هل يمكن إخضاع الحُبّ للعقل!؟
يتعامل الفلاسفة مع الحب المجازي طبعاً لعدم دركهم للحُب الحقيقي بإستثناء إشارة واحدة من نيتشه بقوله : [لقد حولت حُبّي الى الاله ، و ما الانسان في نظري الا كائن ناقص وما ان احببته حتى قتلني حبه] !
و قد بيّنا تفاصيل و أبعاد و آثار و دور العشق المجازي وصولا للحقيقي في الوجود؛ في سلسلة كونية بعنوان [أسرار العشق] و كذلك في كتابنا الموسوم بـ[الأسفار الكونية السبعة] ..
فآلحُبّ ذلك الشعور ألإنساني الذي يختلف عن العشق .. ألذي يبدو لنا طبيعياً وفطرياً و في لحظة أحياناً؛ على أنه مشكلة وجوديّة فيزيائية و ميتافيزيقية تغيير مسارات الحياة و الأقدار!
نهج الفلاسفة ،، هو إخضاع كل شيء للعقلنة،، ثم التحليل،، ثم الخروج بلا نتائج،، على الأقل بالنسبة للحب من سقراط إلى آخر فيلسوف،، ما يزال الأمر كما هو تقريباً.
ويبدو،، كما نستنتج من كتاب « الفلاسفة و الحب »للفرنسيتين (ماري لومونييه) و (أود لانسولان)؛ أنّ (الود مفقود بين الحب و هؤلاء الذين غيروا البشرية) ،، وغذوا عقلها و روحها أيضاً ،، و أنّ (لا تآلف بين الفلاسفة والحب)،،، أو لا حُبّ هناك أساساً!
كان آخر « فلاسفة الحُب » البولوني سيجموند باومان - الذي لم تتطرق لذكره مؤلفتا الكتاب السابق الذكر ،، قد رثى الحب في كتابه:
« الحب السائل»،، قائلا لنا؛ [أن لا حب هناك،، و أن «الحب المتحقق » صار أقرب إلى الموت ], في ثقافة استهلاكية مثل ثقافتنا التي تفضل المنتجات الجاهزة للاستخدام الفوري،، و الاستخدام السريع،، والإشباع اللحظي،،
والنتائج التي لا تحتاج إلى جهد طويل،،، صار الحب مخيفاً كالموت، لأن ذلك يتطلب أن تخرج من ذاتك من أجل أن تستكشف الذات الأخرى،، أي تستكشف العالم،، وتمنحها ما تملك بكرم ،، وتمد لها اليد حين تحتاج يدا،، وتبسط لها الكتف حين تتعب،،
ما عاد الأمر كذلك،، وقبله،، كان الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو،، يقول: إن [الوجه التافه و اليائس للحب يبدو كأنه المنتصر ]،،
سقراط الذي كان يصف نفسه بأنه (مولد أرواح ) لم يقول شيئاً مختلفاً عن ذلك،،، [لقد أخطأ المدّاحون خط بالغا حين زينوا الحب بكل أشكال الخير والجمال, أو أنهم،، في أفضل الأحوال،، لا يرون منه إلا جزءا من حقيقته،،، والخطأ ينشأ من اعتبار وجود الحب متحققا حين نُحَب و ليس حين نُحِب]، ولا نعتقد أن كلامه هذا جاء نتيجة كارثة زواجه بكسانتيب،، تلك المرأة المريعة التي اعتادت أن تسكب على رأسه الماء القذر،، وتوبخه أمام تلاميذه،، ولم يكن يملك سوى أن يقول لها: (كم من مطر خفيف غلب رياحا عاتية)،،، كانت فكرته تلك تنسجم مع فلسفته،، وانتهى به الأمر بأن حوّل الحب إلى شأن ميتافيزيقي،، ينتمي للسماء،، وليس إلى الأرض،،،
يقول لنا الكتاب إنه رغم أن الحب هو « الظرف القدري للسعادة عند البشر،، والعنصر الدائم لكل أشكال الدراما الأدبية،، فإن الفلاسفة قد أثاروه بتحفظ يشبه من يدخل إلى قفص الأسد،، ويخشى أن يؤكل حيا »،، وتفسير هذا الخوف عائد إلى « العقل »،، فهم ينظرون لهذه العاطفة بكثير من التعقل،، لأنهم « مشغولون بتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية »،،
والهرب من عبودية الحب لا يمكن أن يتحقق،، سوى بطريقتين،، خيار الإيروتيكية،، أي الاستغراق في الحب الجسدي من دون أي التزامات أخلاقية أو اجتماعية،، أم خيار الأفلاطونية،، والتسامي على طريقة جان جاك روسو،، أو الشعراء العذريين،،
وكلا الطريقتين وجهان لعملة واحدة،، الأولى: هروب من الحب عن طريق الجسد،،
والثانية: هروب من الحب عن طريق الروح،،
وكلاهما تحايل كبير على الذات من خلال رفعها الوهمي،، وهما لا يؤديان غالبا سوى إلى الفناء المعنوي على شكل مرض أو جنون،،
و يبقى كلمة الختام لمن كان حبيباً لله وحده:
برغم ما قالوا عن الحُب:
كقول سقراط : الحُب جحيم ..
وكقول شكسبير : الحُب جنون ..
وكقول أرسطو : الحُب لعنة ..
لكن سيدنا محمد إبن عبد الله (ص) قال :
لا تدخلو الجنة حتي تؤمنو ولا تؤمنو حتي تحابوا
وسُئل النبي : [(أحب الناس إليك)؟
قـال : فاطمة و بعلها و بنوها بكل ثقه, و فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني,].
و قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب في الله و يكره في الله.
الحُب ليس بجحيم وليس بلعنه وليس بجنون كما يقول أشهر الفلاسفة:
الحُب رحمة حسب رسالة رسولنا الكريم بامر من الله العلي القدير الذي قال:
و ما أرسلناك (يا محمد) إلا رحمة للعالمين.
لذلك لا يمكن إخضاع (الحبّ) للعقل, بل لا بد من تدخل المشيئة الألهية فيها لمعرفة كنهه و أسراره!
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد
No comments:
Post a Comment