هل يحكم الدّعاة ثانيةً – القسم الثاني والأخير
عرضنا في القسم الأول و بأدلّة قاطعة و مشهودة بأنّ (حزب الدعوة الأسلامية) و لأسباب جوهرية؛ منها عدم إمتلاكهم لعقيدة صحيحة واضحة و لبرنامج علميّ يعتمد على الفكر والفلسفة لأدارة الدولة وآلحكم لخدمة الناس لفقدان المفكر القائد في أوساطهم بل و بغضهم و عدائهم للفكر و الفلسفة وبآلمقابل خضوعهم للأدارة الأمريكية و إعتمادهم على سياسة الغرب في تولي الأمور بدل ولاية الله و أهل آلبيت(ع), ليسبب هذا الأنحراف الكبير و الخطير فساداً عظيماً شهده العالم كله من خلال هدر و سرقة أموال الناس و صرف رواتب بآلجملة و بغير حق لهذا و ذاك بلا وجه حقّ كآلبعثيين و آلصّداميين و العسكريين و من إدعى إنتمائه للمجاهدين و الدعوة وغيرهم من المتمرسين على النفاق من الذين خدموا في الجيش و دافعوا عن صدام ضد المجاهدين و دولة الأسلام و لآخر لحظة و غيرها من الأسباب التي واحدة منها تكفي لمحاكمتهم و الأقتصاص منهم لإعادة أموال الناس التي ما زالوا يتمتعون بها من دون خدمة أو مقابل, و لا يمكن أن تسعفهم دعوة البعض بالأنسحاب و التخلي عن مفاصل الحكم لأنقاذ ماء وجه الدعوة, لأن مشكلتهم ليست مرحلية؛ بل يتجلى بإختصار في تطبعهم على النمط الصدامي في التعامل والسلوك بعيداً عن النمط الأسلامي كآلأدب و التواضع و المحبة و آلأخلاق الأسلامية بسبب أدائهم للخدمة العسكرية الألزامية ألصدامية التي علّمتهم و الناس – على التكبر والخيانة و العبودية و ألوان الظلم و الوحشية و العنف و القتل و الرفض لمجرد خدمتهم فيه لأربعين يوماً – حيث تطبّعوا على الظلم و إطاعة الظالم كأساس معروف عن هذا الجيش الذي هجم و قتل الجيران و حتى الشعب العراقي الأعزل.
و في هذه الحلقة سنعرض المقدمات التي أدت لهذا المصير الأسود الذي ضاع بسببه الحقّ و دماء الشهداء و حقوق عوائلهم و على رأسهم نهج الأمام الفيلسوف الصدر حين قدّم "الدعاة" أسوء صورة و اداء عن حقيقة الدّعوة الأسلامية التي كان جميع الناس يحترمها لأخلاص الثلة الأولى التي ضحت في سبيل الله لا أمريكا .. بعكس اليوم الذي أصبح الناس يمقتونها و لهذا خسروا كل شيئ سوى الرواتب والأموال التي سرقوها و البيوت و القصور التي حصلوا عليها و أودعوها في بنوك الغرب بعد أن لم تسعها بنوك الشرق فلعنة الله على كل من يدعي إنتمائه لهؤلاء القراصنة الذين لا يتقنون سوى الخداع و اللعب بآلكلمات و التكبر والغيبة و الكذب و النفاق و العمالة و السرقة, و إليكم تفاصيل و مقدمات تلك المحنة الكبيرة التي حطمت آمال الناس البسطاء الذين عقدوا الأمل عليها لتطبيق العدالة بعد ما كانوا يتصوّرون عنها شيئا آخر.
ألدّعوة بعد تجربة الحكم خلال 15 عاماً:
كيفَ إنْعَكَسَتْ صورة ألدّعوة في أذهان ألنّاس بعد تجربة الحكم الظالمة؟
لا أقول كما قلتُ في مقالات سابقة بأنّ (دُعاة أليوم) أو (دعاة السّلطة) ألظالمين ألجّهلاء فكريّاً قد وجّهوا (طلقة الرّحمة) وبلا رحمة لحزب آلدّعوة فقط؛ بعد ما سبّبوا عكس صورة قبيحة و سيئة للغاية عنها وإستنزافها بآلكامل لجيوبهم ومنافعهم الخاصة و عكس صورة ظالمة و قاسية و مخيفة عنها .. بدل إستنزاف أنفسهم – أيّ الدّعاة - للدّعوة لله و لعباد الله كأساس و هدف مركزي في الحزب بإرساء العدالة و المساواة و نشر المحبة كهدف نهائي؛ بل بآلأضافة لذلك سوَّدوا و كرّهوا نهج أهل آلبيت و وجه آلشّيعة في العراق و العالم .. بعد إستهلاكه من قبل المنافقين ألمتلبسين بظاهر آلدّعوة نتيجة تمرّسهم و مردهم على النفاق و البهتان و الغيبة و الكذب و سرقة أموال ألناس و التلاعب بآلكلمات و تحديد المواقف بحسب التعاليم الغربية بعيدا ًعن نهج المفكريين و فوقهم الفيلسوف الكوني!
و بتحقق هذا الأمر على أرض الواقع؛ تحققّ السّقوط ألأخلاقي و الأدبي ألذي سيَّرهم عبيداً أذلاء (للمنظمة الأقتصادية العالميّة) حدّ التسابق للعمالة عن سيدهم الأكبر أمريكا, للحدّ الذي أعلن رئيس الحكومة بأنهُ يفتخر بكونه خادماً أمريكا بتطبيق سياستها حدّ القبول بآلأنضمام لتلك المنظمة التي لا يعرف لا هو و لا العراقيون - لجهلهم بآلقضية - شيئاً عن تأريخها و مؤسّسها و أهدافها العالمية, لذلك سكتوا و فرحوا لأعلانهم بما فيهم وسائل إعلامهم الرسمية, لأنهم لجهلهم لم يسمعوا شيئا عنها رغم إني بيّنت لهم وللعالم حقيقتها في مقالات و بحوث عديدة و بعدة لغات, لكن من يفهم و من يقرأ و قد إمتلأت بطونهم بآلحرام و عقولهم بآلامية الفكرية!؟
لم يتوقف الأمر على هذا فقط؛ بل إتفقوا مع قتلة مؤسس الحزب الفيلسوف(الصدر) من فدائي صدام و البعثثين و العسكريين الكبار بضمنهم مخابرات صدام و خصّصوا لهم الرّواتب و آلأكراميات و الحقوق و التقاعد و آلضّمان و بلا حياء لكسبهم و بقائهم في الحكم لأدامة سرقة الناس بآلقانون الدّيمقراطي المُفصّل على مقاس جيوبهم و منافع تلك (المنظمة) المجرمة و أخيرأً رهن العراق أرضاً و شعباً و مستقبلاً للغرب في إعلانهم الرسمي!
إن الذي يحزّ في النفس أكثر؛ هو أنّ هؤلاء ألمنافقين من (دعاة اليوم) كانوا يدّعون أمام الناس في المراكز و المساجد تعلّقهم بآلحقّ و خدمة الناس بآلكلام طبعاً بينما هم يسيرون على خطى الظالمين و يضربون في الخفاء الرواتب الحرام بلا حساب و كتاب, للضحك عليهم و تغريرهم بآلنفاق و الكذب و آلتزوير بغطاء ألأنتماء للصّدر و الدّعوة المرحومة, و اللطيف أنك لو كنت تسألهم أبسط سؤآل عن (الدّعوة ) و مبادئ الأسلام الكونيّة و عن سبب محنتها كما أوردناها في سلسلة بحوث(فلسفة الفلسفة الكونية) و (محنة الفكر الأنساني) و أختصارها قصيدة (محمد صالح بحر العلوم) و جوابنا بآلمضمون على تلك القصيدة؛ لما إستطاعوا آلجواب, بل إيكال الأمر إلى النت بكونها تحوي كل شيئ, بل ينتظرون الجواب من فمك كآلأفعى كي يشتروه منك على الفور خلسةً لبيعه عليك في نفس الوقت بكل صفاقة و بلا خجل أو حياء أو أدب!
في مقابل هذه الصورة بل الصّور الكثيرة ألمؤلمة المحزنة التي برزت الآن و عرفها الناس خصوصاً داخل العراق بعد خراب البلاد و العباد؛ فإنه لا يختلف عراقيان اليوم بكون (حزب ألدَّعوة) ألحقيقي المرحوم كان يختلف من السماء إلى الأرض عن حزب آلدّعوة العلماني الشائع اليوم الذي شكّله هؤلاء المنافقين الجهلاء برئاسة العبادي والجعفري ووو غيرهم من منافقي و عرابي الأنكليز للحكم و الفساد و النهب, لهذا هناك مفاجآت كثيرة ستظهر هذه المرة و سوف لن ينخدع العراقيون بكون مواقف الدّعاة العلمانيين المخزية؛ إنما كانت لها أسباب و تبريرات و غيره من الكلام الفارغ الذي لا واقع و لا دليل عليه سوى الفساد و العمالة و سرقة الملايين و المليارات من قبلهم.
و لكن مع كل هذا الوضع المأساوي والسقوط الكبير الذي تجسد في نهج دعاة الأنكلوأميركان - من الحيتان و السلابيح آلتي تعتبر نفسها من الأحياء و ألتي فعلت و تفعل كل شيئ بآلحرام في سبيل شهواتها و أرصدتها؛ بقيت الصّورة الحقيقيّة للدّعوة و آلدّعاة الشهداء من آلداخل ناصعة لكنها خافية و مختلفة تماماً عن صورة هؤلاء القرود الممسوخة ألذين يتغيّرون كآلحرباء و لا يملكون ضميرا أو وجداناً أو خُلقاً أو ديناً .. سوى جثامين و رئة يتنفسون بها الكذب بظاهر إسلاميّ مُزيّن بصور و نهج الصدر و الشهداء لإستحمار الناس و تبرير فسادهم, لذلك بقي النصف الآخر المخفي من هذا الكوكب الذي قصر عمره و لم يُعرف حقيقته سوى إثنان أو ثلاثة أو أربعة من آلدّعاة القدامى المنزوين شرق الأرض و غربها كآلفيلسوف الكوني الوحيد في هذا الوجود بعد رفضه للظلم ليعيش بلا عنوان و لا حقوق و لا حتى راتب عادي لتمشية أموره كأبسط الناس.
و بما أنّ (الأسلام محفوف بآلمسلمين فأنّ الدّعوة محفوفة بآلدّعاة أيضا) لذلك تصور الناس الذين كشفوا حقيقة هؤلاء المتلبسين بأن (حزب الدعوة) حزب تافه بتفاهة هؤلاء المدعين الحاليين الذين أختارهم الغرب لأنهم أنسب الناس لحكم العراق .. فمن من الممكن أن يكون أفضل من المنافق!؟
لذلك وبسبب هذا الفساد العظيم من قبل (دعاة اليوم الفاسقين) الذي لم يشهده تأريخ الشيعة حتى في زمن العباسيين الذي يعتبره المؤرخون من أسوء العصور الأسلاميّة على الأطلاق؛ فإنّ الأمّة تبرّأت من كلّ السياسيين الذين حكموا العراق بعد 2003م و الذين ما زالوا يأملون الفوز بآلحكم و الغنائم من جديد و بأية خدعة أو وسيلة ممكنة!
لذلك و بسبب هذا التناقض الكبير بين الزمنين؛ زمن الدعاة الشهداء .. و زمن الدّعاة الفاسقين اليوم "الورثة" .. فأنّني لم أتفاجأ حِين قَلَبوا - أيّ دعاة اليوم - حتى إسم (حزب الدّعوة الأسلامية) إلى (حزب الدّعوة العلمانية) و نفذوا وإستهلكوا كل شيئ لأرضاء الشيطان من أجل جيوبهم وتسلطهم و كذلك تبرير عمليات الفساد المشهورة في أوساطهم بلا حياء أو خجل كأنهم خشب مسندة, حتى ثارت الأمة بوجوهم و رموهم في مزبلة التأريخ!!
هذا رغم إنّ الأسلام الحقيقي لم يَعُد خافياً على أهل القلوب .. لا أهل الأبدان و الكروش خصوصاً بعد إنتصار الثورة .. حيث بيّنهُ الباري تعالى في نهج القرآن الموضوعيّ و ليس التجزيئيّ مجملاً و كذلك في نهج الرسول و أئمة أهل البيت الموضوعيّ لا التجزيئي مفصلاً, ذلك أنّ التفاسير التجزيئية التي ما زالت فاعلة للثّقلين هي السّبب في فساد و أنحراف المسلمين و تعميق الطائفيّة و الدكتاتورية و الظلم في أوساطهم بعد ما تمّ تفسير النصوص بحسب هوى المغرضين و المُفسرين و المراجع أو الحكام و بآلتالي تشويه الأسلام وتغييره لأجل دكاكين و جيوب ألرؤساء و الحاكمين و أحزابهم منذ وفاة الرسول و للآن!
هذه المقدمة ألمكثّفة هي عناوين كُليّة و هامّة وأساسيّة لموضوعات مصيرية يجب إلقاء الضوء عليها و بحثّتها بعمق بعد ما عرضتّها بواقعية في دراسات و بحوث و مقالات كثيرة على مستوى العالم, يُمكن مراجعتها لمعرفة الأسلام الذي تشوّه كما اليهودية و المسيحيّة وآلتي سببت كلّ هذه المآسي ليس لبلادنا بل في كلّ العالم, لكن الذي أردتُ التركيز و الجواب عليه في هذا المقال من خلال تلك المقدمة هو آلسّؤآل التالي:
هل (حزب الدّعوة) و المتحاصصين معه من البعثيين القتلة و القومجية المجرمين و غيرهم بعد كلّ الذي كان؛ بإمكانهم و بنيّتهم تطبيق الأسلام أو الوطنية على الأقل لتحقيق العدالة في العراق أو حتى في مدينة صغيرة!؟
الجواب يحتاج لإستقراء دقيق و نظرة ثاقبة لأوضاع الناس من جهة و لنهج ثقافة آلدّعوة و أخلاق آلدُّعاة من الدّاخل, للوقوف على الحقيقة الخافية لكن بعد مدخل هامّ؛
منذ أنّ تأسست (الدعوة) عام 1958م لازمتها معظلة أساسية كانت السبب في محنها وتدني شعبيتها و اخيراً موتها للأبد كما نشهد اليوم, رغم أن الفيلسوف محمد باقر الصّدر هو أوّل من بيّن و حدّد إسم و عمل و هدف الدّعوةّ بشكل عام في نشرة خاصّة بعنوان (حول الأسم و العمل التنظيمي) على ما أتذكر, لكنهُ لم يُحدّد التفاصيل فيها أو في النشرات اللاحقة, و الأخطر فقدان الدّعوة إلى ألمنهج الأخلاقي أو تفاصيل و شكل الحكم و الولاية و آلغاية و الأهداف التي تسعى لتحقيقها من وراء الدّعوة لله, فآلصّفة الأسلاميّة التي كانت عنوانها العام هي نفسها بقيت عامّة و مجهولة المعالم لتنعكس سلباً عليهم بعد إستلام السلطة في 2003م, بل (المرحلية) نفسها تصدّعت و تمّ تجاوزها لعوامل خارجية, وتلك الأخطاء الجوهرية لا يتحمل وزرها آلمؤسس (رض) الذي كان وقتها و ليوم شهادته منشغلاً و لوحده في توحيد الأمة و في مسائل أكبر بكثير من الدّعوة عبر قيادة الصراع الفكري العالميّ المرير مع نهجين مُعاديين؛ أحدهما أخطر من الآخر توحّدت في جبهتين لتقويض و محو آلأسلام الحقيقيّ الذي ما زال يجهله الدّعاة حتى هذه اللحظة كما غيرهم في بلدان الأسلام المنكوبة:
النهج الأول؛ كان فلسفياً يُمثل أعداء الدِّين من آلخارج, حاول إثبات الوجود لدحض نظريّاتهم و آرائهم الألحاديّة و سعيهم لفصل آلدِّين عن ألسّياسة.
و النهج الثاني؛ يُمثل نهج بعض مُدَّعي مرجعية الدِّين الذين حاولوا حصر الدِّين ببيوتهم و جدران حوزاتهم, حيث حاول (قدس) معالجة هذا الأتجاه الخطير أيضاً بعرض آلنظام الأقتصاديّ و ألأجتماعيّ و السياسي و التربوي و التكنولوجي و أسس و فلسفة الحكومة الأسلامية آلتي بقيت مجهولة المعالم هي الأخرى بسبب الثقافة المرجعية التقليدية التي حَجّمَت الأسلام كلّه بآلمسائل العبادية الشخصيّة و آلتراكمات التأريخية و آلفقهيّة المتحجّرة التي كانت و ما زالت تزداد يوما بعد آخر, فنتج عن هذا المخاض ولادة نهج حركيّ في الوسط الشيعي العراقي باسم (الدّعوة) مُقتبس من سيرة الرّسول عبر أربعة مراحل[التكوين؛ المواجهة؛ السلطة؛ ثم الدّعوة للأسلام] ولم يختلف هذا النهج كثيراً عن نهج آلأخوان المسلمين الذي سبق الدعوة بآلظهور عام 1932م في مصر على يد حسن البنا, و كذلك حزب التحرير و غيرهما, لكنه (قدس) لم يُبيّن تفصيلاً أيّ شكل أو نظام للحكم الأسلامي يقصده, و هذه كانت و لا زالت مشكلة عويصة و محل خلاف حتى بين مراجع الدِّين, بإستثناء ما عرضه من بنود عامّة قبيل شهادته و ختمها ببيان مختصر حول شكل آلحكومة في الجمهورية الأسلامية كجواب على سؤآل من بعض طلاّبه اللبنانيين بعد نجاح الثورة عام 1979م, حيث طُبع في كُرّاس صغير لا يتعدى وريقات أشار بإختصار لكيفية عمل السّلطات الثلاث وموقع و دور (الولي) المرشد في إدارة الدولة, و من جانب آخر لم نلحظ أيّ بحث أخلاقيّ أو تربوي أو عرفاني مُعمّق في ثقافة الدّعوة المحدودة أساساً سوى ما كتبه الشهيد حسين معن عن: [الأعداد الرّوحي] في مؤلف صغير يُفيد ألمؤمنين بمستوى طلاب المتوسطة.
تصوّر إلى أين هبط المستوى آلثقافي و الأخلاقي لحزب الدّعوة مع هذا الجّفاف ألرّوحي و التربوي و الأخلاقي و آلتّحجر الفكريّ؛ حتى مع وجود الأمام الراحل في أوساطهم لعقدين قدَّم خلالهما محاضرات معمقة عن الفكر الأسلامي كل يوم في النجف, بجانب صدى نهضته الفكرية المُمتدة لعقود ثُمَّ آلثورة سنة1979م ثمّ تأسيس آلدولة فيما بعد؛ لكن الدّعاة كما غيرهم من العراقيين و بسبب الأمية الفكرية وألتّحجر و فقدانهم للبصيرة الأستراتيجية لم يستوعبوا حتى قواعد و أولويات القضية الأسلامية المعاصرة و روح الفكر الأسلامي, بل كانت تلك آلثورة و أسبابها و منطلقاتها مفاجئة لهم رغم أن المؤسس(الصدر) هو الآخر بيّنَ أبعاد و أسباب المحنة في العراق و حقيقة الثورة الأسلامية لهم بعبارات قويّة و بليغة للغاية منها: [لقد حقّقت الثورة رسالة كلّ الأنبياء]و[ذُبوا في الأمام الخميني كما ذاب هو في الأسلام] وغيرها, لكنهم بقوا يجهلون أبعادها ألعقائدية العالمية و جذورها في آلعمق الأسلامي(الثقلين) و بعضهم فسرها بحسب هواه و عقله الصغير!
لهذا نرى تذبذب (الدُّعاة) و هبوط مستواهم الفكري و الأخلاقي في متبنّياتهم و مواقفهم قبل و بعد إستلام الحكم مع المتحاصصين الفاسدين من البعثيين و القومجية و العشائرية بسبب تلك الثقافة السّطحية التي جسّدتها البيانات و النشرات الدّاخلية التي صُدرت بعد 1980 وإلى اليوم, حيث لم تكن ترتقى حتى لمستوى المؤمنين العاديين ناهيك عن الحركيين و قضايا المرحلة, و كانت أقرب إلى تقارير خبرية عن الواقع و لم تعكس فكراً أو فلسفة أو عقيدة حيّة بإستثناء كُتيّب واحد و لبعض الحدود و في جانب واحد من جوانب الأسلام كتبه المرحوم ألسيد (أبو عقيل) بعنوان (القيادة في الأسلام), و في الحقيقة كان ترجمة لما كتبه رواد الثورة الأسلامية كآلخميني في الحكومة الأسلامية و آلمطهري في مؤلفاته و آلشيخ منتظري الذي كتب مُجلّدان كبيران بعنوان(ولاية الفقيه) كما الفيلسوف المطهري الذين جميعهم إستمدوا مصادرهم من أحمد النراقي و السبزواري في كتاب البيع و غيرهما من الذين بحثوا مسألة القيادة في الأسلام تفصيلاً .. بآلأضافة لمؤلفات و خطب آلسيد ألخميني و الخامنئي و آية الله الأبراهيمي و غيرهم من المراجع العظام الذين سبقوا الأخ المرحوم (أبو عقيل) بعقود و قرون من الزمن!
إنّ أهمّ أصل في حركة سياسية علمانية أو دينية أو غيرها؛ هو (الهدف) و آلأصول(ألأخلاقية) التي تُبنى عليها مجمل البرامج و القواعد و الوسائل المعرفيّة و الثقافية و الفكريّة العامّة المتكاملة لتحقيق الهدف .. فكلما كانت واضحة و رصينة؛ كان تأثيرها و تحقيقها أسرع و مردودها أكبر بخسائر و جهود و زمن اقل و الحال أن هذا الأمر لم يكن بيّناً و واضحاً ألبتّه للدُّعاة بجانب فقدانهم لحلقة ألأرتباط بحيويّة مع آلسّماء ليكون بمقدور الأعضاء آلمنتمين الذين يتعاهدون للعمل الحركيّ الحزبيّ معرفة الأسس و الوسائل لتحقيق الهدف الأسمى المنشود من خلال ألنّصوص ثمّ آلآليات الشرعية للعمل بثقة عالية و آلسعي و التضحية بأعز ما يملك العضو لتحقيق آلهدف المقدس المنشود للفوز بحُسن العاقبة(النصر أو الشهادة) ضمن منهج التنظيم خصوصا إذا كان الجهاد في أجواء صعبة و خطيرة و مُكهربة للغاية كما كان في العراق, و الحال أنّ تلك الأمور خصوصا (الهدف) لم يكن واضحاً و بقيت مجهولة المعالم للآن! و لو سألتَ آلدّعاة حتى هذا اليوم؛ (ما هو الهدف الذي تؤمنون به و تريدون تحقيقه)؟ لما كان بمقدورهم الجواب, و قد يكون أفضل جواب بكلمة (نريد الأسلام)! و لكن أيّ إسلام؟ هنا بيت القصيد المفقود مِمّا يكشف سطحيّة الثقافة ألدّعوية و فقدان القيم و إختلاط الأفكار التي يحملها الدّاعية في عقله!
فكيف يُمكن أن نُغيّر آلشعب و الأمّة مع هذا المستوى الفكريّ الضحل و الوضع المأساوي ألذي سبّب بآلفعل نتائج عكسية خطيرة بين الناس وصل حد رفضهم و إنتخابهم من جديد!؟
تناقشت مرّة مع المرحوم عزّ الدّين سليم (أبو ياسين) أيّام عملنا في وحدة إعلام المجلس الأعلى لسنوات طويلة بداية الثمانينات؛ حول مسألة التنظيم و الثقافة و المسيرة في الدّعوة, و أثبتتُ لهُ عقلاً و شرعاً بأنّ فكر و ثقافة(الدَّعوة) و بعكس ما أُشيع؛ لا يحوي ثقافة رصينة و فكرة متكاملة عن الأسلام و النظام و منها مسألة الولاية و عدم فهم الدعاة لحقيقة ولاية الفقيه, و قدّمت له دراسة مفصلة وقتها كنتُ قد كتبتها بدمّي و دموعي, و قلت له هذه حصيلة تجربتي و أبحاثي بشأن التنظيم و العمل الحركي في الأسلام, و لمجرّد أنْ قرأ المقدمة و بعض الصّفحات الأخرى رجاني لأُعيره البحث لأيام فقط كي يطلع عليه تفصيلا لأنهُ غنيٌّ و هام للغاية كما قال؛ [قلتُ له هذا طلب كبير و أخاف أن يُفتقد, لذا أنا متردّد بأعطيه .. لأني لا أملك نسخة أخرى و أخاف فقدها و هي أعز ما كتبت بهذا الشأن, لكنه ألحّ عليّ و عاهدني بعد آلقسم بآلله أن يرجعها لي كأمانة في غضون أيام معدودات, قلتُ لهُ؛ طيّب سأعطيكها, لكن تذكر بأنّ هذه النسخة تمثل سنوات عزيزة و عزيزة جداً من عمري .. بشرط أن ترجعها لي و إلا فأني لن أسامحك و سأقاضيك يوم القيامة بثمنها
قال : لا مانع من ذلك .. إتفقنا!
و سلمته البحث الذي كان يتجاوز المائة صفحة, لكنه للأسف لم يفي بوعده و سأطالبهُ بها يوم القيامة, لأنه كان يمثل إضاآت كثيرة حول آلدعوة و العمل الحزبي في الأسلام , على أي حال .. هذا هو حال الدعوة و الدّعاة كأسوء خلف لأحسن سلف للأسف.
و لعلّ أهمّ و أعقد الأسباب التي أدّت لخسارة الكثير من آلدُّعاة ألمثقفين نسبياً و إنشقاقهم أيّام الدكتاتوريّة بعد سوقهم من بيوتهم و محلّاتهم و دوائرهم للسجون من قبل الأمن و المخابرات من دون إرتكاب خطأ أو جرم أو تقديم خدمة معينة يستحق ذلك؛ هو عدم وضوح تلك الأصول مع(ألهدف) الذي ما زال مجهولاً أو معلّقاً و كأنّهُ أهمل للأبد, هذا بجانب أسباب أخرى أضيفت لذلك بعد إسقاط صدام من قبل الأمريكان, منها؛ إنشغالهم بآلسّلطة و الحكم تحت ظل المستكبرين لأجل الأموال و الرّواتب و كأنّ الغاية من التنظيم الحزبي كلّه .. هو إستلام الحكم كفرصة لكسب المال و ضرب (ضربة العمر) كما يقول المثل العراقي, و علّة العلل في كلّ هذا التحجيم و الأنحراف الخطير الذي تسبّب بهدر حرمة دماء الشهداء وجهود العاملين؛ هو إفتقار الدّعوة و آلدّعاة للعلماء و للمفكريين الحقيقيين و كذلك عدم إنفتاحهم على أفكار العلماء و الفلاسفة الآخرين ألّذين قدّموا نتاجا فكرياً ثريّاً للأنسانيّة كان يمكن الأستفادة منه و إستثماره بصدق بعد الأعتراف بفضل أصحابها بذكرهم و إحترامهم على الأقل, لكن آلذي لاحظته و كان يحدث على الدوام و لحد هذه اللحظة, هو حالة التكبر على العلم و الفكر و تجاهل حرمة و حقوق المفكرين فلو كنت مثلا تُقدّم لهم فكرة أو نهج إقتصادي أو فلسفي أو خطة ستراتيجية أو حتى ن!
ظريّة هامّة عن مفكّرٍ أو عالمٍ أو فيلسوفٍ, كان أوّل تعليقهم هو: (نعرف ذلك من قبل)وعندما كنت تريد نقاشه ؛ كان يتعصب و يثور! و لذلك و بسبب هذا آلجّهل و التكبر و الأنغلاق و هبوط المستوى الفكري و آلأخلاقي و العقائدي للمُتصدّين في الحزب؛ فقد تسبّبوا في خسارة الدّعوة و الدّعاة و حتى حرمة الشهداء معاً بآلأضافة إلى خسارة آلشعب الذي كان يهوى الدّعوة في السابق و يحترمها لسمعتها و تأريخها, كل هذا مقابل أرباح آنية لجيوب الرؤوساء ثم الأعضاء, و إنّ آلدُّعاة الحقيقيين الذين إمتحن الله قلوبهم و الذين تحسسوا هذه المحنة الفكريّة في القيادات الغير الكفوءة بعد الثورة الأسلاميّة قد أنسحبوا بعد هزّات و مؤثرات خارجية غيّرت معالم و شخصية و حتى عنوان الدّعوة و مكانتها في قلوب الجماهير, لتتوالى الأنقسامات و حالة التشرذم في أوساطهم خصوصا ًبعد ما حذفوا فقيه الدّعوة(السيد الحائري) من الهرم التنظيمي بآلأضافة لحذف مجلس الفقهاء كليّةً تاركين الأمور للدّعاة الذين أكثرهم و لحد الآن لا يعرف (الخرطات التسعة) ناهيك عن تأريخ و أبجديات الفكر الأسلامي في إنتخاب الموقف الأمثل قبال الأحداث عند تعارض الأدلة الشرعيّة من فقيه لآخر مع قرارات الحزب, و كان هذا الوضع هو قمّة الفلتان و الفوضى الفكريّة و التنظيمية والسقوط الأخلاقي و العقادي والتنظيمي و آلأداري
الذي خلخل كيان و هيكلية الدّعوة والدّعاة معاً وأدّت في النهاية إلى خسارة ألحكم في العراق الجديد و فقدان شعبية الدّعوة بسبب تصرفات دعاة السلطة المفلسين فكرياً و أخلاقياً و أدبياً .. من الذين تسبّبوا هضم حقوق الناس لتزداد وتتراكم المصائب و السلبيات و الشهداء و المآسي التي طفت على السطح بقوة بعد 2003م: لأنّ الشهداء و وإخوتهم الذين تركوا التنظيم كانوا بمثابة الخميرة و ألذخيرة الضامنة لسلامة المسيرة و تقويمها ثمّ ترجمتها عملياً عبر حكم العراق الذي خُلي اليوم من الطيّبين و المجاهدين الحقيقيين و كما شهد الواعون على قلتهم و إنزوائهم ذلك, حيث حلّ بدلهم (دعاة اليوم) الذين أفسدوا أو كانوا فاسدين ثمّ أصبحوا بشكل طبيعي رموزاً للفساد بلا حياء للأسف و سبباً لذهاب حرمة و كرامة دماء الشهداء العظام الذين سيق بهم للموت من قبل الصداميين أفراداً و جماعات لمجرد أنهم كانوا مؤمنين بالله بصدق لا أكثر!
من المواقف الظالمة التي شهدتها شخصياً بعد هجرتي من العراق عام 1980م؛ هو أنّ الدّاعية الحقيقيّ عندما كان ينتقد أو يُريد قطع إرتباطه بآلحزب بعد ما كان ييأس من آلأصلاح و تغيير الوجوة الكالحة لأقلمتهم مع نهج الأسلام و الثورة الأسلاميّة التي أوصى بها مؤسس الدّعوة(الصدر) نفسه كوصية أخيرة .. شاهدتُ و للأسف و بَدَلَ أن يُنصتوا لموقفه و لكلمة الحق أو يدرسوا أسباب النقد أو الأنسحابات و الأستقالات؛ كانوا يمقتونهم يتهمونهم و يُكفّرونهم حدّ إقامة المحاكم و الأستجوابات بحقّه و كما فعل ذلك معي وليد الحلي, و لو كانت(القيادة) تٌحاول تفهّم و وعي أسباب الأنشقاقات و الأستقالات على الأقل؛ لما كانت الدّعوة تواجه آليوم كل هذا الفساد و هذا آلمصير الأسود المحزن و المأساوي, حيث لم يبقى فيها سوى النّفعيّ والطفيلي و المنافق من الذين (تعرّبوا بعد آلهجرة) بعد ما ماتت ضمائرهم بسبب لقمة الحرام ليعلنوا أخيراً و بفخر بأنّ (حزب الدعوة الأسلامية) قد تبدّل لـ(حزب الدّعوة العلمانيّة) و تناصر أمريكا بل أصبح شريكاً للظالمين, و هكذا وبعد إنتشار فساد الدّعاة بين الناس و كأنه ثقافة متأصلة بنهجم, أعلنوا في الوقت الضائع مع قرب إنتخاب رئيس الوزراء الجديد؛ بأنّ ["آلدّعاة" ليس لهم الحقّ بترشيح أنفسهم باسم الدّعوة و إنما كاشخاص يُمثلون أنفسهم لحفظ ما بقي من إعتبار للدّعوة بعد أن أستهلكوه و سوّدوا وجهها لمنافع مالية خاصة و أهداف ضيّقة]!
و إن الترقيع الجديد الذي دعى له الأخ "المؤمن" بعزل الدعوة عن السلطة أو غيره من التراقيع هي الأخرى لا ولن تُجدي شيئاً بعد خراب البلاد والعباد و سرقة أموال العراق على مدى 15 عاماً بل جعله مدينا بمئات المليارات للأجانب؟
إن الذي أراه ؛ هو أنّ (دعاة السّلطة) ألمُتـعجرفين و مَنْ تعلّق بهم من آلجّهلاء و المنافقين في الخارج لأجل المال و المنصب و آلشهرة لا لأجل ألله تعالى؛ قد وجّهوا طلقة ألرّحمة لرأس حزب الدّعوة الذي كان يمرّ بغيبوبة كاملة و لا تَنفع التراقيع و العمليات الجانبية - المقطعية لأن الإصابة خطيرة و في المخ و سيطول وقوف الفاعليين الممسوخين أمام الله و الشهداء الذين ضحوا لأجل نشر (العدالة و آلمساواة) لتحقيق (للسعادة) لتوحيد الله في دولة كريمة لا لأجل نهب المال العام وسط شعب مغضوبٌ عليه من السّماء و الأرض بسبب الذنوب و الفوضى العقائدية, و لا أمل في ردّ الأعتبار للحزب ثانية و كما كان قبل 2003م إلا إذا ما أعلن الدّعاة المنافقين توبتهم بشجاعة .. ثمّ إرجاع المليارات التي نهبوها لأجل قصورهم و ذويهم للفقراء لإعمار و إصلاح الأمور و تشكيل حكومة عادلة يتساوى بظلّها الجميع في الحقوق و الأمتيازات بعيداً عن هيمنة المستكبرين .. و(آلمُلك يومئذٍ لله يحكم بينهم فآلذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنات آلنعيم وآلذين كفروا و كذبوا بآياتنا فأؤلئك لهم عذاب مهين) صدق الله العلي العظيم, لكن متى تاب منافق في التأريخ حتى يتوب دعاة اليوم الممسوخين !؟
و آلذي يحزُّ في نفسيّ؛ أنّ هذا آلحزب عندما لم يبق من أعضائه داخل العراق عام 1980م سوى بعدد الأصابع, لكنه إستطاع أن يُعيد بناء نفسه من جديد بوجود تلك الثّلة المؤمنة ألمخلصة القليلة بحسب علمي حين إستلمتُ قيادة العراق بعد شهادة الشهيد الكبير محمد فوزي و صحبه, بسبب الأخلاص و حب الله, و لم يكن وجود أو حتى ذكر لأسم من الأسماء التي برزت بعد فترة إيران أو سقوط النظام الصدامي, خصوصا شخص العبادي الذي
ليس فقط لم يكن له نشاط
جهادي؛ بل لم يكن له ذكر وسط الدّعاة!عرضنا في القسم الأول و بأدلّة قاطعة و مشهودة بأنّ (حزب الدعوة الأسلامية) و لأسباب جوهرية؛ منها عدم إمتلاكهم لعقيدة صحيحة واضحة و لبرنامج علميّ يعتمد على الفكر والفلسفة لأدارة الدولة وآلحكم لخدمة الناس لفقدان المفكر القائد في أوساطهم بل و بغضهم و عدائهم للفكر و الفلسفة وبآلمقابل خضوعهم للأدارة الأمريكية و إعتمادهم على سياسة الغرب في تولي الأمور بدل ولاية الله و أهل آلبيت(ع), ليسبب هذا الأنحراف الكبير و الخطير فساداً عظيماً شهده العالم كله من خلال هدر و سرقة أموال الناس و صرف رواتب بآلجملة و بغير حق لهذا و ذاك بلا وجه حقّ كآلبعثيين و آلصّداميين و العسكريين و من إدعى إنتمائه للمجاهدين و الدعوة وغيرهم من المتمرسين على النفاق من الذين خدموا في الجيش و دافعوا عن صدام ضد المجاهدين و دولة الأسلام و لآخر لحظة و غيرها من الأسباب التي واحدة منها تكفي لمحاكمتهم و الأقتصاص منهم لإعادة أموال الناس التي ما زالوا يتمتعون بها من دون خدمة أو مقابل, و لا يمكن أن تسعفهم دعوة البعض بالأنسحاب و التخلي عن مفاصل الحكم لأنقاذ ماء وجه الدعوة, لأن مشكلتهم ليست مرحلية؛ بل يتجلى بإختصار في تطبعهم على النمط الصدامي في التعامل والسلوك بعيداً عن النمط الأسلامي كآلأدب و التواضع و المحبة و آلأخلاق الأسلامية بسبب أدائهم للخدمة العسكرية الألزامية ألصدامية التي علّمتهم و الناس – على التكبر والخيانة و العبودية و ألوان الظلم و الوحشية و العنف و القتل و الرفض لمجرد خدمتهم فيه لأربعين يوماً – حيث تطبّعوا على الظلم و إطاعة الظالم كأساس معروف عن هذا الجيش الذي هجم و قتل الجيران و حتى الشعب العراقي الأعزل.
و في هذه الحلقة سنعرض المقدمات التي أدت لهذا المصير الأسود الذي ضاع بسببه الحقّ و دماء الشهداء و حقوق عوائلهم و على رأسهم نهج الأمام الفيلسوف الصدر حين قدّم "الدعاة" أسوء صورة و اداء عن حقيقة الدّعوة الأسلامية التي كان جميع الناس يحترمها لأخلاص الثلة الأولى التي ضحت في سبيل الله لا أمريكا .. بعكس اليوم الذي أصبح الناس يمقتونها و لهذا خسروا كل شيئ سوى الرواتب والأموال التي سرقوها و البيوت و القصور التي حصلوا عليها و أودعوها في بنوك الغرب بعد أن لم تسعها بنوك الشرق فلعنة الله على كل من يدعي إنتمائه لهؤلاء القراصنة الذين لا يتقنون سوى الخداع و اللعب بآلكلمات و التكبر والغيبة و الكذب و النفاق و العمالة و السرقة, و إليكم تفاصيل و مقدمات تلك المحنة الكبيرة التي حطمت آمال الناس البسطاء الذين عقدوا الأمل عليها لتطبيق العدالة بعد ما كانوا يتصوّرون عنها شيئا آخر.
ألدّعوة بعد تجربة الحكم خلال 15 عاماً:
كيفَ إنْعَكَسَتْ صورة ألدّعوة في أذهان ألنّاس بعد تجربة الحكم الظالمة؟
لا أقول كما قلتُ في مقالات سابقة بأنّ (دُعاة أليوم) أو (دعاة السّلطة) ألظالمين ألجّهلاء فكريّاً قد وجّهوا (طلقة الرّحمة) وبلا رحمة لحزب آلدّعوة فقط؛ بعد ما سبّبوا عكس صورة قبيحة و سيئة للغاية عنها وإستنزافها بآلكامل لجيوبهم ومنافعهم الخاصة و عكس صورة ظالمة و قاسية و مخيفة عنها .. بدل إستنزاف أنفسهم – أيّ الدّعاة - للدّعوة لله و لعباد الله كأساس و هدف مركزي في الحزب بإرساء العدالة و المساواة و نشر المحبة كهدف نهائي؛ بل بآلأضافة لذلك سوَّدوا و كرّهوا نهج أهل آلبيت و وجه آلشّيعة في العراق و العالم .. بعد إستهلاكه من قبل المنافقين ألمتلبسين بظاهر آلدّعوة نتيجة تمرّسهم و مردهم على النفاق و البهتان و الغيبة و الكذب و سرقة أموال ألناس و التلاعب بآلكلمات و تحديد المواقف بحسب التعاليم الغربية بعيدا ًعن نهج المفكريين و فوقهم الفيلسوف الكوني!
و بتحقق هذا الأمر على أرض الواقع؛ تحققّ السّقوط ألأخلاقي و الأدبي ألذي سيَّرهم عبيداً أذلاء (للمنظمة الأقتصادية العالميّة) حدّ التسابق للعمالة عن سيدهم الأكبر أمريكا, للحدّ الذي أعلن رئيس الحكومة بأنهُ يفتخر بكونه خادماً أمريكا بتطبيق سياستها حدّ القبول بآلأنضمام لتلك المنظمة التي لا يعرف لا هو و لا العراقيون - لجهلهم بآلقضية - شيئاً عن تأريخها و مؤسّسها و أهدافها العالمية, لذلك سكتوا و فرحوا لأعلانهم بما فيهم وسائل إعلامهم الرسمية, لأنهم لجهلهم لم يسمعوا شيئا عنها رغم إني بيّنت لهم وللعالم حقيقتها في مقالات و بحوث عديدة و بعدة لغات, لكن من يفهم و من يقرأ و قد إمتلأت بطونهم بآلحرام و عقولهم بآلامية الفكرية!؟
لم يتوقف الأمر على هذا فقط؛ بل إتفقوا مع قتلة مؤسس الحزب الفيلسوف(الصدر) من فدائي صدام و البعثثين و العسكريين الكبار بضمنهم مخابرات صدام و خصّصوا لهم الرّواتب و آلأكراميات و الحقوق و التقاعد و آلضّمان و بلا حياء لكسبهم و بقائهم في الحكم لأدامة سرقة الناس بآلقانون الدّيمقراطي المُفصّل على مقاس جيوبهم و منافع تلك (المنظمة) المجرمة و أخيرأً رهن العراق أرضاً و شعباً و مستقبلاً للغرب في إعلانهم الرسمي!
إن الذي يحزّ في النفس أكثر؛ هو أنّ هؤلاء ألمنافقين من (دعاة اليوم) كانوا يدّعون أمام الناس في المراكز و المساجد تعلّقهم بآلحقّ و خدمة الناس بآلكلام طبعاً بينما هم يسيرون على خطى الظالمين و يضربون في الخفاء الرواتب الحرام بلا حساب و كتاب, للضحك عليهم و تغريرهم بآلنفاق و الكذب و آلتزوير بغطاء ألأنتماء للصّدر و الدّعوة المرحومة, و اللطيف أنك لو كنت تسألهم أبسط سؤآل عن (الدّعوة ) و مبادئ الأسلام الكونيّة و عن سبب محنتها كما أوردناها في سلسلة بحوث(فلسفة الفلسفة الكونية) و (محنة الفكر الأنساني) و أختصارها قصيدة (محمد صالح بحر العلوم) و جوابنا بآلمضمون على تلك القصيدة؛ لما إستطاعوا آلجواب, بل إيكال الأمر إلى النت بكونها تحوي كل شيئ, بل ينتظرون الجواب من فمك كآلأفعى كي يشتروه منك على الفور خلسةً لبيعه عليك في نفس الوقت بكل صفاقة و بلا خجل أو حياء أو أدب!
في مقابل هذه الصورة بل الصّور الكثيرة ألمؤلمة المحزنة التي برزت الآن و عرفها الناس خصوصاً داخل العراق بعد خراب البلاد و العباد؛ فإنه لا يختلف عراقيان اليوم بكون (حزب ألدَّعوة) ألحقيقي المرحوم كان يختلف من السماء إلى الأرض عن حزب آلدّعوة العلماني الشائع اليوم الذي شكّله هؤلاء المنافقين الجهلاء برئاسة العبادي والجعفري ووو غيرهم من منافقي و عرابي الأنكليز للحكم و الفساد و النهب, لهذا هناك مفاجآت كثيرة ستظهر هذه المرة و سوف لن ينخدع العراقيون بكون مواقف الدّعاة العلمانيين المخزية؛ إنما كانت لها أسباب و تبريرات و غيره من الكلام الفارغ الذي لا واقع و لا دليل عليه سوى الفساد و العمالة و سرقة الملايين و المليارات من قبلهم.
و لكن مع كل هذا الوضع المأساوي والسقوط الكبير الذي تجسد في نهج دعاة الأنكلوأميركان - من الحيتان و السلابيح آلتي تعتبر نفسها من الأحياء و ألتي فعلت و تفعل كل شيئ بآلحرام في سبيل شهواتها و أرصدتها؛ بقيت الصّورة الحقيقيّة للدّعوة و آلدّعاة الشهداء من آلداخل ناصعة لكنها خافية و مختلفة تماماً عن صورة هؤلاء القرود الممسوخة ألذين يتغيّرون كآلحرباء و لا يملكون ضميرا أو وجداناً أو خُلقاً أو ديناً .. سوى جثامين و رئة يتنفسون بها الكذب بظاهر إسلاميّ مُزيّن بصور و نهج الصدر و الشهداء لإستحمار الناس و تبرير فسادهم, لذلك بقي النصف الآخر المخفي من هذا الكوكب الذي قصر عمره و لم يُعرف حقيقته سوى إثنان أو ثلاثة أو أربعة من آلدّعاة القدامى المنزوين شرق الأرض و غربها كآلفيلسوف الكوني الوحيد في هذا الوجود بعد رفضه للظلم ليعيش بلا عنوان و لا حقوق و لا حتى راتب عادي لتمشية أموره كأبسط الناس.
و بما أنّ (الأسلام محفوف بآلمسلمين فأنّ الدّعوة محفوفة بآلدّعاة أيضا) لذلك تصور الناس الذين كشفوا حقيقة هؤلاء المتلبسين بأن (حزب الدعوة) حزب تافه بتفاهة هؤلاء المدعين الحاليين الذين أختارهم الغرب لأنهم أنسب الناس لحكم العراق .. فمن من الممكن أن يكون أفضل من المنافق!؟
لذلك وبسبب هذا الفساد العظيم من قبل (دعاة اليوم الفاسقين) الذي لم يشهده تأريخ الشيعة حتى في زمن العباسيين الذي يعتبره المؤرخون من أسوء العصور الأسلاميّة على الأطلاق؛ فإنّ الأمّة تبرّأت من كلّ السياسيين الذين حكموا العراق بعد 2003م و الذين ما زالوا يأملون الفوز بآلحكم و الغنائم من جديد و بأية خدعة أو وسيلة ممكنة!
لذلك و بسبب هذا التناقض الكبير بين الزمنين؛ زمن الدعاة الشهداء .. و زمن الدّعاة الفاسقين اليوم "الورثة" .. فأنّني لم أتفاجأ حِين قَلَبوا - أيّ دعاة اليوم - حتى إسم (حزب الدّعوة الأسلامية) إلى (حزب الدّعوة العلمانية) و نفذوا وإستهلكوا كل شيئ لأرضاء الشيطان من أجل جيوبهم وتسلطهم و كذلك تبرير عمليات الفساد المشهورة في أوساطهم بلا حياء أو خجل كأنهم خشب مسندة, حتى ثارت الأمة بوجوهم و رموهم في مزبلة التأريخ!!
هذا رغم إنّ الأسلام الحقيقي لم يَعُد خافياً على أهل القلوب .. لا أهل الأبدان و الكروش خصوصاً بعد إنتصار الثورة .. حيث بيّنهُ الباري تعالى في نهج القرآن الموضوعيّ و ليس التجزيئيّ مجملاً و كذلك في نهج الرسول و أئمة أهل البيت الموضوعيّ لا التجزيئي مفصلاً, ذلك أنّ التفاسير التجزيئية التي ما زالت فاعلة للثّقلين هي السّبب في فساد و أنحراف المسلمين و تعميق الطائفيّة و الدكتاتورية و الظلم في أوساطهم بعد ما تمّ تفسير النصوص بحسب هوى المغرضين و المُفسرين و المراجع أو الحكام و بآلتالي تشويه الأسلام وتغييره لأجل دكاكين و جيوب ألرؤساء و الحاكمين و أحزابهم منذ وفاة الرسول و للآن!
هذه المقدمة ألمكثّفة هي عناوين كُليّة و هامّة وأساسيّة لموضوعات مصيرية يجب إلقاء الضوء عليها و بحثّتها بعمق بعد ما عرضتّها بواقعية في دراسات و بحوث و مقالات كثيرة على مستوى العالم, يُمكن مراجعتها لمعرفة الأسلام الذي تشوّه كما اليهودية و المسيحيّة وآلتي سببت كلّ هذه المآسي ليس لبلادنا بل في كلّ العالم, لكن الذي أردتُ التركيز و الجواب عليه في هذا المقال من خلال تلك المقدمة هو آلسّؤآل التالي:
هل (حزب الدّعوة) و المتحاصصين معه من البعثيين القتلة و القومجية المجرمين و غيرهم بعد كلّ الذي كان؛ بإمكانهم و بنيّتهم تطبيق الأسلام أو الوطنية على الأقل لتحقيق العدالة في العراق أو حتى في مدينة صغيرة!؟
الجواب يحتاج لإستقراء دقيق و نظرة ثاقبة لأوضاع الناس من جهة و لنهج ثقافة آلدّعوة و أخلاق آلدُّعاة من الدّاخل, للوقوف على الحقيقة الخافية لكن بعد مدخل هامّ؛
منذ أنّ تأسست (الدعوة) عام 1958م لازمتها معظلة أساسية كانت السبب في محنها وتدني شعبيتها و اخيراً موتها للأبد كما نشهد اليوم, رغم أن الفيلسوف محمد باقر الصّدر هو أوّل من بيّن و حدّد إسم و عمل و هدف الدّعوةّ بشكل عام في نشرة خاصّة بعنوان (حول الأسم و العمل التنظيمي) على ما أتذكر, لكنهُ لم يُحدّد التفاصيل فيها أو في النشرات اللاحقة, و الأخطر فقدان الدّعوة إلى ألمنهج الأخلاقي أو تفاصيل و شكل الحكم و الولاية و آلغاية و الأهداف التي تسعى لتحقيقها من وراء الدّعوة لله, فآلصّفة الأسلاميّة التي كانت عنوانها العام هي نفسها بقيت عامّة و مجهولة المعالم لتنعكس سلباً عليهم بعد إستلام السلطة في 2003م, بل (المرحلية) نفسها تصدّعت و تمّ تجاوزها لعوامل خارجية, وتلك الأخطاء الجوهرية لا يتحمل وزرها آلمؤسس (رض) الذي كان وقتها و ليوم شهادته منشغلاً و لوحده في توحيد الأمة و في مسائل أكبر بكثير من الدّعوة عبر قيادة الصراع الفكري العالميّ المرير مع نهجين مُعاديين؛ أحدهما أخطر من الآخر توحّدت في جبهتين لتقويض و محو آلأسلام الحقيقيّ الذي ما زال يجهله الدّعاة حتى هذه اللحظة كما غيرهم في بلدان الأسلام المنكوبة:
النهج الأول؛ كان فلسفياً يُمثل أعداء الدِّين من آلخارج, حاول إثبات الوجود لدحض نظريّاتهم و آرائهم الألحاديّة و سعيهم لفصل آلدِّين عن ألسّياسة.
و النهج الثاني؛ يُمثل نهج بعض مُدَّعي مرجعية الدِّين الذين حاولوا حصر الدِّين ببيوتهم و جدران حوزاتهم, حيث حاول (قدس) معالجة هذا الأتجاه الخطير أيضاً بعرض آلنظام الأقتصاديّ و ألأجتماعيّ و السياسي و التربوي و التكنولوجي و أسس و فلسفة الحكومة الأسلامية آلتي بقيت مجهولة المعالم هي الأخرى بسبب الثقافة المرجعية التقليدية التي حَجّمَت الأسلام كلّه بآلمسائل العبادية الشخصيّة و آلتراكمات التأريخية و آلفقهيّة المتحجّرة التي كانت و ما زالت تزداد يوما بعد آخر, فنتج عن هذا المخاض ولادة نهج حركيّ في الوسط الشيعي العراقي باسم (الدّعوة) مُقتبس من سيرة الرّسول عبر أربعة مراحل[التكوين؛ المواجهة؛ السلطة؛ ثم الدّعوة للأسلام] ولم يختلف هذا النهج كثيراً عن نهج آلأخوان المسلمين الذي سبق الدعوة بآلظهور عام 1932م في مصر على يد حسن البنا, و كذلك حزب التحرير و غيرهما, لكنه (قدس) لم يُبيّن تفصيلاً أيّ شكل أو نظام للحكم الأسلامي يقصده, و هذه كانت و لا زالت مشكلة عويصة و محل خلاف حتى بين مراجع الدِّين, بإستثناء ما عرضه من بنود عامّة قبيل شهادته و ختمها ببيان مختصر حول شكل آلحكومة في الجمهورية الأسلامية كجواب على سؤآل من بعض طلاّبه اللبنانيين بعد نجاح الثورة عام 1979م, حيث طُبع في كُرّاس صغير لا يتعدى وريقات أشار بإختصار لكيفية عمل السّلطات الثلاث وموقع و دور (الولي) المرشد في إدارة الدولة, و من جانب آخر لم نلحظ أيّ بحث أخلاقيّ أو تربوي أو عرفاني مُعمّق في ثقافة الدّعوة المحدودة أساساً سوى ما كتبه الشهيد حسين معن عن: [الأعداد الرّوحي] في مؤلف صغير يُفيد ألمؤمنين بمستوى طلاب المتوسطة.
تصوّر إلى أين هبط المستوى آلثقافي و الأخلاقي لحزب الدّعوة مع هذا الجّفاف ألرّوحي و التربوي و الأخلاقي و آلتّحجر الفكريّ؛ حتى مع وجود الأمام الراحل في أوساطهم لعقدين قدَّم خلالهما محاضرات معمقة عن الفكر الأسلامي كل يوم في النجف, بجانب صدى نهضته الفكرية المُمتدة لعقود ثُمَّ آلثورة سنة1979م ثمّ تأسيس آلدولة فيما بعد؛ لكن الدّعاة كما غيرهم من العراقيين و بسبب الأمية الفكرية وألتّحجر و فقدانهم للبصيرة الأستراتيجية لم يستوعبوا حتى قواعد و أولويات القضية الأسلامية المعاصرة و روح الفكر الأسلامي, بل كانت تلك آلثورة و أسبابها و منطلقاتها مفاجئة لهم رغم أن المؤسس(الصدر) هو الآخر بيّنَ أبعاد و أسباب المحنة في العراق و حقيقة الثورة الأسلامية لهم بعبارات قويّة و بليغة للغاية منها: [لقد حقّقت الثورة رسالة كلّ الأنبياء]و[ذُبوا في الأمام الخميني كما ذاب هو في الأسلام] وغيرها, لكنهم بقوا يجهلون أبعادها ألعقائدية العالمية و جذورها في آلعمق الأسلامي(الثقلين) و بعضهم فسرها بحسب هواه و عقله الصغير!
لهذا نرى تذبذب (الدُّعاة) و هبوط مستواهم الفكري و الأخلاقي في متبنّياتهم و مواقفهم قبل و بعد إستلام الحكم مع المتحاصصين الفاسدين من البعثيين و القومجية و العشائرية بسبب تلك الثقافة السّطحية التي جسّدتها البيانات و النشرات الدّاخلية التي صُدرت بعد 1980 وإلى اليوم, حيث لم تكن ترتقى حتى لمستوى المؤمنين العاديين ناهيك عن الحركيين و قضايا المرحلة, و كانت أقرب إلى تقارير خبرية عن الواقع و لم تعكس فكراً أو فلسفة أو عقيدة حيّة بإستثناء كُتيّب واحد و لبعض الحدود و في جانب واحد من جوانب الأسلام كتبه المرحوم ألسيد (أبو عقيل) بعنوان (القيادة في الأسلام), و في الحقيقة كان ترجمة لما كتبه رواد الثورة الأسلامية كآلخميني في الحكومة الأسلامية و آلمطهري في مؤلفاته و آلشيخ منتظري الذي كتب مُجلّدان كبيران بعنوان(ولاية الفقيه) كما الفيلسوف المطهري الذين جميعهم إستمدوا مصادرهم من أحمد النراقي و السبزواري في كتاب البيع و غيرهما من الذين بحثوا مسألة القيادة في الأسلام تفصيلاً .. بآلأضافة لمؤلفات و خطب آلسيد ألخميني و الخامنئي و آية الله الأبراهيمي و غيرهم من المراجع العظام الذين سبقوا الأخ المرحوم (أبو عقيل) بعقود و قرون من الزمن!
إنّ أهمّ أصل في حركة سياسية علمانية أو دينية أو غيرها؛ هو (الهدف) و آلأصول(ألأخلاقية) التي تُبنى عليها مجمل البرامج و القواعد و الوسائل المعرفيّة و الثقافية و الفكريّة العامّة المتكاملة لتحقيق الهدف .. فكلما كانت واضحة و رصينة؛ كان تأثيرها و تحقيقها أسرع و مردودها أكبر بخسائر و جهود و زمن اقل و الحال أن هذا الأمر لم يكن بيّناً و واضحاً ألبتّه للدُّعاة بجانب فقدانهم لحلقة ألأرتباط بحيويّة مع آلسّماء ليكون بمقدور الأعضاء آلمنتمين الذين يتعاهدون للعمل الحركيّ الحزبيّ معرفة الأسس و الوسائل لتحقيق الهدف الأسمى المنشود من خلال ألنّصوص ثمّ آلآليات الشرعية للعمل بثقة عالية و آلسعي و التضحية بأعز ما يملك العضو لتحقيق آلهدف المقدس المنشود للفوز بحُسن العاقبة(النصر أو الشهادة) ضمن منهج التنظيم خصوصا إذا كان الجهاد في أجواء صعبة و خطيرة و مُكهربة للغاية كما كان في العراق, و الحال أنّ تلك الأمور خصوصا (الهدف) لم يكن واضحاً و بقيت مجهولة المعالم للآن! و لو سألتَ آلدّعاة حتى هذا اليوم؛ (ما هو الهدف الذي تؤمنون به و تريدون تحقيقه)؟ لما كان بمقدورهم الجواب, و قد يكون أفضل جواب بكلمة (نريد الأسلام)! و لكن أيّ إسلام؟ هنا بيت القصيد المفقود مِمّا يكشف سطحيّة الثقافة ألدّعوية و فقدان القيم و إختلاط الأفكار التي يحملها الدّاعية في عقله!
فكيف يُمكن أن نُغيّر آلشعب و الأمّة مع هذا المستوى الفكريّ الضحل و الوضع المأساوي ألذي سبّب بآلفعل نتائج عكسية خطيرة بين الناس وصل حد رفضهم و إنتخابهم من جديد!؟
تناقشت مرّة مع المرحوم عزّ الدّين سليم (أبو ياسين) أيّام عملنا في وحدة إعلام المجلس الأعلى لسنوات طويلة بداية الثمانينات؛ حول مسألة التنظيم و الثقافة و المسيرة في الدّعوة, و أثبتتُ لهُ عقلاً و شرعاً بأنّ فكر و ثقافة(الدَّعوة) و بعكس ما أُشيع؛ لا يحوي ثقافة رصينة و فكرة متكاملة عن الأسلام و النظام و منها مسألة الولاية و عدم فهم الدعاة لحقيقة ولاية الفقيه, و قدّمت له دراسة مفصلة وقتها كنتُ قد كتبتها بدمّي و دموعي, و قلت له هذه حصيلة تجربتي و أبحاثي بشأن التنظيم و العمل الحركي في الأسلام, و لمجرّد أنْ قرأ المقدمة و بعض الصّفحات الأخرى رجاني لأُعيره البحث لأيام فقط كي يطلع عليه تفصيلا لأنهُ غنيٌّ و هام للغاية كما قال؛ [قلتُ له هذا طلب كبير و أخاف أن يُفتقد, لذا أنا متردّد بأعطيه .. لأني لا أملك نسخة أخرى و أخاف فقدها و هي أعز ما كتبت بهذا الشأن, لكنه ألحّ عليّ و عاهدني بعد آلقسم بآلله أن يرجعها لي كأمانة في غضون أيام معدودات, قلتُ لهُ؛ طيّب سأعطيكها, لكن تذكر بأنّ هذه النسخة تمثل سنوات عزيزة و عزيزة جداً من عمري .. بشرط أن ترجعها لي و إلا فأني لن أسامحك و سأقاضيك يوم القيامة بثمنها
قال : لا مانع من ذلك .. إتفقنا!
و سلمته البحث الذي كان يتجاوز المائة صفحة, لكنه للأسف لم يفي بوعده و سأطالبهُ بها يوم القيامة, لأنه كان يمثل إضاآت كثيرة حول آلدعوة و العمل الحزبي في الأسلام , على أي حال .. هذا هو حال الدعوة و الدّعاة كأسوء خلف لأحسن سلف للأسف.
و لعلّ أهمّ و أعقد الأسباب التي أدّت لخسارة الكثير من آلدُّعاة ألمثقفين نسبياً و إنشقاقهم أيّام الدكتاتوريّة بعد سوقهم من بيوتهم و محلّاتهم و دوائرهم للسجون من قبل الأمن و المخابرات من دون إرتكاب خطأ أو جرم أو تقديم خدمة معينة يستحق ذلك؛ هو عدم وضوح تلك الأصول مع(ألهدف) الذي ما زال مجهولاً أو معلّقاً و كأنّهُ أهمل للأبد, هذا بجانب أسباب أخرى أضيفت لذلك بعد إسقاط صدام من قبل الأمريكان, منها؛ إنشغالهم بآلسّلطة و الحكم تحت ظل المستكبرين لأجل الأموال و الرّواتب و كأنّ الغاية من التنظيم الحزبي كلّه .. هو إستلام الحكم كفرصة لكسب المال و ضرب (ضربة العمر) كما يقول المثل العراقي, و علّة العلل في كلّ هذا التحجيم و الأنحراف الخطير الذي تسبّب بهدر حرمة دماء الشهداء وجهود العاملين؛ هو إفتقار الدّعوة و آلدّعاة للعلماء و للمفكريين الحقيقيين و كذلك عدم إنفتاحهم على أفكار العلماء و الفلاسفة الآخرين ألّذين قدّموا نتاجا فكرياً ثريّاً للأنسانيّة كان يمكن الأستفادة منه و إستثماره بصدق بعد الأعتراف بفضل أصحابها بذكرهم و إحترامهم على الأقل, لكن آلذي لاحظته و كان يحدث على الدوام و لحد هذه اللحظة, هو حالة التكبر على العلم و الفكر و تجاهل حرمة و حقوق المفكرين فلو كنت مثلا تُقدّم لهم فكرة أو نهج إقتصادي أو فلسفي أو خطة ستراتيجية أو حتى ن!
ظريّة هامّة عن مفكّرٍ أو عالمٍ أو فيلسوفٍ, كان أوّل تعليقهم هو: (نعرف ذلك من قبل)وعندما كنت تريد نقاشه ؛ كان يتعصب و يثور! و لذلك و بسبب هذا آلجّهل و التكبر و الأنغلاق و هبوط المستوى الفكري و آلأخلاقي و العقائدي للمُتصدّين في الحزب؛ فقد تسبّبوا في خسارة الدّعوة و الدّعاة و حتى حرمة الشهداء معاً بآلأضافة إلى خسارة آلشعب الذي كان يهوى الدّعوة في السابق و يحترمها لسمعتها و تأريخها, كل هذا مقابل أرباح آنية لجيوب الرؤوساء ثم الأعضاء, و إنّ آلدُّعاة الحقيقيين الذين إمتحن الله قلوبهم و الذين تحسسوا هذه المحنة الفكريّة في القيادات الغير الكفوءة بعد الثورة الأسلاميّة قد أنسحبوا بعد هزّات و مؤثرات خارجية غيّرت معالم و شخصية و حتى عنوان الدّعوة و مكانتها في قلوب الجماهير, لتتوالى الأنقسامات و حالة التشرذم في أوساطهم خصوصا ًبعد ما حذفوا فقيه الدّعوة(السيد الحائري) من الهرم التنظيمي بآلأضافة لحذف مجلس الفقهاء كليّةً تاركين الأمور للدّعاة الذين أكثرهم و لحد الآن لا يعرف (الخرطات التسعة) ناهيك عن تأريخ و أبجديات الفكر الأسلامي في إنتخاب الموقف الأمثل قبال الأحداث عند تعارض الأدلة الشرعيّة من فقيه لآخر مع قرارات الحزب, و كان هذا الوضع هو قمّة الفلتان و الفوضى الفكريّة و التنظيمية والسقوط الأخلاقي و العقادي والتنظيمي و آلأداري
الذي خلخل كيان و هيكلية الدّعوة والدّعاة معاً وأدّت في النهاية إلى خسارة ألحكم في العراق الجديد و فقدان شعبية الدّعوة بسبب تصرفات دعاة السلطة المفلسين فكرياً و أخلاقياً و أدبياً .. من الذين تسبّبوا هضم حقوق الناس لتزداد وتتراكم المصائب و السلبيات و الشهداء و المآسي التي طفت على السطح بقوة بعد 2003م: لأنّ الشهداء و وإخوتهم الذين تركوا التنظيم كانوا بمثابة الخميرة و ألذخيرة الضامنة لسلامة المسيرة و تقويمها ثمّ ترجمتها عملياً عبر حكم العراق الذي خُلي اليوم من الطيّبين و المجاهدين الحقيقيين و كما شهد الواعون على قلتهم و إنزوائهم ذلك, حيث حلّ بدلهم (دعاة اليوم) الذين أفسدوا أو كانوا فاسدين ثمّ أصبحوا بشكل طبيعي رموزاً للفساد بلا حياء للأسف و سبباً لذهاب حرمة و كرامة دماء الشهداء العظام الذين سيق بهم للموت من قبل الصداميين أفراداً و جماعات لمجرد أنهم كانوا مؤمنين بالله بصدق لا أكثر!
من المواقف الظالمة التي شهدتها شخصياً بعد هجرتي من العراق عام 1980م؛ هو أنّ الدّاعية الحقيقيّ عندما كان ينتقد أو يُريد قطع إرتباطه بآلحزب بعد ما كان ييأس من آلأصلاح و تغيير الوجوة الكالحة لأقلمتهم مع نهج الأسلام و الثورة الأسلاميّة التي أوصى بها مؤسس الدّعوة(الصدر) نفسه كوصية أخيرة .. شاهدتُ و للأسف و بَدَلَ أن يُنصتوا لموقفه و لكلمة الحق أو يدرسوا أسباب النقد أو الأنسحابات و الأستقالات؛ كانوا يمقتونهم يتهمونهم و يُكفّرونهم حدّ إقامة المحاكم و الأستجوابات بحقّه و كما فعل ذلك معي وليد الحلي, و لو كانت(القيادة) تٌحاول تفهّم و وعي أسباب الأنشقاقات و الأستقالات على الأقل؛ لما كانت الدّعوة تواجه آليوم كل هذا الفساد و هذا آلمصير الأسود المحزن و المأساوي, حيث لم يبقى فيها سوى النّفعيّ والطفيلي و المنافق من الذين (تعرّبوا بعد آلهجرة) بعد ما ماتت ضمائرهم بسبب لقمة الحرام ليعلنوا أخيراً و بفخر بأنّ (حزب الدعوة الأسلامية) قد تبدّل لـ(حزب الدّعوة العلمانيّة) و تناصر أمريكا بل أصبح شريكاً للظالمين, و هكذا وبعد إنتشار فساد الدّعاة بين الناس و كأنه ثقافة متأصلة بنهجم, أعلنوا في الوقت الضائع مع قرب إنتخاب رئيس الوزراء الجديد؛ بأنّ ["آلدّعاة" ليس لهم الحقّ بترشيح أنفسهم باسم الدّعوة و إنما كاشخاص يُمثلون أنفسهم لحفظ ما بقي من إعتبار للدّعوة بعد أن أستهلكوه و سوّدوا وجهها لمنافع مالية خاصة و أهداف ضيّقة]!
و إن الترقيع الجديد الذي دعى له الأخ "المؤمن" بعزل الدعوة عن السلطة أو غيره من التراقيع هي الأخرى لا ولن تُجدي شيئاً بعد خراب البلاد والعباد و سرقة أموال العراق على مدى 15 عاماً بل جعله مدينا بمئات المليارات للأجانب؟
إن الذي أراه ؛ هو أنّ (دعاة السّلطة) ألمُتـعجرفين و مَنْ تعلّق بهم من آلجّهلاء و المنافقين في الخارج لأجل المال و المنصب و آلشهرة لا لأجل ألله تعالى؛ قد وجّهوا طلقة ألرّحمة لرأس حزب الدّعوة الذي كان يمرّ بغيبوبة كاملة و لا تَنفع التراقيع و العمليات الجانبية - المقطعية لأن الإصابة خطيرة و في المخ و سيطول وقوف الفاعليين الممسوخين أمام الله و الشهداء الذين ضحوا لأجل نشر (العدالة و آلمساواة) لتحقيق (للسعادة) لتوحيد الله في دولة كريمة لا لأجل نهب المال العام وسط شعب مغضوبٌ عليه من السّماء و الأرض بسبب الذنوب و الفوضى العقائدية, و لا أمل في ردّ الأعتبار للحزب ثانية و كما كان قبل 2003م إلا إذا ما أعلن الدّعاة المنافقين توبتهم بشجاعة .. ثمّ إرجاع المليارات التي نهبوها لأجل قصورهم و ذويهم للفقراء لإعمار و إصلاح الأمور و تشكيل حكومة عادلة يتساوى بظلّها الجميع في الحقوق و الأمتيازات بعيداً عن هيمنة المستكبرين .. و(آلمُلك يومئذٍ لله يحكم بينهم فآلذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنات آلنعيم وآلذين كفروا و كذبوا بآياتنا فأؤلئك لهم عذاب مهين) صدق الله العلي العظيم, لكن متى تاب منافق في التأريخ حتى يتوب دعاة اليوم الممسوخين !؟
و آلذي يحزُّ في نفسيّ؛ أنّ هذا آلحزب عندما لم يبق من أعضائه داخل العراق عام 1980م سوى بعدد الأصابع, لكنه إستطاع أن يُعيد بناء نفسه من جديد بوجود تلك الثّلة المؤمنة ألمخلصة القليلة بحسب علمي حين إستلمتُ قيادة العراق بعد شهادة الشهيد الكبير محمد فوزي و صحبه, بسبب الأخلاص و حب الله, و لم يكن وجود أو حتى ذكر لأسم من الأسماء التي برزت بعد فترة إيران أو سقوط النظام الصدامي, خصوصا شخص العبادي الذي
أمّا آليوم فإنّ العالم شهد العكس تماماً؛ فعلى الرّغم من إزدياد عدد ألدُّعاة الذين بلغ عددهم عشرات الآلاف بعد أن كانوا بعدد الأصابع بعد إعدامهم يضاف لذلك إستلامهم للحكم و السلطة و الرّواتب و المليارات و الحمايات و الدّعم المستمر من جهات و دول عديدة؛ لكنهم نقلوا صورة مخزية مقززة و رديئة و خسّيسة و خبيثة عن الدّعوة و عن نهج أهل البيت(ع), بسبب الفساد و فقدان الجّودة و الأخلاص في نوعيّاتهم و نواياهم, لهذا ماتت آلدّعوة مع الدّعاة و إنقلبت صورتها آلجميلة في أذهان الناس قبحاً بحيث أصبحت مبعثاً للأسى وآلأسف و لم يعد لها لا طعمٌ و لا لون ولا رائحة سوى طعم و رائحة الخيانة و الفساد و القهر و الظلم بكل ألوانه و أنـواعه و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم و بإنتخاب المفكر والفيلسوف الكونيّ..
الفيلسوف الكونيّ/عزيز ألخزرجيّ
No comments:
Post a Comment