Saturday, June 08, 2024

وجوب التغيير :

وجوب التغيير منبر العراق الحر : زار طبيب يوما مستشفى المجانين، وفي تجواله في ردهاتها رأى مجنونا غارقا في متاهات أفكاره، فتقدم الطيبب صوبه وسأله: – أي يوم من أيام الأسبوع نحن فيه؟ فأجاب المجنون: – اليوم هو يوم السبت. فسأله الطبيب: – وغدا ماذا سيكون؟ رد المجنون: – يوم السبت. سأله الطبيب مرة أخرى: – وماذا كان يوم أمس؟ رد المجنون: – يوم السبت. هنا سأل الطبيب: – ومتى يأتي يوم الأحد؟ رد المجنون: – الأحد يأتي عندما يختلف اليوم عن الأمس، عندما نشعر أننا تقدمنا خطوة للأمام، عندما تكون عدالة اليوم أكثر من عدالة الأمس، وظلم اليوم أقل من ظلم الأمس. الأحد يأتي حين نغير مابأنفسنا، فساعتها نرى ماتغير في قومنا، وعندما نستبدل البغض بالود، والضغينة بالتسامح، والجفاء بالوئام. الأحد يأتي حين يحل السلام والأمن محل الاقتتال والنزاع، ويأتي عندما يملأ سماءنا نور الأمل والانفراج، وينقشع عن أبصارنا ظلام اليأس والقنوط، ويأتي عندما نستعذب الفعل الجميل والرأي الحصيف، ونستنكر الفعل القبيح والرؤى الهجينة الهمجية، الأحد يأتي عندما نتعاون على البر والتقوى، ونمقت الإثم والعدوان، ويأتي حين نحكِّم عقولنا المتنورة الواعية، ونمنحها الغَلَبة على تراكمات الأفكار البالية الرجعية، عندها فقط أيها الطبيب سيأتي اليوم التالي. أرى في إجابة هذا المجنون عين العقل، وسعة الإدراك، وسداد الرأي، وأنا على يقين أن كثيرين يؤيدونه على هذا الحكم، ولنا في أنفسنا خير دليل وأصدق حادث وأثبت شاهد، وكما في الآية: “شهد شاهد من أهلها” فقد عهدنا بلدان العالم لاسيما المتطورة منها، أنها لم تكن تنام يوما إلا على موعد مع صبح فيه للتغيير نصيب، من تجديد وتحديث وتطوير في مجالات عدة، حيث العجلة تدور دون توقف طيلة عهود خلت، ومافتئت تدور في ظهرانينا لتنبئنا بين حين وآخر بـ (update) يواكب القفزات المتحققة، على يد علماء وحكماء ومثقفين، على اختلاف تخصصاتهم. التغيير إذن، جوهر حياة الفرد -وبالتالي المجتمع- وأول دليل على تبوئه مكانة، يستحق فيها أن يكون خليفة الله في الأرض، ولعل أهم مقولة تجسد هذا، هي ما ينسب إلى الإمام علي (ع): “مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، ومَنْ كَانَتِ اَلدُّنْيَا هِمَّتَهُ اِشْتَدَّتْ حَسْرَتُهُ عِنْدَ فِرَاقِهَا، ومَنْ كَانَ غَدُهُ شَرَّ يَوْمَيْهِ فَمَحْرُومٌ، ومَنْ لَمْ يُبَالِ مَا رُزِئَ مِنْ آخِرَتِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ فَهُوَ هَالِكٌ، ومَنْ لَمْ يَتَعَاهَدِ اَلنَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ اَلْهَوَى، ومَنْ كَانَ فِي نَقْصٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ”. في بلدنا العراق، أرى أن قباطنة سفينته المبحرة في لج بحر عميق، يتصفون بالجمود وانعدام التغيير في مفاصل البلد كلها تقريبا، إذ صار ديدنهم المعتاد وسمتهم البارزة وطبعهم الغالب، هو الوقوف حيث هم، وكأنهم يصورون ما أنشده الشاعر العباسي أبو الشيص الخزاعي: وقف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي متأخَّر عنه ولا متقدَّم وهم كنسخة مكررة كل دورة انتخابية، حيث السياسة والنهج ذاتهما، وإن استحدثوا شيئا غير الوقوف فهو المراوحة، بل إلى الوراء در أحيانا كثيرة، حتى اعتاد المواطن على نمطية العيش هذه، ولم يجد بدا في ترديد البيت الثاني للخزاعي: أَشبَهتِ أَعدائي فَصِرتُ أُحِبُّهُم إِذ كانَ حَظّي مِنكِ حظّي مِنهُمُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عراقِ ما بعدَ التَّغيير نــــزار حيدر لـ [العالَم الجديد] عن عراقِ ما بعدَ التَّغيير أ/ ما يثيرُ الإِنتباه في عراق ما بعدَ عام ٢٠٠٣ هو أَنَّ الأَزمات التي تعصِف بالعمليَّة السياسيَّة تُنتج أَزمات ولا تُنتج حلُولاً مُستقرَّة وثابتة، إِذ أَنَّ مِن المعرُوف في النُّظم السياسيَّة الديمقراطيَّة أَنَّها تتجاوز الأَزمات بسُرعةٍ كونَها تبني دَولة مُؤَسَّسات على العكسِ من النُّظم السياسيَّة الشموليَّة التي من طبيعتِها أَنَّها تعيش على صناعةِ الأَزمات لأَنَّها تبني دَولة زعامات كما كانَ حال العراق في ظلِّ نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين. ب/ وبرأيي فإِنَّ السَّبب يعودُ إِلى عامِلَينِ مُهمَّينِ؛ ١/ أَنَّ البديل الذي تأَسَّس بعد التَّغيير قام على مبدأ الكانتُونات والمكوِّنات وليسَ على مبدأ الدَّولة، وإِنَّ من طبيعةِ [دَولة] الكانتُونات أَنَّها تعيش على صناعةِ الأَزمات حتَّى إِذا كانَ النِّظام السِّياسي العام ديمقراطيّاً، على اعتبارِ أَنَّ زعامات الكانتُونات أَو [دَولة الطَّوائف] يبحثُون في صناعةِ العدُو الذي يخِيف المكوِّن ويُرعِبهُ فيضطر للإِحتماءِ والإِندكاك بزعاماتهِ الأَمرُ الذي يتطلّّب منهُ تبريرِ فسادِها وفشلِها لأَنَّهُ يرى فيهم أَقلُّ خطورةً من العدوِّ [المُفترَض] المُتربِّصِ بها، وهكذا. ٢/ تجاوُز النِّظام السِّياسي على الدُّستور والقانون ولذلكَ لم يبقَ من الديمقراطيَّة المنصُوصِ عليها في الدُّستور إِلَّا حرُوفها، أَمَّا الحقيقة التي تتمثَّل بإِنتاج الأَغلبيَّة والأَقليَّة البرلمانيَّة عند عتبةِ صندُوق الإِقتراع، ومبدأ تداوُل السُّلطة وفصلِ السُّلُطات وغيرِها، فليسَ لها معنى. ٣/ إِستحكامُ الفسَاد المالي والإِداري في كُلِّ مفاصلِ ومُؤَسَّسات الدَّولة وهو نتيجة طبيعيَّة للمُحاصصةِ التي استحكَمَت بالنِّظامِ السِّياسي والتي تتناقض معَ جَوهر الديمقراطيَّة من جانبٍ وتتستَّر على الفسادِ والفشلِ من جانبٍ آخر. ٤/ تأسيساً على كُلِّ ما تقدَّم فأَنا أَعتقدُ بأَنَّ النِّظام السِّياسي اليَوم على كفِّ عفريتٍ بعد أَن عجزَت القُوى السياسيَّة المُمسِكة بتلابيبهِ منذُ التَّغيير في إِيجادِ الحلُولِ الحقيقيَّة والثَّابتة للأَزَماتِ المُستدامة، ما يُعرقل إِستقرار البلد لينطلقَ باتِّجاهِ التَّمنية والنُّهوض الحَضاري، خاصَّةً وأَنَّ العراق يمتلِك كُلَّ مقوِّماتها بالقُوَّة ولكن ليسَ بالفِعل بسببِ فشلِ الطَّبقة السياسيَّة الحاكِمة، جرَّاء نظرتِها الضيِّقة وتحكُّم عقليَّة السُّلطة بدلاً من عقليَّة الدَّولة.

No comments:

Post a Comment