حل أزمة ألأقتصاد
ألعراقيّ – ألقسم ألرّابع و آلأخير
ملاحظة: مقالاتي مفصلة نوع ما أكتبها
على مضض وعلمٍ هدىً و رحمة لقوم يؤمنون بآلجّمال و الحُبّ و العدالة ويعرفون قيمة
الحياة و الحقوق والمستقبل خصوصا مستقبل الأجيال القادمة ألتي لا يمكن ضمانها و
ترشيدها إلا بآلمعرفة, لذلك أيّها القارئ لا يُمكنك معرفة ذلك إلا بصرف دقائق لا
تتجاوز العشرة لمعرفة كلّ الزمن, لذلك إحرص و واظب على القراءة لتصل آلحقّ الضائع
لعجزكم على القراءة, و اللآلئ لا تحصل على الشواطئ و إنما تحتاج للغوص العميق و
صرف بعض الجُّهد!
ألعارف ألحكيم عزيز حميد مجيد
حكومة ألأمام
عليّ(ع) نموذجاً:
بعد عرضنا
للحلقات الماضية توضح لدينا مقدار الفساد و الظلم و جذورها, و توصلنا في الحلقة
الماضية إلى أنّ جميع الأنظمة السابقة و الحالية ليس فقط لا تحقق العدالة بل تزيد
الظلم و الفقر و الموت .. ولا تحكم العدالة في الأرض ولا يبارك الله فيها و لا في
أيّة دولة من الدول ولا حتى في عشيرة أو بيت صغير؛ ما لم يلتزموا بتطبيق القوانين
و السيرة العلوية, و أمامك قصّة هذا البشر منذ أن شكّل أوّل حكومة و جرّب كل
أنواعها القديمة و الحديثة حتى عصر الديمقراطية التي باتت أسوء أنواع الأنظمة لتكريسها
آلفوارق الطبقيّة و الظلم و العبودية للمنظمة الأقتصادية العالمية التي بيدها طبع
و تحديد قيمة الدولار و ضبط الأقتصاد و الموارد الطبيعية على الأرض.
فماذا فعل الأمام عليّ ليصبح نظامه نموذجاً
و معياراً و دليلاً للعدالة و المساواة و
الرفاه؟
جاء علي بن أبي
طالب ليحكم 12 دولة على اعتاب ثورة الجياع التي إنتهت بمقتل الخليفة عثمان بن عفان.
إستلم (علي
بن ابي طالب) زمام امور المسلمين في ظرف اقتصادي و إجتماعي و سياسيّ و فكريّ صعب مع
مخلفات عنصرية و قومية و مذهبية وثارات عشائرية إذ كان والي البصرة عبد الله بن
عامر مُولعاً بشراء الإماء لغرض نشر الغناء و الفساد!
وأحد الولاة كانت تركته من الذهب و الفضة ما كان يُكسر بالفؤوس كما ذكر المسعودي
في مروج الذهب و هكذا معاوية بن أبي سفيان في الشام حيث لم يكتفي بما إختلقه من
خلافات؛ بل جعل الخلافة ملكا عضوضاً و أجج الحروب بدعوى المطالبة بدم عثمان حيث
تسبّب بقتل مئات الآلاف من المسلمين و تدمير الأقتصاد الأسلاميّ.
وكانت هناك
طبقة من الولاة مَنْ إستأثروا بالبلاد والعباد واعتبروا كلّ شيء هو ملك لهم فهذا
سعيد بن العاص والي الكوفة صاحب العبارة الشهيرة؛ [إنما هذا السواد بستان لقريش
قاصداً ثروات العراق].
و يذكر لنا
المسعودي أرقاما مرعبة عن الاستئثار والفساد في عهد الخليفة عثمان .. أدى ذلك إلى
الثورة التي قادها ابتداءاً الصحابي أبو ذر الغفاري الذي كان يقول له: [ويل
للاغنياء من الفقراء]ٍ، و كان يصرخ في سكك المدينة المنورة: [و بشّر الأغنياء
بمكاوٍ من نار تكوي جباههم و جنوبهم وظهورهم]، و قد اشار الكاتب و الاديب طه حسين
إلى انعكاس هذا الفساد الاقتصادي و الأجتماعي والأخلاق على المجتمع فوصف في كتابه
الفتنة الكبرى توسّع حالة الترف والتبطل و انتشار الفسق و الفجور في المجتمع
الاسلامي في ذلك العهد.
فما الذي
فعله علي بن ابي طالب (ع) وسط تلك التراكمات المعقدة و الكثيرة بسبب الخلفاء و
الولاة السابقين!؟
أوّل ما قام
به هو عزل الفاسدين من الولاة و الموظفين الكبار الذين استاثروا ببيت المال
وانفقوا حقوق الفقراء و اموال الشعب على ملذاتهم كمعاوية بن أبي سفيان واستبدلهم
باشخاص نزيهين بغض النظر عن اتجاههم الفكري و السياسي، و لم يرضى بوصية البعض من
المقربين له (ع) حين أشاروا عليه بإبقاء معاوية في الحكم ريثما تستتب له الأمور فيعزله؛
مجيباً ؛ بأن الله لا يطاع من حيث يعصى, و لو أبقيته أكون له عاصياً لأن فاسد
يستأثر أموال الناس, كما إستبدل والي البصرة (زياد بن ابيه) و خلّف مكانه عثمان بن حنيف الأنصاري 36هـ/656م. و كانت وصيته لولاته تركّز على نقطتين,
هما؛ الأمانة و الكفاءة, و كما تبيّن ذلك في وصيته المعروفة لمالك الأشتر. و لم يغفل عينه (ع) عن
ولاته طرفة عين فكان يحاسبهم حسابا عسيراً في صغائر الأمور ناهيك عن كبائرها!
و لنا وقفه طويلة وتأمل حين حاسب واليه على البصرة عثمان إبن حُنيف و وبّخه لا
لذهب سرقه أو فساد بدر منه .. بل لانه ذهب إلى مأدبة أقامه أحد وجهاء البصرة,
خاطبه؛ [غنيهم مدعو وعائلهم مجفو] كما في رسالته التي كتبها إلى (ابن حنيف) فإلى
هذا الحد كان يحاسب ولاته خوف إنزلاقهم في متاهات الفساد و أخذ الرشوة, بعكس تعامل
المسؤوليين الآن, حيث يُدافعون عن مفسديهم لتبرئتهم.
و الأمر
الآخر الذي قام به الإمام علي (ع) بعد بيعة المدينة، ذهب إلى بيت المال و طلب من
ابن عباس ان يوزع العطاء على الموجودين بالتساوي لكل واحد ثلاثة دنانير حتى فرغ
بيت المال فكان المجموع 300 الف دينار تم توزيعه على مائة الف من أهل المدينة و ظل
الامام على هذه السياسة في التساوي بالعطاء والتي كلفته ثمنا غاليا فالبعض من
اصحابه لم يرضوا عن هذه السياسة فانشقوا عنه واعلنوا الحرب عليه كطلحة و الزبير و
إبن العاص و القيس بن ألاشعث و غيرهم.
اما سياسته
الاقتصاديّة فكانت تقوم على زيادة الانتاج و ليس الضرائب أو قطع أرزاق الناس، ففي
رسالته إلى (مالك الأشتر) ذكر قائلا: [وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في
استجلاب الخراج لأن ذلك لا يُدرك الا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب
البلاد واهلك العباد ولم يستقم امره إلا قليلا], (نهج البلاغة)!
فعند عليّ(ع)؛ زيادة الإنتاج هو الحلّ للمشكلة الأقتصادية و المالية, لأنها تؤدي
إلى زيادة الخراج و ليس العكس كما يفعل حكّام اليوم، و كان الامام علي(ع) أوّل
حاكم يسنّ قانونا [من أين لك هذا] فعندما دخل الكوفة خطب فيهم؛
[يا اهل الكوفة جئتكم بجلبابي هذا إن خرجت بغيرها فأنا لكم خائن] .. كما ورد بصيغة
أخرى؛ [ جئتكم بجلبابي و رحلي و راحلتي و غلامي إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي و
راحلتي وغلامي فأنا خائن] فقد كشف ما في ذمته من أموال و أمام الملأ ليسنّ قاعدة
ذهبيّة يضعها أمام حكومات اليوم منعاً من الفساد الاستئثار].
من هنا فعلى
آلحاكم و الوزير و المسؤول و المدير, أيّا كان و بعكس ما فعله الحكام و المسؤوليين
بعد صدام .. و على كل من ياتي لحكم العراق و غيره و يريد الإصلاح و العدالة للتقرب
إلى الله؛ إقتفاء أثر الامام علي (ع) بآلخطوات الثورية التالية:
أولا: عزل
الفاسدين و محاكمتهم و إستعادة الأموال المسروقة و المهربة وعلى اثر رجعي كما فعل
الامام علي عليه السلام, خصوصا و إن الفاسدين الكبار تمّ ضبط و معرفة مقدار
الأموال التي سرقوها و هي بمئات المليارات و صلت بآلمجموع لـ ترليون وربع الترليون
دولار.
ثانيا: إختيار
المسؤول الذي يتوافر فيه (الأمانة و الكفاءة)(1) و له الخبرة و التجربة من الوزراء
و المدراء و النواب بغض النظر عن انتمائهم الفكري والسياسي و هذا يعني الغاء
المحاصصة التي دمّرت العراق و سببت إثراء الطبقة السياسية(2), بل قرأت رواية
إستوقفتني كثيراً بشأن جلب عشرة من المخلصين من اليمن بإختيار أحد أتقى مريديه وهو
أويس القرني و كان أمين اليمن و شيخهم, فإختار عشرة من المخلصين الأوفياء من اليمن
وأرسلهم للكوفة.
ثالثا:
التركيز على الانتاج سواء كان في القطاع الزراعي او الصناعيّ او السياحي و برأي
ألقطاع الزّراعي يتقدم على بقيّة القطاعات .. و ليس التركيز على الضرائب و سلب
حقوق الفقراء أو إستدانة الأموال على حساب الأجيال القادمة المسكينة و كما هو
الحال في موازنة العراق لعام 2021م و غيرها في الأعوام الماضية.
رابعا: سن
قانون من [أين لك هذا] و تطبيقه علناً امام الشعب مع محاكمة عائلته و ذويه كما فعل
ألأمام(ع).
خامسا:
محاسبة رجالات الدولة ومفسديها واسناد عملية المحاسبة للمرجع الأعلى أو معروفين
بالنزاهة والقدرة ليتمكنوا من إجراء الأحكام.
سادساً: إعادة
النظر في رواتب الموظفين و تسويتها بما يُحقّق ولو العدالة ألنسبية للقضاء على التفاوت الفاحش, فآلعدالة لا تُطبّق
في حال تفاوت الراتب كما هو وضع العراق و غيره بل هو ظلم كبير من العنوان نفس.
سابعاً: وضع قوانين و مراكز أبحاث و تحقيقات في كل وزارات و مؤسسات الدولة و إخضاع
المسؤوليين و حتى المعلمين لإمتحانات دورية لمعرفة حقيقة كفائته و حاجته لدورات من
أجل رفع مستواه و تطوره في ميدان عمله.
ثامناً: تطبيق القوانين بدقة على الجميع خصوصا المسؤول, ومحاكمته أشد المحاكمة في
حال قيامه تفعيل وإستخدام المحسوبية و المنسوبية و الرشاوى وغيرها من وسائل الفساد
و عرض محاكمته و صورته على الملأ.
تاسعاً: ألمسؤول يجب أن يعيش كأي مواطن عادي لا تُميّزه الظواهر و الحمايات و
الجكسارات و الرواتب و الواسطات و المحسوبية و الحزبية و المنسوبية التي كانت من
أكبر عوامل التخلف و التخريب في العراق.
عاشراً: لإصلاح وضع العراق يجب قبل كل تلك النقاط الواردة أعلاه؛ حذف قانون
التعيين و محاصصة المناصب, كمنصب رئيس الجمهورية و الوزراء و النواب, لأن هذا
يعارض أصل الدّيمقراطية التي تُطبّق لاجل تعيين ذلك بآلأكثرية و إلا فلا معنى
للأنتخابات لو تمّ تحديدها أصلاً بأمر المستكبرين في (دافوس) و كما هو حال العراق,
و كذلك يجب تحديد النظام؛ إما أن يكون ديمقراطياًّ (فدرالياً) أو (كنفدراليّ) ,
حيث لا يمكن الخلط بينهما في حكم دولة واحدة و كما هو وضع العراق, حيث كردستان
حكومة كنفدرالية و العراق فدرالي وأحياناً غير ذلك.
وهذا
هو طريق الإصلاح، و النهج الذي سلكه علي بن ابي طالب الذي يجب أن نطبقه ونتغنى
بعدله و زهده و شجاعته، فليكن عليّ(ع) منهجا و ليس شعاراً للأستهلاك الأعلامي و
الأنتخابي و كما فعل الشيعة وغيرهم , وهم أساسا لا يؤمنون بتلك آلعدالة للأسف!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا وُجِد
شخص له كفاءة أكثر بآلقياس مع الأمانة, و شخص آخر بالمقابل على آلعكس يمتلك
الأمانة أكثر من الكفاءة, فأيهما نُفضّل؟ ألنّهج العلوي يُفضل إختبار (ألأكثر
أمانة و ألأقل كفاءة) على (الأكثر كفاءة و الأقل أمانة), لأن فساد الأول لو ظهر
فأنه سيكون محدوداً, أما فساد الثاني فيكون كبيراً و مُدمّراً و خطيراً لأنّه يعرف
إختصاصه و نقاط القوة و الضعف, ولو كان فاقداً للأمانة وآلكفاءة كما الحال في
العراق, فأن آلنتيجة ضياع المليارات من الدولارات و إنتشار الفقر على جميع
المستويات و الشقاء و المرض و العاهات.
(2) حكمة كونيّة تقول: [لا يغتني من وراء السياسة و الدّين إلّا فاسد], فلو رأيت
رئيسا أو مسؤولاً إغتنى و مَلَكَ, فإعلم بأنهُ فاسد.
No comments:
Post a Comment