Thursday, September 09, 2010

تداعياتُ الخلطُ الفكريّ في العقلِ العربيّ

تداعياتُ الخلطُ الفكريّ في العقلِ العربيّ

في مقالٍ للكاتب الشابندر بعنوان “ الفلاسفة يشنّون حملة على المُتكلمين” بَدى بوضوحٍ إختلاط الأمر على كاتبنا عندما فَصَلَ علمُ الكلام ِعن الفلسفةِ , و قدْ كرّر هذا الخطأ من قبله مُعظم الكتّاب البارزين العرب و كأنّهُم لمْ يتوضّح لديهم و لدى الأخ الشابندر بشكلٍ جليّ معنى علمُ الكلام كما ظهرَ في مقدّمة مقالهِ آلآنف الذكر بَعْدَ أنْ سَرّدَ عباراتٌ غير مُتناسقة و غير مفهومة في معرض طرحه للموضوع, و لعلّ هذا الأشكال صاحبَ أيضاً مُعظم الدارسين في الحوزة العلميّة خصوصاً “ألنجفية” ألتي أهملت في مناهجها إلى حدٍ بعيد موضوع الفلسفة أو علم الكلام, و نحن نُعَذّر الكاتب في تعاطيهِ معَ الموضوع كون الأخ الشابندر خرّيج تلك المدارس الدّينيّة التقليدية في النجف الأشرف. لذلك رأيتُ من واجبي الأشارة لهذا المفهوم كي نتجاوز تلك الأشكالية و الخبط العشوائي و السّرد الغير ألعلمي و المنطقي, آملين أن لا تنطلي عليه أو على القرآء الكرام مثل هذه المُوضوعات الفكريّة الخطيرة و الهامّة خُصوصاً في وضع ساحتنا العراقيّة التي إختلطت فيها ألأوراق و آلمواقف و في الجانب الفكري بشكلٍ خاصٍ, كون الفكر هو المُولد لكلّ شئ في وجود الأنسان, هذا إذا سمحْنا لأنفسنا ألقول بأنّ في العراق فكرٌ إنسانيّ .. و مُفكرٌ إنسانيّ.
منْ أهمّ الأمور التي علينا فهمها إبتداءً هي أنّ الفلسفة ظهرتْ قبلَ علم الكلام ألمنسوب لأئمة المُسلمين* و بالذّات عُلماء المُعتزلة بإعتبارهم أوّل من أسّسوا لهذا العلم و سُمّي فيما بعد بالفلسفة الأسلامية, بعد أنْ نظّرَ لهُ عُلماءَ مُعاصرين أمثال جمال الدّين الأفغاني و علي شريعتي و عبد الكريم سروش و محمد باقرالصدر حيث تتقدّم الفلسفةُ الأكاديميةُ و علم المنطق آلأرسطوي - الذي ما زال يُدَرّسُ كأساسٍ و منهجٍ في الحوزة العلمية رغم بُعد الفترة الزمنية – و يتقدّم على عِلم ِالكلام آلأسلامي بأكثر من ألفي عام قبلَ الميلاد, حيثُ يعودُ تأريخهُ إلى زمنِ ما قبل أفلاطون و سُقراط و أفْلوطين و أبيقور, و قبلهم جميعاً إلى أوغسطين و مُعاصريه. و عندما تغلْغَلَتْ تلكَ الفلسفة اليونانية ألعريقة في الأوساط الأسلامية بعد ترجمة المقالات ألفلسفية اليونانيّة إبان العهد الأموي و العباسي تصدّى الأئمة الأطهار (ع)للأمر ببياناتهم و أحاديثهم و كذلك ألمُعتزلة عندما بدؤا يُؤسّسون لِمدرستهم الأصوليّة قواعد كلاميّة (فلسفية) كحالةٍ توافقية أو كردٍّ أحياناً على آلأحداث و الوقائع الفكرية التي رافقتْ واقعة صفّين المأساوية و على الكثير من المُتعرّضينَ و المُعْترضينَ لِمنهجِ أهلُ البيت (ع) ألّذين حملوا راية الفكر الأسلامي بأناتٍ و صبرٍ رغمَ كلّ ما لاقوهُ منَ الأذى و القتلِ و التّشريدِ, و كانَ الأمويّون و مِنْ بعْدهمُ العباسيّون من أوائل من تصدّوا و واجهوا المَنْهجُ الأسلاميّ الأصيل, عندما حاولوا تسْيّسَ الفلسفة حسب المفهوم الأوربي ألثيوقراطي قديماً والميكافيلي جديداً .. أو علم الكلام حسب التّفسيرُ الأسلامي ألمُعتزلي .. و كذلك آلتّوسّل بِكلِّ جَديدٍ و مُمْكنٍ منْ أجلِ مُحاربةِ خطّ أهلُ البيت (ع) مِنْ أجْلِ السّلطة التي إغتصبوها بالمكر و الخداع.
و في العصر الحديث يُعْتبرُ الفيلسوف مُحمد باقر الصدر (قدس) ألذي إستشهد على يد المجرم صدام رائد الفلسفة الأسلامية الحديثة بجميعِ أبعادها و إسقاطاتها في مجالات علم الأجتماع و السياسة و آلأقتصاد, بعد تأسيساتٍ نظرّيةٍ قيّمةٍ و سابقةٍ من العلّامة السّبزواري (قدس) و منْ قبلهِ المُلا صدرا الشيرازي و إبن سينا و الكندي , مضافاً لها ألتمهيداتٌ ألعمليةٌ و على أرض الواقع لنظرية الدّولة العصرية الأسلامية بقيادة الأمام الخميني (قدس) و جمعٌ من تلامذتهِ كالفيلسوف مرتضى المُطهري.

هذا ما أردّتُ الأشارة إليه آملاً أنْ يتوضّحَ المَفْهُومان لدى الكاتب و القارئ العربي. و لنا موقفٌ آخر منْ آراء الفيلسوف أبو نصر الفارابي, يطولُ الحديث عنه. و النّاسُ في كلِّ مكانٍ و زمانٍ أحرارٌ في مُعتقداتهم و مواقفهم و آرائهم.

لكنْ لا يَصحّ إلاّ الصّحيح.

عزيز الخزرجي
Alma1113@hotmail.com


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
أعتقد بأن الأمام علي (ع) هو أوّل من أسّس لهذا العلم بدليل نصوصِ و حِكَمِ نهج البلاغة, على الرّغم منْ عدم وجود تصريح واضح فيه عن الموضوع, إلاّ أنّ بلاغة الكلام و النظريات الفلسفية الواردة في ذلك النهج القويم لدليلٌ قويّ على ما نعتقدهُ, لكنّ المسألة فيها نظر على أيّ حال.