Monday, March 30, 2009

ألملتقى آلخامس للمنتدى آلفكري في تورنتو - كندا

ألملتقى آلخامس للمنتدى آلفكري في تورنتو



بتوفيق من آلله عز و جل , إلتقى أعضاء آلمنتدى آلفكري المحترمين يوم أمس آلسبت ( 29\3\2009)في مركز آلرسول آلأعظم (ص) , و تم طرح و مناقشة موضوعات مختلفة حول آلساحة آلإسلامية و آلعربية و آلعراقية بشكل خاص , و تركز آلحديث حول أسباب محنة آلمسلمين و تشتت قواهم و مسعاهم , رغم إمتلاكهم لرسالة آلإسلام آلعظيمة منذ وفاة آلرسول (ص) و حتى يومنا هذا , و ما مر و يمر به شعبنا آلعراقي من آلمحن و آلإبتلاآت بعناوين مختلفة و قد أجمع آلحضور على أن مسألة آلوعي هي آلخطوة آلأولى و آلأهم و آلأساس لتجاوز آلمحن و بناء مجتمع يسود فيه آلعدل و آلحرية و مكارم آلأخلاق و آلرفاه و آلخير . و آلوعي لا يتحقق إلا بمعرفة آلحق , فبه يعرف أهل آلحق و به يمييز طريق آلخير و آلشر . لكن معرفة آلحق يحتاج إلى آلصبر و آلتواضع و آلتضحية و آلمطالعة و آلبحث , لنيل مرضاة آلله تعالى .
فلا أمة بدون أخلاق , و لا أخلاق بدون عقيدة , و لا عقيدة بدون فهم .
و آلسلام عليكم و رحمة آلله و بركاته .

محنة آلمفكر بين حيادية آلنخبة و حدية آلحكومات

محنة آلمفكر بين حيادية آلنخبة و حدية آلحكومات
عزيز آلخزرجي

في آلعراق كما آلدول آلعربية مآسي متنوعة و متجذرة يصعب حصرها في إتجاه واحد , أو سبب واحد كما يصعب حلها في آن , فقد تعددت آلاسباب و هكذا آلنتائج تباعا , وقد بحثت محنة آلإنسان في كبد منذ أن أدركت آلحياة رغم ما لاقيته من مواجهات و صعوبات , علني أفلح بعلاجها , و قد دونته في ثنايا كتبي و مقالاتي و محاضراتي – محاولا في آلنهاية تأسيس فكر أصيل قدير لإنقاذ آلإنسان يستمد عمقه و قدرته و حيويته من نص آلنصوص آلمقدسة أو نتاجات آلعقل و آلعرفان أو ما توصلت إليه من نتائج على آلصعيد آلفكري و آلإجتماعي و نظرية آلمعرفة آلإنسانية بشكل أساسي مع إحتضان واعي لتجربة آلتأريخ , لتكون حصيلة جهاد مرير , و رأيت أن محنة آلإنسان و آلتي هي محنتي قبل آلآخرين ما برحت تصطدم بسياسات آلمستغلين و آلحكام آلذين عادة ما لا يتقنون سوى لغة آلدم و آلإقصاء للنهب و آلتسلط , فالمفكر في مسيرته كثيرا ما يصطدم - و هذا شئ طبيعي - بالعقبات التي تمنعه من اختيار أو تحقيق ما يريد أو ما يصبو إليه لنجاة آلبشرية , و لكن عندما تكون صدمته بفساد آلحكومات و ضمور آلوعي آلشعبي و إهمال آلنخبة و تذبذبها خصوصا فهذا ما لا يمكن وصفه إلا بـ (محنة آلمفكر) ! فالمجتمع أو سلطة المجتمع تتحكم به فلا يستطيع أن يمارس دوره بحرية و أمان و عليه أن يحسب ألف حساب و حساب في مقولاته و أفكاره و تقريراته , فالمجتمع يراقبه و يتوجه بأنظاره إليه و يتابع تحركاته و سكناته و آلسلطة من وراءه من آلجانب آلآخر تتحين به آلفرصة تلو آلإخرى للإنقضاض عليه خوفا من سريان آلوعي و إنتشاره , مستخدمة بذلك أسلحته و أجهزته آلعديدة و آلمتطورة دون آلأجهزة آلأخرى آلمعنية ببناء آلإنسان ثم حضارته , كل ذلك لخنق آلمفكر و آلتضييق عليه لإلغاء دوره , لان آلحكام و آلطواغيت يعلمون أن سريان آلوعي سوف يرمي بهم في قمامة آلتأريخ , فيكون خيارهم آلوحيد للبقاء في آلحكم هو تعنيفهم , و من هنا كان قدر كل مفكر حر أن يعيش غريبا في وطنه أو مهجره على حد سواء و من آلصعب إن لم يكن آلمستحيل أن يعطى حقه في أوضاع كأوضاعنا , فلا يبقى أمامه إلا طريقان :
إما أن يعلن هويته يعني رفضه للحاكم لأنه ليس أهلا لموقعه و هذا ديدن آلمفكرين آلأحرار آلشجعان من أهل آلقلوب , ليكون ثمن موقفه آلسجن و آلموت أو آلغربة في أفضل آلأحوال , فيحرم آلناس بشكل قهري من آلنهل من ذلك آلنبع آلمعرفي آلأصيل فيتحولوا إلى قطيع من آلإبل تفعل آلحكومات بهم ما تشاء لتجرى عليهم آلسنن آلإلهية حينئذ بألوان من آلمآسي و آلإبتلاآت . و لكن هل يمكن للمفكر أن يتنازل بعض آلشئ عن موقفه ليساوم آلظالمين و آلإنتهازيين كتكتيك سياسي من أجل هدف أسمى فيكون قد إستخدم (آلغاية تبرر آلوسيلة) حسب مبدا ميكافيللي آلإيطالي ؟ أو ما يسمى عندنا في آلشرع آلأسلامي بمبدا (آلتزاحم) ؟ بالطبع هذا ما يرفضه أي مفكر شريف حر ! و حتى آلمثقف لا يفعله حتى لو كان مصاحبا للظلم , إلا أن يكون فاعلا رسميا ضمن مؤسسات آلنظام , و في هذا آلوضع لا يمكنه أن يلعب دورا أيجابيا في عملية آلتغيير ! بل يكون نموذجا في آلنفاق آلسياسي , و من هنا كانت آلإجازة آلشرعية واجبة من خلال آلنص عند آلإختيار في تلك آلمطبات , و هذه آلمسأله كانت من أبرز آلعوامل في إثارة آلخلاف بين رأيين في آلتحرك آلإسلامي في عملية آلمواجهة مع آلنظام عندما كنا نراعي قيادة حزب آلدعوة في أواسط آلسبعينات من آلقرن آلماضي في قلب آلعراق , و كان لكلا آلإتجاهين أدلته في موقفه من آلإنتماء لحزب آلسلطة , فمنهم من رفض لتمسكه بقول آلمفكر آلشهيد عارف آلبصري ألذي قال : ( لو كان أصبعي بعثيا لقطعته ) و آلإتجاه آلآخر كان يرى ضرورة حماية آلتنظيم من آلإبادة آلوحشية من قبل آلنظام آلبائد بإعمال مبدء آلتزاحم مستدلين بالقاعدة آلاصولية : ( لو توقف آلواجب آلأكبر على مقدمة حرام فيجوز آلإتيان به) فأجازوا آلإنتماء آلشكلي لحزب آلسلطة , و كانت محنة قاسية قد لا تتكرر في تأريخ آلعراق فقد إنشقت آلحركة آلإسلامية بسببها في ذلك آلمنعطف آلتأريخي آلخطير و لم يكن هناك من يقول آلقول آلفصل في بيان آلموقف آلشرعي , لان آلمفكر آلوحيد أنذاك و ألذي إتخذ على عاتقه قيادة عملية آلتغيير في آلعراق كان آلسيد آية آلله محمد باقر آلصدر(رض) و قد أودع في آلسجن و كان من آلصعب إن لم يكن من آلمستحيل ألإتصال به أنذلك لمعرفة آلحكم آلشرعي في أخطر قضية واجهت آلحركة آلإسلامية , و كان يشكو هذا آلمفكر آلعظيم من محنتين إن لم تكن أكثر حسب معرفتي آلخاصة : ألأولى محاربة آلنظام له و آلثانية محاربتة و آلتضييق عليه من قبل آلحوزة آلعلمية في آلنجف نفسها , و قد شكى لنا ذلك تلميحا في إحدى لقاآتنا آلخاصة معه عام 1977م . و لا أريد دخول حلبة آلمرجعية آلدينية في آلنجف لبيان موقفها آلذي لم يعرف عنه موقف واضح و صريح في تلك آلمواجهات آلمصيرية في تأريخ آلإسلام ! إن ضمير آلمفكر آلذي يحويه و إنسانيته و قيمه لا تسمح له حتى مجرد آلتفكير بآلظلم لا آلإتيان به ! و هكذا كان و ما يزال قدر آلمفكريين آلمؤمنين آلكبار على طول آلتأريخ لأن يعيشوا بين نارين على طول آلخط : نار آلسكوت على آلظلم أو نار آلثورة عليه , و آلسكوت على آلظلم لا يجوز إلا في حالات نادرة كموقف علي (ع) من آلخلافى و قد بين ذلك في نهج آلبلاغة بوضوح قائلا : ((فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة آلناس قد رجعت عن آلأسلام , يدعون إلى محق دين محمد صلى آلله عليه و آله و سلم - فخشيت إن لم أنصر آلإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما , تكون آلمصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم آلتي إنما هي متاع أيام قلائل , يزول منها ما كان , كما يزول آلسراب , أو كما يتقشع آلسحاب , فنهضت في تلك آلأحداث حتى زاح آلباطل و زهق , و إطمأن آلدين و تنهنه) , و كثيرا ما يختار آلمفكر آلمواجهة لعلمه بأن (من ضاق عليه آلظلم فالجور عليه أضيق) , أما تردده في آلمسير أو آلوقوف حياديا بين آلإتجاهين آلمذكورين فيستحيل عليه , لأن حياديته يعني موته كمدا , فما أصعب معاناة آلمفكر و غربته في اتخاذ القرار أحيانا لا خوفا من انتقاد الآخرين أو آلإقصاء أو من آلموت , بل لأن رسالتة أوجبت عليه أن يستقيم و من معه , و هذه آلمحنة لم تكن محنة آلمفكرين آلكبار وحدهم عبر آلتأريخ بل كانت أيضا محنة آلعظام من آلأنبياء و آلرسل و آلإئمة آلطاهرين(ع) فقد قال آلباري في سورة هود مخاطبا رسولنا آلكريم : {فإستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير}هود 112 , و هل رسالة آلمصلحين آلكبار دون أؤلئك آلعظام هي غير رسالتهم في آلوجود بإستثناء آلوحي ؟ و هذا آلواقع آلمرير يشكل آلعقبة آلكأداء أمام نهضة آلمجتمعات آلعربية و حتى آلعالمية لان تلك آلممارسات تقتل آلمفكرين آلذين هم روح آلإنسانية و بموتهم يموت آلإنسان و تتحطم أساس آلحضارة و آلمدنية في أي مجتمع , و تتحول آلأرض إلى غابة موحشة . فلو تأملنا وضع آلعراق خلال آلعقود آلماضية لرأينا كيف إن تلك آلحكومات آلتي قتلت آلمفكرين و آلعلماء قد أوصلت هذا آلبلد آلغني بكل آلثروات إلى آلحضيض , دون مستوى حتى معظم دول آلعالم آلثالث , إلى آلحد آلذي بات معظم أهلنا لا يتقنون سوى لغة آلحرب و آلجيش (يس و يم) و بمرور آلوقت و صل آلحال لان يبيع آلعراقي كل ما يملك – حتى أبواب و شبابيك بيته بل ... - لأجل لقمة خبز في أرض كانت تسمى في قديم آلزمان بأرض آلسواد , لكثرة ما كانت عليها من آلخيرات و آلثمرات , هذا فيما يخص آلجانب آلمادي و آلذي برأينا هو إنعكاس للجانب آلروحي و آلفكري آلذي تحطم على صخرة آلغباء و آلكبر و آلعلو و آلشهوة و آلطغيان . أما آلفكر و آلثقافة فحدث و لا حرج حيث لم يبق إلا وعاظ آلسلاطين , كل ذلك بسبب خلو آلمجتمع من آلفكر آلأصيل و آلعرفان آلذي هو نتاج و ثمرة جهاد و جهد آلمفكر , و لم يتوقف آلأمر عند هذا آلحد بل وصل آلقمع و آلظلم في المجتمع ليشمل آلجميع بعد ما ضاعت آلقيم و آلأخلاق و إنضمر آلحب , فآلسلوك آلوحيد آلذي كان مسموحا به و مدعوما من قبل آلسلطة هو آلعنف و آلقسوة و آلحسد و آلتربص و آلتجسس و هذا هو قمة آلظلم آلذي جناه آلشعب آلعراقي على نفسه عندما إنحاز للظلم جهلا او تجاهلا أو هوانا , حيث لم يعد آلعراقي مع تلك آلحالة يشعر بالظلم و هو يعيش خارج سجون و معتقلات آلنظام . و قد يتصور آلبعض بأن آلسلطات آلحاكمة أنذلك هي وحدها تتحمل مسؤولية تلك آلجرائم بعدما حددت سلوكيات و أفعال الإنسان آلعراقي و صنعت له قوالب تتلخص بالعنف و آلإرهاب و آلحرب لتأمين مسيرتها آلمظللة عبر إعلام مزيف فاقت أساليب غوبلز آلنازي , و هي بنظر من وضعها من آلجانب آلآخر ( تروض الإنسان و تمنع الشر) و لذلك فالإنسان يحاصر بآلاف القوانين و التعليمات التي تحدد مساره و نشاطه و تفكيره و تعبيره و حريته و قد تكون هذه القوانين مفيدة لبناء آلمجتمع فيما لو كانت بتوجيه من أهل آلفكر و آلعلم , و قد تكون في كثير من الأحيان - كما هو حال آلعراق و آلعرب بل كل آلعالم بنسب متفاوته - قامعة للشعور الإنساني و حرية التفكير و التعبير و النشاط الإنساني الفطري و تخدم فئات اجتماعية معينة و هي الفئات التي شرعت و قننت تلك القوانين آلمجحفة بإتجاه حفظ آلنظام أو بعبارة أدق تضمين بقاء رأس آلدكتاتور في آلحكم ، و لذلك يشعر الفرد مع هذا آلنوع من آلحكومات و آلتي تشمل جميع آلحكومات خصوصا آلعربية بقوة قمع الدولة و إرهابها , ذلك أن الدولة تستخدم وسائل و أجهزة لمعاقبة الإنسان فيما إذا خالف القانون بينما سلطة المجتمع ضمنيا تسبب في نفس آلسياق الضيق و المعاناة و الحصار و الإقصاء و الحرب النفسية و النقد اللاذع و التهجم و أحيانا قتل آلمفكر عن طريق آللجوء إلى آلنظام للحصول على بعض آلمكاسب , كما تشترك الدولة و المجتمع و فئات من (آلمثقفين) بسبب عملية آلتداخل آلمؤسساتي ألمصلحي و هو أمر لا مناص منه - في صياغة عملية آلتنفيذ و الرقابة و العقوبة ، ثم نأتي لذات الإنسان فهو أيضا يمارس وظيفة الرقابة و القمع و النقد بحق المخالفين له و لرأيه بالنسبة للنخبة (آلمثقفين) و هو يشارك المجتمع في عملية الرقابة و التسلط ضمنيا , كل حسب موقعه و موقفه و في نفس الوقت يجلد بسوط المجتمع الذي يتابعه و يراقب تحركاته بشكل قهري , فهناك علاقة جدلية واقعية بين الإنسان و السلطة من جهة و بين هذان آلإثنان و آلنخبة آلمثقفة من جهة أخرى , و هو بشكل عام علاقة استبدادية و رقابية فالإنسان بطبيعته مستبد و مستبد به في نفس الوقت هكذا كان و لا يزال .. هو ينتقد الآخرين لأنهم يفعلون كذا , و يخالفون العادات و التقاليد و القيم المجتمعية و في نفس الوقت يشعر بأنه مراقب و محاصر و معرض للرقابة المجتمعية أو آلحكومية التي تحد من حرية سلوكه و رأيه و يعيش ذات المعاناة ، و لم يتوقف آلأمر عند هذا آلحد مع نظام صدام آلمقبور بل تعدى ذلك ليؤسس ثماني أجهزة أمنية تراقب إحداها آلأخرى يقودها ضباط تدرب معظمهم على أيدي ضباط آلمخابرات آلعالمية في اوربا و أمريكا و كندا و روسيا . الإنسان كثيرا ما يرغب أن يفعل و ان يختار تلقائيا و هناك مئات القرارات اليومية التي يتردد في اتخاذها و حسمها و لكنه سرعان ما يحجم عن الكثير منها لأنها تخالف رغبات آلنظام أو المجتمع و آرائه و إتجاهه ، فيعيش (آلمثقف) خصوصا في حيرة و في غربة وفي خوف و تردد و قلق دائم , و يشعر بأنه يعيش خارج دائرة المجتمع , و السلطة و العشيرة جاثمة فوق صدره , يعيش ليحقق رغباته و يمتنع عن محرماتها فتصبح شخصيته قلقة مكبوتة ضعيفة مهزوزة غير مسؤولة و لا تتحمل المسؤولية في أي حال من الأحوال بالشكل آلذي يفترض أن يكون عليه لأداء رسالته آلتي أستنبطها من فكر آلمفكريين آلذين عاصروه و هم عادة لا يتجاوزون آلواحد او آلإثنان أو آلثلاث في كل عصر . أن من مهام آلنخبة (ألمثقفين) في عملية آلتغير أن تلاحظ بدقة و ذكاء ألوسائل و آلأساليب آلمستخدمة في عملية آلتغيير , و كذلك تجديدها و تفعيلها بالإتجاه آلمؤثر بجانب فهمه و هضمه لفكر آلمفكر لتحقيق آلهدف , و كذلك تفعيل شبكة آلإرتباطات و آلعلاقات بما يخدم و يناسب عملية آلبناء و آلتنمية آلفكرية بإتجاة تحكيم آلعدالة وآلمثل و آلقيم و آلأخلاق و إلا فإن وقوفه حياديا ستكون كارثة عليه أولا و على آلمنظر أو آلمفكر ثانيا .
إن آلأنسان آلعربي يعيش الاستبداد بامتياز لأنه يمر منذ ولادته أو حتى قبلها في مختبرات آلكبت و المنع و القمع و الترهيب و التخويف ، فما أن يشب رجلا حتى يصبح إما ضحية أو جلادا أو ممسوخا حتى و لو أكمل دراساته آلعليا في مجال من آلمجالات آلتخصصية و ما أكثرها بسبب حالة آلأمية آلفكرية ألمصاحبة له و فقدان إرتباطه بمنبع آلفكر و آلعطاء , و لذلك نجد الشعوب العربية تعيش حالة من الخذلان و الخوف و الرعب من المسؤول و الحاكم و شيخ العشيرة و مدير العمل و معلم المدرسة فالخوف و الرعب و تقديس الأشخاص إلى حد آلعبودية مفاهيم تنشأ و تترعرع في الذهنية العربية منذ الولادة و حتى الممات . و مما يزيد في آلمأساة مأساة هو تردي آلوضع آلإقتصادي في أغلب آلدول آلعربية رغم غناها و إمتلاكها للموارد آلطبيعية حيث يستغل آلحكام هذا آلأمر غيلة , ليصل آلإنحراف و آلظلم بأن يتوسل آلمواطن آلعربي ألمغلوب على أمره لقبوله ضمن واحدة من تلك آلأجهزة آلقمعية آلمتعددة بسبب رواتبها و أمتيازاتها آلعالية بأمر و إشراف آلدكتاتور نفسه أو من ينوب عنه في آلحكومة . و لمجمل ما ذكرنا يعاني آلمفكر من أزمات واقعية بسبب إنفراج آلناس عنهم و محاربتهم له بتوجيه من آلحكومات آلتي بيدها مصدر رزقهم , و هذا آلتعامل سيعمق في آلمحن و يجذرها لأن خسارة آلمفكر لا يكون فقط من خلال قتله – بل تكون أيضا عندما يمنع آلحكام وصول فكرهم إلى آلناس ليصاب آلجميع بغبن كبير . .
و لكن آلمفكريين لا يهزمون , لأنهم أصحاب مبادئ ورسالة و يؤمنون بان آلبقاء لما يؤسسون أو يكتبون ما دام فيه رضا آلله في تعالى , أما مماتهم فهي راحة لهم من كل شر و لئيم , و ليس للظالمين من أثر سوى أيام قلائل لا تعد شيئا في عمر آلزمن آلممتد بلا نهاية , و لذلك هم وحدهم يقررون بأقلامهم آلعملاقة و آلمثقفون معهم لا بد و أن يختاروا مصيرهم بدعم قراراتهم و تفعيل رؤاهم إذا ما اقتنعوا به و لا يحسبون حسابا للمجتمع أو أساليب السلطة بجميع أشكالها , فيتخذون طريقهم و يفعلون إرادتهم الحرة و يعززون حريتهم و يؤكدون إنسانيتهم ليمتلكوا زمام المبادرة في آلمجتمع لتحكيم آلعدالة و آلحرية و آلكرامة و آلأخلاق آلفاضلة , و ليس آلعكس . و هم (المفكرون) إن تعرضوا لقسوة السلطة أو إجحاف بعض فئات المجتمع من آلمستغليين لأموال و قوت آلناس أو حتى إلى إهمال آلمثقفين و عدم إكتراثهم - فإنهم يحسون بطعم إنسانيتهم التي تحررت من ربقة العبودية للآخرين أو حالة آلإجحاف أو آلجفاء ممن يحيط بهم لأنهم لا يصانعون إلا وجه آلله تعالى , فالإنسان يكون إنسانا و قريبا من آلله إذا ما كان حرا , و معرضا للظلم و آلإقصاء في آلوضع آلمتردي في مجتمعنا , و لذلك ينقل عن آلفيلسوف آلكبير محمد باقر آلصدر عندما كان في آخر أيامه محاصرا في بيته من قبل آلنظام و آلمجتمع آلعراقي حسب ما نقله آلشيخ آلنعماني : (بأن كسرات آلخبز آلباردة آلتي كان يأكلها كوجبة طعام هي ألذ ما تناولها في حياته لأن مذاقها كانت تشعره بلذة كبيرة وخالصة لله ) , فكلما قرر الإنسان بنفسه و ضمن قناعاته كلما تأكدت إنسانيته و تعززت أفكاره و تخلد ذكره و فاعليته في آلوجود على مر آلسنين ، و قد يداهن البعض من آلمثقفين - لضعف أخلاقيتهم و علاقتهم مع آلله بسبب توجههم و هوانهم - فيغيرو من قناعاتهم و أفكارهم و آرائهم و قراراتهم و سلوكياتهم لينالوا شيئا من متاع آلدنيا و ليكفوا أنفسهم شر القتال مع السلطة و المجتمع و الدولة , و هذا آلهوان و آلتنصل عن آلمسؤولية سيكون مردوداته آلسلبية قاسية و مؤلمة في نتائج آلعملية آلتغيرية كونهم يشكلون ثقلا في جسد آلمجتمع لأنهم سيقوضون حركة آلتغير آلمؤمل إحداثها و يكونوا سببا في آلبلاء و آلمحن , لذلك يجب تنبيههم بخطورة موقفهم و قرارهم , و إنهم سيفقدون ما كانوا يؤمنون به و لو بعد حين و سيخسرون آلكثير في آلدارين إن لم يفعلوا آلحق . و ليس هذا فقط بل سيعيشون حالة الانفصام و التناقض النفسي بين ما كانوا يرغبون به و بين ما يرغب به آلمتسلطون آلذين إستمالوهم , كما أنهم يعيشون حالة من النفاق و العذاب النفسي و الهواجس الدائمة و آلتي ستلقي بضلالها على كل من يرتبط بهم لتكون وزرا خطيرا في أبعاده و تأثيراته بين آلناس على مر آلزمن . إن من أهم عوامل آلنهضة في مجتمعنا هو لقاء الأحرار مع بعضهم و إتفاقهم لصياغة أفكارهم و التزاماتهم دون إكراه أو إجبار أو إلزام .. بل يستوجب لأن تكون الإرادة الحرة منطلقهم و الحوار وسيلتهم و التفكير طريقتهم و احترام الرأي الآخر شعارهم و العدالة منهجهم و آلحكمة ضالتهم و هداية آلناس غايتهم , و هذا هو آلمطلوب و هي آلحالة آلوحيدة آلتي تجعل أفكار آلمفكر قابلة للإنتشار وآلإنفراج لدرء آلمحنة , فهم يسلمون من المجاملات و النفاق الاجتماعي و الديكتاتورية و جميع الأمراض المعقدة التي تهلك المجتمع و تعيق تحرير فكر المفكر بعد أن إرتبط بواسطة آلنخبة بكل آلمجتمع تقريبا و هذه من أهم آلمسائل آلتي يجب على آلنخبة ألإنتباه إليها و إلا ستتكرر آلمآسي و آلمحن على آلجميع دون إستثناء . و نحن عندما نجد الشخصية الغربية مرتاحة نسبيا قياسا للشخصية آلعربية لأنها لا تحسب حساب رضى الآخرين عليها أو سخطهم في كل صغيرة و كبيرة بقدر ما تحسب حساب قناعاتها و متطلبات حريتها , لكن هذه آلشخصية كثيرا ما تتعرض هي آلآخرى إلى آلظلم من خلال أرباب آلعمل لأنها لا تمتلك زمام قوتها و مصدر رزقها , لكنها مع كل هذا فهى أفضل درجة من آلشخصية آلعربية لوجود شيئ من آلنضج و آلإنفتاح و آلقوانين آلوقائية بحدود آلنظام آلعام ألذي تأقلم معه من خلال أدق آلبرامج آلتعليمية بعد ما إتفق عليه آلجميع في ظل آلديمقراطية آلتي لا تعتنى و لا تؤكد في نتائجها و غايتها سوى على الإنتاج و رأس آلمال و رفع أرصدة آلشركات في آلإتجاه آلمادي فقط , و من هنا تبدأ نقطة خلافنا معهم و ليس محل حديثنا هنا , لأن آلمشكلة هو أن هذا آلوعي و هذه آلقدرة لا يملكها سوى أصحاب آلبنوك و آلشركات في آلغرب و آلطبقة آلليبرالية كوليد للمذهب آلتكنوقرطي ما هي إلا مؤسسة راعية لمصالح أصحاب آلمال و آلبنوك و آلشركات بشكل أفضل من آلمحافظين , و لكن رغم كل هذا فالطابع آلعام للشخصية آلغربية غير متناقضة بسبب تلك آلتربية آلمبرمجة و آلدقيقة .. ألمبدعة في آلعلم و آلتكنولوجيا بتزاوجها مع آلمال .. لكنها في نفس آلوقت تتجه نحو تأكيد آلذات آلإنسانية أي تأكيد (إصالة آلفرد) طبقا لمواصفات خاصة ضمن آلنظام آلغربي في تفسير آلأنسان و آلوجود على أساس آلمنافع آلمادية و آلتي تستبطن و تستجلب نوعا من آلظلم و آلإستغلال بل و حتى آلدكتاتورية آلتي لا تطفو على آلسطح بسبب غطائها آلديمقراطي , لكنها على آلأقل لا تسهم في قمع آلذات و آلإرهاب بشكل سافر كما هو حال بلادنا آلعربية إلا في حدود درء الشر عن الإنسان و منع الاعتداء على خصوصيته و حريته و حياته , لكننا لا ننكر وجود فضائح و أمراض خطيرة تجاوزت آلفردية لتكون ظواهر و علامات قد تكون مؤشرات لنقد آلنظام في أعماقه و أصوله , خصوصا عندما شرعت بالحروب و آلغزرات خارج أوطانها على مستوى آلعالم كله و هو ليس محل بحثنا و لكننا أشرنا لها كنتائج و قرائن مع آلفكر آلغربي . إننا نؤمن بشكل عام أن تحرر الشخصية و انعتاقها من سلاسل العبودية و آلعنف و الثقافة الاستبدادية و الرقابة المجتمعية البوليسية يؤدي بها إلى الإبداع و النجاح و التطور و تخليص الذهنية من عقدة الخوف من الآخرين و إرهابهم و استبدادهم و رقابتهم ضروري لعودة الإنسان إلى طبيعته و آلسعي لتحقيق ذاته , لذلك فإنه لا يهتم سوى إلى مورد رزقه ضمن نظام إقتصادي مستقر لا تهزه آلعواصف و آلأزمات .
إن مهمة الإنسان الرئيسة في آلمجتمع آلعربي يجب أن تتلخص في آلسعي لبلوغ آلكمال من خلال تملكه لحريته أولا , و آلإستناد على نظرية معرفية تطبعه على آلصفات آلحميدة للوصول إلى مكارم آلأخلاق ثانيا , ليكون فعله مؤثرا و فاعلا في عملية آلبناء و آلسعي و آلكدح لأنها تستند على خلفية عقائدية متكاملة و رصينة تقل معها نسبة آلإنحراف و آلخطأ لدرجة آلصفر أي يكون معصوما و لو من آلناحية آلعلمية إن لم ترافقها آلعصمة آلتشرعية بكل معناها في حال تثقفه , بل يكون مثل هذا آلمثقف آلمفكر سعيدا حتى لو اتخذ قرارا تبعه بعض آلفشل و هو أمر يستحيل وقوعه بنظري , لأن آلمفكر لا يكون مفكرا إذا لم يصل آلحكمة في وجوده لكونه رائد آلطريق للأجيال , و منبئ للوقائع و آلأحداث , مستعينا بالتجربة الإنسانية المستمرة منذ آلاف السنين بجانب آلعلم و آلتسديد آلإلهي كمؤشرات تدله إلى آلحق وتقلل من أخطائه في نهج آلحياة و آلكفاح ضد آلظلم , و لسنا هنا بصدد نقد أو تقييم منهج آلمفكرين في آلغرب و ألذين إعتبروا أنفسهم أو إعتبروهم أسياد آلعلم و آلمعرفة بعد آلنهضة آلأوربية , أو معيارا للتقدم لدى بعض آلمتأثرين بها حد آلإنبهار , و إنما إنبهارهم جاء بسبب ما لاقاه من آلمحن في مجتمعنا آلعربي لسفاهة و عمالة حكامها آلذين ما عملوا إلا بما يصب في صالح آلغرب , فقد أشرنا في مباحث عديدة إلى أن آلغرب ( أكثرهم ) آمنوا بنهج و مذهب معين و أعلنوه على آلملأ آلعام و إتخذوه طريقا لحياتهم و لولا إعتمادهم على نتاج آلمفكرين آلمسلمين ما كان بامكانهم أن يتوصلوا إلى ما وصلوا إليه خصوصا في آلجانب آلمادي و آلتكنولوجي , أما مدى توفيقهم أو فشلهم لنيل آلسعادة في آلحياة عموما فهذا موضوع آخر و عميق و يحتاج إلى دراسات منفصله قد نبحثها في مجال آخر إنشاء آلله . و آلقدر آلمعروف هو أنهم في حيرة واقعية في تنظيم آلجانب آلإجتماعي و حتى آلإقتصادي بدليل آلأزمات آلكبرى آلتي أصابهم , و قد يصل أمرهم فيها إلى طريق مسدود عاجلا أم آجلا حسب تصاريح كبار علماؤهم و منظريهم لأن آلعيب حسب قول (روجرز تيري) : {هو في آلنظام و أن محاولاتنا تنحصر في آلسعي لتغيير نتائج ذلك آلنظام لا آلنظام نفسه} .
إن آلمنهج آلإلهي يؤكد أول ما يؤكد على نيل آلحرية آلإنسانية من خلال آلعبودية لله تعالى من دون كل آلأصنام و آلمؤثرات آلمادية و آلأرضية و هي نقطة آلإفتراق مع غيرنا , لان عكسها تسبب ذل آلإنسان و خضوعه , و من هنا يأتي تعارضنا مع آلمنهج آلغربي في تأسيس آلنظام آلإجتماعي آلأمثل و تفرعاته في آلمجتمع . لأن توحيدنا كأصل يؤكد رفض آلعبودية إلا لله , و توحيدهم في آلغرب من خلال آلمادة(ألدولار) و ما دونه لا إعتبار له مما يعمق آلعبودية لغيرآلله و من هنا جاء شعارهم على آلدولار آلأمريكي ( نحن نثق بالله ) كهدف غائي في مسعاهم و فلسفتهم في آلحياة و عملهم هو مصداق لشعارهم .
عدلنا يؤكد تقسيم آلثروات لكل أبناء آلمجتمع دون تمييز بين آلحاكم و آلمحكوم بين آلسيد و آلعبد .. و عدلهم يعمق آلطبقية آلرأسمالية في آلمجتمع بشكل بشع , بحيث جعلوا لكل إنسان درجة و مستوى من خلال ما يملكه من آلمال . و هكذا بقية آلقيم و آلمفاهيم آلطبقية , خاصة في آلمجال آلوظيفي فيكون صاحب آلإختصاص له آلكلمة آلفصل دون آعتبار اهمية لإلتزامه آلخلقي و آلأدبي , و عندنا لا يكفي آلإختصاص آلعلمي وحده بل لا بد و أن يكون آلعامل أمينا و مخلصا في أداء رسالته في آلحياة لدرأ آلمفاسد و آلظلامات , أي توفر آلكفاءة و آلأمانة معا , و هكذا نختلف معهم في كثير من آلإصول و آلمبادئ , و لا يعنى تفوقهم آلحالي نسبيا في آلتكنولوجيا أفضليتهم في منهاج آلحياة لتحقيق آلسعادة و آلعدل , و إنما مشكلتنا تكمن في حالة آلغبن آلتي أصابت آلإنسان آلعربي (آلمسلم) بسبب تسلط حكومات فاسدة عليها و آلتي عطلت مشاريع آلتنمية , و في مقدمتها آلتنمية آلفكرية ففقدت آلأمة نظرية آلمعرفة آلتي تتأسس بموجبها كل علوم آلحياة و آلنظام , و من هنا تبدء أو تنتهي محنة آلمفكر آلعربي .. تنتهي عندما لا يفرض آلحكام رأيهم و ترفع عنهم آلخطوط آلحمر , و تبدأ عندما يضع آلحكام عليهم آلقيود و آلخطوط آلحمر و هذه هي آلمعادلة آلصعبة آلتي حددت و ما تزال وضعنا آلعربي آلراهن . ولا حول و لا قوة إلا بالله آلعلي آلعظيم .
alma1113@hotmail.com