صدى آلكون ............................................................................ إدارة و إشراف : عزيز آلخزرجي
Monday, June 24, 2024
أخطر قضية في الكون على الاطلاق :
أخطر قضية على الأطلاق:
مقدمة : إن محنة البشر بدأت يوم هبط أبونا آدم عليه و على نبينا السلام بسبب خطأ فضيع إرتكبه .. حاول الكثير ممن تكالبوا على الدّنيا تبريره له كقولهم (ترك الأولى) أو (لم يكن نبياً بعد .. حين إرتكب المعصية) و غيرها, المهم هبطنا و قاسينا و تناوبت الأجيال بعد الأجيال و المحن بعد المحن وووو.. و لم تتحقق السعادة .. و علة العلل في كل ذلك هو الغرور و التكبر الذي أصاب الشيطان الذي وصل مرتبة عظيمة يلي مرتبة خالق الكون جل و علىّ نتيجة عبادته و إطاعته لله لآلاف السنين, تقول الروايات وصلت لأكثر من 6 آلاف عام بآلزمن البرزخي الكوني و ليس بمقياس زمننا هذا ..حيث فرق كبير بينهما في مدة القياس!؟
هذا المنصب و التأريخ الكوني للشيطان جعله يأبى السجود لمخلوق طيني إسمه آدم .. يعني تكبر على خالقه و إعتبر نفسه أعلى مرتبة و عزة و مقاماً .. فبدأت المحنة و إستمرت حتى يومنا هذا ذهب ضحية ذلك الموقف مئات الآلاف من الأنبياء و الصالحين و أضعاف أضعاف ذلك الرقم من الشهداء و القتلى و المعذبين, و ما زلنا نعاني على ذلك الحال للأسف , حتى برز نهج الأئمة و كان الأمام الحسين (ع) المضحي الأروع و الألمع و الأبرز في هذه النهج الذي لو طبق سيعم الأرض و البرية كل الخير و الفلاح, و كان عيد الغدير يوم تنصيب أول أمام في ذلك النهج بداية الطريق نحو الكرامة و الحرية و العيش الكريم, فلماذا لعيد الغدير مكانة كبيرة و أعلى و أسمى من مكانة الأعياد الأخرى في الأسلام و الأنسانية, و ما هي أصل القصة !؟
يجب أن نعلم بأنّ رسالة الأسلام هي خاتمة الرسالات السماوية .. و فيها أصول و فروع وحلال و حرام و مكروهات و مباحات معروفة للجميع كلها كفروع و بعضها لا يُعتدّ بها .. وعيد الغدير يرتبط بأصل الدّين و كيانه و استمراره، و عيد الفطر و الاضحى و الجمعة و غيرها ترتبط بفروع الدين.
لهذا عيد الغدير من اهم الاعياد الاسلامية و قد سُمّيَ في السماء بـ (يوم العهد المعهود) وفي الارض بـ (يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود)، وهو عيد الله الاكبر، وعيد ال محمد (ص). هو يوم (البلاغ) و(يوم اكمال الدين وتمام النعمة).
قال ابو الفتح الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل 1/163) " ومثل ما جرى في كمال الاسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى (( يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته)) فلما وصل غدير خم أمر بالدوحات فقمن ونادوا بالصلاة جامعة ، ثم قال عليه الصلاة والسلام وهو على الرحال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار . ألا هل بلّغت ثلاثا ".
فلهذا وغيره نهنئ المسلمين بهذا اليوم الذي قام فيه الرسول الاعظم بوضع خطّة الاستمرار للرسالة الاسلامية بعد ان أنهى مرحلة التأسيس لها، شأنه في ذلك شأن السابقين من الانبياء والمرسلين ما مضى منهم أحد إلا وعهد الله بمهمته الإلهية الى وصيٍ مرتضى ليقوم بالامر بعده وليطمئن بأن الشريعة باتت بيد أمينة تحفظها من كل سوء يراد بها وتحميها من كل هجوم يُشنّ عليها من كافر محارب أو منافق مشاغب، وتحرسها من عدو خارجي يهدد كيانها وداخلي يحاول تحريف مفاهيمها ومضمونها. فهذا اليوم: هو يوم ضمانة البقاء للاسلام ويوم ارشاد الأمة الى صمّام الأمان وبوصلة المسيرة الاسلامية ومعيار الحق ، يوم الارشاد الى امامة وخلافة مولى الموحّدين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لذا كان حقاً عيد الله الاكبر ، فالجمعة والأضحى والفطر هي أعياد لكنها ترتبط بفروع الدين من الصلاة والحج والصيام، وهذا اليوم يرتبط بأصل الدين وكيانه واستمراره، لذا روي عن مولانا الصادق جعفر بن محمد (ع) أنه سُئل هل للمسلمين عيد غير الجمعة والأضحى والفطر؟ قال (ع): نعم أعظمها حرمة . قال الراوي : أيُّ عيد هو؟ قال (ع) : اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين (ع) وقال : من كنت مولاه فعليٌ مولاه وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة. قال الراوي: وما ينبغي لنا ان نفعل في ذلك اليوم. قال (ع): الصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد عليهم السلام والصلاة. وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين (ع) أن يتخذ ذلك اليوم عيداً. وافرز له خيمة بيضاء خاصة وامر المسلمين بان يبايعوه ويسلموا عليه بأمرة المؤمنين ففعلوا وامتثلوا قول رسول الله (ص).
واضاف سماحته، إذا تصفّحنا التاريخ يتبيّن لنا أنّ يوم الثامن عشر من ذي الحجة إشتهر بين المسلمين باسم عيد الغدير، حتى أنّ ابن خلكان كتب في (وفيات الأعيان) عن (المستعلي بن المستنصر): عام 487 هـ، قام الناس بمبايعته في يوم عيد غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة. (وفيات الأعيان، ج 1، ص 180، طبعة بيروت، دار صادر).
وقال أبو ريحان البيروني في كتاب (الآثار الباقية): عيد غدير خم هو من الأعياد التي يحتفل بها جميع المسلمين. (وفيات الأعيان، ج 1، ص 180، طبعة بيروت، دار صادر). وعن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله «اليوم أكملت لكم دينكم» (تاريخ بغداد ج 8 ص 290).
وقد أمر الرسول (ص) في ذلك اليوم جميع من حضر ذلك المشهد العظيم من المهاجرين والأنصار حتى زوجاته أن يرِدوا على الإمام علي (ع) ليباركوا له هذه الولاية والإمامة.
يقول زيد بن الأرقم: كان أول من مدّ يده من المهاجرين لمبايعة علي (ع)، أبابكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، ثم تبعهم بقية المهاجرين والأنصار وبقية الناس، وقد استمرّت مراسيم الاحتفال بالبيعة حتى الغروب (الغدير، ج 1، ص 270 و271..).
فلهذا الشيعة الامامية ينظرون إلى واقعة غدير خم باعتبارها أحد الأسس العقيدية التي يرتكز عليها الدين، وهي منهج المسلمين والصراط المستقيم الذي إن تمسّك به المسلم سلك طريق الحقّ الذي يوصله إلى السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة، لأنّ الولاية هي كمال لطريق الرسالة المحمدية، وضمان لاستمرار دين الله، وصيانة للعقيدة، وبدونها يظلّ الدين ناقصاً مثلوماً.
ومن هنا يأتي إحياؤهم لهذا العيد على مدى القرون اقتداءً بصاحب الرسالة، الذي اعتبر هذا اليوم أحد أعظم الأعياد الدينية، وقد شاءت الحكمة الإلهية أن تظلّ شعلة هذه الواقعة وهّاجة على طول التاريخ البشري وإلى الأبد، أسرت القلوب بنورها، فانبرت أقلام كتّاب المسلمين في كل العصور تكتب عنها في كتب التفسير والتاريخ والحديث والكلام، وارتفعت أصوات الخطباء لتتغنّى بمآثرها عبر مجالس الوعظ، واستلهم المدّاحون من معانيها، ليبقوا على جذوة الفضيلة متّقدة ومستعرة، مقدّمين فروض الولاء والطاعة لصاحب الذكرى.
وأخيرا لا اخرا، وقع نظري على كتاب من مجلدين لسماحة العلامة الحجة السيد محمد باقر السيستاني (حفظه الله) اسماه بـ(واقعة الغدير ثبوتها ودلالاتها) حلل فيها هذه الواقعة تحليلا دقيقا، فمن يريد الاطلاع على ما كتبه فليرجع اليه.
هذا ونسال المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المتمسكين بولاية علي امير المؤمنين (ع) واهل بيته الطيبين الطاهرين والبراءة من اعدائهم اجمعين.
و الغدير له دلالات كثيرة و متشعبة في الوجود, تتداخل في تفاصيل حياتنا الأجتماعية و السياسية و الإقتصادية و الفكرية و غيرها ..
,, فالغَديرُ إِختيارُ الرَّجُلِ المُناسبِ في المكانِ المُناسب, فكما هو معروف بأن إحدى قوى الروح تتعلق بآلتسلط و العلو و عدم قبولها الخضوع و تطبيق اوامر الأنظمة أو الطواغيب و التي عادة ما تخالف تعاليم السماء .. كنشر الفساد و ظلم العباد و الطبقية و المشاركة في محاربة الشعوب و الكيانات المختلفة في الدول المختلفة و غيرها .. و هذا كله ناتج من تسلط أناس غير صالحين في القيادة و مناصب الدولة و الرئاسة مما يتطلب وضع الأنسان المناسب في المكان المناسب .. و تلك هي رسالة هامة و مصيرية للغدير في جانب السياسة و الحكم .
إِنَّ جَوهر فَلسفة الغدير الأَغر هو اختيار الأَصلح والأَنسب والأَقدر لموقعِ المسؤُوليَّة وعلى مُختلفِ المُستويات وفيما يخصُّ كِلا الشَّأنَينِ الخاص [الفَرد والأُسرة] والعام [الأُمَّة والجَماعة] {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
و بما أنه لكُلِّ موقعِ يجب أن يكون مسؤولاً يتصف بمؤهلات خاصة منها التدبير و العلم و الحكمة و غيرها من آلمُواصفات المطلُوبة لمَن يشغلهُ ليُنجزَ وينجحَ في أدائه و رسالته .. لذلك قال تعالى:[قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] [قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ] مؤكداً على أهمية الدقة الفائقة في هذا الأمر من قبل الحاكم.
وفي الإِمامةِ فإِنَّ مَوقعها احتاجَ إِلى أَن يتميَّز من يشغلهُ بالأَفضليَّة في كُلِّ شيءٍ، الأَسبقيَّة والعِلم والفِقه والقَضاء والشَّجاعة والعَدل والتَّقوى والورَع والوعي والقُدوة والأُسوة وفي كُلِّ شيءٍ، كَون الإِمامةُ اختيارٌ إِلهيٌّ {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فلم يكُن غَيرَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) حصراً الكَفوءَ لتزيينِ الإِمامةِ فنزلَت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
تأسيساً على ذلكَ فإِنَّ الإِلتزام بالغديرِ يعني تقديمِ الفاضلِ المُتميِّز لمَوقعِ المسؤُوليَّة، وغيرَ ذلكَ يعني الإِبتعاد عن جَوهرِ الذِّكرى.
يقولُ صاحب الغَدير (ع) {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ولَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيَانَةِ وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ}.
فإِذا أَردنا أَن نكتشِفَ مَوقعَنا من قِيَمِ الغديرِ فالنُدقِّق في طبيعةِ خياراتِنا لكُلِّ مَن يتصدَّى لمَوقعِ مسؤُوليَّةٍ ما فإِذا كانت قائمةً على أَساسِ الأَفضليَّة فهوَ دليلٌ على قُربِنا مِنها أَمَّا إِذا كانت قائِمة على أَساسِ معاييرِ الجاهليَّةِ الأُولى كالوَلاءِ للعشيرةِ والحزبِ الحاكمِ والقائدِ الضَّرورة فذلكَ دليلٌ على أَنَّ الغديرَ شعارُ القومِ فقط للتستُّرِ على مرضٍ أَصابهُم [النِّفاق والخِيانة] أَمَّا الحقيقة فهم أَمويُّونَ لا يُعيرُونَ للأَفضليَّةِ شيءٌ عند تسليمِ موقعِ المسؤُوليَّة لأَحدٍ، لأَن معيارهُم العصبيَّة للجَماعةِ! وتلكَ هيَ الخِيانةُ {وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ وأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ عليِّ بن أَبي طالبٍ (ع).
أهم وأخطر واقعة بعد نزول الرسالة الأسلامية و وفاة الرسول (ص)؛ هي واقعة الغدير التي لو كانت وقعتة ما إختلف سيفان في الأسلام!
لكن حدث ما حدث و تغيير واقع العالم و مساراته, و لسنا بمعرض بيان ما حدث من قبل القوم المتربصين بعد رحلة خاتم الأنبياء و ما خططوا له من مؤآمرات, إنما سنعرض بعض الحقائق على لسان عليّ و في زمانه .. علها تنفع من ألقى السمع و هو شهيد من العلماء؟
واقعة غدير خم وحديثها المعروف بحديث الغدير، من الوقائع والأحاديث المفصلية النادرة التي لا خلاف حول صحتها بين الشيعة والسنة؛ فقد نقلها أكثر من (100) صحابي من صحابة رسول الله، ومنهم من انحاز بعد وفاته الى معسكر الصحابة؛ فباتوا سنة الصحابة، وانحاز آخرون الى معسكر الإمام علي؛ فباتوا شيعة علي. ولم يكن هناك خلاف حول دلالة حديث الغدير على ولاية الإمام علي وخلافته المباشرة للرسول، لكنه الخلاف استجدّ بعد واقعة السقيفة، أي بعد أن باتت خلافة أبي بكر أمراً واقعاً، ووقع الصحابة في حرج حيال دلالة واقعة الغدير؛ فكان الحل بلي عنق النص وتغيير أقوال شهوده.
لتلك البيانات المقدمة فإن واقعة الغدير تُعتبر بشكل منطقي و فلسفي أهمّ قضية في الكون و ليس في الأسلام فقط كمنهج للحياة :
بعض الإضاآت عن هذه القصة العظيمة :
في طريق عودة رسول الله الى المدينة المنورة، بعد أن فرغ من مناسك الحج في سنة 10 ه، وهي المعروفة بحجة الوداع، وصل إلى منطقة (غدير خُم) في الجُحْفة، التي تمثل مفترق طرق أهل المدينة ومصر والعراق، وذلك في يوم الخميس 18 ذي الحجة؛ فنزل عليه الملك جبرئيل، من عند الله، بالآية: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ))، وأمره بإبلاغ الناس بالنص على ولاية علي بن أبي طالب. وكانت طلائع الحجيج قرب الجُحْفة؛ فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم، ويوقف من تأخّر عنهم؛ فنودي لصلاة الظهر.
وبعد أن فرغ رسول الله من الصلاة، قام خطيباً وسط المسلمين على أقتاب الإبل، رافعاً صوته، ليسمع الجميع؛ فقال: ((الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مُضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله. أمّا بعدُ: أيُّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير: أنّه لم يُعمَّر نبيٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمر الذي قبلَه. وإنّي أُوشِك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟)).
قالوا: ((نشهدُ أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ، فجزاكَ الله خيراً)).
قال: ((ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، وأنَّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنَّ الموت حقّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ من في القبور؟)).
قالوا: ((بلى نشهد بذلك. قال: أللّهمّ اشهد، ثمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعوا؟ قالوا: نعم)).
قال: ((فإنّي فَرَط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنَّ عُرضه ما بين صنعاءَ وبُصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَينِ)).
فسأل أحد المسلمين: ((وما الثقَلان يا رسول الله؟))
قال: ((الثقَل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنَّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تَقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا)).
ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها، حتى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: ((أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قالوا: ((الله ورسوله أعلم)).
قال: ((إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنت مولاه فعليّ مولاه))، وكررها ثلاثَ مرّات.
ثمّ قال: ((اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحِبَّ من أحبّه، وأبغِضْ من أبغضه وانصُرْ من نصره، واخذُلْ من خذله، وأَدرِ الحقَّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائب)).
ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل الوحي على رسول الله بقوله: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)).
فقال رسول الله: ((الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعليٍّ من بعدي)).
ثمّ طَفِق القوم يهنِّئون الإمام علي. وكان ممّن هنّأه، في مُقدّم الصحابة، الشيخان: أبو بكر وعمر، وكل منهما يقول له: ((بَخٍ بَخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولايَ ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة)). وقال ابن عبّاس: ((وجبت ـ واللهِ ـ في أعناق القوم)).
رواة (الغدير) من الصحابة :
من شهد واقعة الغدير من صحابة رسول الله وروى حديثها: أبو هريرة، أبو ليلى الأنصاري، أبو زينب بن عوف الأنصاري، أبو فضالة الأنصاري، أبو قدامة الأنصاري، أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان، أبو رافع القبطي، أبو ذويب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي، أبو بكر بن أبي قحافة التيمي، أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، أسعد بن زرارة الأنصاري، أسماء بنت عميس، أم سلمة، أم هاني بنت أبي طالب، براء بن عازب الأنصاري، بريدة بن الحصيب الأسلمي، ثابت بن وديعة الأنصاري، جابر بن سمرة بن جنادة، جابر بن عبد الله الأنصاري، جبلة بن عمرو الأنصاري، جبير بن مطعم بن عدي القرشي، جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، أبو ذر الغفاري، جندع بن عمرو بن مازن الأنصاري، حبة بن جوين أبو قدامة العرني البجلي، حبشي بن جنادة السلولي، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي، حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري، حذيفة من اليمان، حسان بن ثابت، الحسن بن علي بن أبي طالب، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو أيوب الأنصاري، خالد بن الوليد، خزيمة بن ثابت الأنصاري، رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري، الزبير بن العوام، زيد بن أرقم الأنصاري، زيد بن ثابت، يزيد بن شراحيل الأنصاري، زيد بن عبد الله الأنصاري، سعد بن أبي وقاص، سعد بن جنادة العوفي، سعد بن عبادة الأنصاري، أبو سعيد الخدري، سعيد بن زيد القرشي، سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري، سلمان الفارسي، سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، سمرة بن جندب الفزاري، سهل بن حنيف الأنصاري، سهل بن سعد الساعدي، أبو إمامة ابن عجلان الباهلي، ضميرة الأسدي، طلحة بن عبيد الله التميمي، فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري، قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، كعب بن عجرة الأنصاري، مالك بن الحويرث الليثي، المقداد بن عمرو الكندي، ناجية بن عمرو الخزاعي، نعمان بن عجلان الأنصاري.
المصادر السنّية القديمة التي وثّقت واقعة الغدير :
وثّقت واقعةَ الغدير وحديثها، جميعُ المدونات السنية الأساسية في الحديث والسيرة والتاريخ الإسلامي، وأهمها :
1- أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه)، الملل والنحل، ج 1 ص 163.
2- أبو الفداء، إسماعيل بن كثير (ت 774 ه)، تفسير القرآن العظيم، ج 2 ص 15.
3- أبو القاسم ابن عساكر (ت 571 ه)، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، ج 2 ص 5.
4- أبو الحسن ابن المغازلي (ت 483 ه)، مناقب علي بن أبي طالب، ص 31.
5- أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي (ت 127 هـ)، روح المعاني، ج 4 ص 282.
6- محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ص 67.
7- الحافظ شمس الدين الذهبي، التلخيص بذيل المستدرك، ج 3 ص 109.
8- أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 1 ص 422.
9- القسطلاني، شرح المواهب اللدنية، ج 7 ص 13.
10- ابن صباغ، علي بن محمد بن أحمد المالكي (ت 855 ه)، الفصول المهمة، ص 40.
11- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، فضائل الصحابة، ص 15.
12-جلال الدين السيوطي، (ت 911 هـ)، تاريخ الخلفاء، ص 169.
13- جلال الدين السيوطي، الحاوي للفتاوى، ج 1 ص 106.
14- أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، أنساب الأشراف، ج 2 ص 111.
15- أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ، البداية والنهاية، ج 5 ص 209.
16- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستيعاب، ص 3 ص 198.
17- عبد الرؤوف المناوي، الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية، ج 1 ص 69.
18- المحاملي، الأمالي، ص 85.
19- أحمد بن إبراهيم القيسي، شرح هاشميات الكميت بن زيد الأسدي، ص 197.
20- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ص 6 ص 464.
21- أحمد بن حنبل (241 ه)، العلل ومعرفة الرجال، ج 3 ص 262.
22- أبو منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري (ت 429 هـ)، ثمار القلوب من المضاف والمنسوب، ج 2 ص 906.
23- نور الدين علي بن عبد الله السمهودي (ت 911 هـ)، جواهر العقدين في فضل الشرفين، ص 236.
24- عبد الرؤوف المناوي، كنوز الحقائق، ج 2 ص 118.
25- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج 3 ص 294.
26- نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (ت 807 هـ)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ص 9 ص 129.
27- الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي (ت 568 هـ)، مناقب علي بن أبي طالب، ص 156.
28- أبن الفراء، الحسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ)، مصابيح السنة، ج 4 ص 172.
29- أبو عبد الله محمد الحكيم الترمذي، نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول، ص 289.
30- أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت 335 هـ)، المسند، ج 1 ص 166.
31- أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ، الملل والنحل، ج 1 ص 163.
32- سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294 هـ)، ينابيع المودة، ج 1 ص 33.
33- عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج 4 ص 358.
34- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، أخطب الخوارزمي (ت 568 هـ)، مقتل الحسين، ج 1 ص 47.
35- المتقي الهندي، منتخب كنز العمال، ج 5 ص 30.
36- أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ)، خصائص أمير المؤمنين علي، ص 43.
37- عفيف الدين، عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني (ت 768 هـ)، مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان، ص 143.
38- عبد الله بن عمر البيضاوي، طوالع الأنوار، ج 1 ص 585.
39- أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ)، الاعتقاد على مذهب السلف، أهل السنة والجماعة، ص 217.
40- الحافظ الطبراني (ت 360 هـ)، المعجم الأوسط: ج 3 ص 69.
41- أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة: 303 هـ، السنن الكبرى، ج 5 ص 130.
42- عبد الرحمن بن خلدون (ت 808 هـ)، المقدمة، ص 246.
43- جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي (ت 750 هـ)، نظم درر السمطين، ص 93.
44- محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح، ج 3 ص 172.
45- سيف الدين الآمدي (ت 631 هـ)، غاية المرام في علم الكلام، ص 375.
46- أبو جعفر أحمد المحب الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج 3 ص 127.
47- بدر الدين، أبو محمد بن أحمد العيني، المتوفى سنة: 855 هـ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، ص 18 ص 206.
48- محمد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي (ت 1126 هـ)، نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار، ص 54.
49- الشبلنجي، نور الأبصار في مناقب بيت النبي المختار، ص 78.
.50- جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 2 ص 293
إحتجاج الإمام علي بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة :
احتج الإمام علي عدة مرات خلال فترة حياته بواقعة الغدير على أحقيته بخلافة رسول الله بلا فصل؛ فكلما شعر بأن الوقت مناسب ذكّر معارضيه بحديث الغدير، وعزز بذلك مكانته في قلوب الناس. لم يقتصر ذلك على الإمام علي، بل استشهد بواقعة الغدير ودلالة حديثها النبوي أهل بيته أيضاً، وخاصة السيدة فاطمة بنت رسول الله، وولديه الإمام الحسن والإمام الحسين، بالإضافة إلى عدد من كبار الشخصيات في التاريخ الإسلامي، أمثال: عبد الله بن جعفر، عمار بن ياسر، الأصبغ بن نباتة، قيس بن سعد، عمر بن عبد العزيز والمأمون العباسي، هذا فضلاً عن بعض معارضيه كعمرو بن العاص وغيره.
وقد استُدل بحديث الغدير ــ ابتداء ــ في عصر الإمام علي نفسه، وكان أتباعه في كل عصر ومصر يعتبرون الحديث من أدلة الإمامة والولاية، ونذكر هنا نماذج من هذه الاستدلالات كآلتالي :
1- حين اختار الخليفة الثاني أعضاء الشورى، بشكل لا تصل معه الخلافة الى علي، ثم قرروا اختيار عثمان للخلافة؛ نطق الإمام علي لإبطال رأي الشورى؛ فقال: ((لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك))، الى أن قال: ((أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب))، فأجاب الجميع: ((كلا، لم ينل هذه الفضيلة أحد غيرك))(1).
2- خلال إحدى خطبه في الكوفة، قال الإمام علي: ((أنشدكم بالله أن ينهض كل من كان حاضراً في الغدير، وسمع حديث النبي ووصيته لي بالخلافة ليشهد بذلك، لكن لينهض من سمع الحديث بنفسه من النبي، لا من سمعه نقلاً عن الآخرين))؛ فنهض حينئذ ثلاثون رجلاً، وأدلوا بشهاداتهم حول سماع حديث الغدير. وكان ذلك بعد مضى أكثر من خمس وعشرين سنة على واقعة الغدير(2).
3- اجتمع (200) شخصية كبيرة من المهاجرين والأنصار في عهد عثمان في مسجد النبي؛ ليتباحثوا في بعض الأمور، وكان الإمام علي جالساً يصغي؛ فقالوا له: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟ وبعد إصرارهم تحدث بحديث الى أن قال: ((أنشدكم الله عز وجل حيث نزلت: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وحيث نزلت: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً. قال الناس: يا رسول الله، أهذه خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم، وصومهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب فقال: أيها الناس، إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبي، فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني، ثم أمر فنودي للصلاة جامعة، ثم خطب الناس. فقال: أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: قم يا علي فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كماذا؟ فقال النبي: ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه؛ فعلي أولى به من نفسه))(3).
4- في خطبته المعروفة بالشقشقية، كان احتجاج الإمام علي صريحاً وواضحاً جداً، وبالنظر لأهميتها؛ فقد خصصنا لها عنواناً مستقلاً. 5- خطبت فاطة بنت رسول الله يوماً؛ لتبين حقوقها وحقوق زوجها؛ فخاطبت أصحاب النبي: أنسيتم يوم الغدير حيث قال أبي لعلي: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
6- لما قرر الإمام الحسن الصلح مع معاوية قام خطيباً وقال: ((سمع الجميع النبي يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، كما شاهد كافة الناس النبي يرفع يد علي في غدير خم وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))(4).
7 – وقال الإمام الحسين في حديث حضره عدد كبير من صحابة النبي في مكة: ((أسألكم بالله هل سمعتم أن النبي نصب علياً خليفة وولياً للمسلمين في غدير خم… فليبلغ الحاضر الغائب؟))؛ فأجاب الجميع: ((نعم))(5).
احتجاج الإمام علي في الخطبة الشقشقية :
الخطبة الشقشقية هي خطبة للإمام علي، نصّ فيها على أحقيته في خلافة رسول الله بلا فصل، وأجمل فيها الوقائع والأحاديث النبوية التي وردت في هذا المجال، ومنها واقعة الغدير وحديثها، ومما قاله الإمام علي فيها: ((أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْبًا وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحًا وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْبًا حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ… فَيَا عَجَبًا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ…))(6).
وقد وثّقت الخطبة مصادر كثيرة، نقلاً عن عبد الله بن عباس، بأربعة أسانيد، أي بأربعة رواة، وقد ذكرها الشيخ الصدوق في كتابه (علل الشرائع)، وهذا التعدد في النقل عن ابن عباس من قبل أربعة رواة مختلفين، جعل الخطبة مشهورة، روتها الخاصة والعامة في كتبهم وشرحوها وضبطوا كلماتها، وقد قال عنها الشيخ المفيد: إنها أشهر من أن ندل عليها لشهرتها. وقد ذكر بالإضافة الى المفيد الصدوق، والطوسي والرضي في (نهج البلاغة) والطبرسي في (الاحتجاج)، والقطب الراوندي في شرحه على نهج البلاغة. ومن أهل الخلاف رواها ابن الجوزي في مناقبه، وابن عبد ربه في كتاب (العقد الفريد)، وابو علي الجبائي في كتابه، وابن الخشاب في درسه، والحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب (المواعظ والزواجر) على ما ذكره صاحب (الطرائف)، وفسر ابن الاثير في (النهاية) لفظ الشقشقية ثم قال: ومنه حديث علي في خطبة له: تلك شقشقة، وذكرها الفيروزآبادي في (القاموس)(7).
و يمكن إثبات صحة صدور تلك الخطبة عن الإمام علي(ع) من خلال الدلالة، و من خلال اُسلوبها البلاغي، وقد رواها كثير من المحدثين والمؤرخين وأصحاب السير، قبل ولادة الشريف الرضي الذي جمع خطب الإمام علي ورسائله وأقواله في كتاب نهج البلاغة، منهم أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن قبة الرازي، في كتابه (الإنصاف في الإمامة)، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمود البلخي الكعبي (ت 317 هـ)، والحسن بن عبد الله العسكري في (معاني الأخبار)، والمفيد في (الارشاد).
أمّا جواب السؤآل الذي ورد كعنوان لهذا المقال [أخطر قضية على الأطلاق] فهو :
لأن الأمام عليّ(ع) كان سيطبق (العدالة) الكونية كلها و بآلتالي كان سيخلق مجتمعاً خال من الكفر و النفاق الذي دمّر ليس المسلمين فقط ؛ و إنما الأسلام نفسه حيث شتّته لعدة مذاهب و ديانات .. بينما الأسلام كان واحدا و لكان بقي واحداً على نهج الغدير – الذي يمثل ولاية الرسول (ص) و التي هي ولاية الله تعالى الذي عهد على نفسه بأن يحفظ القرآن و الأسلام من التشويه و التحريف و الإنقسام و كما حدث بسبب تداخل أهواء المنافقين و الكفار و الحاقدين عليه لكونه – أي الأسلام – دمّر دينهم الجاهلي و أوثانهم, فإنتقموا لها بتدمير ولاية الأمامة التي كانت هي الضامنة لتوحيد ليس الأمة فقط بل العالم كله من الضلال الذي نشهده اليوم على كل صعيد, حسب قول الله تعالى و رسوله الكريم الذي قال وأكد لنا الأمر كوعد كونيّ ثابت بشرط التمسك بآلثقلين:
[إنّي تارك فيكم الثقفين ؛ كتاب الله و عترتي أهل بيتي, ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً].
العارف الحكيم عزيز حميد مجيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المناقب للخوارزمي، ص 217 وغيره.
(2) الغدير، ج 1، ص 153- 170.
(3) فرائد السمطين، الباب 58؛ بالإضافة الى هذه الموارد الثلاثة، استشهد الامام أمير المؤمنين (ع) على إمامته بحديث الغدير في الكوفة في يوم الرحبة، وفي الجمل، وفي حديث الركبان، وفي حرب صفين أيضاً.
(4) ينابيع المودة، ص 482.
(5) للاطلاع على الاحتجاجات الكثيرة في هذا المورد ومصادرها ومستنداتها، راجع كتاب (الغدير)، ج 1، ص 146-195، فقد نقل فيه [22] احتجاجاً موثقاً.
(6) الشريف الرضي (جمع وإعداد)، نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.
(7) انظر: الشيخ المجلسي، بحار الأنوار، ج 29 ص 507.
المصادر :
1- الشيخ عبد الحسين الأميني، موسوعة الغدير.
2- مركز الأبحاث العقائدية، أسانيد الخطبة الشقشقية.
3- الشيخ مكارم الشيرازي، هل استدل أمير المؤمنين على خلافته بحديث الغدير؟.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment