Tuesday, March 26, 2024

الستر .. له تفسيران:

الستر له تفسيران سياسي يتعلق بمصالح الطبقة السياسية حيث يجب التستر على الفضائح و طمطمتها؛ و ستر قانوني يتعلق بمن يقف مقابل فساد الطبقة السياسية .. يعني يجب التستر على الفاعل و فضح الشاهد و معاقبته بأشد العقوبات. الستر له تفسيران في مبادئ الساسة المتحاصصين؛ فإذا كان يتعلق بأخلاق و شرف المسؤول المتحاصص كفضيحة عميد جامعة البصرة ؛ فأن الأمر هنا يختلف و يجب التستر على الفضيحة لحفظ ماء وجه الرئيس .. أما لو كان الأمر يتعلق بمعارض أو مظلوم يطالب بحقه ؛ فيجب التشهير به بل و قتله إن أمكن بلا فضائح ..و هنا لا معنى للستر .. لأنه عمل فضيع يمس مصالح الطبقة السياسية. هذا الأمر يذكرنا بمسألة سرقة أموال البلاد و العباد خلال العقدين الماضين و بعد ما إنكشف ديدن الطبقة السياسية بكونهم أناس حرامية ؛ نراهم إبتدعوا فتاوى لا تقبلها كل الأديان و ليس الأسلام فقط ؛ بكون الأموال المسروقة أموال لا يعرف صاحبها .. و الحال أن تلك الأمول عائدة لخمسين مليون مواطن يشتركون فيها لأنها من بيت المال و هنا يكون الامر أصعب بكثير فيما لو كانت السرقة من شخص أو من جماعة معينة!. مثلما في السابق روّجوا لفكرة ” المال العام صاحبه مجهول “حتى يشرّعنوا لعمليات نهب المال العام من قبل أحزاب المحاصصة الطائفية الفاسدة ، فالآن أخذوا يروّجون لفكرة ” الستر ” * بعد انفجار دوي لفضيحة عميد كلية الحاسوب في جامعة البصرة وهو مختلي بطالبة جامعة في وضع جنسي ساخن ــ حسب الفيديو ــ ، مطالبين بالسكوت عن هذا السلوك الإجرامي الشائن تحت ذريعة ” الستر” ** ، وبالطبع ليس بسبب روحية التسامح والنزعة الإنسانية المفرطة ، إنما لكون هذا العميد محسوب على هؤلاء الإسلاميين .. بينما المسألة هنا ليست مسألة أخلاقية فقط قد تمس شرف الطالبات فحسب وإنما قد تشكل تهديدا خطيرا على مستوى التربية و التعليم في المدارس والجامعات العراقية ، إذ أن الحصول على الدرجات العالية والشهادات الجيدة ستكون مرهونة بتقديم ” خدمات جنسية ” للاستاذة من قبل الطالبات الجامعيات بهدف النجاح ، لتكون بديلا عن الدراسة الجادة والشهادة العلمية الحقيقية المُحرِزة عن جهد وتعب ومثابرة مطلوبة وضرورية في كل الأحوال .. أما التصدي لهذا السلوك الإجرامي بمزاعم الستر ى والسكوت عنه مرضاة لوجه الله ، حسبما يزعمون ، فما هو في حقيقة الأمر إلا امتدادا بل ودليلا لممارسات وخطوات مقصودة تصب في تخريب كل ما هو قد يكون جيدا ومفيدا للعراق ، بما في ذلك حقل التربية والتعليم ، مثلما جرت سابقا عمليات تخريب متعمدة في قطاع الصناعة والزراعة والثقافة والفنون وعلى مستوى السلوك العام و الثوابت والقيم الاجتماعية المعتدلة .. أم أنهم نسوا كيف كانوا يقتلون قبل سنوات قريبة نساء و فتيات لمجرد كونهن سافرات و متبرجات أو عاملات في صالون الحلاقة النسائية ؟.. ولكن الستر و ما أدراك ما الستر ؟ ، عندما الأمر يتعلق ب”أخوة مجاهدين إسلاميين أقحاح ” من لصوص ومديري ملاهي الليل و ناشري الفساد في الجامعات .. هوامش ومتون : ( عن الامام الصادق عليه السلام ( من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة) **(فضيحة العميد” تهز الشارع العراقي.. رئيس جامعة البصرة يعلق l 24 مارس 2024 – 16:56 بتوقيت أبوظبي علق رئيس جامعة البصرة على الفيديوهات المنتشرة، والتي تظهر عميد إحدى كليات الجامعة، وهو في أوضاع مخلة مع طالبات، في واقعة هزت الشارع العراقي الأسبوع الماضي. وعلق رئيس جامعة البصرة، مهند جواد كاظم، على الحادثة، في بيان: “شاهدنا استخدام صور لشخصيات من نساء الجامعة تؤدي عملها في الوظيفة أو التدريس أو الدراسة، وقد تم استخدامها بطريقة غير ملائمة على منصات التواصل الاجتماعي”. وعبر كاظم عن رفض الجامعة القاطع “لهذا التقليد والتزوير في استخدام الصور لهذه الأغراض الدنيئة”. واعتبر أن “هذا العمل انتهاك صارخ للحقوق الشخصية والمهنية”، مؤكدا اللجوء إلى الجهات المختصة لـ”اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة ضد أي شخص أو جهة تقوم بالتشهير أو استخدام الصور بشكل غير مشروع”. وطالب وفق البيان، بـ”إزالة الصور فورا من المنصات التي تم نشرها عليها، داعيا جميع الأطراف المعنية إلى التعاون والامتناع عن إساءة استخدام الصور بطريقة غير مشروعة”.

أنصاف المثقفين سبب دمار المجتمع الأنساني :

أنصاف المثقفين سبب دمار المجتمع الأنساني؛ كان الحق تماماً مع إفلاطون و إستاذه سقراط حين حدّدا شخصية السياسي يجب أن تكون مميزة من الناحية الفكرية و العلمية, و وجه الحقّ في رأيهم يبدء من كونهم إن أخطؤوا في قرار و لو صغير و محدود ؛ فأن تبعاته و تأثيراته و إنعكاساته سيتعمم على الجميع .. و ربما يشمل كل المجتمع البشري, حتى يتم كشفه بعد الأدلة المؤيدة لذلك, لكن لا يمر الأمر (الخطأ) كما هو الحال مع عامل أو موظف عادي و الذي يمكن تدارك خطئه و فساده بأقل الخسائر المادية و المعنوية و ربما حتى بدون خسائر .. إن فساد المسؤول أو النائب أو الرئيس يتعدى أحيانأً الكثير من المساحات التي تأثرت بذلك القرار الخاطئ , بحيث يؤدي إلى التفرقة في الأمة و تقطيع أوصالها و بآلتالي هزيمتها أمام أبسط عدوان أو حادث أو تطور معي, وهذا ما حدث مع الكثير من الأمم التي كانت في وقت معين موحدة لكنها تفرقت و أصبحت شيعا و أحزاب بسبب السياسيين أنصاف المثقفين, وهذا ما حدث مع أمتنا العربية و الأسلامية, و للآن هناك عداء و خصام خصوصا بين القوميات المختلفة الأسلامية كآلعرب و العجم و الترك و الديلم و غيرهم .. كل ذلك بسبب عدم وضوح الرؤية و بآلتالي القرار الذي يصدر و يحاول الناس و في مقدمتهم الحكومات من تطبيقها ؛ فإذا بهم يتسببون في كوارث لا تحمد عقباه .. بل قد لا يبق لها حلّ!؟ إن افتراق الأمة كان بسبب هؤلاء "المُنَصِّـفين" الذين يأخذون بالنصف ويتركون النصف الآخر، فالخوارج مثلاً أخذوا آيات الوعيد وتركوا آيات المغفرة، والمرجئة أخذوا آيات المغفرة وتركوا آيات الوعيد .

الشر السياسيّ : من إيريك ديسيل إلى بول ريكور .

مبحث الشرّ السياسي: من إيريك ديسيل إلى بول ريكور. قراءات ودراسات ترجمة: عبد الوهاب البراهمي 1- الفساد الأصلي للسياسة- إيريك ديسيل [ 1.1.1] من الضروريّ حتى نوضّح المجال الوضعي، أن نلج النقاش بفحص السياسيle politique فيما “ليس هو “. ليس السياسيّ أيّ مكوّن من مكوناته، بل هو الأحرى مجموعها. فليس المنزل بابا وحائطا أو سقفا فحسب. وأن نقول بأنّ السياسيّ هو أحد مكوّناته معزولة، فذاك يمثّل اختزالا ملتبسا، بل وجب وصف السياسيّ في كليته. لكن، حتى لو اعتبرناه في كليته، فذلك لا يعني أن توجد منازل سيئة، منازل لا يمكننا العيش فيها، منازل صغيرة جدّا، وغير صالحة الخ..وكذا الحال في السياسة. [1.1.2] إنّ السياسيّ بما هو كذلك يلحقه الفساد بوصفه كليّة عندما تشوّه وظيفته الأساسية أو تدمّر من أصلها، في منبعها. ومن الضروريّ، استباقا لما سنفسّره فيما بعد، أن ينتبه أولئك الذين يبدؤون التفكير في معنى السياسيّ، إلى انحرافه المبدئيّ الذي قد يؤدّي إلى فقدان كليّ لوجهة كلّ عمل أو مؤسّسة سياسيّة. [1.1.3] إنّ الفساد الأصلي للسياسيّ، الذي نسمّيه صنمية السلطة fétichisme du pouvoir ، يتمثّل في أنّ الفاعل السياسيّ (أعضاء المجموعة السياسية، سواء أكانوا مواطنين أو نوّابا) يؤمن باستطاعته الإقرار بأنّ ذاتيته الخاصّة أو المؤسسّة التي يؤدّي فيها وظيفة (والتي تخوّل له أن يسمّى “موظّفا”، سواء كان رئيسا، نائبا برلمانيا أوقاض أو عسكريّ أو شرطيّ، هو حيّز أو مصدر السلطة السياسيّة. إذن، فالدولة مثلا ، التي تدّعي بكونها ذات سيادة، وبكونها الهيئة العليا للسلطة تمثّل صنمية سلطة الدولة وفساد كلّ الذين يزعمون ممارسة سلطة الدولة بهذا المعنى. وإذا كان أعضاء الحكومة مثلا، يعتقدون أنّهم يمارسون السلطة بموجب نفوذهم الذاتيّ المرجع autoréférentielle (أي يردّ إلى ذواتهم)، فإنّ سلطتهم إذن فاسدة. [1.1.4] لماذ؟ لأنّ ممارسة السلطة لكلّ مؤسسة (من الرئيس إلى الشرطيّ) أو لكلّ وظيفة سياسيّة (حينما مثلا، يتجمّع المواطنون في “تجمعات مفتوحة” أو ينتخبون ممثّلا لهم) له مرجعية أولى ونهائية هي سلطة الجماعة السياسيّة (أو الشعب بالمعنى الدقيق). فعدم ردّ علاقة الممارسة المفوّضة للسلطة المُحدّدة لكل مؤسسة سياسيّة، إلى السلطة السياسية للجماعة (أو الشعب) بل استبعادها، وقطعها، يؤدّي إلى إطلاقية، وتقديس وفساد ممارسة سلطة الممثّل représentant وأيّ كانت وظيفته. [1.1.5] الفساد مزدوج: فساد الحكومة التي تعتبر نفسها بمثابة الموقع السيادي للسلطة، وفساد الجماعة السياسية التي تسمح به، وتقبل به وتصير خادمة له بدل أن تكون فاعلة في هدم السياسيّ (أعمال، مؤسسات ومبادئ). إنّ النائب الفاسد بإمكانه استخدام سلطة مؤلّهة من أجل لذّة تكريس إرادته، بوصفها غرورا متباهيا، وتسلّطا استبداديا، وسادية تجاه أعداءه أو بوصفها تملّكا غير قانونيّ للخيرات والثروات. وأيّ كانت المنافع الظاهرة المتاحة للقائد الفاسد إذ لا يكمن الأسوأ في الخيرات المكتسبة، على نحو مشروع، بل في انحراف قصده بوصفه ممثّلا: ذاك الذي يستخدم أو يمارس السلطة على وجه الموالاة لصالح الجماعة، ليتحوّل إلى “مصّاص دماء” ، إلى طفيليّ يضعف الجماعة السياسيّة إلى حدّ إخمادها. إنّ كلّ كفاح يخاض من أجل منافع خاصّة (سواء تعلق الأمر بفرد مثل ديكتاتور؛ أو بطبقة مثل البورجوازية؛ أو بنخبة مثل “البيض المولودين في المستعمرات”créoles أو بـ” قبيلة” مثل ورثة تسويات سياسية قديمة) يتعلّق بالفساد السياسي.”. إيريك ديسيل “عشرون أطروحة في السياسي” (المقدمة الأطروحة 1 )– ترجمة مارتين لوكور- شونتوكاي ونوهورا غوماز- فيللامارين- هرتمان 2018 2- السلطة والشرّ – بول ريكور هناك اغتراب سياسي مخصوص لأن السياسي مستقل. إنه الوجه الآخر للمفارقة التي لابدّ من توضيحه الآن: بيت القصيد هو أن الدولة إرادة . يمكن أن نلحّ قدر ما نشاء على المعقولية التي يمنحها السياسي للتاريخ ـ هذا حق ـ؛ لكن إذا كانت الدولة معقولة الغاية، فإنها تتقدّم في التاريخ بفعل القرارات. ليس من الممكن أن لا نُدخل في تعريف السياسي فكرة القرارات ذات المدى التاريخي، أي تلك التي تغيّر بصورة دائمة مصير جماعة إنسانية تنظمها الدولة وتوجّهها. فالسياسيّ تنظيم معقول، والسياسي قرار: تحليل محتمل للأوضاع، ورهان محتمل على المستقبل. لا يستقيم السياسي دون سياسة. يحمل السياسي معناه بعد أن يفوت أوانه، في التفكير، في “الاستذكار”، في التنقيب، في المشروع، أي في قراءة محتملة للأحداث المعاصرة وفي الآن نفسه في حزم الحلول. لأجل ذلك إذا كانت الوظيفة السياسية والسياسي بلا تناوب، أمكن أن نقول في معنى ما أن السّياسي لا يوجد إلا في اللحظات الحاسمة، في “الأزمات”، في “المنعطفات”، وفي مفاصل التاريخ. ولكن ليس من الممكن تعريف السياسي دون إدراج اللحظة الإرادية للقرار. وليس من الممكن أبدا الحديث عن ” قرار سياسي” دون التفكير في السلطة.من السياسيّ إلى السياسة، نمر من تولّي السلطة إلى الأحداث، من السيادة إلى صاحب السيادة، من الدولة إلى الحكم، من العقل التاريخي إلى السلطة. هكذا تظهر خصوصية السياسي في خصوصية وسائله؛ فالدولة منظورا إليها من جهة السياسة، هي الحكم الذي يحتكر الإرغام الفيزيائي الشرعي؛ وتشهد صفة شرعي بأن تعريف الدولة بوسيلتها المميّزة يحيل إلى تعريف الدولة ذاتها بغايتها وشكلها؛ ولكن، إذا حدث أن تطابقت الدولة، صدفة، مع أساس شرعيتها، ـ كأن تصير مثلا سلطة القانون ـ فإن هذه الدولة ستكون أيضا محتكرة للإرغام. ستكون أيضا سلطة البعض على الجميع؛ وستضمّ أيضا شرعية، أي سلطة أخلاقية للإلزام، وعنف لا راد له، أي سلطة مادية للإرغام. هكذا ندرك فكرة السياسة بالذات في كل اتساعها؛ نقول إنها مجموع الأفعال التي موضوعها ممارسة السلطة، وبالتالي الاحتكار والحفاظ على السلطة أيضا؛ ورويدا رويدا قد يصير سياسة كل نشاط تكون له غاية أو حتى ببساطة نتيجة هي التأثير على توزيع السلطة. إنها السياسة ـ السياسة محددة بالرجوع إلى السلطة ـ هي التي تطرح مشكل الشرّ السياسي. يوجد مشكل الشر السياسي لأن هناك مشكل مخصوص للسلطة. و ليس لكون السلطة هي الشر، بل لأن السلطة تعني عظمة الإنسان وهو خاضع تماما للشرّ؛ وقد يكون في التاريخ أكبر مناسبة للشرّ وأكبر برهنة عليه. وذلك لأن السلطة شيء عظيم؛ ولأنها (أي السلطة) هي أداة المعقولية التاريخية للدولة. ولا يجب في أي حال من الأحوال إسقاط هذه المفارقة. إن هذا الشرّ المخصوص للسلطة قد أقر به أعظم المفكرين السياسييين ومعهم مجموع هائل. أنبياء بنو إسرائيل وسقراط القورجياس يلتقون في هذه النقطة؛ أمير ماكيافللي، نقد ماركس لفلسفة الحق لهيجل، الدولة والثورة للينين، و….تقرير خورتشوف، هذه الوثيقة الممتازة عن الشر في السياسة- جميعها تقول نفس الشيء، في سياقات لاهوتية وفلسفية مختلفة جوهريا. ويشهد هذا التقارب ذاته باستقرار الإشكالية السياسية عبر التاريخ والذي نفهم نحن، بفضله، هذه النصوص كحقيقة لكل الأزمان. والملفت للنظر أن أقدم نبؤة توراتية مكتوبة، نبؤة “آموس” تدين بالأساس جرائم سياسية لا أخطاء فردية. وحيثما يستهوينا النظر إلى ذلك كمجرد آثار لفكرة فاسدة للخطيئة الجماعية، سابقة لفردنة العقاب والخطأ، يجب معرفة حصريا إدانة شر السياسة كشر للسلطة؛ إن الوجود السياسي للإنسان هو الذي يمنح للخطيئة بعدها التاريخي، قوتها المكتسحة، وإذا أمكن أن نقول، عظمتها. يمر موت المسيح، كما موت سقراط، عبر فعل سياسي، بمحاكمة سياسية، إنه حكم سياسي، ذاك الذي هو ذاته يضمن بنظامه وهدوءه النجاح التاريخي للإنسانيhumanitas والكوني، luniversalitas، إنها السلطة السياسية الرومانية هي التي رفعت الصليب: ” لقد عانى تحت جكم “بونس بيلات” ponce pilate” وهكذا تظهر الخطيئة في السلطة وتكشف السلطة طبيعة الخطيئة التي ليست متعة، بل كبرياء القوة، داء التملك والسلطة. لايقول الجورياس شيئا غير هذا، بل يمكن أن نقول إن الفلسفة السقراطية والأفلاطونية نشأت في جانب منها عن التأمل في “الطاغية”، أي عن الحكم بلا قانون ودون رضا من قبل الرعايا. كيف يكون الطاغية- نقيض الفيلسوف- ممكنا؟ إن هذا السؤال يمسّ صميم الفلسفة لأن الاستبداد ليس ممكنا دون تزييف للكلام، أي لهذه السلطة الإنسانية بامتياز، سلطة قول الأشياء والتواصل مع البشر. يرتكز كل الحجاج الأفلاطوني في القورجياس على التقاطع بين انحراف الفلسفة الذي تمثله السفسطة وانحراف السياسة التي يمثله الاستبداد. يشكل الاستبداد والسفسطة زوجا مريعا. وهكذا يكتشف أفلاطون وجها لشر السياسة مختلفا عن القوة، ولكنه شديد الصلة بها، هو” المغالطة”، أي فنّ اغتصاب الإقناع بوسائل أخرى غير الحقيقة؛ وهذا يذهب بنا بعيدا، فإذا صحّ أن الكلام هو الوسط، مميّز الإنسانية، اللوغوس الذي يجعل الإنسان شبيها بالإنسان ويؤسس التواصل، فإن الكذب والتملق، واللاحقيقة- الشرور السياسية بامتياز- تهدم الإنسان إذن من الأساس الذي هو كلام، خطاب وعقل. هذا إذن تأمل مزدوج في كبرياء القوة وفي اللاحقيقة اللتان تكشفان عن شرور متصلة بماهية السياسة. غير أني أجد هذا التأمل المزدوج في هذين الأثرين العظيمين للفلسفة: الأمير لماكيافللي والدولة والثورة للينين، اللذان يشهدان باستمرار إشكالية السلطة عبر حقيقة أشكال الحكم، بتطور التقنيات وتحولات التشريطات الاقتصادية والاجتماعية. فلمسألة السلطة، وممارستها وامتلاكها ودفاعها واتساعها، استقرار مدهش يحمل على الاعتقاد في استمرار طبيعة إنسانية. قد قيل الكثير عن “الماكيافللية”، ذمّا؛ ولكن إذا شئنا أن يحمل الأمير، كما يلزم، على محمل الجدّ فسنكتشف أننا لن نتجنب بيسر مشكله الذي هو بالتحديد تأسيس سلطة جديدة لدولة جديدة. إن الأمير هو المنطق العنيد للعمل السياسي؛ إنه منطق الوسائل، التقنية الخالصة للحيازة والمحافظة على السلطة؛ وهذه التقنية تهيمن عليها تماما العلاقة السياسية الأساسية صديق- عدو، العدو الذي يمكن أن يكون خارجيا أو داخليا، شعب، نبالة، جيش أو مستشار وكل صديق يمكن أن يصير عدوا والعكس بالعكس؛ وتتحرك هذه التقنية فوق مجال واسع يبدأ من القوة العسكرية إلى مشاعر الخشية والاعتراف، الانتقام والوفاء. إن الأمير بمعرفته كل نتائج القوة، الجسامة والتنوع والألاعيب المتباينة لبطانته ،سيكون خبيرا استراتيجيا وعالم نفس، أسد وثعلب. هكذا يطرح ماكيافللي المشكل الحقيقي للعنف السياسي، الذي ليس هو بعنف عقيم ،عنف الاعتباطي والجنون، إنما عنف محسوب ومحدود، مقدر بالذات بهدف تشييد دولة مستمرة. ومن شك يمكن أن نقول، أنه بهذا الحساب يخضع العنف المؤسس لحكم الشرعية المؤسسة؛ غير أن هذه الشرعية المؤسسة ، هذه “الجمهورية” تتّسم منذ النشأة بالعنف الذي نجح. هكذا نشأت جميع الأمم، كل السلطات وكل النظم؛ و انصهرت نشأتها العنيفة في الشرعية الجديدة التي ولدتها، إلا أن هذه الشرعية الجديدة تحتفظ بشيء ما من العرضي، من التاريخي تحديدا، لا تكفّ نشأتها العنيفة عن إفادتها به. لقد كشف ماكيافللي للعيان علاقة السياسة بالعنف؛ وهنا تكمن نزاهته وصدقه. وبعد قرون عديدة يعود ماركس ولينين إلى مبحث يمكن أن نقول إنه أفلاطوني، مشكل “الوعي الزائف”. ويبدو لي بالفعل أن أهم ما في النقد الماركسي للسياسة والدولة الهيجيلية، ليس تفسيرهما (أي ماركس وليين) للدولة بعلاقات القوة بين طبقات، وبالتالي اختزال الشر السياسي في شر اقتصادي – اجتماعي، إنما وصف هذا الشر كشر خاص بالسياسة؛ بل أعتقد أن أعظم بلية تصيب كل عمل الماركسية- اللينينية وترزح على كل النظم التي ولدتها الماركسية، هي هذا الاختزال للشر السياسي في شر اقتصادي؛ من هنا جاء وهم مجتمع متحرر من تناقضات المجتمع البورجوازي سيتحرر أيضا من الاغتراب السياسي. غير أن الأساسي في نقد ماركس (ج.و.كالفاز” فكر كارل ماركس، الفصل المتعلق بالاغتراب السياسي.) هو أن الدولة ليست هي ما تدعيه وما لا تقدر أن تكونه. ماذا تدعّي؟ إذا كان هيجل على صواب، فإن الدولة هي المصالحة، المصالحة في حقل أرفع من المصالح والأفراد، غير القابلة للتوفيق بينها في مستوى ما يسميه هيجل المجتمع المدني، لنقل مصالحة على الصعيد الاقتصادي- الاجتماعي. إن عالم العلاقات الخاصة غير المنسجم محكوم ومعقلن بالحكم الأعلى للدولة. فالدولة هي الوسيط وهي إذن العقل. ويدرك كل منا حريته كحق من خلال حكم الدولة. هذا ما يعنيه سياسيا أنني حرّ. وفي هذا المعنى يفهم هيجل أن الدولة نيابية: توجد في التمثيل والإنسان يمثل فيها. إن الأساسي في نقد ماركس هو فضح وهم قائم في هذا التمثيل؛ كون الدولة ليست العالم الحقيقي للإنسان، ولكن عالم آخر لاواقعي؛ لا يحل التناقضات الواقعية إلا في حق خيالي هو بدوره في تناقض مع العلاقات الواقعية بين البشر. وانطلاقا من هذا الأكذوبة الأساسية ، من هذا التنافر بين الإدعاء والموجود الحقيقي سيعثر ماركس من جديد على مشكل العنف. ذلك أن السيادة ليست كون الشعب في واقعه العيني إنما في عالم آخر منشود، ملزم بأن يسند بدعامة صاحب سيادة فعلي، عيني، ملموس.فمثالية الحق لا يحتفظ بها في التاريخ إلا بواقعية الاعتباطي لدى الأمير. هذا هو مجال السياسي الذي ينقسم إلى مثالي السيادة وواقع السلطة، إلى السيادة وصاحب السيادة، إلى الدستور والدولة، بل الشرطة. ولا يهم كثيرا أن ماركس لم يعرف إلا الملكية الدستورية؛ فتفكك الدستور والملكية، وتفكك الحق والعرضي، هو تناقض داخلي لكل سلطة سياسية. ويصدق هذا أيضا على الجمهورية. انظروا كيف أنه في السنة الماضية سلبت أصواتنا من طرف سياسيين بارعين قلبوا السلطة القائمة ضدّ سيادة الجسم الانتخابي؛ يميل صاحب السيادة دوما إلى التحايل على السيادة؛ إنه الداء السياسي الجوهري. لا توجد دولة دون حكم، دون إدارة وشرطة؛ ثم ألا تخترق ظاهرة الاغتراب السياسي كل الأنظمة، عبر كل الأشكال الدستورية؟ والمجتمع السياسي هو الذي يحمل هذا التناقض الخارجي بين عالم مثالي لعلاقات الحق وعالم واقعي لعلاقات جماعية وهذا التناقض الداخلي بين السيادة وصاحب السيادة، بين الدستور والسلطة، وفي النهاية الشرطة. إننا نحلم بدولة يحل فيها التناقض الجوهري الذي يوجد بين كونية تنشدها الدولة وبين ما يلحقها في الواقع من الجزئية والعرضي؛ والداء هو أن هذا الحلم صعب المنال. ومن المؤسف أن ماركس لم يلحظ الطابع المستقلّ لهذا التناقض؛ لقد رأى فيه مجرد بنية فوقية، أي تغيير موضع، على صعيد مضاف، لتناقضات تنتمي لمستوى تحتي للمجتمع الرأسمالي وفي النهاية أثرا لتناقض الطبقات. فالدولة ليست إذن إلا أداة عنف الطبقات، في حين أن للدولة دوما هدفا، مشروعا يتجاوز الطبقات وأن تأثيرها السيئ هو المقابل لهذا الهدف العظيم. ولكون الدولة مختزلة هكذا في أداة قمع بيد الطبقة المهيمنة، فإن وهم الدولة في أن تكون مصالحة كونية ليس إلا حالة خاصة لهذه العلة للمجتمعات البورجوازية التي لا تقدر على تحمّل فشلها أو حلّ تناقضاتها إلا بالهروب إلى الحلم بالحقّ. وأعتقد أنه يجب أن نحتفظ، ضد ماركس ولينين بأن الاغتراب السياسي ليس قابلا للاختزال في غيره، ولكنه مقوم للوجود الإنساني، وفي هذا المعنى، فإن نمط الوجود السياسي يحتمل انفصال الحياة المجردة للمواطن عن الحياة العينية للأسرة والعمل. وأعتقد أيضا أننا ننقذ هكذا أفضل ما في النقد الماركسي، الذي يلتحق بالنقد الماكيفللي، الأفلاطوني والتوراتي للسلطة. ولا أريد من حجة على هذا غير تقرير خورتشوف؛ وما يبدو لي أساسيا، هو أن النقد الذي قام به ستالين ليس له من معنى إلا إذا كان اغتراب السياسة اغترابا مستقلا، غير قابل للاختزال في اغتراب المجتمع الاقتصادي. وإلا، فكيف يمكننا نقد ستالين والاستمرار في استحسان الاقتصاد الاشتراكي والنظام السوفيتي؟ فلا إمكان لتقرير خورتشوف دون نقد للسلطة وعيوبها. ولكن بما أن الماركسية لا تترك مكانا لإشكالية مستقلة للسلطة، نلجأ إلى الحكاية وإلى النقد الأخلاقوي. لقد كان توقلياتي صريحا جدا يوم أن قال إن تفسيرات خورتشوف لا ترضيه وأنه يتساءل كيف أمكن أن توجد ظاهرة ستالين في النظام السوفيتي. ولا يمكننا أن نمنحه الجواب على هذا التساؤل، لأن الجواب لا يمكن أن ينتج إلا عن نقد للنظام الاشتراكي الذي لم يحدث والذي قد لا يحدث في إطار الماركسية، على الأقل بموجب أن الماركسية تختزل كل أشكال الاغتراب في الاغتراب الاقتصادي والاجتماعي. أود أن يكون واضحا مرة واحدة إلى الأبد أن مبحث الشر السياسي الذي وقعت إثارته لا يعبر بالمرة عن نزعة”تشاؤمية” سياسية و لا يبرر أيّ “انهزامية” سياسية. زد على ذلك، فالنعوت “تشاؤمية” “وتفاؤلية” لابد أن تستبعد من حقل التفكير الفلسفي. والتشاؤمية والتفاؤلية هي أمزجة ولا تعني إلا علم الطبائع أي أنه لا دخل لها هنا. غير أن الشفافية إزاء شر السلطة لا يمكن أن تنفصل عن تفكير شامل في السياسي؛ بيد أن هذا التفكير يكشف أن السياسة لا يمكن أن تكون مجالا لأعظم شر بموجب مكانتها البارزة في الوجود الإنساني.إن عظمة الشر السياسي هي بقدر الوجود السياسي للإنسان. وإنه يجب، أكثر من أي شيء آخر، على تأمل في الشر السياسي يقربه من الشر الجذري والذي يجعل منه التقريب الأقرب ما يكون منه، أن يظلّ غير قابل للفصل عن تأمل في دلالة للسياسة هي جذرية بحد ذاتها.وكل اتهام للسياسة بالسوء، اتهام في حد ذاته باطل، مغرض، سيء، سها عن حذف هذا الوصف في بعد الحيوان السياسي. إن تحليلا للسياسة كمعقولية للإنسان شغالة، ليست ملغاة، ولكن مفترضة باستمرار من قبل تأمل في الشر السياسي. بل إن الشر السياسي على النقيض، لا يكون جديا إلا لأنه شر هذه المعقولية، الشر المخصوص لهذه العظمة المخصوصة. إن النقد الماركسي للدولة بشكل خاص لا يلغي تحليل السيادة، من روسو إلى هيجل، إلا أنه يفترض حقيقة هذا التحليل. فإذا لم يكن هناك حقيقة للإرادة العامة (روسو)، وإذا لم يكن هناك غائية للتاريخ عبر “إجتماعية غير قابلة للاجتماع” وبواسطة هذه “الحيلة للعقل” التي هي المعقولية السياسية (كانط). وإذا لم تكن الدولة ممثلة لإنسانية الإنسان، فلا خطر للشر السياسي. ذلك لأن الدولة هي تعبيرة ما لمعقولية التاريخ، انتصار على أهواء الإنسان الخاص، على المصالح”المدنية” وحتى على المصالح الطبقية، إنها عظمة الإنسان الأكثر عرضة، المهددة أكثر ، والأميل إلى الشرّ. إن “الشر” السياسي، في معناه الحقيقي، هو جنون العظمة، أي جنون ما هو عظيم ـ عظمة وإثم السلطة ! حينئذ لا يمكن للإنسان تجنب السياسة تحت طائلة تجنب إنسانيته الخاصة. يكون الإنسان، وعبر التاريخ وبواسطة السياسة مواجه لعظمته ولجرمه. كيف لنا أن نستنتج” انهزامية” سياسية من هذه الشفافية؟ إن ما يؤدي إليه هذا التفكير هو بالأحرى اليقظة. يلتحق التفكير هنا، وقد استوفى دورته، بالراهنية ويتقدم من النقد إلى الممارسة. الحقيقة والتاريخ (بول ريكور) ص 298 -306 دار سيراس للنشر 1995

قصيدة رائعة على الدنيا الفانية :

قصيدة رائعة لشاعر يمني : الأمر جد وهو غير مزاحِ فاعمل لنفسك صالحاً يا صاحِ كيف البقاء مع اختلاف طبائعٍ وكرور ليل دائمٍ وصباحِ تجري بنا الدنيا على خطرٍ كما تجري عليه سفينة الملاحِ تجري بنا في لج بحرٍ ما له من ساحل أبداً ولا ضحضاح وملوك حمير ألف ملك أصبحوا في الترب رهن ضرائح وصفاحِ

حول لقمة الحرام :

حول لقمة الحرام: https://www.youtube.com/watch?si=Wb_FXJi021l-hQKa&v=xlrA3_JGL_g&feature=youtu.be

أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة أنصاف المثقفين - الحلقة الرابعة :

أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة: أنصاف آلمثقّفين : الحلقة آلرّابعة : أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة: أنصاف آلمثقّفين : الحلقة آلرّابعة : ملامح وظلال (أشباه المثقفين) الذين يشكّلون العمود الفقري للنّخبة السياسية العراقية و حتى العربية و العالمية، هي أنّهم قد قادوا حركتهم نحو (النهاية الحزينة) و التي باتت معروفة و كما توقعت ذلك منذ عقود في فلسفتي الكونية العزيزية, على أنّ (شبه المثقف) الذي أنتجته على نطاق واسع ظروف التفرغ المموّل غير المنتج في صفوف الأحزاب والمنظمات والتيارات و الحكومات المختلفة كدعاة اليوم في العراق الذين توكّؤوا على دماء الشهداء لنهب أموال البلاد و العباد كمستهلكين طفيليين و الاخوان المسلمين في مصر و حركة الغنوشي في تونس وحركات و نهضات باقي بلادنا؛ و قد أصبح ظاهرة عربية - عالمية, و إنتقل هذا الفيروس المعدي لصفوف النّخب و النخبة العراقية - العربية خصوصاً بشكل غريب بعد 2003م أضافت بدورها أسوأ صفاتها لهذه الظاهرة التي تقترب لرؤية غرامشي, و نظريته الحديثة في المنهج النقدي بخصوص إدارة الدولة و العلاقات الدولية و تستكشف واجهة الأفكار و المنشآت و القدرات المادية أثناء تشكيلها لمعالم هيئة الدولة, و تشمل كيفية تحديد مجموعة معينة من القوى الأجتماعية لتحاصص مراكز القوى و الحفاظ عليها, بل و تكسر الغرامشية الجمود القائم بين المدارس الفكرية الواقعية و النظريات الليبرالية عبر إضفاء طابع تأريخي على الأساسات النظرية للأتجاهين كجزء من نظام عالمي معين و يجد العلاقة المتشابكة بين البنية و الفاعلية, إضافة لذلك ؛ يصنّف كل من كارل بولانبي و كارل ماركس و ماكس فيبر و نيكولو ميكيافيلي و ماكس هوركهايمر و تيودور إدورنوا و ميشال ؛ على أنهم مصادر رئيسية في النظرية النقدية للعلاقات الدولية. عموماً النظرية الغرامشية فيها جوانب إيجابية و سلبية يجب الأستفادة من جوانبها الأيجابية و ترك الجوانب السلبية(1). شبه المثقف إنسان مريض يُعدي الآخرين, وهو ليس وصفاً في نزع المهارة، مع أن شبه المثقف يكون على الأرجح، غير ماهر أيضاً؛ ولكنه وصف في نزع المرجعية المبدئية عنه والتفاعل الإبداعي بين الذات والمجتمع, و بآلتالي فهو أخطر من الجاهل في أي مكان كان. في الحالة العراقية كما البلاد العربية؛ توجد دولة يتطلّب تسييرها مهارات غير إعلامية، قد يكون شبه المثقف، على العموم، (مثقفاً) من الناحية التقنيّة - الأبجدية، لكنه يفتقر للقدرة الإبداعيّة سواء على مستوى المعرفة أو الفن ـ بكل تجلياته ـ أو على مستوى الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية و الأقتصادية و حتى العسكرية. ومردّ ذلك هو افتقاره للموهبة أو إلى ما يُعوّض الموهبة من الرؤى الشمولية والالتزام بقضية عامة تتجاوز الذات و المصالح الخاصة و الحزبية؛ إلتزام يتمحور عليه كلّ النشاط الشخصيّ. فالثقافة؛ رؤية شاملة للعالم و إلتزام نقدي بأولويات المجتمع والإنسانية و كدح دؤوب في معاناة الكلمة/الفعل لتحقيق المصلحة العامة. المُثقف، بالنظر لامتلاكه الرؤية والتزامه بها؛ يصبح قادراً على فرض حضوره بمعزل عن دعم السلطة أو حتى على الضدّ منها لكونه مسلّح برؤية متكاملة وأهداف واضحة و مستقلّ في معيشته و راتبه. و هي فكرة يجدها المثقف التقليدي غير معقولة لقصوره الفكري و محدودية أفكاره، و بآلتالي عجزه عن استبصار المجالات المتعددة للسلطة غير السلطوية/الحكومة، لأنها تعتمد الهيمنة الفكرية والمعنوية بـ (المفهوم الكوني العزيزي). فالمثقف، باتحاده مع وعيه إلى سلطة كائنة مستقلة لها مساحة هي مساحة (القول/الفعل)، أيّ الكلمة بوصفها كشفاً عن اللحظة المطابقة للاحتياجات الاجتماعية التاريخية، قادرة على صنع تأثيرها على جمهور يسير في سيرورة بناء الثقة مع صاحب القول, وسيكون من شروط حيازة هذه السلطة التعفف عن أيّ أطماع أو سلطة أو منافع أخرى، أو ممارستها عند الضرورة بوسائل هي على النقيض من طابعها السلطوي. (شبه المثقف) لوحده عاجز عن الحضور إلّا بالعلاقة مع سلطة مّا خارجه لتضمن له(لشبه المثقف) لتُحضره .. بل و تُوجّهه في نطاقها، فإذا عافته أو إنفصلت عنه انتهى حضوره, بمعنى ليس أصيلاً في حركته الثقافية الفكرية و كما هو حال كُتّابنا و إعلاميّنا و حتى ساستنا! وتبدأ هذه السلطة التي يتكئ عليها شبه المثقف إبتداءاً من العائلة وعند المعلم، حيث الطلبة مضطرون للإصغاء تحت تهديد الامتحان. لكنها على العكس من سلطة المحاضر العام الذي يمارس سلطته بحضوره الشخصي لا بقدرته على منح علامة النجاح. ومن نمط السلطات نفسها سلطة خطيب الجمعة أو الكنيسة و المعبد؛ حيث يكون الكلام جزءاً من الطقس محمولاً على الصلاة لا على مضمون الخطبة و شخصية الخطيب. شهوة (أنصاف آلمثقفين) و الذي يشمل الأعلاميين أيضاً - الدائمة و الخطيرة هي للتّقرب من السّلطة السياسيّة و الذوبان بها وخدمتها, و هو ما يشطب جوهر الممارسة الثقافية و الفكريّة و الفلسفية، و يُحوّل أشباه المثقفين إلى أدوات على درجات أو طبقات .. بين أولئك الذين ينخرطون في خيانة ذواتهم لقاء بضعة مكاسب تافهة كمرتزقة، و بين أولئك الذين يحصلون على المواقع أو المناصب العليا. في المنصب سواء جاءه بالتعيين أو بالانتخاب؛ يتحوّل (شبه المثقف) لديكتاتور من نمط تقليدي يتلذّذ بالسلطة ويتوهّم ألانشغال والإنتاج ويتوقف عن الإصغاء، و يتنكّر للأصدقاء، ويغرق في التفاصيل والمظاهر، و يعجز، كما هي طبيعته، عن الحوار أو عن تصوّر حلول إبداعيّة شمولية للمشاكل ويواظب على إصدار الأوامر الفوقيّة ويمحور كلّ اهتمامه و وقته حول مهمة واحدة هي إرضاء نوازعه الذاتية بما فيها شهوة الحضور تحت الأضواء و الكامرات وإرضاء السلطات .. فمن دونهم يتيه و يتوهم أو يقتلهُ مرض التّوحد, يحدوه دائماً ألحسد و هوس الانتقام من المُثقفين الموهوبين، بينما يكف نهائياً عن أيّ توسل للرأي الآخر أو الميل إلى التوافق مع المجتمع. هذه حقيقة مرّة تكلف الشعوب عادة الكثير من المال و الوقت و الجهود بسبب الجهل و شهوة العلو وشيطان النفس, بالطبع هذا ليست دعوة للعدميّة إزاء انتزاع مواقع في إدارة المجتمع بل العكس, إنّها نزوع إلى شرطين لا بد من تحقّقهما لتلافي سقوط المثقف، هما : ــ المشاركة من موقع حزبي جماعي لا موقع فردي, و هذا واقع هو واقع الحال في بلادنا و حتى بلاد العالم, لفقدان المقياس الكوني . ــ الحفاظ أثناء المشاركة بالإدارة؛ على الالتزام بالقيم و مبدء العدالة وقوة الوجدان و الضمير إزاء الفئات الاجتماعية التي انتدب المثقف نفسه لتمثيلها. العلة الأساسيّة المسببة لتلك آلتبعيّة في (أنصاف المثقفين) التي أشرنا لها كخطر كبير يهدد المجتمع كله قبل الحاكم أو الحكومة أو حتى المثقفين؛ هي فقدان المقياس الكوني و (إلأصالة الفكرية) في ثقافتهم, و المعيار الكوني هو: التدرج الفكري و يبدأ بـ : [قارئ؛ مثقف؛ كاتب؛ مفكّر؛ فيلسوف؛ فيلسوف كوني؛ عارف حكيم],هذا التدرج يجب أن يتلازم مع حسن سير السلوك للوصول إلى الله بعد عبور مدن العشق السبعة و هي: [الطلب؛ العشق؛ ألمعرفة؛ التوحيد؛ الأستغناء؛ الحيرة؛ الفقر و الفناء](2). إن مجرد إكتفاء شبه المثقف بما كان قد قرأه في صباه أو حتى بعد صباه، ثمّ تحوّله كلياً إلى الثقافة السماعية، نُتَفاً يأخذها من هنا و هناك، و يستخدم الدارج منها في لعبة القول الفارغ و العناد الأبله، معتقداً بأنّ أيّة تضحية سبق أن قدمها في زمان غابر، تمنحه صك غفران نهائي عن كل الموبقات و التنازلات والصمت الذليل الذي يخضع له. إنه يبحث عن الاعتراف به، لا من جمهوره المفترض، و لكن من السلطة المعنية، و يداري كَسَلَهُ المُملّ بافتعال معارك مع الموهوبين. أشباه المثقفين ظاهرة ولدت ولا زالت مع التعليم الجامعيّ وتوسّعت بتوسّعه, فقد أصبح لدى شبه المثقف شهادة رسميّة على أنه (مثقف)! وإذا كان حظّهُ جيداً و كتب كلمتين أو مقال أو كتاب كَتَبَ معظمه ونقّحه آخر؛ فإنه ينتهي إلى الإحساس بأنهُ شخصيّة مهمة للغاية, وهو إحساس يملأ شبه المثقف، فلا تشغله القضايا والأفكار الجديدة أو الدور الاجتماعي ـ السياسي المطروح على جدول أعمال المجتمع, ولعل هذا هو السبب الرئيسي في إنحراف السياسيين و فسادهم, حين يتصدى للقيادة أو الرئاسة, و في بلادنا أمثلة كثيرة على ذلك. أشباه المثقفين منتشرون في حياتنا, وهم موجودون في حقل الإدارة الحكومية والنقابات والحياة السياسية والثقافية و الأعلامية، في الموالاة والمعارضة، لدى الوطنيين الوسطيين وأنصار الحكومات المتعاقبة كما لدى الإسلاميين والقوميين واليساريين, وعلى خلفية مكونة من هؤلاء يمتنع النقاش، و ندخل في باب الأمراض النفسيّة، حيث يتركّز القول و الفعل على ذات متضخمة لا يُمكنها حكماً؛ التفكير العميق أو رؤية الواقع أو التفاعل مع الآخرين. ومن (أنصاف المثقفين)، يأتي أسوأ و أفسد المسؤولين وأسوأ المعارضين والقادة النقابيين والنواب الحزبيين أيضاً وأن السلطات كما الجماهير كما المستكبرين؛ يُفضّلون أنصاف المثقفين المستعدين للخنوع للرأي العام أو تكرار المواقف المعروفة على أولئك المثقفين أصحاب الرأي المستقل, في بلادنا اليوم مئات الآلاف من آلكُتّاب و المؤلفين و الأدباء؛ لكن كم منهم مبدعين ومصلحين ومنتجين!؟ أشباه المثقفين لا يمثّلون نخبة وطنية أو فكرية قادرة على إعادة تعريف ذاتها و وطنها و تحديد الرؤية الكونيّة للناس زمكانياً!؟ و يتضح ذلك العجز جليّاً في إحجام النخب (البورجوازية) عن تمويل النشاطات المدنية و الفكرية, وهو ما يدفع الهيئات و الناشطين إلى تسوّل المساعدات الأجنبية أو الحكومية المشروطة, و هكذا تنعدم الرؤية الكونيّة و حيوية العمل والأنتاج باعتبارها مشاركة مدنية تُعبّر عن استقلال المجتمع وتطلعه للحرية والازدهار الحضاري و المدني المبني على القوّة الروحيّة والثقافية الكونيّة المستدلة. البورجوازي العراقي و العربي ليس بورجوازياً بالمعنى الثقافي؛ إنّما هو مجرّد فلاح بخيل أو بدوي فردي أو كلاهما معاً، و ليست لديه القدرة النفسيّة - ألرّوحية على التخلي ولو بجزء ضئيل من ثروته أو دخله للعمل العام أو طبع كتاب مفيد, ولو طلبت من أحدهم تبرّعاً ثقافياً أو إجتماعيّاً؛ فإنه يتهرّب أو يمنحك القليل، لكنه مستعدّ لأن يُولم لمناسبة سياسية أو اجتماعية ما يكلفه الكثير, بل يأتي أبناء بعضهم لإحياء مناسبة زواج أو ولادة لينثر الملايين من الأموال على رؤوس الحاضرين لأحياء تلك المناسبة العابرة, وهذا ليس كرماً؛ إنما استثمار مأمول في مكسب أو وجاهة, و قد تتذابح مع عراقي كريم على دفع فاتورة المطعم، لكنهُ غير مستعد للتبرع بالمبلغ نفسه لإحياء المعرفة أو حتى للخط السياسيّ الذي يُؤيّده أو النشاط الذي يعتقد بأنه مهم للمجتمع, فالكرم في تسديد فاتورة المطعم أمرٌ يعود إلى شأن ذاتيّ خاص، لكن التبرع العام شيء غير مفهوم بالنسبة إلى تكوينه الثقافي, وهو يعتقد أن تأييده اللفظي لنهج سياسي تبرّع ثمين بحدّ ذاته, أمّا الأغلبية، تريد لقاء ذلك الموقف اللفظي مكافآت, انعدام القدرة النفسيّة الثقافيّة على التبرع بالمال لغايات فكريّة أو مدنية، سوف تتّسع إذن ليشمل انعدام القدرة تلك على التطوّع حتى بالوقت أو الجهد أو أية تضحيات من أجل التقدم. لدينا، ككل المجتمعات العربية و المسلمة، نزوع للعمل الخيري تحت تأثير و ضغط الوازع الدّيني، خصوصاً في مناسبات الأتراح الشخصية أو المناسبات والأعياد الدّينية, وقد أفاد الإسلام السياسي من هذا النزوع للتوسط بين الخيّرين والمحتاجين، والحصول على مكاسب سياسية، وفي الوقت نفسه تمويل نشاطاته ومنظماته وهذا قد تجسّدَ في العراق مع أحزاب السلطة كحزب الدعوة وغيره, لكن تقاليد التبرع للعمل العام هي شيء آخر غير العمل الخيري, وهي لا تستهدف إرضاء الضمير الديني الذي هو في النهاية ضمير شخصي و لكنها تنبع من الضمير الاجتماعي ـ السياسي. تحتاج بلادنا للكثير من الجهود الفكرية والعمل الفكري و الثقافي المشترك والتضحيات من آلجميع, و هذه ليست قضيّة عقائدية و أخلاقيّة و إنسانيّة فحسب .. بل قضيّة تتعلق بوجودنا و عاقبتنا, وتحرّرنا وإختيارنا لنهج الصالحين, فالمرتزق و البخيل و الأنانيّ و آكل لقمة الحرام؛ لا يُمكنه أن يكون حرّاً و مشاركاً فاعلاً في القرارو البناء، والبلد لا ينهض بدون تضحيات والتضحيات لا تأتي إلّا بآلفكر وآلوعي, و الفكر و الوعي يحتاج للمؤسسات و للمنتديات الفكريّة و المنابر الهادفة لا التقليدية. عزيز حميد مجيد ــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أصول المنظور الغرامشي الحديث يُوعز في بداية نظريته الحديثة وكما ورد في مقالة الأستاذ المتقاعد في جامعة يورك، روبرت دبليو كوكس بكندا؛ إلى مجموعة مباحث [قوى إجتماعيّة؛ الدول وأنظمة العالم؛ نظرية ما بعد العلاقات الدولية] في الألفية الأولى سنة (1981) ومقالة (غرامشي)؛ والهيمنة؛ والعلاقات الدولية؛ مقالة عن النظرية], في المقالة التي كتبها عام 1981، يطلب كوكس دراسة نقدية للعلاقات الدولية بطريقة تعارض نظريات (حل المشكلة) المعتادة، التي لا تبحث في الأصل و الطبيعة، و تطور البنى التاريخية, و لكنها تتقبل على سبيل المثال فكرة الدول و العلاقات الفوضوية فيما بينها و بداخلها كما في المفهوم التجريدي لإيمانويل كانت. (2) لمعرفة التفاصيل عن تلك المحطات الكونية راجع كتابنا الموسوم بـ : تحميل كتاب ألأسفار الكونية ألسبعة pdf - مكتبة نور (noor-book.com)