صدى آلكون ............................................................................ إدارة و إشراف : عزيز آلخزرجي
Thursday, October 16, 2025
العراق تحت خط العطش :
العراق تحت خط العطش:
نتيجة لسوء الأدارة و تسنم الأحزاب لمقدرات الدولة و شؤون الأدارة و تدخل البعث الهجين و قياداتهم البدوية في مفاصل السلطة و القرار و تحاصص العصابات لأموال العراق و تشتت الطاقات و تدني الوعي الشعبي نتيجة سياسات الحاكمين لإبقاء الناس في القاع لمنعهم من رؤية الحقيقة ليستمر نهبهم للأموال و تدمير آخر ما يمكن من مستقبل العراقيين المساكينو أجيالهم ؛ بات العراق يعيش بين عطش دجلة وتحايل أنقرة حتى صار النهر اليوم خبراً بيئياً لا حياةً يومية، فدجلة الذي كان يهب الرافدين خصبهما الأبدي، أصبح يهبط عاماً بعد عام، حتى غدا صوته أشبه بأنينٍ طويلٍ من أعالي الأناضول إلى مصب شط العرب، وبينما يتجادل السياسيون في بغداد وأنقرة حول “حصةٍ عادلة”، يعيش ملايين العراقيين تحت خط العطش، في قرىً جفت آبارها وحقولها وتبدلت ملامحها.
المشكلة لم تعد فنيةً أو هندسيةً أو إدارية فحسب، بل سياسيةً تلونها المذهبية بامتياز، فتركيا بنت خلال العقود الماضية أكثر من ٢٠ سداً على دجلة و الفرات و أشرنا في وقتها لذلك لكن الأحزاب و الحكومالت المتوالية كانت منشغلة بآلنهب و الفساد فضاعت حصص العراق و حوققها التي أقرّتها الأتفاقيات الدولية، ضمن مشروع “غاب” العملاق، لتتحول منابع النهرين إلى أداة ضغطٍ جيوسياسي، في المقابل، ليظل العراق يتعامل مع المياه كأنها قدرٌ سماوي لا يخضع للمساومة، ولم يبنِ سياسةً مائية واضحة ولا استراتيجيةً تفاوضية طويلة المدى؛ ولهذا، كلما تقلص منسوب النهر، تقلص معه نفوذ بغداد.
الأزمة اليوم ليست في فقدان الماء فقط، بل في فقدان التوازن بين الدولتين، فأنقرة تتحدث بلغة “المنافع المشتركة” و بسلاح الناتو و بآلهيمنة مقابل عصابات حاكمة لا تعرف فلسفة الحكم و النظام و لا اللغة الديبلوماسية، فيما بغداد ترد بلغة “الحقوق التاريخية” أو بآلصواريخ الكارتونية مقابل قوة الناتو!
الأولى تُحرك الجرافات و تُحكّم ا لسدود، والثانية تصدر البيانات، هذا التفاوت في الرؤية جعل العراق يبدو كمن يطالب بالماء من موقف ضعف، لا من موقع شريكٍ او قوة.
لكن خلف كل هذا الجدل السياسي، هناك وجعٌ إنساني عميق، المزارع الذي كان يسقي أرضه من جدولٍ صغير صار يحلم بصهريج ماءٍ يشرب منه واسرته، والمدينة التي عاشت على رائحة الطين أصبحت تتنفس غبار التصحر؛ إن الماء في الخيال العراقي لم يكن مجرد مورد، بل جزءاً من الهوية، نهرٌ يربط الإنسان بأرضه، والتاريخ بذاكرته، حين يجف النهر، لا تجف الأرض فقط، بل تنكسر علاقة الإنسان بماضيه.
مناظر مؤلمة للغاية, و نحن نشهد بأن مجموعات من الأبقار و الثيران تسير و حولها الخنازير البرية بحثاً عن الماء في أهوار الجبايش و الناصرية و الجنوب الذي يموت من العطش..
الأمر الأخطر أن هذا العطش يتسلل إلى السياسة نفسها، فيُعيد رسم خرائط النزوح والتوتر الاجتماعي، محافظات الجنوب تئن من تراجع الزراعة، والعطش يتصاعد، فيما النزوح الداخلي نحو المدن الكبرى يتزايد، إنها بداية هجرةٍ صامتة، لا تُقاس بالأرقام بل بتبدل الوجوه والأماكن.
أمام هذا المشهد، يحتاج العراق إلى ما هو أبعد من “اتفاقٍ تقني”، يحتاج إلى رؤيةٍ وطنية تجعل من الماء قضية أمنٍ قومي، لا بنداً تفاوضياً أو همّاً مجردا كباقي الهموم و ما أكثرها، فالأمن المائي هو وجهٌ آخر للأمن الاقتصادي والغذائي بل وللسيادة نفسها.
الماء في العراق لم يعد مجرىً طبيعياً، بل مرآةٌ تُظهر حجم العجز الإداري والسياسي و الفكري، و مَنْ يتأمّل انعكاسها، يدرك أن النهر الذي كان يمنح الحياة، صار يقيس مستوى وعي الدولة، لا مستوى منسوبه, و هكذا يتّجه العراق كله نحو الهاوية و الفساد العظيم.
عزيز حميد
Subscribe to:
Comments (Atom)