصنع ثقافة العراق وإعلامه وفنونه وآدابه، وتوجهها، ومن يمسك بها وبتفاصيلها وجسدها؛ سنقف على هذه الحقيقة بوضوح: 1- وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية والفنية والإنتاجية التابعة لها 2- شبكة الإعلام العراقي والقنوات والإذاعات والمؤسسات الإنتاجية التابعة لها 3- بيت الحكمة وأقسامه 4- نقابة الصحفيين، في المركز والمحافظات 5- نقابة الفنانين، في المركز والمحافظات 6- مؤسسات الإنتاج الدرامي والفني 7- شارع المتنبي ومؤسساته الثقافية 8- اتحاد الأدباء والكتاب. ولا يتصور أحد أن البعثيين والشيوعيين والعلمانيين مهيمنون بالقوة على هذه المؤسسات، بل أنهم جاءوا من خلال مهنيّتهم ونشاطاتهم واندكاكهم بها من جهة، وعبر الانتخابات الحرة من جهة أخرى، ولأنهم وجدوا أنفسهم متفردين بهذه المؤسسات من جهة ثالثة، بعد أن ظل الإسلاميون، مصرين على إهمالها، وعلى إثبات وعيهم الفاشل بها وبأهميتها وخطورتها. ولعل هناك من يتذرع بأن المتدينين عموماً والإسلاميين خصوصاً، محارَبون في هذه المؤسسات ولا يُسمح لهم بأن ينشطوا فيها، بسبب هيمنة البعثيين والشيوعيين والعلمانيين عليها. نعم؛ ربما يكون جزءاً من هذه الذريعة صحيحاً، لكن الأصح هو أن الحرب والإقصاء والتمييز أمر طبيعي في هذه الحالات، ولا يتحمل البعثيون والشيوعيون والعلمانيون مسؤوليته، لأنهم الأكثرية العددية والنوعية في هذه المؤسسات، وأن المتدينين والإسلاميين غرباء فيها، وبالتالي؛ من حق الأكثرية المهيمنة التمسك بامتيازاتها ووجودها، وفرض عناصرها البشرية وتوجهاتها وأهدافها الخاصة على هذه المؤسسات، وخاصة أنه يتم تحت سقف القانون غالباً. وقد يتصور بعضهم أن استبدال المسؤول العلماني، سواء تمثل بالوزير أو وكيل الوزير أو المدير العام أو رأس المؤسسة والنقابة، بمسؤول إسلامي؛ سيحل المشكلة، والحال؛ إن هذا التصور غير صحيح وغير عملي، لأن المشكلة هي في مفاصل هذه المؤسسات وتفاصيلها وجسدها؛ فالإسلاميون الشيعة تسلموا في فترات سابقة المناصب الرأسية لبعض هذه المؤسسات، لكن المفاصل والأهداف والتوجهات والنتاجات العلمانية لهذه المؤسسات بقيت كما هي، وكانت مهمة الإسلامي الذي يقف على رأس المؤسسة؛ التعامل مع الواقع كما هو، وتصريف الأعمال كمدير محايد تجاه انتمائه العقدي، وليس بوصفه إسلامياً يحمل هموم أهداف انتمائه الديني والسياسي، في حين أن المسؤول البعثي والشيوعي والعلماني، يفكر بوقعنة انتمائه وهويته الايديولوجية على عناصر المؤسسة ومشاريعها. فمثلاً؛ أبدى أحد المثقفين والمفكرين الإسلاميين؛ استغرابه من عدم استضافته في برنامج حواري على قناة العراقية يتحدث فيه الضيف عن سيرته الثقافية والفكرية، ومن أن البرنامج يستضيف العلمانيين فقط أو بعض المثقفين الإسلاميين المتحولين من ذوي النزعات الليبرالية والعلمانية؛ فقلت له: البرنامج جيد للإنصاف، لكن من حق مقدمه ومعده أن يحصر ضيوفه بالعلمانيين؛ فهو يعبر عن هويته وانتمائه من خلال ذلك، كونه علمانياً معادياً للجماعات الإسلامية والمثقفين الإسلاميين، ومسؤوله علماني ومدير القناة علماني ومدير الشبكة علماني؛ فكيف تريد أن يستضيفوك؟! ولعل هناك من يتصور أيضاً؛ إن هذا الكلام ينطوي على إشارة لإقصاء العلمانيين من هذه المؤسسات، بأسلوب تعسفي وغير قانوني وغير حضاري. كلا بالتأكيد؛ فالعلماني يتساوى مع الإسلامي في الحق في التواجد في أي منصب ومفصل من مفاصل الدولة ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية؛ فكلاهما عراقي ويحظى بالحقوق والواجبات نفسها تحت سقف القانون. أتذكر قبل (15) سنة تقريباً؛ كنت برفقة صديق صحفي إسلامي مخضرم عند رئيس الوزراء؛ فبدأ الصديق بالشكوى من وجود أحد البعثيين وأبواق النظام الصدامي على رأس إحدى النقابات، وهناك من يشيع بأنه مدعوم حكومياً؛ فنفى رئيس الوزراء وجود أي دعم حكومي لهذا الشخص، وقال بالحرف الواحد: هذا الرجل جاء الى رأس النقابة وفق القانون، بانتخابات حرة نزيهة.. اذهبوا أنتم وانشطوا في النقابة وليكن لكم وجود حقيقي، ثم نافسوه في الانتخابات، واحصلوا على رئاستها، أما أن تتدخل الحكومة في هذه الأمور فهذا لم يكن ولن يكون. من جهتي؛ أيدت كلام رئيس الوزراء؛ لأن المثقفين الإسلاميين تعودوا على الشكوى والتململ داخل اجتماعاتهم وجلساتهم وندواتهم ومجموعات التواصل الاجتماعي التي تجمعهم، ويطالبون الزعماء السياسيين بدعمهم في التعيين في مواقع المسؤولية، دون أن يتحركوا ويقتحموا العملية الثقافية والإعلامية والفنية، عبر حركة تنافسية جماعية مدروسة، ويتخندقوا في عقلها وجسدها، ويوجهوها وفق أهدافهم الإسلامية. كما أن أغلب المثقفين الإسلاميين يفضل أن يعمل في إطار العملية السياسية، وأن يكون في منصب إداري أو استشاري أو عضواً في مجلس النواب أو سفيراً، أو حتى مسؤولاً خارج اختصاصه الثقافي، دون أن يكلف نفسه عناء السعي وبذل الجهد الجماعي مع إخوانه في إطار العملية الثقافية. بل حتى الزعماء السياسيين أنفسهم، لو تم تخيير أحدهم بين أن تكون حصة حزبه مواقع سياسية واقتصادية وتشريعية وأمنية، وبين أن تكون مواقع ثقافية؛ لفضّل الأُولى قطعاً. وعلى سبيل فرض المحال؛ لو كان الأمر بيدي؛ لعقدت اتفاقاً مع الشيوعيين والبعثيين والعلمانيين القابضين على العملية الثقافية والإعلامية والفنية ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية ونقاباتها واتحاداتها في العراق، وبموجب الاتفاق أُسلِّم العملية الثقافية لكوادر ثقافية إسلامية متخصصة، أعرفهم بالأسماء، مقابل إعطاء الشيوعيين والبعثيين والعلمانيين ما يشتهون من وزارات ومؤسسات سياسية وخدمية وعلمية. ولا أقصد هنا تسليمهم الحكومة ومجلس النواب والقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية؛ ليعيدونا الى أيام المقاومة الشعبية وحبال المشانق والسحل وانتهاك الحرمات والمقابر الجماعية وطبول الحروب وقمع من لا يكون معهم، وخنق صوت من لا يطبِّل لهم. كلا بالطبع؛ بل أتحدث عن فتح الفرص أمامهم في المؤسسات السياسية والخدمية والعلمية، مقابل تخليهم عن العملية الثقافية والإعلامية والفنية ووزاراتها ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية ونقاباتها. ولعل هناك من يقول؛ بأن التقسيم الحالي للواقع العراقي هو تقسيم جيد؛ فالعملية السياسية والأمنية بيد الإسلاميين الشيعة، والعملية الثقافية والإعلامية بيد العلمانيين، وبالتالي؛ لا داعي لأي تغيير. والحقيقة أن هذا الكلام يتعارض مع بديهيات تكوين الإسلاميين وغاياتهم وأهدافهم؛ لأنهم جماعات ثقافية بالأساس، كما ذكرنا في المقدمة، وأن العملية الثقافية هي أداتهم الأساسية قبل العملية السياسية، وإن صناعة العملية الثقافية وتوجيهها نخبوياً واجتماعياً وشعبياً هو واجبهم الذي تأسسوا من أجله، إضافة الى أن هوية الإسلاميين منبثقة من هوية العراق الثقافية ومن الانتماء الاجتماعي الديني للشعب العراقي، ويعون هذه الهوية ولوازم تأصيلها بعمق، على العكس من العلمانيين والشيوعيين والبعثيين، الغرباء عن هوية العراق الثقافية وانتمائه الديني، والذين يعملون بشراسة ضد هذه الهوية، منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وحتى الآن، وبالتالي؛ فهم إما أُمّيون في مجال استحقاقات الهوية العراقية ولوازمها أو معارضون للجوهر الثقافي لهذه الهوية، ويعملون بالضد منها. وأقول عن دراية كاملة؛ إن هناك مثقفين ومفكرين وإعلاميين وصحفيين وكتّاب إسلاميين شيعة، أعرف شخصياً (١٠٠) منهم حداً أدنى، بعضهم عاد من الخارج وبعضهم عاد الى الخارج، وآخرون تكوّنوا داخل العراق بعد العام 2003، وهم مهنيون ومحترفون من الطراز الأول، بل لا يرقى لمهنية بعضهم أي بعثي وشيوعي وعلماني، وتصل خبرة من كان منهم خارج العراق الى (٣٠ ـــ ٥٠) سنة، وكثير منهم أصحاب شهادات عليا، وكان أو لا يزال لدى بعضهم زمالات ومسؤوليات في أرقى المؤسسات الثقافية والبحثية والإعلامية والجامعية في الخارج، لكنهم بعيدون عن العملية السياسية من جهة، وغير مؤثرين في العملية الثقافية والإعلامية والفكرية للدولة، لأنهم خارجها من جهة أخرى، ويمارسون نشاطاتهم الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية بشكل فردي من جهة ثالثة؛ لذلك فهم مركونون جانباً أو ركنوا أنفسهم، ولا يعرفهم سوى بعض النخب وأصحاب الاهتمام. ختاماً؛ أرى إن فشل الإسلاميين الشيعة الذريع في هذا مجال العملية الثقافية في العراق، بالرغم من هيمنتهم النسبية على العملية السياسية والأمنية، تعني باختصار فقدانهم الوعي بالأهمية المصيرية للعملية الثقافية والإعلامية والفنية، وعدم تحسسهم خطورة عدم تواجدهم الكمي والنوعي في مؤسساتها، على أساس المهنية والتخصص، وصولاً الى التنافس القانوني والحضاري على توجيه أهدافها ومشاريعها ونتاجاتها.

Tuesday, February 20, 2024

ثلاث مطارق و سندان عريض !؟

ثلاث مطارق و سندان عريض!؟ من فكر و تقريرات العارف الحكيم عزيز حميد مجيد : العراق يتألّم و يئن وينزف بحرقة تحت و طأة ضربات ثلاث مطارق ثقيلة و سندان طويل و عريض : الأولى : مطرقة إيران التي لا و لن تنسحب من العراق. الثانية : مطرقة أمريكا التي يستحيل خروجها من العراق. و الثالثة : مطرقة المتحاصصين المتربعين على قوت و دم الفقراء(1). أما السندان العريض؛ فهو الجّهل المركّب الذي أحاط و خيَّمَ و دبَّ حتى في أوساط مَنْ يُسمّون أنفسهم بآلمثقفين و الأعلاميين و آلعلماء, و ليس السياسيين منهم فقط .. وليس فيهم رجل رشيد واحد .. لأن ذلك الواحد متغرّب و مُهدّد بآلجوع و بآلقتل و الأعدام لخوفم من أفكاره و فلسفته الكونيّة التي تُنّظر للخلود و للنجاة و الخلاص من أيديهم الملوثة بدم و قوت الأبرياء ألذين يتحملون هم أيضاً جزءاً من وِزْرِ تلك الدماء الزاكية التي سالت .. كدمّ العليّ الأعلى(ع) و دم الحسن(ع) و الحسين(ع) و الصدر(ع) و كل شهيد مات جوعاً و عطساً بسبب الأحزاب و الحاكمين و كل من إنتمى لتلك الأحزاب الجاهلية .. و التي تسبّبت في النهاية بنزول هذا البلاء العظيم على العراق و المنطقة و حتى العالم!؟ لأنهم(المستضعفون) بآلمقابل أيضاً مذنبون لأنهم لم يقرؤوا و لم يفقهوا فلسفة الوجود و الحكم .. و بآلتالي لم يتعاونوا لنشر الفكر والمعرفة .. بل تفرّقوا لأحزاب و شيع و كتل و مليشيات كل يريد النار لقرصه .. لذلك لم يحموا من أراد حمايتهم بصدق .. فدمدمَ عليهم ربّهم بذنبهم بثلاثة مطارق و سندان عريض فسوّاها. و [ما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله و رسوله أمراً أنْ يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً](ألأحزاب/36). و الله يستر من الجايات...؟ ألعارف الحكيم : عزيز حميد مجيد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ظلم هؤلاء(المتحاصصين) الذين أكثرهم من ذوي القربى و الذين تعامل معنا بعضهم ذات يوم .. أشدّ و أقسى و طأة من ظلم المطارق ألاخرى مهما كانت ضرباتهم ثقيلة و قوية.. فإنهم في الأخير يريدون الخير لشعوبهم على حساب الشعوب الأخرى, أما (المتحاصصون) فيريدون الشّر و الجوع و الفقر لشعوبهم لمصالحهم الخاصةو الحزبية على حساب شعبهم.. و : ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة .. على المرء من وقع الحسام المهند. أو كما قيل و قلنا أيضاً : أعلّمه الرّماية كلّ يوم .. و لمّا إشتدّ ساعده رماني .. وكم علّمته هجر القوافي .. بكل قافية هجراً هجاني ..

Monday, February 19, 2024

هل من مجيب شريف و نزيه !؟

صرخة الصرخات : هل من مجيب نزيه و شريف !؟ ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد إيران تقول رسمياً على لسان خارجيتها : لا و لن نترك العراق إلّأ بعد خروج الأمريكان!؟ و أمريكا تقول: لو تركنا العراق فأنّ إيران ستستحوذ على العراق و تسيطر على المنطقة!؟ لذلك لا أحد منهم سيترك العراق حتى آلنهاية!؟ طيّب أيّها الأخوة المنطقيون ؛ ما آلحلّ؟ وسؤآلنا : ما الحلّ إذن للعراق المحكوم ليس فقط بتلك القوتين ألعالميتين .. بل بقوة ثالثة أيضا و من الداخل و هي خطر المليشيات المتحاصصة لنهب الفقراء في هذا الوسط.؟؟ و ما ذنب العراق و الشعب الذي وقع بين مطرقتين و سندان عريض!؟ تصوّروا؛ إلى أين وصل الغباء السياسي في العراق نتيجة الجّهل و الشهوة الذي خيّم على المتحاصصين الذين أبدى بعضهم تخوفه من التقسيم المناطقي و آلأقليمي الذي دعت له بعض الأطراف؛ بينما العراق في الحقيقة قد قُطّع إربا إربا و قُسّم لطبقات عديدة و فوارق طبقية و إجتماعية مخيفة نتيجة القوانين الظالمة و النهب و الرواتب المليونية و لقمة الحرام التي ملأت بطون السياسيين القادة منهم و ما دون حتى الخط الثالث!!؟؟ و هل سيكون للعراق مع هذا الوضع الداخلي و الخارجي و الفوضى العارمة أيّ مستقبل أو أمل أو فرج مع الساسة الوحوش الحاكمة بعناوين و لا فتات مختلفة كحزب الأسلام و حزب الله و الدعوة و الديمقراطية و الليبرالية و الوطنية و البعثية التقدمية و العلمانية و غيرها؟ و خيرهم ينادي و يجاهد لأجل الدولار و الله العظيم. و إلى متى تتنزل الصواريخ و الراجمات على رؤوس الأبرياء و العزل و المجرمين من الأحزاب الفاسدة الحاكمة معهم أيضا!؟ إلى جانب النهب و السلب الذي يمارسه المتحاصصون و الحكومات و الاحزاب و فوقهم بقوانين برلمانية و حكومية جائرة على مقاس جيوبهم!؟ هل الصدريون سيكسرون طوق الجمود و يهبون لأنقاذ الوضع إن كانوا قادرين!؟ أم المرجعية الدينية العظمى التي هي الأمل الوحيد الباقي ستتدخل لحل هذا الموقف الخطير كما فعلت ضدّ داعش وهزمتها بفتواها المباركة بعد أحتلال العراق !؟ أو لا هذا و لا ذاك و لا أي جهة : بل الأمر قد تمّ الأتفاق عليه من الدول العظمى و أدواتهم و أحزابهم لأنهاء العراق و تركه يذبح بآلقطن ليبقى أرضاً بلا إنسان(بشر بلا أخلاق) كما قالها صدام اللعين؟ هل من مجيب شريف و نزيه للجواب و للخلاص بعد ما مسخوا العراق و العراقيين جملة و تفصيلاً !؟ ألعارف الحكيم: عزيز حميد مجيد

Saturday, February 17, 2024

الوجه الآخر لداعش :

الوجه الآخر لداعش نساء من عائلة البغدادي؛ يكشفن عن الوجه الآخر لحقيقة داعش: معظم الدواعش كانوا جُناة و مجرمين في سجون الجزائر و المغرب و تونس و الاردن و السعودية و غيرها تطعوا لتنفيذ رغباتهم بآلدرجة الأولى و كانت: https://ahewar.org/rate/ys.asp?yid=5507193

حقيقة الجمال في الفلسفة الكونية :

إشكاليات البناء المنهج و الفكري في بلادنا :

أدناه دراسة لبرنامج البناء المنهج ( للارتقاء بوعي النخب الواعدة ) للارتقاء بوعي النخب الواعدة مع الاستاذ عمر المشهداني * البرنامج على مستويات ثلاث،وفي كل مستوى هناك أربع مراحل، وكل شيء منظم ومجدول ومفهرس بشكل مدروس. * يعاني الجيل الصاعد اليوم من أمراض شتى على مستوى الشبهات الفكرية أو الإلحاد أو ضعف التزكية وكلها أمراض يستهدفها البرنامج لإنقاذ جيل كامل من الضياع. *تتمحور مستويات البرنامج حول(التأصيل والبناء والتمكين)، ومدة الدراسة فيه تستغرق 5 سنوات يكتسب الطالب خلالها من العلوم والمعارف والوعي الشيء الكثير . حاوره / أحمد الحاج يواجه كوكبنا الأزرق اليوم ظاهرتين خطيرتين تسببتا بكوارث لا حصر لها وعلى المستويات كافة،وفيما أولت معظم المؤسسات والمنظمات المعنية اهتماما كبيرا بأولاهما،تراها قد ذهلت أو أهملت الثانية،عمدا تارة،وسهوا أخرى،وأعني بالظاهرة الخطيرة الأولى بشقيها، الاحتباس الحراري،والتغير المناخي، وقد حظيتا بقدر كبير من الاهتمام للحيلولة من دون تفاقمهما مستقبلا،أما الظاهرة الخطيرة الثانية فهي ولا شك تتمثل بـ”الاحتباس المعرفي”و”التغير الأخلاقي” هذه الظاهرة التي تسببت بجدب معرفي،وتصحر ثقافي،وبسلسلة لاحصر لها من البراكين الأخلاقية،والأعاصير المجتمعية،والسيول الالحادية ، وبزلازل تترا من العبثية والوجودية واللادينية واللاأدرية ،وبتسونامي لايكاد يتوقف من الافكار الضالة والمنحرفة العابرة للحدود بفعل انفجار المعلوماتية، والفضاء السيبراني وبما يتقاطع مع كثير من الأعراف والتقاليد الحسنة،ويتنافر مع الفطرة الانسانية التي فطر الله الناس عليها،فضلا على إحداثها طوفانا من الأميتين الأبجدية والتقنية، زيادة على شتات وتسطيح وتهافت وابتذال لا حدود له لم يعد مقبولا بالمرة وبما يستلزم ابتكار برامج جادة وفاعلة خضراء ومستدامة صديقة للفضيلة،عدوة للرذيلة تجنبا لمزيد من النكوص والانهيار والانحطاط ، ولعل “برنامج البناء المنهجي” للارتقاء بوعي النخب الواعدة ومواجهة الشتات المعرفي يعد من أبرزها وقد جاء في وقت عصيب أحوج ما تكون أجيالنا الصاعدة اليه ، وللاطلاع على أهداف البرنامج ومراحله ومناهجهة علاوة على رؤيته ورسالته حاورنا أحد المنخرطين في هذا البرنامج المهم “الاستاذ عمر المشهداني” وهو خبير في وسائل التربية،وطرائق التدريس، وأساليب التعليم، والتنمية البشرية وبادرناه بالسؤال الاول فأجابنا مشكورا ولسان حاله يترنم بما يطيب لصفحة “برنامج البناء المنهجي”التغني به : هل أرهقتك مرارة الاشتات؟ …وتسرب الأعمار والأوقات؟ أفقدت بوصلة المسير فبت في …هذي الحياة تتيه في الظلمات؟ أرأيت أمتك الجريحة ثم لم …تجد الطريقة لكشف ذي الكربات؟ هاك “البناء المنهجي”يضيء في …لجج الظلام نوافذ المشكاة ويضيء من نور العلوم لأهله …سبل الهدى ومشاعل الغايات * نود من جنابك الكريم وبصفتك أحد الملتحقين ببرنامج البناء المنهجي منذ ثلاث سنوات أن تعطينا نبذة تعريفية عنه. – برنامج البناء المنهجي كما يعرفه القائمون عليه بأنه برنامج متنوع شمولي طويل الأمد، يهدف إلى تجاوز الشتات المعرفي المنتشر بين الشباب المهتم بالتأصيل والثقافة، والوصول بالمشترك إلى مرحلة التأصيل الشرعي وإحكام البناء الفكري. باعتقادي -أو على الأقل ما لمسته خلال هذه السنوات الثلاث- أن التوصيف دقيق للغاية، فحالة التنوع والشمول حاضرة بوضوح، فأنت لا تذهب لدراسة علم الحديث فقط أو لتتعلم قراءات القرآن الكريم أو تأخذ إجازة في منظومة من المنظومات، وإنما البرنامج يشمل طيفا واسعا جدا من العلوم. مثلا … من النادر أن تدخل برنامج الكتروني شرعي اليوم يعطي أهمية كبيرة للغة العربية وعلوم النحو والصرف والبلاغة، وتدرس في الوقت نفسه (تاريخ الفكر الغربي) في سلسلة محاضرات طويلة ومتشعبة، فتقرأ عن ديكارت وكانت وفولتير وجان جاك روسو ونحوهم ، كل هذا في حزمة واحدة متنوعة ومتسلسلة يكمل بعضها بعضا. * علمنا بأن واحدة من أهداف هذا البرنامج تتمثل بالسعي لتجاوز الشتات المعرفي لدى الشباب المهتمين بالعلم والتعلم، ترى ما هو المقصود بهذا الشتات ، وكيف يتم تجاوزه من خلال البرنامج ، وحبذا لو حدثتنا قليلا عن بقية أهداف البرنامج الأخرى . – هذا هو الهدف العام “تجاوز الشتات المعرفي” ، أنا -على سبيل المثال- أنحدر من عائلة إسلامية التوجه، ومكتبة والدي حفظه الله تعالى كانت عامرة بالكتب الإسلامية الفكرية والشرعية، وكانت أمي تحثني وتتابعني أيضا على القراءة، فتكونت عندي حصيلة من المعارف الشرعية حول ما يجوز وما لا يجوز، لكنها كانت علوم مبعثرة وغير مترابطة! نعم … أعلم أن هذا خطأ، ولكن لماذا هو خطأ؟ وما الدليل من كتاب الله أو من سنة نبيه الكريم على ذلك؟ وما هي الآراء الأخرى التي ترى أن هذا الأمر جائز؟ وما أدلتهم؟ هل هم على ضلال أم أن الخلاف في المسألة سائغ وله مبرراته؟ هذه كلها أمور لا يمكن أن تكتسبها بالقراءات العامة، ما لم يكن لديك ولي مرشد يدلك على مداخل العلوم هذه، ومن أين تبدأ وكيف تتوسع بطريقة منهجية منظمة. البرنامج على ثلاث مستويات، وفي كل مستوى هناك أربع مراحل، فكل شيء فيه منظم ومجدول ومفهرس بشكل مدروس، حيث أنك وفي البداية (مرحلة التأسيس) لا تأخذ سوى المقدمات والنظرة العامة للعلوم، ثم تنتقل إلى (مرحلة البناء) فتبدأ ببناء المعارف بشكل ممنهج ورصين، ثم تنتقل بعدها إلى (مرحلة التمكين) وهي حالة التمكن والإلمام بهذه العلوم. يحضرني هنا كلام للإمام الشاطبي رحمه الله في مقدمة كتابه(الموافقات) يقول فيه -ما معناه- أنه لا يكون العالم عالما إلا بتحقق أربعة شروط: الأول / الإحاطة حفظاً بأصول ذلك العلم، فالأصول لابد أن تكون حاضرة في الصدور، وليس فقط في بطون الكتب. والثاني/ هو حسن العبارة عنه، فأنت إن سئلت عن هذا الموضوع يكون لديك القدرة على الإجابة وحسن التعبير عن هذا العلم وما يتضمنه. الثالث/ هو معرفة لوازم هذا العلم، وأدواته ومتعلقاته وما يرتبط به. الرابع/ دفع الشبه عنه، أن يكون لديك القدرة على دفع الشبهات والاتهامات في هذا المجال، فكلنا على سبيل المثال نؤمن بالسنة النبوية الصحيحة، ولكن لو سألنا أحدهم على أي أساس جزم المحدثون أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف، سنكون عاجزين عن شرح طبيعة عمل المحدثين رحمهم الله أو كيف يتم تخريج الحديث. * تحدثنا عن أهداف البرنامج فماذا عن رؤيته ورسالته ؟ – قد لا أمتلك الآن العبارات المصاغة للرؤية والرسالة، ولكن في اعتقادي أن الجيل الصاعد اليوم يعاني من العديد من الامراض، سواء على مستوى الشبهات الفكرية أو الإلحاد أو ضعف التزكية أو قلة التدين أو السقوط في حالة التفاهة التي تعصف بوسائل التواصل ، وهذه كلها أمراض يستهدفها برنامج البناء المنهجي، فالأمر ليس قائما فقط على إنتاج أئمة وخطباء، وإنما إنقاذ جيل كامل من الضياع. يكفي أن نتعلم أخذ المعلومة من مصادرها، هذه المهارة أصبحت غائبة عنا اليوم، تجد كثير ممن يناقشك في المجالس أو يحاججك في أمور في العقيدة أو التاريخ أو أحكام الحلال والحرام، ولكنك وعندما ترجع إلى مصادره تجد أنه قد قرأها أو سمعها من شخص على الفيسبوك أو مجرد مقطع Reel منتج بعناية على وسائل التواصل!! وربما يكون آخر كتاب قرأه من الغلاف إلى الغلاف كان الكتاب المدرسي! هذه المقاطع وهذه المنشورات الأغلبية الساحقة منها لا تنشئ علماً ، بل على العكس من ذلك فإنها تسهم بحالة من التسطيح للمعرفة وتذويب لها. * البرنامج ووفقا لما أعلن عنه ينقسم الى منحيين أولهما ” مقررات البناء المنهجي” وثانيهما ” منحى الثقافة الإسلامية” حبذا نبذة عن المرحلتين وأهم مناهجها الدراسية . – هذا صحيح ، فالبناء المنهجي يتألف من مساقين: (المساق شرعي) وهو مخصص لدراسة الفنون الشرعية الستة: (العقيدة، علوم القرآن، علوم الحديث، الفقه، الأصول، اللغة العربية)، وهو كما قلت آنفا مقسم على مراحل التأصيل ثم البناء ثم التمكين. وفي كل مستوى من هذه المستويات أنت تدرس العلوم الستة كاملة ولكن بدرجة أعمق وأكثر تشعبا، بمعنى أن الطالب لا يقضي السنة الأولى بتعلم العقيدة أو علوم القرآن فقط وهو لا يعرف أي شيء عن علوم الحديث أو الفقه! وإنما تسير الستة معا بالتزامن، وبطريقة منهجية منضبطة، وعلى يد متخصصين وأئمة كبار سواء من خلال الكتب المقروءة أو من خلال المحاضرات المسموعة والمرئية. أما المساق الثاني فهو” المساق الثقافي” وهو مخصص لبناء الثقافة الإسلامية والفكرية اللازمة لطالب العلم حتى يسد الفراغات ويمتلك الأدوات ويفهم المشكلات، ولعلك تعلم أن بناء الأساس الشرعي والعلوم الشرعية لوحدها غير كاف لبناء الشخصية الإسلامية السوية، والتي لها أثر إيجابي في واقعها ومجتمعها، فكان لابد من منهاج مواز لصناعة هذا الوعي، من خلال الإيمان والتزكية والسيرة والتاريخ والأدب والفكر وفقه الواقع. نفهم من خلالها تطور الفكر والحضارة على مر السنين، وكيف نتعامل مع الموجات والشبهات الحديثة، وأفكار مثل الإنسانوية والعلمانية والنسوية والليبرالية ، ما هي جذورها ومنطلقاتها وأبرز مبادئها؟، كما نتعرف من خلالها على سير العظماء من أمتنا وكيف أوصلوا لنا هذه العلوم وكل هذا مما يورث في النفس حالة من الاعتداد والاعتزاز واليقين، وبما يعصم الجيل ويقويه في مواجهة موجات التغريب والإنسلاخ من واقعنا ومن تراثنا وقيمنا الإسلامية الأصيلة. *: كيف يتم التسجيل في برنامج البناء المنهجي، وماهي التطبيقات الالكترونية التي تتم الدراسة من خلالها والمراجعة عن طريقها ؟ – التسجيل يكون من خلال الموقع الإلكتروني للبناء المنهجي https://binaamanhaji.com/ (إنضم إلينا)، وكافة المعلومات والمحاضرات والكتب والاختبارات تكون من خلال الموقع نفسه، اضافة إلى قنواته على تطبيق التليجرام وعلى الرغم من أن الإخوة القائمين على البرنامج لديهم نفس طيب في المتابعة والتحفيز، إلا انني أنصح الإخوة الذين يحبون المشاركة أن يشاركوا على شكل مجموعات أو عوائل وأقارب، فهذا يساعد كثير في التحفيز، فيشجع بعضهم بعضا. * هل يتضمن البرنامج محاضرات تفاعلية بين الطلبة الملتحقين، أم أنه يركز على القراءة والحفظ والمتابعة فقط لا غير؟ – البرنامج يتضمن العديد من الأنشطة التفاعلية والمسابقات والمبادرات ولقاءات الزووم ومسابقات Kahoot، ولكن بسبب الأعداد الكبيرة للمشاركين فإن البرنامج في بدايته يكون قائما على المحاضرات والكتب والاختبارات العامة، ولكن لاحقا سيبقى الجادون فقط، فيكون هناك أنشطة أكثر تفاعلية، حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة التي قد يطلب فيها من الطالب إعداد البحوث والمشاريع أيضا. * هل يشترط البرنامج عمرا محددا لقبول الطلبة، فضلا على مراحل دراسية معينة، أم أنه مفتوح لجميع – الأعمار والمراحل ، وما طبيعة الشهادة التي تمنح للطلبة عند تخرجهم ؟ – البرنامج لا يحدد أي عمر أو مرحلة دراسية، فتجد فيه الشباب من عمر المراهقة، صعودا إلى الشيوخ في السبعينات من العمر!! لا يجد المرء فيه إلى اجتهاده ومثابرته ومقدار التزامه مع مسيرة التعلم. الشهادة الحقيقية والمكسب الحقيقي إنما يكون بما تكتسبه من علوم ومعارف وفكر وسلوك، أما الشهادة الورقية فهي موجودة في نهاية البرنامج بلا شك. *ما هي مراحل البرنامج ، وكم تستغرق مدة الدراسة فيه، وما هي الضوابط والشروط لقبول المتقدمين اليه ؟ – كما أسلفت فإن البرنامج يتألف من ثلاث مستويات (التأصيل والبناء والتمكين)، وكل مستوى فيه يتكون من أربعة مراحل، وتستغرق مدة الدراسة تقريبا سنة ونصف لكل مستوى، بمجموع 5 سنوات للبرنامج كاملا * بماذا تنصح المهتمين وأخص منهم جيل الشباب بشأن الالتحاق بالبرنامج ولاسيما وأنه ما يزال مفتوحا حتى الـ 18 من يناير /كانون الثاني 2024؟ – التحقت بالبرنامج بعد أن أكملت سن الأربعين، وقد انتفعت فيه انتفاعا عظيما ولله الحمد، سواء من حيث المعلومات والمعارف، أو من حيث تنظيم الوقت والإنجاز والعودة إلى القراءة والدراسة. ولكني نادم أشد الندم لكوني لم أنخرط بمثل هذا النوع من البرامج وأنا في الثانوية مثلا، ربما كان سيكون لي مسار آخر في حياتي والله أعلم، خاصة وأنني في وقتها كنت أتمتع بحافظة جيدة في حفظ المتون والنصوص لم أستثمرها الاستثمار الأمثل في حينها. لذلك فأنا أدفع أبنائي وأصدقائي ومعارفي من كل الأعمار للالتحاق بهذا البرنامج أو أشباهه ونظائره من البرامج النافعة ، أدفع الشباب لاستثمار شبابهم وضبط بوصلتهم قبل أن تعصف بها المغريات، كما أدفع الكبار والشيوخ أيضا لتدارك ما يمكن تداركه، فالعلم والتعلم لا يقف عند حد أو عمر معين. ومع ذلك فإن موقع الشيخ أحمد السيد -جزاه الله خيرا- https://ahmadalsayed.net يتضمن عددا من البرامج الأخرى أنصح جدا بالاطلاع عليها والاختيار من بينها، منها ما هو تخصصي، ومنها ما هو عام، ومنها ما هو للصغار من الجيل الصاعد. أيا كانت السفينة التي اخترت الإبحار بها.. فإن البقاء على الشاطئ لن يوصلك لأي مكان شكرت الاستاذ عمر المشهداني،على حسن الاصغاء،وعلى سعة صدره،وسرعة إجاباته ودقتها ،يحدوني الأمل للالتحاق بهذا البرنامج الالكتروني المجاني التعليمي المبتكر، لتوضيح بعض ما أُشكل ،وتفصيل بعض ما أُجمل، وإضاءة بعض ما جُهل من علوم الآلة والغاية،والله تعالى يبارك لطالب العلم أيا كان لونه وجنسه وسنه،مصداقا لقوله ﷺ ” من سلك طريقا يبتغي فيه علما ،سهل الله له طريقا الى الجنة ” . ولله در القائل وبما يزين صفحة “البناء المنهجي “على الفيس بوك : سلّم على البانِين صرحا أتلَدا…شادوا منارا كي يدُل على الهدى فبنوا مراقيَ للعلوم مدارجا….لتكونَ للطلابِ نهجًا مُرشدا

مساحة الولاية للمرجعية الدينية :

المرجعية الدينية الشيعية بين المنصب والموقع مقدمة هناك فرق بين منصب الفقيه وموقعه؛ فالمنصب محروز بالقوة لكل مجتهد عادل، وهو یتلخص في الولاية الحصرية على الفتوى والقضاء والمال الشرعي والحسبة والحكم، ولكن، هذا المنصب يبقى غير مفعّل، إلّا إذا امتلك الفقيه القدرة العملية على تفعليه كلياً أو جزئياً، وتتمثل هذه القدرة العملية في وجود الفقيه في موقع المرجعية العليا أو الولاية العامة اللذين يسمحان له بذلك، إضافة الى توافر الأدوات المطلوبة والظروف الإيجابية المحيطة التي تدعمه في موقعه لتفعيل المنصب كلياً أو جزئياً. التفعيل النظري والعملي لمنصب الفقيه الفقيه الذي يحوز على منصب المرجعية العليا أو الولاية، وتكون الظروف الموضوعية المحيطة موائمة ومساعدة بالمطلق؛ فإنه يستطيع حينها تفعيل جميع ولايات منصبه؛ فيفتي ويصدر الأحكام، ويدير الحوزة العلمية، ويستلم الحقوق المالية ويوزعها، ويقضي بين الناس، وينفذ أحكامه القضائية، ويقود المجتمع بكل تفاصيله، ويمارس السلطة السياسية والجهادية. أما إذا كان الفقيه يمتلك موقع المرجعية والولاية بالفعل، لكنه لا يمتلك أدوات التفعيل، وكانت الظروف ليست مساعدة على تفعيل منصبه؛ فإن قدرته تكون نسبية على ذلك، ولعله يستطيع الإفتاء وإصدار الأحكام في حدود ما تسمح به الظروف، ويقضي بين الناس في بعض القضايا وليست كلها، وربما لا يمتلك أدوات تنفيذ أحكامه القضائية، وربما يستطيع استلام قسم من الحقوق المالية ولكنه قد يعجز عن صرفها في جميع مواردها، وهكذا بالنسبة لقدرته الفعلية على إصدار التشريعات الولائية وقيادة المجتمع أو إدارة الدولة. وهذا يعني أن امتلاك الفقيه لمنصب الولاية أو موقع المرجعية العليا، لا يخلق القابلية الذاتية على تفعيلهما، كما لا يخلق لدى المرجع القابلية على تفعيلهما جزئياً أو كلياً. وبكلمة أخرى؛ فإن التفعيل النظري لمناصب الفقيه يكون عبر تفرده بزعامة المجتمع الشيعي، الأمر الذي يخوِّله امتلاك هذا الموقع نظرياً، وهي المرتبة الأُولى، ثم يكون هناك تفعيل عملي، وهي المرتبة الثانية، أي أن تفعيل منصب الفقيه بحاجة الى مرحلتين، وعلى النحو التالي: 1- التفعيل النظري: ويتمثل في امتلاك الفقيه موقع الزعامة التي تمكنه من تفعيل منصبه نظرياً، وذلك حين ترجع إليه أغلبية الشيعة بالتقليد أو ينتخبه أهل الخبرة، وحينها يتوقف الفقهاء الآخرون عن تفعيل مناصبهم المحروزة لهم جميعاً بالقوة، وهو ما يعني تخويل واحد من الفقهاء، دون غيره، بتفعيل تلك المناصب، والقيام بالدور الذي يترتب على ذلك، وهو الموقع الذي يُطلق عليه سابقاً تسمية شيخ الطائفة أو سيد الطائفة، ولاحقاً زعيم الحوزة العلمية أو زعيم الطائفة أو المرجع الأعلى أو الولي الفقيه، وجميعها تسميات لمعنى واحد. وهذه التسميات التاريخية والحديثة تعني أن هذا الفقيه بات له موقعاً يختلف عن مواقع باقي الفقهاء؛ إذ أنه يمتلك المنصب الذي يمتلكه الفقهاء الآخرون، لكنه يتميز عن باقي الفقهاء بامتلاكه الموقع الأول في المجتمع الشيعي، وهو الموقع الذي يعطيه قدرة تفعيل منصبه، وهي في الحقيقة قدرة بالقوة وليس بالفعل، وهو ما يمكن تسميته بالتفعيل النظري. 2- التفعيل العملي: ويعني امتلاك المرجع الأعلى أو الولي الفقيه القدرة على تفعيل المنصب أو الموقع؛ إذ أنّ وجوده في موقع المرجعية والولاية يبقى بحاجة الى مرتبة متقدمة أُخرى، تتمثل في الظروف الموضوعية المساعدة والملائمة والموافقة، على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأي نوع آخر من الظروف، إضافة الى الأدوات التنفيذية التي تسمح له بتفعيل قدراته الكامنة في مناصبه وموقعه. تبعات سلب المرجع الأعلى صلاحياته وموقعه ما سبق يعني أن المرجع الشيعي الأعلى أو الولي الفقيه؛ إذا كان مسلوب القدرة على تفعيل مناصبه وموقعه، رغم كل ما يمتلكه من صلاحيات قيادية وولائية واسعة وتوصيفات وظيفية مهمة؛ فإنه سيتحوّل الى مجرد مفتي، وربما لا تصل صلاحيته إلى نصف صلاحية المفتي السني، رغم أن الأخير مجرد موظف لدى الدولة، لأنّ المرجع الشيعي الأعلى إذا كان يفتقد الى الأدوات ولا تدعمه الظروف؛ فإنه قد لا يتجرأ ــ في بعض الأحيان ــ حتى على إعلان يوم العيد، بما يخالف إعلان الدولة أو إعلان المفتي السني للدولة، بل لا يستطيع أن يفتي أو يقضي بين مقلديه حتى في موضوعات الأحوال الشخصية، وهو ما كان يحدث ــ مثالاً ــ في ثمانينات القرن العشرين في ظل نظام البعث، حين كان المرجع الأعلى يعيش في ظل القمع والتهميش والتلويح بالاعتقال والتسفير والإعدام، ويصبح غالباً في حالة تشبه الإقامة الجبرية، ولا يقدر على تفعيل ولايته على الفتوى والأحكام الشرعية؛ فكيف بولايته على القضاء والحقوق المالية والحسبة؟ وكيف سيتمكن من حفظ النظام العام، والدفاع عن حياة الأفراد والمجتمع، ودرء المفاسد العقدية والأخلاقية والمعيشية والسياسية عنهم، وجلب المصالح لهم؟. وكمثال على قدرة الدولة على التعسف اللا متناهي حيال الصلاحيات الفتوائية للمرجعية الشيعية، ما ذكره الباحث البعثي بشار عواد معروف، الذي كان مستشاراً دينياً في وزارة الأوقاف العراقية في نظام البعث؛ إذ يقول بأنّ الوزارة منعت في ثمانينات القرن العشرين طباعة الرسالة الفقهية العملية للمرجع الأعلى السيد أبي القاسم الخوئي، لأنها تحتوي على مسألة فقهية حول مبطلات الصلاة، وأحدها التكتف، أي وضع اليدين على الصدر أو البطن أثناء الصلاة، وطلبت الوزارة من السيد الخوئي حذف هذه المسألة من الكتاب، لأنها تخدش في مذهب رئيس النظام ومسؤولي الدولة، لأنهم سنة ويتكتفون أثناء الصلاة، وقد شدد رئيس النظام صدام حسين على قرار وزارة الأوقاف البعثية، وصب جام غضبه على السيد الخوئي بسبب هذه المسألة الفقهية. وبالتالي؛ إذا كان مرجع الطائفة في العالم، لا يستطيع ذكر رأيه الفقهي في مسألة فقهية جزئية؛ فكيف بإمكانية ممارسة صلاحياته الأُخر في القضايا الكبيرة؟ ! والحقيقة أنّ سلب قدرة المرجع على تفعيل منصبه وموقعه في قيادة المجتمع وأداء وظائفه التي تفرزها مناصبه الحصرية، أو عجزه عن ذلك لأي سبب كان؛ يعني حصول فراغ فعلي في الموقع، لأن المرجعية حينها ستكون فاقدة لمضمونها، ويكون الحائز على موقعها مرجعاً اسمياً، وهو ما يقود الى نقاش نظري حول جدوى احتفاظ الفقيه بموقع المرجعية العليا والولاية والزعامة والقيادة، حين يكون مسلوب الصلاحية فعلياً، وعاجزاً عن ممارسة وظائفه، بالنظر للمقاصد العملية والتنفيذية العميقة التي يحتويها موقع المرجعية والولاية، وهي ليست مقاصد نظرية وعلمية وحسب، إنما مقاصد ترتبط بمصير الأُمة وواقع المجتمع على مختلف الصعد. وهذا الموضوع لا يختلف بين مرجع يعتقد بولاية الفقيه الخاصة ومرجع يؤمن بولاية الفقيه العامة؛ إذ أن الولاية الخاصة تتضمن جميع ولايات الفقيه، عدا ولاية الحكم، وبالتالي؛ فإن منصب الفقيه المرجع يتضمن ولايتي القضاء والحسبة، وكلاهما بحاجة الى ظروف اجتماعية وسياسية داعمة وأدوات تنفيذية عامة. وفيما لو كان الولي الفقيه منتخباً من قبل فقهاء الأُمة المنتخبين شعبياً (مجلس الخبراء)؛ فإن هذا المجلس كفيل بعزل الولي الفقيه في حال عجزه عن أداء وظائفه لأي سبب، لكن الإشكالية المهملة التي نطرحها هنا تتعلق بالمرجع الأعلى الذي يحوز موقع المرجعية وفق الأساليب التقليدية، حين يعجز عن أداء وظائفه، سواء لأسباب شخصية أو ظرفية، وهي إشكالية بحاجة الى مزيد من البحث والنقاش العلمي، بعيداً عن الإسقاطات الشخصية والسياسية والأحكام النمطية، من أجل تشخيصها وإيجاد البدائل والحلول لها. ولعل هناك من يقلل من أهمية هذه الإشكالية، ويقيس حالة المرجع بالإمام المعصوم وعموم سيرة أئمة آل البيت؛ إذ أن أغلب الأئمة كان يعيش أيضاً حالة التهميش والقمع والتشريد، ولم يكن قادراً على العمل وفق موقعه وصلاحياته، لكنه ــ أي الإمام المعصوم ــ بقي في منصبه وموقعه، رغم الحصار المفروض عليه، ورغم وجوده في السجن أحياناً، وعليه؛ يمكن للمرجع الاحتفاظ بموقعه، وإن كان مسلوب الإرادة وعاجزاً عن ممارسة صلاحياته وفاقداً لأدوات أداء وظائفه، قياساً بسيرة الإمام المعصوم. وهذا القياس باطل بالجملة، بالنظر للفارق الجوهري بين نصب الإمام وتكليفه ونصب المرجع وتكليفه؛ فالإمام المعصوم منصوب بالاسم، وتكليفه إلهي، أي أن وجوده الشخصي ومنصبه وموقعه هو كيان واحد، كما أن تكليفه حيال كل القضايا ليس اجتهاداً وليس رؤية شخصية، بينما هذا الواقع والتكليف غير متحققين في الفقيه. سلطات تفعيل منصب المرجعية والولاية يمتلك الفقيه الشيعي في موقع الولاية والمرجعية، سلطة أساسية ترسم أُسلوب حياة الفرد والمجتمع والأُمة، ومصيرها الدنيوي والأُخروي، وتتمثل في «سلطة الفتوى»، والتي يستطيع الفقيه ــ من خلالها ــ قلب الموازين والأوضاع الاجتماعية والسياسية، لكن هذه السلطة تبقى حبراً على ورق أو مجرد مقولة نظرية، فيما لو افتقدت الى ظروف التطبيق وعناصر التنفيذ وأدوات التفعيل. ويمكن تلخيص هذه الظروف والعناصر والأدوات، في مثلث، يمثل كل ضلع منه سلطةً أو أداةً لتفعيل سلطة الفتوى والحكم الشرعي، وهي سلطة السياسة وسلطة المال وسلطة السلاح: 1- سلطة السياسة أو الأدوات السياسية: ونقصد بها الدولة بعقيدتها ونظمها القانونية والتنفيذية، إضافة الى الأحزاب والجماعات السياسية الشيعية الملتزمة الخاضعة لتوجيهات المرجعية، سواء كانت سرية أو علنية، وكذلك الجمهور الشيعي الواعي سياسياً. هذه السلطة إذا كانت، بإرادتها أو رغماً عنها، توفر الظروف الموضوعية لتفعيل منصب المرجع الأعلى وموقعه؛ فإنه سيمتلك القدرة على تحويل فتاواه وأحكامه وقيادته الى واقع قائم. أما إذا كانت سلطة السياسة تمارس دوراً سلبياً، أي تعمل على قمع المرجع وتهميش دوره؛ فإنه لن يتمكن من تفعيل منصبه وموقعه، سواء جزئياً أو كلياً. وبهذا يمكن القول بأن سلطة السياسة بإمكانها سلب سلطة الفتوى وولاية المرجع، وبإمكانها أيضاً تفعيلهما وتحويلهما من كونهما نظريات ومقولات مكتوبة أو شفاهية إلى واقع ميداني، وإلّا لن يكون هناك من ينفّذ حكم المرجع وفتواه وأمره وإرشاده. مع التأكيد على أن المقصود هنا ليس سلطة فرد أو سلطة حزب ينتميان الى الاجتماع الديني الشيعي، بل سلطة المكوِّن من خلال الدولة أو عبر جبهة المعارضة. 2- سلطة السلاح أو الأدوات العسكرية: وهي الجيوش والقوات المسلحة والقوات الأمنية وجماعات المقاومة المسلحة الشيعية الملتزمة الخاضعة لتوجيهات المرجعية، سواء كانت تنظيمية أو شعبية، سرية أو علنية. هذه الأدوات تمثل سلطة قاهرة يستعين بها المرجع أو الولي الفقيه في تفعيل أحكامه الشرعية وفتاواه وأوامره المتعلقة بدفع الضرر الأمني والهجوم المسلح عن الأفراد والمجتمع والدولة، والذي يشنه عدو خارجي أو داخلي، فضلاً عن تفعيل الأحكام القضائية والحسبية. وهذا الدفع والدفاع والتفعيل والتنفيذ والتطبيق لا يتم إلّا بقوة السلاح. وهنا لا نتحدث عن سلاح فصيل أو جماعة، بل عن سلاح الدولة التي يغلب فيها المكون أو سلاح المقاومة والمعارضة. وبالنظر لحساسية موضوع السلاح والمقاومة والجهاد؛ فإن استخدام السلاح، بأي عنوان كان، دون إذن شرعي ودون تعريف شرعي لحالات الدفاع والمقاومة، سواء الفردية أو الجماعية أو المجتمعية، يعني سوء استخدام سلطة السلاح، وهو ما يعود بضرر أكبر على الواقع الشيعي. أما الذي يعطي الإذن الشرعي والتعريف الشرعي في هذا المجال؛ فهو الفقيه المتصدي حصراً، أي المرجع الأعلى المتصدي أو الولي الفقيه، أو من يوكلانه ويخولانه، وليس أي فقيه أو رجل دين. 3- سلطة المال أو الأدوات الاقتصادية: وهو المال الذي يتحرك في مفاصل الواقع الشيعي، وتستند إليه نشاطاته العامة، سواء كان ضمن الحقوق الشرعية المالية التي يستلمها المرجع ويوزعها، أو من خلال التبرعات والأوقاف الربحية والمؤسسات المالية والاقتصادية وغيرها، وهي عصب أساس أو سلطة مهمة يمكن للمرجع والولي الفقيه من خلالها تفعيل أوامره وفتاواه وأحكامه الشرعية على كل الصعد، سواء التكافلية الاجتماعية أو السياسية والعسكرية أو التبليغية والعلمية والبحثية والثقافية. وليس المقصود هنا المال الذي يدخل في حساب التاجر الشيعي أو الحزب الشيعي، دون أن يكون لهما تأثيراً في دعم الواقع الشيعي العام، إنما نقصد اقتصاد المكوِّن الشيعي، سواء من خلال الدولة التي يغلب فيها المكوِّن أو من خلال منظومة المرجعية العليا وولاية الفقيه، أو من خلال شبكات اقتصادية تضامنية عالمية. ولا شك أن اجتماع هذه الأدوات أو السلطات الثلاث بين يدي الفقيه المتصدي؛ سيمكنه من إدارة المجتمع والدولة والحوزة ومنظومة المرجعية والنشاط التبليغي، على أفضل وجه، ولن يكون عاجزاً حينها عن أداء وظائفه أو أغلبها، وستكون فتاواه وأحكامه الشرعية سلطةً متحققةً قائمة، وليس مجرد سلطة نظرية. دور الأُمة في تفعيل منصب الفقيه ربما يُطرح استفهام هنا عن دور الأمة والشعب والجمهور، أو ــ على أقل التقادير ــ دور المتدينين المقلّدين للمرجع في تفعيل منصب الفقيه المتصدي وموقعه، وأين يكمن هذا الدور في مثلث السلطة وأضلاعه؟. الحقيقة أن الشعب أو الجمهور الشيعي هو مادة أضلاع المثلث المذكور، وليس سلطةً بذاته؛ فهو موجود في إطار السلطة السياسية للمكون وأحزابها، وفي إطار القوات المسلحة وجماعات المقاومة، وفي إطار مؤسسات المجتمع الشيعي الاقتصادية، وهو داعم ومقوم لها ومتفاعل معها، وبدون الأُمة أو الجمهور سيكون المثلث بلا مضمون ومحتوى. في حال قيام الدولة الإسلامية الشيعية؛ فإن دور الأمة التابعة للدولة من الناحية القانونية، يتمثل في تفعيل ولاية الفقيه الجامع لشرائط القيادة، من خلال اختياره وترجيحه ومبايعته، بشكل مباشر، من بين مجموعة المراجع والفقهاء الحائزين على شروط الولاية، أو انتخابه بشكل غير مباشر عبر مجلس أهل الخبرة (المجتهدون). وهنا تعطي الأُمة المشروعية القانونية للفقيه لكي يتولى أمور الأُمة والدولة، وليس إعطائه شرعية المنصب؛ فالمنصب يمتلكه الفقيه بالأصالة كما ذكرنا سابقاً. وبعد اختياره؛ سيكون إمساكه بالموقع تلقائياً، لأن الدولة توفر للفقيه كل سلطات تفعيل منصبه، وفي مقدمتها الحكم والسلاح والمال. أما في حال عدم وجود دولة؛ فإن الأُمة لا تستطيع تحقيق مطلب تفعيل منصب المرجعية وموقعها، دون وجود أدوات السياسة والسلاح والمال، لأن الجمهور، وخاصة المؤمن بقيادة المرجعية ودورها، سيتفاعل ابتداءً مع أوامر المرجعية وفتاواها وأحكامها، لكنه سيُواجه بسلطة سياسية تعيق حركته، وإذا استمر في مقاومتها، بهدف تفعيل موقع المرجعية؛ فإن السلطة السياسية ستضربه بشده، وستلقيه في المعتقلات، وتقوده الى ساحات الإعدام. وهكذا بالنسبة للعدو الداخلي أو الخارجي المهاجم؛ فإن الجمهور لن يستطيع مواجهته بأيدٍ عزلاء وبالشعارات والهتافات. وهو ما يشبه دور المال؛ فإذا لم يكن هناك المال اللازم لأي مشروع تدعو إليه المرجعية؛ فإن الشعب سيكون عاجزاً عن تحويل المشروع الى واقع قائم. وفي النتيجة؛ ستتمكن السلطات السياسية والعسكرية والمالية المعادية أو المخاصمة، تحييد الجمهور وعزله عن قيادته المرجعية بكل سهولة، أي أنّ الرهان على الأُمة، دون وجود أدوات وظروف ملائمة، هو رهان خاسر أو مغامرة يصعب التكهن بنتائجها. ومهما كانت شخصية المرجع الديني قوية وكان كفأً وعبقرياً، كالشيخ المفيد أو الشيخ الطوسي أو العلامة الحلي أو السيد محمد باقر الصدر أو الإمام الخميني؛ فإنه لا يستطيع تفعيل منصبه وموقعه المرجعي، ولا يستطيع تنفيذ أي من أفكاره ومشروعاته، دون توافر السلطة السياسية، أو الانفراج السياسي حداً أدنى، إضافة الى السلاح والمال، على حسب طبيعة المشروع أو الحكم الشرعي المراد تنفيذه. وهناك نماذج في التاريخ الشيعي المعاصر، لها دلالات واضحة على هذه الحقيقة: 1- ثورة التنباك في إيران التي فجّرها الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي في العام 1890م من خلال فتوى من سطر واحد فقط، قال فيها بأن استخدام التنباك (التبغ) حرام، وذلك لإفشال اتفاقية حصر استثمار التبغ في إيران بشركة بريطانية؛ فامتنع الشعب الإيراني عن التدخين، وتحرك ضد السلطة، وكادت الثورة أن تزلزل عرش الشاه ناصر الدين القاجاري. وفي النتيجة؛ رضخ الشاه للفتوى، وفشلت حكومته في تمرير الاتفاقية مع بريطانيا، وحققت الفتوى كامل أهدافها، لأن الشاه كان شيعياً والسلطة شيعية، وإن لم تكن ملتزمة بأحكام الشريعة، لكنها تخشى سطوة المرجع الأعلى في تحريك الشارع الشيعي والجماعات الشيعية ضدها. ولو كان المرجع قد أصدر حينها فتوى مشابهة تخص تركيا العثمانية؛ لقام سلطانها عبد الحميد الثاني بتمزيق الفتوى واعتقال كل من يلتزم بتنفيذها، بل واعتقال المرجع نفسه. 2- فتوى الشيخ محمد تقي الشيرازي بإشعال ثورة العشرين في العراق في العام 1920 ضد الاحتلال الإنجليزي، والتي سبقتها فتاوى استنهضت الشيعة وسلاحهم وأموالهم ضد بريطانيا، منذ العام 1914. حينها أعلن المرجع الشيرازي الثورة لأنه يعلم أن العشائر الشيعية المسلحة ستلبي فتواه، وأن الأحزاب الشيعية ستمسك بزمام الثورة، وأن منظومة المرجعية تستطيع توفير المال اللازم، أي أن المرجعية كانت تحرز وجود الأدوات التي ستفعِّل الفتوى، وقبلها تفعِّل موقعه المرجعي. 3- فتوى المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم وباقي مراجع الشيعة في العام 1960 بـ ((عدم جواز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد))(5)؛ فقد كان الظرف السياسي مؤاتياً، وكانت أغلب الأدوات التنفيذية متوافرة. 4- فتاوى الإمام الخميني وتعاليمه التي فجّرت الثورة ضد نظام الشاه بهلوي، لأنه كان يمتلك أدواتها، من جماعات سياسية ونخب، الى شبكة وكلاء منظمة، الى أموال شرعية وتبرعات وتجار البازار، الى مقلديه الكثر وعموم المتدينين داخل القوات المسلحة الإيرانية، وبينهم ضباط كبار. كما أنّ النخب الاجتماعية والسياسية والعسكرية، بمن فيها العاملة مع الدولة، لم تكن تخش انقلاباً على مذهب الدولة وعقيدتها، لأن هذه النخب شيعية والدولة شيعية والشاه كان شيعياً، ولا يوجد أي هاجس طائفي حيال التحرك ضد النظام، لكي تستنفر هذه النخب كل ما لديها من عقد طائفية تراكمية لقمع التحرك المضاد. وإن كان كثير من تلك النخب منفلتاً دينياً. وفي النتيجة؛ فلولا مجموع هذه الأدوات التي استشرف الإمام الخميني توافرها، لربما لم يكن سيعلن الثورة، رغم أنّ الشعب كان مادة الثورة، لكنه ليس أدواتها. 5- فتاوى المرجع السيد محمد باقر الصدر؛ فقد كانا يمتلك كثيراً من أدوات التأثير والتغيير والثورة، لكنها لم تكن كافية؛ فأدّت فتاواه إلى إعدامه، لأن السلطة السياسية كانت تمارس التوحش المفرط وأبشع أساليب القمع الإجرامي ضد حراكه. وهو ما حدث أيضاً مع السيد محمد الصدر، رغم اختلاف ظروف المرجعين. هذا التوحش المفرط، الذي ينزع عن المرجع أدوات تفعيل فتواه في الشأن العام، وصولاً الى منع تفعيل منصبه، ربما هو ما كان يمنع المراجع السيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم من إصدار فتاوى الجهاد ضد نظام البعث، رغم أنه دمّر البلاد والعباد، وارتكب كل أنواع المحرمات والموبقات التي لم يشهد التاريخ البشري مثيلاً لها ضد الواقع الشيعي، بل كادت ممارساته تقضي على النظام الاجتماعي الشيعي العراقي، وهو ما كان سيحدث لأول مرة منذ واقعة كربلاء في العام 60 للهجرة. فهل كان سكوت مرجعية النجف علامة رضا على الاحتلال البعثي وإمضاءً لمذابحه وجرائمة؟؛ كلّا قطعاً، بل لأنّ المرجعية كانت تعلم أن أدوات تفعيل الفتوى ضد النظام ونجاحها في تحقيق أهدافها غير متوافرة، وأن أي فتوى جهادية ستُعرِّض المرجع وعائلته وحاشيته الى الاعتقال والقتل، وأن النظام سيقوم بوضع من يستجيب لفتوى المرجعية في فرامة اللحم أو يدفنه حياً، مهما بلغ عدد المستجيبين للفتوى، كما فعل خلال حراك السيد محمد باقر الصدر، ثم في مواجهة الانتفاضة الشعبانية ومجاهدي الأهوار وغيرها. ولعل هذا الموضوع ــ هو الآخر ــ بحاجة الى دراسة موضوعية معمقة، رغم حساسيته، لأن جدوى السكوت على السلطة السياسية المفرطة في الظلم وفي قمع الشيعة، أو التحرك ضدها، تكمن في مآلات ونتائج كل منهما، ومن هو أكثر ضرراً وأكثر نفعاً، وفقاً لأهداف الدين ومقاصد الشريعة. موقع السيد السيستاني أنموذجاً لتوافر أدوات تفعيل المنصب يقودنا الحديث السابق الى نموذج تطبيقي قائم، ظل الواقع الشيعي العراقي والإقليمي والعالمي يعيش تفاصيله ويتغنى بثماره طيلة مرحلة ما بعد العام 2014، وهي فتوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في الدفاع الكفائي ضد خطر تنظيم (داعش) الوهابي، الذي كان يهدد استقرار العراق ووحدته ودولته. وقد نجحت الفتوى في تحقيق أهدافها، لأن المرجع الأعلى كان يحرز وجود الظرف والأدوات التي ستفعِّل فتواه، وهي الظروف والأدوات نفسها التي فعّلت منصب السيد السيستاني وموقعه بعد العام 2003، لأن موقع السيد السيستاني قبل 2003 هو غير موقعه بعد العام 2003، رغم أن منصبه لم يتغير في المرحلتين؛ فخلال حكم النظام البعثي الطائفي، كان السيد السيستاني هو المرجع الأعلى، لكنه كان محاصَراً، وبذلت السلطة كل ما تمتلك من قوة لمنعه من تفعيل منصبه، وبلغ الأمر أن يغلق بابه ويمتنع عن التدريس وصلاة الجماعة بعد قيام السلطة باغتيال المراجع الثلاثة في النجف (الشيخ الغروي والشيخ البجنوردي والسيد محمد الصدر)، رغم أن الغروي والبجنوردي لم يكونا يمارسان أي نشاط سياسي أو اجتماعي، وكان محتملاً جداً أن يكون السيد السيستاني هو هدف الاغتيال اللاحق. ولكن السيد السيستاني تحوّل بعد العام 2003 الى مرجع أعلى فاعل بقوة في الواقع السياسي والاجتماعي، وبكل صلاحيات منصب الفقيه وموقع المرجعية، حتى باتت لديه القدرة على تغيير أعلى مسؤول تنفيذي في الدولة، ثم يفتي في العام 2014 بالدفاع الكفائي ضد الخطر الداهم للعراق والشيعة، وهو ما يعني أن انقلاباً جذرياً حصل في الواقع العراقي بعد العام 2003، مكّن المرجعية من تفعيل موقعها. وهذا الانقلاب الكبير أو الصدمة التاريخية، كان عنوانها الرئيس التحول في السلطة السياسية، أي أن السلطة التي سقطت في العام 2003 كانت تحجر على المرجع الأعلى وتمنعه بالقوة من تفعيل منصبه وموقعه، في حين أن السلطة التي جاءت بعد العام 2003، ظلت تضع نفسها طوعاً تحت تصرف المرجع الأعلى، وهي التي استجابت الى ظروف تفعيل موقعه، لأنها سلطة تعتمد على أغلبية حكومية شيعية ملتزمة نسبياً. وهكذا بالنسبة لفتوى الدفاع الكفائي؛ فإن السيد السيستاني أصدرها لأنه كان يعلم بوجود أدوات وسلطات ستنفذ فتواه، وهذه السلطات ليس المقصود بها سلطة الشعب الذي استجاب للفتوى، لأن هذا الشعب كان موجوداً نفسه قبل العام 2003، لكن السيد السيستاني لم يحرك الشعب حينها بفتوى ضد حزب البعث، رغم أن خطر نظام صدام على العراق والشيعة والحوزة والمرجعية كان أكبر بمئات الأضعاف من خطر (داعش) و(القاعدة) وعموم الحركات التكفيرية الإرهابية الوهابية؛ فقد احتل نظام صدام الوسط والجنوب الشيعي العراقي بأكمله، طيلة (35) عاماً، احتلالاً لم يمر على العراق أبغض وأقسى منه، وكان يضع الشيعة بين خياري الاستعباد أو الذبح، كما يضع المرجعية بين خيارين: القتل والاعتقال والتسفير، أو سلب الصلاحيات والمنع من أداء الوظائف الموكولة لها شرعاً، وهو ما لم يكن لتنظيم (داعش) من تكرار فعله إطلاقاً، وبالتالي؛ لا يمكن قياس خطر نظام البعث بخطر (داعش) وأمثاله. وقد كشفت فتوى السيد السيستاني عن الدور المصيري لأضلاع مثلث السلطة: السياسية والعسكرية والمالية، والتي توافرت حينها لتنفيذ الفتوى، وليس لإنجاحها وحسب، وهي نفسها التي فعّلت موقع السيد السيستاني بعد العام 2003؛ فسلطة السياسة في عام الفتوى (2014)، كانت ذات أغلبية شيعية، ورئيس الحكومة كان شيعياً، والأحزاب السياسية الأكثر تأثيراً وفاعلية كانت شيعية، وأغلبها تأسس قبل العام 2003، وكانت أغلبية الشعب مسيّسة باتجاه الأحزاب الشيعية والعملية السياسية، وهناك أيضاً دولة شيعية داعمة في إيران. وكذلك على مستوى سلطة السلاح؛ فإن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس هيئة الحشد الشعبي وأغلب قادة القوات المسلحة كانوا شيعة، وكانت هناك تشكيلات جهادية مسلحة كبيرة قائمة، يعود تاريخ بعضها الى الأعوام 1979 الى 1991، وصولاً الى الأعوام 2003 الى 2006، والتي تشكلت فيها تنظيمات شيعية مسلحة كبيرة. وأغلب هذه التشكيلات قام بأذونات مراجع دين كبار، كالسيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني والسيد علي الخامنئي والسيد كاظم الحائري. أما السلطة الثالثة، وهي سلطة المال؛ فقد وفرتها الدولة العراقية، ولولا توافر المال اللازم، لما استطاعت القوات المسلحة العراقية وقوات الحشد الشعبي من تحشيد الملتحقين الجدد وتنظيم صفوفهم في فرق وألوية ووحدات تخصصية، إضافة الى شراء السلاح والذخيرة والمعدات، هذا فضلاً عن أموال الحقوق الشرعية والتبرعات التي كانت تضخها المرجعية الدينية ومؤسسات ولاية الفقيه في جسد التشكيلات الجهادية المسلحة. ولذلك؛ فإن دراسة الجهود المضنية للمرجعية الدينية المعاصرة في تحويل منصبها وموقعها من القوة الى الفعل، وخاصة جهود السيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني والسيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وفتاواهم وإرشاداتهم الاستنهاضية، التي يتمثل حصادها على أرض الواقع في صعودٍ شيعي تاريخي غير مسبوق، وازدهارٍ لعصر الشيعة السادس الذي أسسه الإمام الخميني؛ هدفها تكريس رهان الشيعة على مثلث السلطة وأضلاعه، ولكي لا تتوقف هذه الفتاوى والأحكام التاريخية وتجف ثمارها، سواء بعد خمسين أو مائة أو خمسمائة سنة؛ فمن خلال الإمساك بسلطات السياسة والسلاح والمال، ودفع الأمة للتفاعل معها، يستطيع الشيعة الاستمرار في عصرهم الجديد، وفاعلية نظامهم الاجتماعي الديني الشيعي بكل أجهزته ومؤسساته وأدواته ووسائله وسياقاته.

نظرة أمريكا لمستقبل العراق!

ألرؤية الأمريكية حول الحشد الشعبي الكاتب/اسعد عبدالله عبدعلي مجلس الأمن القومي الأمريكي, و مراكز القرار الامريكية؛ تنظر إلى الحكومة العراقية على أنها تسير نائمة نحو الهاوية، مما يدفع المعسكر الأمريكي الناشط إلى اتخاذ موقف أكثر تطرفاً من أجل تركيز الاهتمام العراقي بشكل عاجل, على المخاطر المتصورة التي تشكلها العناصر الموالية للشهيد المهندس في قوات الحشد الشعبي. وتشعر هذه المدرسة بالفزع من مجرد ذكر اسم الشهيد المهندس, وتشعر بالخيبة وهي ترى رواتب الحشد الشعبي من الموازنة العامة للعراق, وتدرك ان قوة العراق قد تتعاظم من استمرار وجود الحشد الشعبي, على شكل موازي للحرس الثوري الايراني, لذلك هي تدفع الادارة الامريكية لدفع مخاطر مستقبلية. منذ اندلاع حرب غزة وما يتعرض له الفلسطينيون من ابادة جماعية على يد قوات الكيان الصهيوني, وما تبعه من تحرك خط المقاومة الاسلامية في الشرق الاوسط لرد كرامة المسلمين, عبر مساعي الدعم الممكن لأهل غزة, والمناقشات السياسية داخل النخبة الامريكية الحاكمة لا تنتهي, حول الطريقة التي ينبغي لها في التعامل مع قوات الحشد الشعبي في العراق, والتي اضحت تشكل تهديد كبير للقوات الامريكية المتواجدة في العراق وسوريا, ولمشروع امريكا في المنطقة, مما جعل كرامة امريكا بالوحل, بسبب قوة الضربات التي تعرضت لها قواتها طيلة الأشهر الماضية, بعد كل هذا أدركت الإدارة الأمريكية ان الموقف يتطلب قدرًا كبيرًا من الاهتمام, والا ذبلت صورة امريكا. حاليا في امريكا لا يوجد نقاش او جدل حول الجيش العراقي, ولا حول الشرطة العراقية, ولا حتى حول القوة الجوية العراقية, وما تملك هذه التشكيلات من عناصر قوة او عناصر الضعف, فقط النقاش والجدل حول الحشد الشعبي العراقي. وسنوضح هنا طبيع التفكير الامريكي في الموضوع, اي اننا سنبين الرؤية الامريكية للواقع الحالي. · أمريكا من الداخل بين مدرستين توجد مدرستان فكريتان مؤثرة في القرار الأمريكي, في حول كيفية معالجة “أمريكا” لمخاوفها بشأن قوات الحشد الشعبي: · مدرسة التأني في الرد المدرسة الاولى : تنصح المدرسة الاولى بالصبر, وتقلل من الخطر المتزايد الذي تشكله قوات الحشد الشعبي كمؤسسة, وتشير هذه المدرسة إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الميليشيات المدعومة من إيران (كما تسميها امريكا) داخل قوات الحشد الشعبي على أنها تغير قواعد اللعبة؛ ويعرف الامريكان ان هذه الكيانات المقاومة موجودة قبل تشكيل قوات الحشد الشعبي في عام 2014، وستستمر في الوجود سواء داخل قوات الحشد الشعبي أو خارجها, وما دامت قدراتها المالية محدودة, ولا تصل لحد التهديد, فالامور تحت السيطرة. وتنظر المدرسة الصبورة إلى التعاون الأمني الأمريكي مع وزارة الدفاع العراقية ووزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب ومجتمع الاستخبارات, باعتباره حجر الأساس للنفوذ الأمريكي في البلاد, بحجة أنه من غير المرجح أن ينمو حجم وميزانية قوات الحشد الشعبي. · مدرسة الخبث المدرسة الثانية: ترى مدرسة أن قوات الحشد الشعبي هي في الواقع أداة تغيير محتملة لقواعد اللعبة في العراق, وهم يخشون أن ينمو حجم قوات الحشد الشعبي وتمويلها لتتفوق على قوات الأمن العراقية النظامية، مثلما تغلب الحرس الثوري الإسلامي في إيران على القوات المسلحة الإيرانية النظامية, وترى هذه المدرسة الناشطة داخل الحكومة الأمريكية أنه لا يوجد سوى القليل من الوقت لتغيير مسار قوات الحشد الشعبي نفسها، وتعتقد أن المساعدة الأمنية الأمريكية للقوات المسلحة النظامية العراقية يجب أن يتم حجبها جزئيًا أو كليًا حتى تتم معالجة المخاوف الأمريكية بشأن قوات الحشد الشعبي. وهذه المدرسة الامريكية تنظر إلى الحكومة العراقية على أنها تسير نائمة نحو الهاوية، مما يدفع المعسكر الأمريكي الناشط إلى اتخاذ موقف أكثر تطرفاً من أجل تركيز الاهتمام العراقي بشكل عاجل, على المخاطر المتصورة التي تشكلها العناصر الموالية للشهيد المهندس في قوات الحشد الشعبي. وتشعر هذه المدرسة بالفزع من مجرد ذكر اسم الشهيد المهندس, وتشعر بالخيبة وهي ترى رواتب الحشد الشعبي من الموازنة العامة للعراق, وتدرك ان قوة العراق قد تتعاظم من استمرار وجود الحشد الشعبي, على شكل موازي للحرس الثوري الايراني, لذلك هي تدفع الادارة الامريكية لدفع مخاطر مستقبلية. · اخيرا: يجب على قيادات الحشد الشعبي ان تدرك ان العدو الامريكي يدرس الحشد الشعبي ويضع خطط وبرامج للقضاء عليه, لان امريكا تدرك ان العائق الاكبر لهم في العراق هو استمرار وجود الحشد الشعبي, وهي قد وعت جيدا الدرس السابق, بعد ان فشل مخططها عام 2014 في تقسيم العراق بواسطة (داعش), كان بسبب الفتوى المباركة للمرجعية الصالحة وظهور كيان الحشد الشعبي كقوة ردع حقيقية لمخطط القوى الظلامية, لذلك يجب ان تكون خطط وبرامج بعيدة المدى للحشد الشعبي, وأن توجد ادارة استراتيجية ليكون الفعل على الأرض نابع من خطط رصينة, فيكون المستقبل بيد الحشد الشعبي وليس بيد الأعداء.

Friday, February 16, 2024

أحاديث حول الفقراء :

بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) هل حقا كلما تقدّمنا ازداد الفقراء ألما.. لماذا؟ الملابس المستعملة محط اهتمام الفقراء والأغنياء بسوق سور برلين. الجزيرة نت مارك شيسكين: يفضل الناس التفاوت الاجتماعي تحت مظلة سياسات عادلة على المساواة تحت مظلة سياسات جائرة (الجزيرة) يمثل استحواذ نحو 1% من سكان العالم -اليوم- على نصف الثروات، كما جاء في إحدى الدراسات، تحديا كبيرا واهتماما غير مسبوق للمصلحين الاجتماعيين ودعاة الإنسانية والعدالة، وخاصة أولئك المتحمسين الذين يتبنّون الحلول العلمية المادية ملاذا آمنا وأخيرا، ويركنون إليها في عالم التقدم العلمي المتواثب، رغم غياب العدالة وعدم تكافؤ الفرص اللذين يعزوهما بعض المهتمين بالأمر إلى العلاقة التي يرونها وثيقة الصلة بين الفقر والظلم. ويتساءل كثيرون في خيفة وتوجس: إلى أين تتجه الأمور في ظل تطورات ومتغيرات الأحداث المتسارعة بين ظهرانينا؟ ومن يكبح جماح الفورات والتوجهات الجائرة، والجانحة عن مسارها غير الإنساني؟ ويجزم خبراء ومراقبون محايدون ذوو اطلاع واسع بأن أحداث العداء والاستعداء الجريئة في أيامنا هذه تسير على غير هدى، بحيث يستحيل التحكم فيها في المستقبل، وبذا تُنبئ بشر مستطير، وستؤدي حتما إلى تفاقم حجم التفاوت الأمني؛ الاجتماعي والاقتصادي الهائل، وفقا لغياب الالتزام الأخلاقي الذي يسود المعمورة، رغم كثرة الصيحات العاقلة والراشدة، ولكن من يعي ويصيخ السمع ويسعى جاهدا لنزع فتيل البلوى والفتن قبل فوات الأوان؟ وحتى لا تغدو طامة كبرى تأتي على الأخضر واليابس، مُنهية بذلك نحو أكثر من قرنين من الزمان من حصيلة البحوث والإنجازات العلمية التجريبية التي يعتدّ بها إنسان اليوم ويفخر في نشوة بالغة! إلى متى هذا الخوف من المستقبل المنظور؟ ومَن مِن القادة العقلاء يمكن أن يعوّل عليهم في السعي إلى استتباب الأمن، والاستقرار النفسي المرجو الذي هو غاية الغايات، مع تأمين لقمة العيش الهانئة للناس جميعهم من غير تباين طبقي كبير وبغيض؟ لقد تجاوز الإنسان "المتقدم" -في أيامنا هذه- كل القيم والمبادئ والأعراف، وهو يتباهى بابتكار أدوات وآلات التدمير الشامل غير آبه بما قد يؤول إليه الحال من إفناء للبشرية جمعاء، أو أن تعود الحياة إلى العصور البدائية الأولى، وذلك في أحسن الأحوال! نعود إلى لبّ حديثنا إذ يقول مارك شيسكين: "يفضل الناس التفاوت الاجتماعي تحت مظلة سياسات عادلة على المساواة تحت مظلة سياسات جائرة". المهم ألا يكون الفرق شاسعا إذ يعزى التفاوت الاجتماعي إلى سلوك البشر الطبيعي وفقا لمكافأة وتشجيع المجتهد دون المقصر. من جهة أخرى، لا بد أن يكون هنالك حق معلوم من المال يعطى للمحتاجين على عكس ما عليه الحال في الغرب الآن فيما يعرف بـ"أنانية الملكية"! (1) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اطلعت على الجنة ، فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت على النار ، فرأيت أكثر أهلها الأغنياء جامع السعادات ج2 ص78 (2) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الناس كلهم مشتاقون إلى الجنة ، والجنة مشتاقة إلى الفقراء جامع الأخبار ص128 (3) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام جامع السعادات ج2 ص78 (4) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن في الجنة غرفة من ياقوتة حمراء ينظر إليها أهل الجنة ، كما ينظر أهل الأرض إلى النجوم السماء ، لا يدخل فيها الا نبي فقير أو مؤمن فقير جامع السعادات ج2 ص84 (5) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خير هذه الأمة فقراؤها ، وأسرعها تصعدا في الجنة ضعفاؤها جامع السعادات ج2 ص83 (6) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تحفة المؤمن في الدنيا الفقر جامع السعادات ج2 ص84 (7) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يامعشر الفقراء أعطوا الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم فان لم تفعلوا فلا ثواب لكم جامع السعادات ج2 ص88 (8) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن أحب العباد إلى الله الفقير القانع برزقه الراضي عن الله تعالى جامع السعادات ج2 ص88 (9) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا أحد أفضل من الفقير إذا كان راضيا جامع السعادات ج2 ص88 (10) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أكثروا معرفة الفقراء ، واتخذوا عندهم الأيادي فان لهم دولة ، وقالوا : يا رسول الله ، وما دولتهم ؟ قال : إذا كان يوم القيامة فقيل لهم : انظروا إلى من أطعمكم كسرة ، أو سقاكم شربة ، أو كساكم ثوبا ، فخذوا بيده ثم امضوا به إلى الجنة جامع السعادات ج2 ص85 (11) قال الاما موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إن الله عز وجل يقول : إني لم أغن الغني لكرامة به على ولم أفقر الفقير لهوان به علي ، وهو مما ابتليت به الأغنياء بالفقراء ولو لا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة أصول الكافي ج2 ص264 (12) قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لو لا إلحاح المؤمنين على الله في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى حال أضيق منها أصول الكافي ج2 ص261 (13) قال الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام من لقي فقيرا مسلما وسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان جامع السعادات ج2 ص87 (14) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الله تعالى –يوم القيامة- أين صفوتي من خلقي ؟ فيقول الملائكة : من هم يا ربنا ؟ فيقول : فقراء المسلمين القانعين بعطائي الراضين بقدري أدخلوهم الجنة فيدخلونها ويأكلون ويشربون والناس في الحساب يترددون جامع السعادات ج2 ص88 (15) وسئل رسول الله صلى الله عليه واله عن الفقر فقال : خزانة من خزائن الله ، كرامة من الله ، شيء لا يعطيه الله الا نبيا مرسلا أو مؤمنا كريما على الله جامع السعادات ج2 ص84 (16) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء والصابرين وهم جلساء الله يوم القيامة جامع السعادات ج2 ص88 (17) قال الامام ابا عبد الله الحسين عليه السلام المصائب منح من الله ، والفقر عند الله مثل الشهادة ولا يعطيه من عباده الا من أحب بحار الانوار ج72 ص50 ح64 (18) قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته أصول الكافي ج2 ص261 (19) قال الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام الفقر هدية الله إلى الغني فان قضى حاجته فقد قبل هدية الله وان لم يقض حاجته فقد رد هديه الله عز وجل عليه بحار الانوار ج93 ص170 ح3 (20) قال الامام ابي عبد الله عليه السلام إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا رب ارزقني حتى افعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه كتب له من الأجر مثل ما يكتبه لو عمله ، إن الله واسع كريم بحار الانوار ج72 ص51 ح68 (21) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الفقر خير من الغنى ، إلا من حمل في مغرم وأعطى في نائبه بحار الانوار ج72 ص56 ح86 (22) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما أحد يوم القيامة غني ولا فقير إلا يود أنه لم يؤت منها إلا القوت بحار الانوار ج72 ص66 ح22 (23) قال الامام أبو عبد الله عليه السلام من استذل مؤمنا لقلة ذات يده ، شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق لا محالة بحار الانوار ج72 ص50 ح63 (24) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام من حقر مؤمنا مسكينا لم يزل الله له حاقرا ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه بحار الانوار ج72 ص52 ح78 (25) قال الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده فان الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر بحار الانوار ج8 ص59 ح80 (26) قال الامام أبو عبد الله عليه السلام لو لا الحاح هذه الشيعة على الله في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم عليها إلى ما هو أضيق بحار الانوار ج72 ص52 ح75 (27) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام إن الفقر مخزون عند الله لا يبتلى به إلا من أحب من المؤمنين ، ثم قال : إن الله يعطي الدنيا من أحب ومن ابغض ولا يعطي دينه إلا من أحب بحار الانوار ج72 ص52 ح81 (28) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الله عزوجل : يا دنيا تمرري على عبدي المؤمن بأنواع البلاء ، وضيقي عليه في المعيشة ، ولا تحلولي فيركن إليك (تمرري أي صيري مرة ، ولا تحلولي : أي لا تصيري حلوة ، من الاحليلاء) بحار الانوار ج72 ص52 ح73 (29) قال الامام أبو عبد الله عليه السلام الفقر أزين على المؤمن من العذار على خد الفرس ، وان آخر الأنبياء دخولا إلى الجنة سليمان ، وذلك لما أعطى من الدنيا بحار الانوار ج72 ص52 ح76 (30) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام في مناجاة موسى (عليه السلام) : يا موسى ، إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته بحار الانوار ج72 ص15 ح14 (31) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شيئان يكرههما ابن ادم : يكره الموت والموت راحة للمؤمن من الفتنة ، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب بحار الانوار ج72 ص39 ح33 (32) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام الفقر الموت الأحمر ، فقيل من الدنانير والدراهم ؟ قال : لا ، ولكن من الدين بحار الانوار ج72 ص40 ح39 (33) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام ما سد الله على مؤمن باب رزق إلا فتح الله له خيرا منه . قال ابن أبي عمير ، ليس يعني بخير منه أكثر منه ولكن يعني إن كان أقل فهو خير له بحار الانوار ج72 ص52 ح77 (34) قال الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إن الأنبياء وأولاد الأنبياء وأتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال : السقم في الأبدان ، وخوف السلطان ، والفقر بحار الانوار ج72 ص46 ح57 (35) قال الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنا نهج البلاغة ج2 ص156 (36) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سائلوا العلماء ، وخاطبوا الحكماء ، وجالسوا الفقراء بحار الانوار ج72 ص56 ح86 (37) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أكرم فقيرا مسلما لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض امالي الصدوق ص257 (38) قال الامام أبي عبد الله عليه السلام إن الله عزوجل يقول : يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه وذلك اقرب له مني ، ويفرح عبدي المؤمن أن وسعت عليه وذلك أبعد له مني الكافي ج2 ص141 (39) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أتاني ملك فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهبا قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا رب أشبع يوما فأحمدك وأجوع يوما فأسألك بحار الانوار ج72 ص64 ح13 (40) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من رضى من الله بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل بحار الانوار ج72 ص64 ح15 اضغط على الصورة لعرض أكبر. الإسم: Image-1516728285926.jpg مشاهدات: 1 الحجم: 20.0 كيلوبايت الهوية: 861682 الملفات المرفقة اضغط على الصورة لعرض أكبر. الإسم: tttt.jpg مشاهدات: 45532 الحجم: 20.1 كيلوبايت الهوية: 861681 قال الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أكثروا الدعاء بتعجيل الفَرج فإنَّ ذلك فرجُكُم الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد الرضا الرضا مشرف قسم فضائل أهل البيت (عليهم السلام) تاريخ التسجيل: 09-08-2010 المشاركات: 10422 تويت #2 27-03-2018, 09:48 AM الأخت الكريمة (حسين صفاء الشيخ ) رحم الله والديكم على هذا الاختيار الموفق جعله الله تعالى في ميزان حسناتكم تحياتي ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما

شهادة صحيحة من أكبر فنان عربي (عمر الشريف) :

شهادة صحيحة من أكبر فنان عربي (عمر الشريف): شهادة صحيحة و واقعية في أواخر حياته من الفنان عمر الشريف عن هذه الحياة اللعينة الغير المتوازنة المحكومة بآلظلم و بآلطبقية نتيجة لأختلاف ألحقوق و الرواتب و الموازيين و التعامل الغير المنصف مع تعاليم ألأسلام و التي تمّت أدلجتها بحسب المصالح الشخصية و الحزبية و العشائرية لسرقة الفقراء و حقوق المظلومين بأساليب و دعوات شتى .. و كما تفعل الطبقة السياسية المجرمة الجاهلة في العراق و التي عمّقت و قنونت تلك الفوارق ألتي باتت قياسية و في زمن قياسي! لهذا دمروا القيم و ألأخلاق و نهج الشهداء و إسلام أهل البيت(ع) و حقاً ما ورد في الأحاديث الصحيحة و القدسيّة : [الفقراء يدخلون الجنة بغير حساب] و كذلك قوله : [إن الله يستحي من الفقير يوم القيامة فيقول له إدخل الجنة بماذا أحاسبك و قد كنت لا تملك شيئا؟]. بعكس الأغنياء و أصحاب الحمايات و الموائد الدسمة و الرواتب المليونية و العقارية التي شرتها أو سرقتها أعضاء تلك الأحزاب المتحاصصة الفاسدة و مرتزقتهم في بلادنا و الذين سيطول وقوفهم أمام عدالة الله للإقتصاص منهم . فليس من الأنصاف و المنطق و الحق .. سرقة الناس و الفقراء و التحايل عليهم كونهم لا يملكون الوعي, فآلله تعالى رقيب و سيوقفكم و يعذبكم في الدّنيا و الآخرة. لقد قلتُ أيضاً في مناسبات و محاضرات عديدة داخل و خارج العراق : بأن صدام النجس قتل و ذبح الصدر الأول و الثاني و الشهداء معهم جسدياً ؛ بينما هؤلاء المرتزقة الفاسدين في الأحزاب و الكيانات الحاكمة اليوم و المتحاصصة لقوت الفقراء من بعد صدام .. قد قتلوا نهجهم(نهج الصدرين و الشهداء) ليشربوا ريع دمائهم و جهودهم بلا حياء ودين!! فأيهما بنظركم أشدّ عقوبةُ و حساباً و ظلماً يوم القيامة : صدام الجاهل الكافر الملعون؟ أم هؤلاء المنافقين الجّهلاء ألملاعين!؟ ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد

ألتّدين المؤدلج سبب هزيمتنا :

الدين المؤدلج سبب هزيمتنا : الحمد لله، الذي اصطفانا لوراثة النبوة والكتاب، وأوقفنا على تجربة النبوة، بدءا من لدن آدم، عليه السلام، وانتهاء بالنبوة الخاتمة، التي جاءت مصدقة لما بين يديها من النبوة والكتاب، ومهيمنة مصوبة للرؤى الدينية السابقة، ومبينة للتحريف والعبث بالخطاب الإلهي، الذي مارسه الإنسان على مسيرة النبوة وتعاليم الكتاب، ولعل من خصائص الهيمنة أن ناط بنا أمانة تبليغ وبيان تعاليم النبوة للناس، وحذرنا من علل التدين التي لحقت بالأمم السابقة، فكانت قصص الأنبياء عبرة وبيانا وهدى وموعظة وسبيلا إلى الوقاية من الإصابة بهذه العلل القاتلة. وقد يكون في مقدمة تلك العلل تحريف النص الديني والتحايل على أحكام الله، وإخضاعها للهوى، وبذلك تحول الدين من محرك ومحرض ودافع وفاعل إلى معوق ومثبط وعائق ومانع من السمو والارتقاء، وتحول التدين (المغشوش) عند بعضهم من تزكية النفس وتهذيب السلوك إلى تعذيب النفس وانحراف السلوك، والخروج من سيرورة الحياة، والقعود عن أداء الأمانة ومسؤولية استنقاذ الناس، والانكفاء والتولي والتآكل الذاتي الذي يمهد [ ص: 5 ] للاستبدال خضوعا لسنة التداول الحضاري: ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (محمد:38). ذلك أن من أخص خصائص النبوة الخاتمة، وارثة النبوات، مهمة الهيمنة ( ومهيمنا عليه ) (المائدة:48)، التي تعني - فيما تعني- الشهادة على الناس وإبلاغهم تعاليم النبوة ورسالة الله سبحانه وتعالى الخالق إلى الإنسان المخلوق: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ... ) (البقرة:143)، وقيادتهم إلى الخير وإلحاق الرحمة بهم. فلقد أهلنا الله سبحانه وتعالى لهذا (الجعل)، وشرع لنا وسائله وأدواته، وقدم لنا الأنموذج الذي يجسد تلك الأدوات ويمثل محل الأسوة والاقتداء، وزودنا إلى جانب ذلك بتجربة النبوة التاريخية، بكل عطائها في مجالي السلب والإيجاب لإغناء تجربتنا وإضافة حضارات إلى حضارتنا، وعقول إلى عقلنا، وعمق تاريخي لحاضرنا ومستقبلنا، زودنا بسلامة وصحة الأساس الذي تقوم عليه الحضارات الراشدة ويحقق السعادة الإنسانية، زودنا بالخطاب الإلهي المحفوظ بحفظ الله له ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر:9)، حيث كانت الإصابة الكبرى في تاريخ النبوة تتأتى من تحريف كلام الله عن مواضعه، ونسيان بعض ما ذكروا به، وإخضاعه لأهواء الناس وشهواتهم، فكان ذلك محور علل التدين تاريخيا، لذلك حسمت هذه القضية في الأمة الوارثة بتعهد الله بحفظ الرسالة الخاتمة، وتأهيل الجيل الذي كان أداة [ ص: 6 ] الحفظ بل الأجيال المتتابعة، فجاء النص سليما صحيحا وجاء الحفظ من خلال عزمات البشر. فلا تزال الأمة الوسط المنوط بها أمانة الشهادة على الناس وقيادتهم إلى الخير تمتلك النص الإلهي السليم الخاتم والخالد، الذي يشكل الإمكان المؤهل للنهوض في كل زمان ومكان وإعادة الفاعلية وإخراج الأمة الوسط وتحقيق العدل، ذلك أن هذا الحفظ وتنزيله على واقع الناس إنما تحقق من خلال عزمات البشر وسنن الله في الأنفس وطاقات الإنسان في الحمل والنقل والتمثل في السلوك، كما أن معاودة الإخراج واسترداد مقام (الجعل) وإحياء الفاعلية منوط بعزمات البشر أيضا. وليس أقل أهمية من تعهد الله بحفظ الخطاب الإلهي الأخير للبشرية، للحيلولة دون العبث والتحريف، تعهد الله ببيان تلك التعاليم من خلال البيان النبوي، الحديث الشريف والسنة، والتنـزيل العملي لتلك التعاليم في السيرة النبوية، يقول تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) (النحل:44)، ويقول: ( إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) (القيامة:17-19)، فكان ذلك حماية من الإصابة الكبيرة والعلة التاريخية المزمنة التي لحقت بتعاليم النبوة: تحريف الكلم عن مواضعه: ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ) (المائـدة:13) [ ص: 7 ] ، إنها خيانة النبوة التاريخية، التي كانت عبرة للأمة الوسط لأخذ حذرها والوقاية من الإصابات. ومن هنا نقول: إن الأمة الوسط تمتلك اليوم كما تمتلك في كل زمان الإمكان والقدرة على معاودة النهوض واستئناف الرحلة الحضارية، حيث القيم الإلهية السليمة الصحيحة الخالدة كضابط وموجه للحركة، والتنـزيل النبوي كدليل وبوصلة عمل وتحديد وجهة لحماية مسيرة إرث النبوة من الإصابات والعلل بهدي النبوة وهيمنة الكتاب. والصلاة والسلام على الذي بعث شهيدا على المؤمنين، أهلهم بتعاليم النبوة للشهادة على الناس ( ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) (الحج:78). لذلك فقد يكون محور الاضطلاع بهذا (الجعل) وأداء هذه الأمانة وحمل هذه الرسالة في الشهادة على الناس وقيادتهم إلى الخير تصويب المنطلق، وتجسيد هذه القيم القرآنية والتعـاليم النبوية وفق البيان والتنـزيل والسيرة النبوية وغير ذلك من المؤهلات والخصائص، التي تؤهلنا لنكون شهداء على الناس، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلابد من تصويب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم علينا لنتأهل للشهادة على الناس. من هنا نقـول: إن الأمة مدعوة دائما لمراجعة تصـويب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، ومحاولة اكتشاف مواطن الخلل، التي تحول دون بلوغها الشهادة على الناس، والعودة إلى استلهام القيم وبيانها النبوي وتنـزيلها في [ ص: 8 ] السيرة، وممارسة التجديد، ونفي نوابت السوء، وتجاوز أسباب الإعاقة، والتعافي من إصابات علل التدين، واستشعار المسؤولية، والانبعاث من جديد، وسبيل ذلك كله استرداد حسبة المناصحة، ذلك أن النقد والمراجعة والتصويب والتجديد ومحاصرة السلبيات وتصحيح المسيرة هو تكليف شرعي، هو دين من الدين كسائر التكاليف، وأن توقفه مؤذن بالسقوط الحضاري والوقوع في علل التدين، ومنافاة ومناقضة لخاتمية الرسالة وخلودها، الأمر الذي يتطلب الاجتهاد والتجديد والتصويب بعد أن توقف وحي السماء كما أخبر بذلك الصادق المصدوق: ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) (أخرجه أبو داود في الملاحم)؛ "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين" (أخرجه البيهقي). فأين الحملة الفقهاء العدول، وأين المناصحة والمراجعة والأدلة التي تحول دون التدين المغشوش وتكشف الانحراف عن قيم الدين؟!

مالك بن نبي متغرّب إسلامي :

الحمد لله، الذي اصطفانا لوراثة النبوة والكتاب، وأوقفنا على تجربة النبوة، بدءا من لدن آدم، عليه السلام، وانتهاء بالنبوة الخاتمة، التي جاءت مصدقة لما بين يديها من النبوة والكتاب، ومهيمنة مصوبة للرؤى الدينية السابقة، ومبينة للتحريف والعبث بالخطاب الإلهي، الذي مارسه الإنسان على مسيرة النبوة وتعاليم الكتاب، ولعل من خصائص الهيمنة أن ناط بنا أمانة تبليغ وبيان تعاليم النبوة للناس، وحذرنا من علل التدين التي لحقت بالأمم السابقة، فكانت قصص الأنبياء عبرة وبيانا وهدى وموعظة وسبيلا إلى الوقاية من الإصابة بهذه العلل القاتلة. وقد يكون في مقدمة تلك العلل تحريف النص الديني والتحايل على أحكام الله، وإخضاعها للهوى، وبذلك تحول الدين من محرك ومحرض ودافع وفاعل إلى معوق ومثبط وعائق ومانع من السمو والارتقاء، وتحول التدين (المغشوش) عند بعضهم من تزكية النفس وتهذيب السلوك إلى تعذيب النفس وانحراف السلوك، والخروج من سيرورة الحياة، والقعود عن أداء الأمانة ومسؤولية استنقاذ الناس، والانكفاء والتولي والتآكل الذاتي الذي يمهد [ ص: 5 ] للاستبدال خضوعا لسنة التداول الحضاري: ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (محمد:38). ذلك أن من أخص خصائص النبوة الخاتمة، وارثة النبوات، مهمة الهيمنة ( ومهيمنا عليه ) (المائدة:48)، التي تعني - فيما تعني- الشهادة على الناس وإبلاغهم تعاليم النبوة ورسالة الله سبحانه وتعالى الخالق إلى الإنسان المخلوق: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ... ) (البقرة:143)، وقيادتهم إلى الخير وإلحاق الرحمة بهم. فلقد أهلنا الله سبحانه وتعالى لهذا (الجعل)، وشرع لنا وسائله وأدواته، وقدم لنا الأنموذج الذي يجسد تلك الأدوات ويمثل محل الأسوة والاقتداء، وزودنا إلى جانب ذلك بتجربة النبوة التاريخية، بكل عطائها في مجالي السلب والإيجاب لإغناء تجربتنا وإضافة حضارات إلى حضارتنا، وعقول إلى عقلنا، وعمق تاريخي لحاضرنا ومستقبلنا، زودنا بسلامة وصحة الأساس الذي تقوم عليه الحضارات الراشدة ويحقق السعادة الإنسانية، زودنا بالخطاب الإلهي المحفوظ بحفظ الله له ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر:9)، حيث كانت الإصابة الكبرى في تاريخ النبوة تتأتى من تحريف كلام الله عن مواضعه، ونسيان بعض ما ذكروا به، وإخضاعه لأهواء الناس وشهواتهم، فكان ذلك محور علل التدين تاريخيا، لذلك حسمت هذه القضية في الأمة الوارثة بتعهد الله بحفظ الرسالة الخاتمة، وتأهيل الجيل الذي كان أداة [ ص: 6 ] الحفظ بل الأجيال المتتابعة، فجاء النص سليما صحيحا وجاء الحفظ من خلال عزمات البشر. فلا تزال الأمة الوسط المنوط بها أمانة الشهادة على الناس وقيادتهم إلى الخير تمتلك النص الإلهي السليم الخاتم والخالد، الذي يشكل الإمكان المؤهل للنهوض في كل زمان ومكان وإعادة الفاعلية وإخراج الأمة الوسط وتحقيق العدل، ذلك أن هذا الحفظ وتنزيله على واقع الناس إنما تحقق من خلال عزمات البشر وسنن الله في الأنفس وطاقات الإنسان في الحمل والنقل والتمثل في السلوك، كما أن معاودة الإخراج واسترداد مقام (الجعل) وإحياء الفاعلية منوط بعزمات البشر أيضا. وليس أقل أهمية من تعهد الله بحفظ الخطاب الإلهي الأخير للبشرية، للحيلولة دون العبث والتحريف، تعهد الله ببيان تلك التعاليم من خلال البيان النبوي، الحديث الشريف والسنة، والتنـزيل العملي لتلك التعاليم في السيرة النبوية، يقول تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) (النحل:44)، ويقول: ( إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) (القيامة:17-19)، فكان ذلك حماية من الإصابة الكبيرة والعلة التاريخية المزمنة التي لحقت بتعاليم النبوة: تحريف الكلم عن مواضعه: ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ) (المائـدة:13) [ ص: 7 ] ، إنها خيانة النبوة التاريخية، التي كانت عبرة للأمة الوسط لأخذ حذرها والوقاية من الإصابات. ومن هنا نقول: إن الأمة الوسط تمتلك اليوم كما تمتلك في كل زمان الإمكان والقدرة على معاودة النهوض واستئناف الرحلة الحضارية، حيث القيم الإلهية السليمة الصحيحة الخالدة كضابط وموجه للحركة، والتنـزيل النبوي كدليل وبوصلة عمل وتحديد وجهة لحماية مسيرة إرث النبوة من الإصابات والعلل بهدي النبوة وهيمنة الكتاب. والصلاة والسلام على الذي بعث شهيدا على المؤمنين، أهلهم بتعاليم النبوة للشهادة على الناس ( ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) (الحج:78). لذلك فقد يكون محور الاضطلاع بهذا (الجعل) وأداء هذه الأمانة وحمل هذه الرسالة في الشهادة على الناس وقيادتهم إلى الخير تصويب المنطلق، وتجسيد هذه القيم القرآنية والتعـاليم النبوية وفق البيان والتنـزيل والسيرة النبوية وغير ذلك من المؤهلات والخصائص، التي تؤهلنا لنكون شهداء على الناس، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلابد من تصويب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم علينا لنتأهل للشهادة على الناس. من هنا نقـول: إن الأمة مدعوة دائما لمراجعة تصـويب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، ومحاولة اكتشاف مواطن الخلل، التي تحول دون بلوغها الشهادة على الناس، والعودة إلى استلهام القيم وبيانها النبوي وتنـزيلها في [ ص: 8 ] السيرة، وممارسة التجديد، ونفي نوابت السوء، وتجاوز أسباب الإعاقة، والتعافي من إصابات علل التدين، واستشعار المسؤولية، والانبعاث من جديد، وسبيل ذلك كله استرداد حسبة المناصحة، ذلك أن النقد والمراجعة والتصويب والتجديد ومحاصرة السلبيات وتصحيح المسيرة هو تكليف شرعي، هو دين من الدين كسائر التكاليف، وأن توقفه مؤذن بالسقوط الحضاري والوقوع في علل التدين، ومنافاة ومناقضة لخاتمية الرسالة وخلودها، الأمر الذي يتطلب الاجتهاد والتجديد والتصويب بعد أن توقف وحي السماء كما أخبر بذلك الصادق المصدوق: ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) (أخرجه أبو داود في الملاحم)؛ "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين" (أخرجه البيهقي). فأين الحملة الفقهاء العدول، وأين المناصحة والمراجعة والأدلة التي تحول دون التدين المغشوش وتكشف الانحراف عن قيم الدين؟! وبعد: فهذا "كتاب الأمة" الثاني والخمسـون بعد المائة: "قراءة في فكر مالك بن نبي"، رحمه الله، للأستاذ عبد الوهاب بوخلخال، في سلسلة "كتاب الأمة"، التي تصدرها إدارة البحوث والدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، في سعيها المستمر ومحاولاتها الدائبة لتشخيص علل الواقع وبيان الأسباب، التي انتهت بالأمة إلى ما صارت إليه، [ ص: 9 ] واكتشاف مواطن الخلل، والتأسيس لبناء ثقافة التقويم والمراجعة وتدريب العقل على النقد والمقارنة والمقايسة والمفاكرة والمثاقفة والمشاورة، وإحياء الفروض الكفائية، وتشجيع النفرة لاكتساب المعارف والتخصصات المتنوعة استجابة لقوله تعالى: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (التوبة:122)، للوصول إلى حضارة المعرفة والعدل، وبذلك يبنى مجتمع المعرفة، ونبلغ سن الرشد الذي يؤهلنا لمعاودة بناء الأمة الوسط، أمة العدل، المنوط بها الشهادة على الناس وإلحاق الرحمة بهم. ولعل من أهم الأمور المطلوبة في هذا السياق استرداد حسبة المناصحة، التي بدأت تنحسر في حياة المسلمين، بمساحاتها الكبيرة وأبعادها الواسعة، ذلك أن مقاصد الدين في المحصلة النهائية هي النصيحة، يقول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) (أخرجه مسـلم)، فالنصيحة لما بين، عليه الصلاة والسلام، شاملة لكل مواقع الحياة وفعالياتها، فهي لله التبشير بدينه ونشر وتبليغ دعوته والتزام شرعه في حدود الاستطاعة؛ ولرسوله بطاعته والتزام بيانه والاهتداء بهديه والاقتداء بسيرته وكيفية تنزيله القيم الإسلامية، على واقع الناس؛ وإلى أئمة المسلمين بأطرهم على الحق وتحذيرهم من مغبة الخروج عن القيم الإسلامية؛ والنصيحة للمسلمين وعامة الناس بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الحسبة هي الروح السارية في الأمة المسلمة لضمان استقامتها والحيلولة دون انحرافها وانتقال [ ص: 10 ] علل التدين، التي وقعت فيها الأمم السابقة، إليها؛ بسبب توقف المناصحة والتواطؤ على الباطل والتستر على المنكر: ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) (المائدة:78-79). إن المناصحة والمراجعة بكل استحقاقاتها هي سبيل الخروج ومعاودة تحريك فاعلية الأمة؛ ذلك أن النقد والمراجعة والمناصحة توقظ العقل، وتوسع المدارك، وتعقل الفعل، وتلفت إلى إدراك السنن وحسن تسخيرها، وتحاصر الأخطاء والسلبيات، وتسد منافذ الغيبة، وتحول دون التخلف والاستنقاع الحضاري، بينما التستر والسكوت والمديح يعطل العقل، ويوقف نمو الحياة السليمة، ويمهد لقيام أمراض حضارية هي أشبه بألغام اجتماعية لا تلبث أن تنفجر في جسم الأمة، تنهك قواها وتقعدها عن أداء رسالتها. ولعلنا نقول: إن من لوازم ذلك: الحوار مع تراثنا، وإدراك كيفية التعامل معه، والإفادة منه، وعدم التوقف عند حفظه وتحقيقه والفخر بعقل واجتهاد أهله، والغياب في باطنه والانقطاع عن الواقع، الذي نعاني منه، والمحيط الذي يحاصرنا، والمستقبل الذي ينتظرنا، ومدى قدرتنا على استنطاق هذا التراث وهذه التجربة الغنية في الإجابة عن سؤال النهضة، عن حدود الإفادة لحاضرنا ومستقبلنا. وليس ذلك فقـط، وإنما الإيمان الكامل بأن المهيمن على التراث وصـور التدين هي قيـم الكتاب والسنـة؛ فالقرآن هو المهيمن على [ ص: 11 ] الإنتاج الفقهي والفـكري والثقافي، بكل أبعاده، وليست هذه النواتج، مهما بلغت، هي المهيمنة على الكتاب والسنة، والزعم بأنه يمـكن الاكتفاء بها عن العـودة إلى الينـابيع الأولى والتـلقي عنها، ولعل غياب هذه الحقيقة ومفاعيلها في حياة الأمة هو سبب الخلل والشتات والتبعثر وتكريس الخطأ بالخضـوع لاجتهـادات البشر، التي تخطئ وتصيب، على حساب التزام النص المعصوم. والقضية التي نسارع إلى إيضاحها أننا هنا لا ندعو إلى تجاوز التراث وإلغائه، وإنما ندعو إلى تقويمه ومراجعته وكيفية الإفادة منه لبناء حاضرنا وإبصار مستقبلنا؛ وليس ذلك فقط وإنما الأهم هو العودة إلى قيم الكتاب والسنة من خلال هذه الفهوم والنواتج وليس القفز من فوقها، شريطة أن تبقى الهيمنة للكتاب والسنة، فكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم . وإذا كان الحوار مع (الذات) يستدعي المراجعة والتقويم للتراث وموازنته ومقاربته ومقارنته بالواقع، في ضوء الكتاب والسنة، فإن دراسة حركات الإصلاح والتجديد والنهوض وتقويم مشاريعها، ومراجعة طروحاتها، وبيان مواطن الخلل والإصابات التي لحقت بها فكانت السبب في عجزها عن معاودة النهوض وبلوغ مقام الوسطية والعدل والاعتدال، الذي يؤهل للشاهدة على الناس وإلحاق الرحمة بهم وتحقيق الشهود الحضاري ( لتكونوا شهداء على الناس ) هو آكد؛ لأن معظمها يشكل حلقة من حلقات التواصل بين الماضي والحاضر، بكل ظروفها ومقوماتها. [ ص: 12 ] وما نزال نعتقد أن الكثير من الدراسات لحركات وأعلام ومدارس التغيير والإصلاح والنهوض، على قلتها وضآلة إنتاجها، لم تتحقق بالمطلوب من التقويم والمراجعة وبيان مواطن القصور وأسباب التقصير والخلل، الذي حال دون بلوغها أهدافها، ذلك أنها في معظمها تقتصر على التحشيد والسرد والوصف والمديح والفخر، ويكاد يكون محورها الأساس تبرئة (الذات) وعدم الاعتراف بالفشل والخلل لتكون عبرة لأولي الأبصار القادمين على الطريق؛ وإن حصل بعض الاعتراف بالفشل فما أسهل أن نلقي التبعة على (الآخر) المتآمر، وإن أعيتنا الحيلة أكثر فمشجب القدر، الذي يشكل لجاما للعقول والنفوس جاهز، لذلك نقول: إن جدوى هذه الدراسات والأفكار أقل من القليل، ولا أدل على ذلك من أن أخطاءنا تتكرر، فالعاقل الكيس الذي يدين نفسه فيبصر السنن الجارية، ويغالب القدر بقدر، ويحدد مواطن التقصير، والعاجز هو الذي يلقي بالتبعة على (الآخر) ويتمنى على الله الأماني وينتظر السنن الخارقة دون أن يوفر الأهلية والمحل لها. وقد تكون الإشكالية أو الأزمة الكبرى، التي تعاني منها النخبة والعقل المسلم هي الغفلة وعطالة وتعطيل آلية المران على الإدراك، وانكماش وانطماس آلية الاعتبار فتمر بنا الآيات ونحن عنها غافلون، والله يقول: ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) (يوسف:105)، ويقول: ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) (الحشر:2)، فإذا تعطـل الإدراك وتوقـف الاعتبـار تتوقف عمليات [ ص: 13 ] المناصحة والتقويـم والنقد والمراجعة، وعندها لا يمكن لنا أن نغادر مواقعنا التي نراوح فيها. ذلك أن الوجه المقابل لذلك نمو وتنمية آليات ووسائل الحماس والانفعال والتوثب وإلهاب المشاعر وتأجيج العواطف، وبروز الخطباء، الذين بات الكثير منهم يشكلون إمبراطوريات دينية تكرس تخلف المسلمين، وغياب الفقهاء والحكماء والخبراء، وبذلك تتحول الحياة لتكون نهبا لكل ناعق عالي الصوت، سميك الحنجرة، ونتوهم أن قضايانا ومشكلاتنا تعالج بالصراخ والضجيج والتظاهر والشعارات والهتافات!! وأريد هنا أن أشير إلى أن خصومنا وأعداءنا أصبحوا أعرف بنا منا، على حد قول الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي: ابن جني أعرف بشعري مني. أقول: إن خصومنا وأعداءنا أحاطوا بمعرفتنا بقيمنا وتاريخنا وحاضرنا واكتشفوا العوامل المؤثرة فينا، فامتلكوا أزرار شخصيتنا، فأصبحوا قادرين على إثارتنا وتحريكنا وحشدنا في الوقت المناسب لمصلحتهم، وبذلك تحولنا إلى وقود جاهز للاشتعال نستدعى وقت اللزوم، ونثار عند الحاجة، وتستعار تضحياتنا لتصفية الحسابات وحسم الصراعات وتحقيق الغلبة في الخصومات؛ وأكثر من ذلك، فما أسهل أن يفتعل الأعداء والخصـوم حادثة أو ممارسـة أو مقالا أو صورة شاذة لإثارتنا دون إعداد واستعداد وتبصر في العواقب وكيفية إدارة الأزمة، والشواهد تتجاوز الحصر، فكم من أعداء الإسلام وطغاة الاستبداد السياسي خاطبوا الأمة وناشدوها الوقوف معهم في [ ص: 14 ] معاركهم بالشعارات الإسلامية والتذكير بالمعارك والبطولات والتضحيات التاريخية، وبعد انتهاء المعركة يصبح أبناء الإسلام هم أول الضحايا، وتكون تلك الأحداث أشبه بالكواشف واستطلاعات النار في الحرب لإبصار الإسلاميين وتحديد قدراتهم وأشخاصهم وقياس مساحة جمهورهم ومكوناتهم ووضع الخطط المدروسة للتعامل معهم وإخراجهم من الميدان. وبالإمكان القول: إن الأزمة الحضارية، التي نعاني منها والتي أوقفت رسالتنا وعطلت حركتنا وأطفأت فاعليتنا وغشت بصيرتنا هي أزمة نخبة وليست أزمة أمة؛ فالأمة في تاريخها الطويل أثبتت ولاءها وانتماءها وتضحياتها في سبيل قيمها، لكن الإشكالية في عدم ارتقائها هو عجز النخب الفاشلة، التي أصبحت وقفا عليها بسبب تعطيل أوعية الفرز السليم للطاقات والإمكانات والزعامات والقيادات، وفي كثير من الأحيان يمكن القول: إن الأمة في تاريخها المعاصر كثيرا ما تنحاز إلى القيم والشعارات الإسلامية وليس للأشخاص والزعامات الفاشلة. وقد يكون في اصطلاح كلمة (النخبة) بعض التجاوز، في التعبير، ذلك أن ما يسمى بالنخب في العالم العربي والإسلامي، في المجالات والميادين المختلفة، لم تأت ثمرة انتخاب وتشاور ولا ثمرة تطور وانتخاب طبيعي وإثبات الإمكانات في ميدان الفعل ولا من خلال تميز في التخصص أو إثبات القدرة على إدارة الأزمات وإعطاء الرأي السديد، وإنما تحكمت في وصولها للمواقع التي تشغلها عوامل كثيرة إلا المؤهلات، فكان تكريس التخلف [ ص: 15 ] والارتكاس والإحباط وتوالي الهزائم والفشل وقتل روح المبادرة والنهوض عند الأمة. والأخطر في ذلك هو في إحكام الإغلاق والتعصب وإقامة الأسوار الحزبية، والحيلولة دون النقد والمراجعة والتقويم وبيان مواقع الخلل، وذلك بمحاولات خبيثة مشرعنة في كثير من الأحيان، من تكييف قيم الدين وأحكامه لصالح هـذه النخب، لعل من أخطرها التباس (الذات) بالقيمة، أو الفكرة بالوثن، أو معاني وصفات البطولة في البطل، واختلال الموازين، فبدل أن يكون التقويم والميزان بالقيمة الثابتة والمعصومة، ويكون الإنسان و (الذات) والشخصية محل المعايرة والموازنة، يتحول الأمر لتصبح (الذات) هي القيمة المقدسة المعصومة، ويصبح سلوكها وعملها ورأيها هو المقياس، فيرتكس الناس إلى عبادة الأوثان، لكن هذه المرة بشكل غير معلن وغير صريح، ويعود حنين البشر إلى عهد الوثنية: ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) (الأعراف:138)، وعندها تتشكل الإقطاعات البشرية، التي لا هم لها إلا تمجيد القائد الملهم والزعيم الخالد وشيخ الطريقة وزعيم الحزب وقائد الجماعة ومرشد الطائفة وملهم الأجيال. وقد يستغرب الإنسان ويندهش عندما يتعرف على إمكانات بعض القادة والزعماء، ويتعجب من تزعمهم ورفعهم إلى مواقع القيادة، وهم في كثير من الأحيان أشبه بهياكل، ليسوا على شيء، لكن لا يلبث أن يزول [ ص: 16 ] عجبه إذا علم أن الأوثان كانت تعبد وهي عاجزة، لا تنفع ولا تضر، فهل تعود الوثنية المعاصرة ويغيب قوله تعالى: ( ألا لله الدين الخالص ) (الزمر:3)، وقوله: ( فاعبد الله مخلصا له الدين ) (الزمر:2)؟! ويبقى السؤال الكبير المطروح، وسؤال النهضة أحد مقوماته: إذا كنا نمتلك الخطاب الإلهي الصحيح والسليم والخالد والخاتم، بكل ما لهذه المفردات والمصطلحات من أبعاد، كما نمتلك البيان النبوي المعصوم لهذا الخطاب، الذي يضمن له عدم الانحراف بالتأويل، وهو هنا ليس التبديل بالألفاظ فقط وإنما الخروج بالمعنى عما وضع له اللفظ، آفة النص الديني التاريخية، ونمتلك أيضا السيرة النبوية، التي تمثل الواقع التنزيلي والعملي والتطبيقي لهذا النص على واقع الحياة، بكل مواقعها وتقلباتـها وتغيراتها، كما نمتلك التجربة التاريخية الحضارية الإنسانية من أنموذج تعامل البشر مع هذا الخطاب بعد توقف الوحي ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ونمتلك أيضا العمق التاريخي لتجربة النبوة والتحديات الكبيرة المحرضة والمستفزة من (الآخر) الذي يستهدف (الذات) ويستدعي بشكل طبيعي وعفوي الاستجابة للتحدي واستنفار الطاقة والنهوض للمواجهة وحماية (الذات) من الإلغاء، بكل أبعاده... فما هي إشكالية النهوض إذن، التي تعددت حولها الإجابات والأحزاب والجماعات ولما يتحقق النهوض؟! ولعل الجواب السريع بادي الرأي أن الإشكالية تكمن في كيفية التعامل مع ذلك كله، الكتاب والسنة والسيرة والتراث بشكل عام، والافتقار إلى [ ص: 17 ] ثقافة التعامل مع ذلك بشكل صحيح يعيد تحريك الفاعلية وآلية الإنتاج المتوقفة أو المعطلة المجربة لتعاود إنتاجها وتستعيد وظيفتها، والحكم على مشروعاتنا وقياداتنا بالفشل والخلل حال عدم تحقيقها الأهداف المنوطة بها، مهما كانت الأعذار والمسوغات والذرائع. وقد يكون من المفيد أن نسارع إلى القول: إن عدم الاعتراف من النخب، التي تحمل شعائر الإسلام وترفع شعاراته، بالفشل والإخفاق والخلل بجرأة وشجاعة، والفشل يحيط بنا من كل جانب، سوف يؤدي إلى محاصرة القيم وإجهاضها ونزع الثقة من الأمة بقدرتها على معاودة النهوض واسترداد الفاعلية وتحقيق (الجعل) الإلهي وإخراج الأمة الوسط المؤهلة بقيم الدين في الكتاب والسنة ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) لتكون شهيدة على الناس ( لتكونوا شهداء على الناس ) . ولعل الإجابة السريعة تأتي أيضا من البيان النبوي، الذي حذر من الوقوع في علل التدين، التي لحقت بالأمم السابقة والتي بات يلحظ نذرها وإصاباتها البعيدة تقترب من أصحاب الرسالة الخاتمة، ذلك بأننا إذا لم نفد من إيماننا بالنبوات السابقة ونتقي إصاباتها ونتلمس معالم نجاحها ونهوضها فما قيمة الإيمان بها. خاصة وأن "شرع ما قبلنا هو شرع لنا" ما لم يرد ناسخ، كما يقرر علماء الأصول؟ فهل نقع بما وقع به الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، وقال فيهم الله سبحانه وتعالى قرآنا خالدا يتلى على الزمن، ليحذر أصحاب الرسالة الخـاتمة من السقوط الحضاري وذهاب الريح، [ ص: 18 ] يقول تعالى: ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) (الجمعة:5) ؟ ونخشى أن نقول: إن علل التدين التي كانت سبب سقوط الأمم السـابقة، يمكن أن تتسـرب إلينا على الرغم من تحذير القرآن وتنبيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) (البقرة:78)، أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة وترتيلا. قال ابن تيمية، رحمه الله، عن ابن عباس وقتادة في قوله تعالى: ( ومنهم أميون ) أي غير عارفين بمعـاني الكتاب، يعلمونها حفظا وقراءة بلا فهم، لا يدرون ما فيها، أي تلاوة، لا يعلمون فقـه الكتاب إنما يقتصرون على ما يتلى عليهم.. هذه الأمية العقلية مع كتابنا وسنتنا وسيرة نبينا وتراثنا هي ما شخصه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( وذاك عند أوان ذهاب العلم ) وقد يكون فيما يذكره ابن كثير، رحمه الله، عند تفسير الآية الثالثة والستين من سورة المائدة من الجدال، الذي وقع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه زياد بن لبيد رضي الله عنه ما يشكل الرؤية المستقبلية، ويعتبر مؤشرا دقيقا على الخلل ووصف الحال التي صرنا إليها. بل لعنا نقـول هنا: إن هذا الحـديث أو الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزياد بن لبيد رضي الله عنه يمكن أن يعتبر مفتاح حل المشكلة وسبيل العبور إلى علاجها في المستقبل، على الرغم من تعدد مظاهرها وأعراضها، كما يعتبر [ ص: 19 ] العين السحرية، التي تراقب جودة الإنتاج ومطابقته للمواصفات وتحدد مواطن الخلل. فعن الإمام أحمد، رحمه الله، عن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقال: ( وذاك عند أوان ذهاب العلم ) قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة، قال: ( ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء ) لذلك نقول: إن الإشكالية قد تكون في عدم أخذ الحذر والحيلولة دون انتقال علل الأمم السابقة، بسبب غياب الفقه بمفهومه الواسع، الذي يمكننا من التعامل مع الكتاب والسنة والسيرة والتراث، المنقولة إلينا بدقة وأمانة؛ المشكلة تكمن، إلى حد بعيد، في التفقه في حمل الفقه ونقله، ذلك أن حمل الفقه شيء والفقه شيء آخر ( فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه ) (أخرجه الترمذي وحسنه). وقد لا يتسع المجال للقول: إن غياب الفقه والاقتصار على الحمل والنقل يحولنا إلى وسائل حمل للأسفار، ونقل لها من مطبعة إلى مطبعة، من تجليد إلى تجليد، ومن نوع ورق إلى نوع آخر، ومن رف إلى رف، في صدر المجالس، حتى ولو رافق ذلك شرح واختصار واختصار وشرح وتصويب وتحقيق. [ ص: 20 ] وقد يكون من المهم أن نشير إلى أن إثبات النص بتحقيقه وإتقانه وأمانة نقله وحفظه وطباعته وتجليده وضبطه، الذي جاء ثمرة ومحاكاة لحفظ الذكر (القرآن) من التحريف، وصحة خطاب التكليف، والاحتفاظ بالإمكان الحضاري لمعاودة النهوض، على أهميته وضرورته وقيمته إذا لم يترافق بفقه النص وفهم الواقع وكيفية إعماله في الواقع وتنـزيله على حياة الناس ضمن استطاعتهم وحسن التعامل معه، يصبح بلا معنى عملي. ولو حاولنا استعراض الجهود الفكرية والذهنية والتعليمية والعلمية في الساحة الإسلامية لوجدنا أنها تتجه في معظمها إلى إثبات النص وتحقيقه، فيما وراء الكتاب والسنة طبعا، وأن القليل القليل منها يتجه إلى فقه النص وكيفية إعماله في واقع الحياة، الأمر الذي حرم المسلم من عطائه الخالد، الذي يؤهله لاسترداد الفاعلية والأهلية للشهادة على الناس؛ وخلاصة القول: إن الاهتمام والجهود العلمية اليوم تتجه إلى الاكتفاء بإثبات النص عن الفقه في كيفية إعماله في واقع الناس. ولعل الوجه الآخر لإشكالية الخلل في التعامل أن النص القرآني من أولى خصائصه التصديق للكتب السماوية السابقة لاستيعاب النبوة وتجاربها والهيمنة عليها لتصويب ما وقعت به من تحريف على أيدي الكهنة والطغاة، والخلود الذي يعني القدرة على الإنتاج في كل زمان ومكان إذا أحسنا التعامل معه والتنزيل لآياته وأحكامه، لكن الخلل في تقديرنا أننا لم نمتد بهذه الهيمنة ليكون النص القرآني معيار التقويم والمراقبة والمراجعة، وأنه المرجع [ ص: 21 ] الأول والأخير لكل إنتاجنا الفقهي والفكري والثقافي، وإنما التحول بهذه الهيمنة إلى موارد المعرفة الأخرى... تركنا القرآن للتلاوة والتبرك، وأصبحت شروح البشر وفهومهم هي المهيمنة على العطاء الثقافي بما فيها القرآن الكريم، فتقدم رأي الشارح على نص الشارع. فحوصرنا بآراء البشر، بكل ما يمكن أن يعتريها من القصور والنسبية والضعف وقيود الزمان والمكان وتغير الحال وتبدل الاستطاعات، حتى إذا أطلقنا اليوم كلمة (النص) كثيرا ما بات ينصرف إلى ما دونه الفقهاء والمفسرون والعلماء في كتبهم، وغابت هيمنة القرآن والسنة، فضاعت البوصلة الهادية إلى سبل السلام. وقد تكون المعادلة الصعبة، التي تورث الخلل في التعامل مع قيمنا في الكتاب والسنة لاسترداد فاعليتنا والوصول بأمتنا إلى مستوى جعل الله لها أمة وسطا شهيدة على الناس، أن القرآن أصبح اليوم بين أيدينا جملة واحدة، بخطابه المتنوع وأحكامه المتعددة وأسباب نزوله وبيانه النبوي وتجسيد معانيه في السيرة النبوية، في الوقت الذي كان ينـزل بالتدرج لبناء مجتمع وإقامة دولة، ومن سنة الله في الخلق أن أقدار التدين لا تثبت على حالة واحدة، والاستطاعات تتغير وتتبدل، والظروف الخارجية المحيطة تتغير وتتبدل، فكيف لنا والحالة هذه أن نفقه الموقع الملائم لواقعنا في القرآن؟ كيف نبحث عن أنفسنا في هذه اللحظة في القرآن؟ وما هي الآيات التي تحكم حالنا التي نحن علينا، آخذين بعين الاعتبار الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة؟ وما هو [ ص: 22 ] الموقع المناسب لواقعنا في السيرة النبوية الذي يشكل لنا موقع الاقتداء؟ وما هو الخطاب الملائم لواقع الناس، وكيف نصل بإسلامنا لإلحاق الرحمة بهم؟ هذه هي المعادلة الصعبة، التي تحتاج إلى فقه ووعي وثقافة وعلم ومؤسسات متخصصة بكل الجوانب، وحوارات وتشاور وشورى واختبارات ميدانية وبصارة بالسنن الخارقة التي مردها إلى الله، والسنن الجارية التي فقهها منوط بالمكلف، وكيفية مغالبة قدر بقدر، والتعامل مع الابتلاءات المتنوعة، وتجريد النص من قيود الزمان والمكان، وتحقيق هيمنته وخلوده في كل زمان ومكان. لقد كان القرآن يتنـزل شيئا فشيئا بحسب الأحوال والحالات، وكان يجسد هذا التنـزيل المعصـوم صلى الله عليه وسلم أما الآن فالقـرآن بين أيدينا جمـلة واحدة -كما أسلفنا- بكل آياته وحالات نزوله، فكيف نتعامل معه ونحن بشر نصيب ونخطئ، وننجح ونفشل؟ لكن المشكلة أننا لم نتدرب على الاعتراف بالفشل، فينعكس ذلك على التوهم بعدم صلاحية القيم الإسلامية لحكم الحياة!! ولعل من أهم أسباب الخلل أيضا القراءة المبتسرة والقاصرة والانتقائية أحيانا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغياب منهجية الاقتداء، ومعرفة الموقع المناسب لعصرنا وواقعنا من مسيرة السيرة، التي استوعبت أصول الحياة بكل قضاياها ومشكلاتها، وهذا لا يقل سوءا وخطورة عن تنـزيل الآيات على غير محالها، وعدم استيفاء توفر شروط التنـزيل في المحل. وقد يعود ذلك لتحكم الانفعال وممارسة رد الفعل، وثمرة للضغوط المحيطة بنا، وإيقاع الظـلم والاستبـداد ممن بيده القوة، الأمر الذي يجعلنا [ ص: 23 ] لا نبصر إلا طريقا واحدا هو طريق المواجهة، والتحاكم إلى القوة، وعسكرة العقل والاجتهاد والتربية والسيرة، فتصبح آية واحدة، هي آية السيف، تنسخ أكثر من ثلث آيات القرآن في التربية والدعوة والمعاملة والأخلاق والبر والرحمة والعفو والحب والعدل والأخوة!! ونتيجة هذه الحال بدأ يتمحور العمل الإسلامي حول الوصول إلى الحكم ومواجهة الخصوم بشتى الوسائل والأساليب، باستعداد وبدون استعداد، بالوسائل المشروعة أحيانا وفي أحيان كثيرة بوسائل غير مشروعة، تحت مظلة الضرورة التي تبيح المحظور، كما تصبح الإشكالية الحكم بما أنزل الله وأن الحاكمية لله سبحانه وتعالى، التي قد تستبيح كل وسيلة حتى ممارسة الظلم والاستبداد والإكراه، وكأن قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين ) (البقرة:256)، وقوله: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) (النحل:125)، وقوله: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) (آل عمران :64)، وقوله: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) (العنكبوت:46)، وقوله: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين... ) (الممتحنة:8) ليست مما أنزل الله!؟ المطلوب أن نحكم به ونطبقه، وهكذا نجعل القرآن تفاريق خاضعة للانتقاء والتبعيض، الأمر الذي يخشى معه أن نقع في ما حذرنا الله منه ( كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين ) (الحجر:90-91) بقصد أو بدون قصد. [ ص: 24 ] ولسنا الآن بصدد الاستقصاء والإتيان على ذكر أسباب الخلل، الذي أعجزنا عن حسن التعامل مع قيمنا في الكتاب والسنة والسيرة والتراث، وحال دون التأهل والوصول إلى مرحلة (الجعل) الإلهي للأمة لتكون شهيدة على الناس وحمل رسالة وحضارة الرحمة للعالمين، وإنما هي نوافذ سريعة للإطلالة منها على بعض أبعاد الإشكالية، تبقى تحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير والمراجعة والمقارنة والمقايسة والتشاور والتثاقف لإعادة بناء ذهنية الأمة وتشكيل نسيجها الاجتماعي وإيقاظ روحها بالمسؤولية عن الإنسانية. وبعد: فهذا الكتاب يشكل حلقة في إطار دراسة حركات التجديد ورواد الإصلاح وتقويم مسيرتها والإفادة من عبرتها، وهو محاولة لفتح نافذة على عالم الأستـاذ مالك بن نبي، رحمه الله، ومنهجه المتميز، الذي تمحور حول شروط النهضة وإعادة بناء الشاكلة الثقافية، كما اصطلحنا عليها، واعتبارها محل الخلل، وأن تصويبها ومراجعتها سبيل الخروج واستعادة الفاعلية ومرآة الواقع ومرقاة النهوض. وبالإمكان القول: إن الأستاذ مالك بن نبي، رحمه الله، تعرف على (الذات) من خلال (الآخر)، حيث تشكلت ثقافته من خلال موطنه الثقافي فرنسا إلى حد بعيد، فكان لرؤيته النهضوية وإجابته عن سؤال النهضة نهجا خاصا حتى بين الذين عادوا إلى الثقافة الإسلامية من الموطن (الآخر) وتعرفوا عليها من خلال أدواته وثقافته؛ ولعل التأمل في تخصصه (الهندسة) وطبيعة الاستعمار النوعي لبلده الجزائر ومحاولة محو شخصيتها وثقافتها ولغتها وتراثها [ ص: 25 ] وتاريخها وقطعها عن محيطها الثقافي والجغرافي والتاريخي، إضافة إلى معايشته واستبطانه ثقافة هذه الدولة المستعمرة، يفسر لنا بعض الملامح لتشكيله الثقافي، ومنهجه، وعوامل انبعاث ذهنه المتوهج، وشخصيته القلقة، وقـدرته على الغوص في العمق المفاهيمي للثقافة الاجتماعية، والمقارنة بين الثقافات، واكتشاف العلل الكامنة في النفس، التي تشكل عوائق النهوض والتغيير. ولعلنا نقول هنا: إن منهج الأستاذ مالك بن نبي، رحمه الله، ورؤيته بدأت غريبة على الواقع الإسلامي، برؤيته المعرفية ومؤسساته التعليمية التقليدية ومدارسه الإصلاحية، لذلك لم يكن من السهل استيعاب منهجه وإدراك أبعاده ومراميه، بل لعلنا نرى أنه كان سابقا لعصره، وأن التنبه لأفكاره ومنهجه وإدراك أهميتها جاء بعد عصره، فميكانيكية التقويم والنقد والمراجعة كانت معطلة في العقل المسلم، ومتوقفة منذ ومضات ابن خلدون، التي لم يكتب لها الامتداد في ثقافتنا وإنما عادت إلينا من (الآخر). ولا شك عندي أن الذهنية الإسلامية لم تتقبل في حينها رؤية مالك؛ لأنها لم تلتفت إليها فلم تستوعبها، ولم تألف هذا النهج النقدي، ولم ترتح إليه في فورة الحماس والتهاب المشاعر وتأجج العواطف واستعار المعارك والمواجهات وتحكم فكر الأزمة، حيث كان يغلب عليها الميل صوب الخطب الرنانة والأصوات الحادة وقرع الطبول الكبيرة وزعامة الرجل الملحمة، فهو الخطيب والفقيه والعالم المثقف والقائد والزعيم والسياسي والمصلح الاجتماعي والباحث الأكاديمي؛ الرجل الملهم الذي يعرف كل شيء، كان حالها حال العقل الطفل، الذي يظن أن والده بطل يعـرف كل [ ص: 26 ] شيء ويجيب عن كل شيء ولا يعيقه شيء، في هذا الجو الصاخب بأصواته، العاجز والمتخلف في مواقعه، الممزق في ثقافته ورقعة تفكيره، كان مالك، رحمه الله، متوفر على إشكالية ينظر فيها، ويحلل جوانبها، ويخلص إلى نتائجها، فهو قد لا يكون خطيبا مفوها -والعصر عصر زعامة الخطبة- ولا فقيها متمكنا- والعصر عصر حفظ المتون والمدونات- ولا شيخا لمجموعة مريدين، حيث انتشار الطرق الصوفية وشيوع روح التواكل، ولا رائدا حزبيا سياسيا، ولا مرشد جماعة، ولا زعيم تنظيم، حيث كان كل ذلك من الأسوار التي حالت دون الإفادة الكاملة من رؤية مالك، رحمه الله، وإنما هو أحد رواد النهضة المسكون بالهم الثقافي.. كان، رحمه الله، مشروعا ثقافيا، وذهنا متوهجا، ونفسا قلقة تواقة، وعقلا ناقدا، ومستشرفا مستقبليا. وكم كنت أتمنى أن تتاح الفرصة لنشر المقابلة التي أجريتها، مطلع السبعينيات، مع الأستاذ مالك، رحمه الله، في دمشق بعد أن غادر القاهرة وسكن الشام، في بيت الدكتور محمد الهواري، حفظه الله، عقب محاضرته في رابطة الحقوقيين: "رسـالة المسـلم في الثلث الأخير من القرن العشرين" والتي لم أعرف ماذا حل بها بعد تطور الأحداث وتسارعها في سوريا، علها كانت تلقي بعض الأضواء الإضافية على تجربة الأستاذ مالك ورؤيته في مرحلة النضج. وما أزال أذكر محاولات بعض المتحمسين الذين لم يدركوا منهجه، من الذين حاولوا اقتحام المنـزل الذي نزل فيه في دمشق بعد محاضرته في رابطة الحقوقيين ليعاقبوه ويحاسبوه على بعض مواقفه السياسية، ومهادنته لبعض حكام الاستبداد السياسي. [ ص: 27 ] وفي تقديري أن السبب الأساس في عدم الإفادة من فكر الأستاذ مالك بالشكل المطلوب الروح الحزبية الضيقة المتخشبة، والأسوار الحزبية السميكة التي تمنع الدخول إليها والخروج منها لغير المنتمين إليها، ذلك أن معظم الجماعات والأحزاب تحولت إلى إقطاعات بشرية منعزلة وطوائف منغلقة على ذاتها مفتونة برأيها وفكرها، خائفة على اختطاف أتباعها. وإذا كانت جهود الأستاذ مالك الفكرية قد تمحورت حول القابلية للاستعمار وكيفية استرداد الفاعلية وإعادة بناء الشاكلة الثقافية، وأن إشكالية التخلف والسقوط الحضاري هي إشكالية ثقافية، في الأساس، فإن محاولة الباحث إعادة قراءة فكر الأستاذ مالك وإسقاطه على حقبة العولمة، تأتي في حينها، باعتبار العولمة تشكل النسخة المتطورة للاستعمار، ومرحلة التحول في الهيمنة إلى التحكم والاحتواء الثقافي أو ما يسمى بالقوة (المرنة)، والتسلل من خلال منظمات التجارة العالمية وإنشاء الأسواق الحرة وإقامة المؤسسات الإعلامية العالمية، ووكالات الأنباء، التي تقرأ للعالم حركته ومشكلاته على هواها، وبأبجديتها، وتعضد ذلك بإقامة أندية للحوار الديمقراطي، حوار الأديان، حوار الثقافات، ومنتديات الإسلام والغرب، الإسلام والديمقراطية، الإسلام وحقوق الإنسان.... إلخ. ذلك أن الجانب الأقوى، هو الذي يمتلك أدوات الحوار، وهو الذي يحضرها ويحدد موضوعاتها ويصمم محاورها ويختار المشاركين فيها والأماكن الملائمة لانعقادها، وما على الآخر إلا ملء المربعات المرسومة مسبقا والالتزام بالموضوعات المحددة له. [ ص: 28 ] ولقد اجتهد الباحث في الامتداد بفكر الأستاذ مالك صوب المستقبل، باعتباره كان سابقا لعصره إلى حد بعيد، محاولا إسقاطه على واقع العولمة، الصورة الأحدث للهيمنة والاغتصاب الثقافي. وكم كنا نتمنى على الباحـث أن يقـدم قراءة نقدية لفكر مالك أيضا ولا يقتصر على التوصيف والإسقاط، حيث تفتقد الدراسات التقويمية والمراجعات الفكرية لكثـير من قيمتها، وإنما يمتد بتراث مالك النقدي، الذي ينمي حاسة النقد عند العقل المسلم المعاصر، ويمنحه المنهج السليم للتقويم والمراجعة. فمالك إنسان يؤخذ من كلامه ويرد؛ والمشكلة في قراءة الرواد وحركات الإصلاح أننا نأخذ من كلامها ولا نرد، ظنا منا بأن ذلك ينقص من قدرهم ويبخس عطاءهم. وفي الخـتام، فمـالك، رحمه الله، ليس فقيها ولا أصوليا ولا مفسرا ولا زعيم جماعة ولا قائد أمة ولم يدع ذلك حتى نحاسبه عليه، وإنما صاحب رؤية حضارية ثقافية، عرف ذاته من خلال (الآخر) -كما أسلفنا- واهتدى بفطرته السليمة وبصيرته النافذة إلى قيم الإسلام وإدراك مقاصده؛ هو ناقد ذو بصيرة حيث عز النقد في الواقع الفكري الإسلامي؛ لأن النقد يمس بذات الأوثان البشرية المقدسة، ويفك الالتباس بين القيمة والذات. ويبقى منهج مالك وعطاؤه الثقافي في رأيي حاسة لازمة للعقل المسلم وللعمل الإسلامي، وبدونها سوف تستمر الإعاقة والعجز والخزي المعرفي، [ ص: 29 ] وسوف لا ندرك قيمته ما لم نضعه في مكانه المناسب وتقويمه من خلال الموقع الذي اختاره لنفسه. ويبقى المطروح: إلى أي مدى تصلح رؤى الأستاذ مالك وأفكاره التي تولدت في حقبة الاستعمار لتشكل دليلا إلى التعامل مع حقبة العولمة؟ وفي تقديري أن إنتاج الأستاذ مالك، رحمه الله، يحتاج إلى قراءات وحوارات ودراسات؛ لأن هذا الإنتاج يمرن الذهن على النقد والمقارنة والمقايسة واكتشاف الخلل وإبصار سبيل الخروج، ويساهم بتحقيق نقلة نوعية للعقل، ويرفع غطاء المستقبل من أمام عينه، ويرتقي به إلى الشرفات العالية، التي تمكنه من إصلاح الحاضر ورؤية المستقبل ومعاودة الشهود الحضاري. وما قدمه الباحث في هذا الكتاب هو صناعة المفتاح، الذي يمكن من دخول عالم مالك الثقافي، والتزود برؤى ثقافية تمكن المسلم من أداء دوره في القرن الواحد والعشرين. وتأتي هذه القراءة في هذا الوقت والعقل المسلم في أشد الحاجة إلى المفتاح الثقافي، الذي أبدعه وأصله الأستاذ مالك، حتى يتمكن من القراءة الثقافية الدقيقة والمعمقة، التي تؤهله وتقدره على تجاوز الظواهر إلى التعرف إلى أسبابها العميقة، واستشراف مستقبل الثقافة الإسلامية وموقعها، وإبصار دورها في النهوض ورسالتها في حقبة العولمة؛ ذلك أن رؤية الأستاذ مالك الثقافية ما تزال الحاسة الغائبة عن العقل المسلم وثقافة العاملين في استرداد فاعلية الأمة وبلوغها مرحلة الشهود الحضاري وإلحاق الرحمة بالعالمين. والحمد لله من قبل ومن بعد.