صدى آلكون ............................................................................ إدارة و إشراف : عزيز آلخزرجي
Thursday, November 20, 2025
اليوم العالمي للفلسفة :
2025 / 11 / 20
تحتفل منظمة اليونسكو كل عام بهذا اليوم بآلفلسفة , بعد ما إكتشف العلماء أهمية و دور الفلسفة في تقويم و تطور الحياة و إستقرارها و تحكيم العدالة فيها عبر القوانين المدنية, والقيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وكل ثقافة و في كل مجال.
مقدمة
و يجب أن نعلم بأن الفلسفة ليست ترفاً معرفيا أو فكرياً، إنما هي شرط وجود الأمة الفكري - أية أمة - في المعمورة التي تمر بوضع قلق , قد تؤدي في أي لحظة إلى حربا عالمية مدمرة!؟
في الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة الذي تنظمه اليونسكو بتاريخ 20 نومفبر 2025م و هو اليوم, يجدر التذكير بالحق الكوني في الاشتغال بالفلسفة لأن "التفلسف ممارسة دائمة ولصيقة بالوضع البشري" وهو من أكثر الاهتمامات دقةً وعمقاً لجوهر الفلسفة عبر التاريخ. فهي لا تُقزِّم الفلسفة إلى مجرد منظومةٍ من المذاهب أو إجاباتٍ جاهزة، بل تُعيدها إلى وظيفتها الأنطولوجية والتربوية الأساسية: أن تكون محرّكاً دائماً لنموِّ الوعي الفردي والجماعي. تسعى هذه الدراسة إلى تأكيد هذه القولة وتوسيعها من خلال ثلاثة نقاط رئيسية:
البعد التكويني للفلسفة على مستوى الفرد (تطوير الفكر الشخصي).
البعد الحضاري للفلسفة على مستوى الثقافة (تطوير الفكر الجماعي).
التحدّيات المعاصرة والآفاق المستقبلية لاستمرار هذا التطوير على مختلف الصعد.
أولا: الفلسفة كتكوينٍ دائم للفكر الفردي:
منذ سقراط الذي جعل شعاره «اعرف نفسك»، كانت الفلسفة تمريناً شخصياً في التفكير النقدي. لا تُقدِّم الفلسفة إجاباتٍ نهائية بقدر ما تُعلِّم الفرد كيف يسأل، كيف يشكُّ، كيف يُميِّز بين الرأي والمعرفة. أفلاطون في المحاورة المينون يُظهر أن المعرفة ليست تلقيناً بل «تذكُّراً» يكتشفه العبد الهندسي بنفسه تحت توجيه سقراط.
ديكارت في تأملات ميتافيزيقية يجعل الشكّ المنهجي تمريناً فردياً للوصول إلى «أنا أفكّر إذن أنا كائن».
كانط في سؤاله الشهير «ما الذي يجوز لي أن أرجوه؟» يضع الفرد أمام مسؤوليته الذاتية في بناء معنى لحياته.
حتى عند سارتر (الوجودية ملحمة إنسانية) تصبح الفلسفة دعوةً لكل فرد ليخلق ذاته بالاختيار الحرّ.
إذن، القيمة الدائمة ليست في «ما تقوله» الفلسفة، بل في «ما تفعله» بالفرد و بآلمجتمع: تُخرجه من التلقائية؛ تُحرّره من الأحكام المسبقة؛ تُعلّمه أن يُفكّر بنفسه؛ كيف يفكر بنفسه و بآلمجتمع, هذا ما عبَّر عنه جيل دولوز بقوله:
«الفلسفة لا تُعلّمنا ما نفكّر فيه، بل كيف نفكّر»؟
ثانيا: الفلسفة كمحرّك لتطوّر الفكر الثقافي والحضاري!
الفلسفة ليست رفاهية نخبوية، بل هي القلب النابض لكل نهضة حضارية. كلُّ تقدّم ثقافي كبير كان مصحوباً بثورة فلسفية, و الفلسفة مراحل :
الفلسفة اليونانية : (من طاليس إلى أرسطو) : هي التي أسّست للعقلانية الغربية وللديمقراطية الأثينية.
الفلسفة الشرقية: الحكمة الخالدة وارتباطها بالبعد الروحي والاخلاقي في بلاد فارس والهند والصين
الفلسفة العربية : الإسلامية في العصر الذهبي (الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد) نقلت التراث اليوناني، طوَّرته، ومهَّدت للحداثة الأوروبية الغربية.
فلسفة الأنوار : (لوك، فولتير، روسو، كانط) هي التي فجَّرت الثورة الفرنسية وقدَّمت مفاهيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
الفلسفة الوجودية والنقدية : و تأتي بعد الحرب العالمية الثانية (سارتر، هوركهايمر، أدورنو، حبيب بورقيبة الفكري) ساعدت المجتمعات على مواجهة آثار الشمولية والاستعمار.
فلسفات التحرّر في أمريكا اللاتينية (باولو فريري) : وفي إفريقيا (فانون، نكروما) وفي العالم العربي المعاصر (محمد عابد الجابري, عبد الله العروي) لا تزال تُطوِّر فكرنا الجمعي حول الهوية والحداثة والعدالة.
حتى في الشرق، نجد أن البوذية الزن والطاوية والكونفوشية الحديثة (مثل مفكّري كيوتو في اليابان) طوَّرت الثقافة الآسيوية المعاصرة دون أن تُسمِّي نفسها دائماً «فلسفة» بالمعنى الغربي.
منخلال تلك المقدمة ؛ يتبين بأن الفلسفة هي «الضمير النقدي للثقافة» (هوسرل). كلما توقَّفت ثقافة عن ممارسة الفلسفة، بدأت في التكلّس والتقهقر.
ثالثا: التحدّيات المعاصرة واستمرار التطوير:
هذا و للأسف ما زلنا نواجه أسئلة غريبة من البعض , مفادها ؛ هل الفلسفة دين نتعبد به ؟ و غيرها!؟
و البعص و للأسف الشديد ؛ يعتبر الفلسفة ترفا فكرياً , نتيجة الآفاقه الضيقة و مطالعاته المحدودة !؟
في عصرنا هذا، تواجه الفلسفة تحدّيات غير مسبوقة قد تجعل البعض يشكّ في قيمتها الدائمة, بل و في وجودها, فهذه فرنسا ظهر فيها رئيس سابق (ساركوزي) يقول لا جاجة لنا بآلفلسفة , التكنولوجيا هدفنا و يكفينا!
هذا نتيجة سيادة الثقافة التقنية-الاستهلاكية والتفكير السريع (الخوارزميات والمنصات الرقمية).
تراجع تدريس الفلسفة في كثير من المنظومات التربوية (حتى في تونس أصبحت مادةً اختيارية في بعض الشعب).
اختزال المعرفة إلى «المعلومة القابلة للقياس» وتهميش التفكير التأمّلي و ا لموضوعي.
صعود الشمولية والدكتاتورية والشعبوية والتفكير الدوغمائي الديني أو القومي الضيق الذي يرفض النقد الفلسفي.
لكن هذه التحدّيات نفسها تُثبت المقولة: كلما ازدادت الحاجة إلى التفكير النقدي والتأمّلي؛ ازدادت القيمة الدائمة للفلسفة.
إن أزمة العصر ليست في الفلسفة، بل في غياب الفلسفة و التفكير و التنظير العميق في آلآفاق المستقبلية و تلك مسألة واضحة لا تحتاج لبيان:
إعادة الفلسفة إلى المدرسة منذ الطفولة وتجويد النظر في برامجها في المعاهد والكليات.
تطوير «فلسفة للجميع» بلغةٍ معاصرةٍ و عبر منصّات رقمية (بودكاست، يوتيوب، كتب مبسَّطة).
ربط الفلسفة بالقضايا الحارّة: البيئة؛ الذكاء الاصطناعي؛ العدالة الاجتماعية؛الهوية الرقمية.
تشجيع الفلسفة .. المقارنة بين التراث العربي-الإسلامي والفلسفات الآسيوية والإفريقية والغربية لإنتاج فكرٍ كوكبيٍّ .. كوني جديد.
الخلاصة :
القيمة الدائمة للفلسفة ليست في أن تُعطينا إجاباتٍ ثابتة، بل في أن تمنعنا من الاكتفاء بأي إجابة. إنها الجهاز المناعي للعقل الفردي والجماعي ضدّ الدوغمائية، التفاهة، والاستبداد. كلما تقدَّمت البشرية تقنياً، ازدادت حاجتها إلى الفلسفة لتبقى إنسانية. كما قال أدوارد سعيد: «الفكر النقدي هو الحياة نفسها».
وفي عبارة محمد عابد الجابري: «لا يقظة بدون عقلٍ ناقد».
إن الفلسفة لا تموت، لأنها الحركة الدائمة للفكر في كل فرد وكل ثقافة. وما دمنا نفكّر، فالفلسفة باقية، و نحن معها أحياء. فكيف يمكن إعادة التوهج الذي كانت عليه الفلسفة في حضارة اقرأ في عصر الازدهار مع الكندي وابن سينا وابن باجة وابن خلدون و الفلسفة الكونية العزيزية كخاتمة لها؟
عزيز حميد مجيد
Subscribe to:
Post Comments (Atom)

No comments:
Post a Comment