Friday, January 14, 2022

تأريخ محاربة الفكر و حرق الكتب في الأسلام : أسباب هدم و حرق المكتبات:

تأريخ محاربة ألفكر و حرق الكُتب في الأسلام: حرق المكتبات هجوم على المعرفة: حكمة كونيّة: [إنّ أمّة كأمّة الإسلام تحرق مكتباتها لتصنع من جلود كتبها ألنّعال و آلأحذية و كُتّابها و وعاظها يحتفلون و يُهلهلون؛ حرّي أن تُذلّ و تخنع للنهاية]. كان العرب قبل و حتى بعد الرسالة الإسلامية لزمن طويل تجاوز القرن؛ يعتمدون على آلحفظ و ليس التدوين, هذا رغم إن القرآن أكّد على القراءة و الكتابة و البحث و التفكر و هكذا الرسول الكريم بقوله: [قيّدوا آلعلم بآلكتابة], فمعظمهم كانوا يعيشون الجهل و الأمية الفكرية و حتى الأبجدية و إلى يومنا هذا, و فوقها عاطلين عن العمل الحقيقي و الأنتاج العلمي و يحصلون قوتهم بآلإغارة و القنص و الرواتب الجاهزة و إلى يومنا هذا لأعتمادهم على النفط, غير أنه ما إن إنصرم قرن و نصف على بعثة النبي محمد(ص), و ما إن آل الحكم إلى العباسيين حتى بدأت أولى بوادر الأهتمام بآلفكر و التدوين لكن بشروط سلطانية و حزبية تتم تعينها من قبل الحكام و الأحزاب الرائجة و في هذه الفترة تم تأسيس بيت الحكم و خزانة المنصور فضلا عن المكتبات التي أنشأها المسلمون في الأندلس غير أن ذلك لم يأت إلا متأخراً, أي بعد نضح المسلمين في التعامل مع ثقافة الآخر أي ثقافة البلدان التي فتحوها, غير أن مرحلة ما قبل حصول هذا الوعي للمسلمين, تميزت بجرائم في حق ثقافة و ذاكرة باقي الشعوب التي دخلوا عليها فاتحين. كانت بلاد فارس تزخر بحركة ثقافية و فكريّة عظيمة جدّاً كما إنبعثت فيها حضارات عريقة , إذ كانت هذه البلاد تتوفر على مكتبات تظم من الكتب النفيس و الناذر في مصنفات الفلسفة و الطب و الفلك و غيرها , غير أن المسلمين ما إن إستوثق لهم الأمر و تحققت لهم الغلبة على أهل الدار حتى إصطدموا بتلك المكتبات العظيمة, فأشكل عليهم الأمر , إلّا أن يعرضوه على الخليفة عمر بن الخطاب , فبعث له قائد جيش المسلمين "سعد إبن أبي وقاص" مستفتياً الخليفة عمر ؛ ماذا نفعل بهذه الكتب يا أمير المؤمنين؟ فجاء جواب عمر كآلتالي : [إن يكن فيها من هدي , فقد هدانا الله إلى ما هو أهدى منه و إن يكن ضلال ؟ فقد كفانا الله تعالى شره , فإطرحوها في النهر أو إحرقوها, فطرحوها في الماء .. فذهبت علوم الفرس]. راجع مقدمة إبن خلدون, ص373. للأطلاع على التفاصيل. و هكذا أتلف المسلمون في دقائق أثمن مصدر للعلم و الفن و الفلسفة و أفسدوا أرقى المكتبات التي كانت موجودة و قتئذ في بلاد فارس و أضاعوا عن أنفسهم و عن غيرهم فرصة التعلم و الدراسة و الحكمة و التقدم و علوم الأولائل. أما في مصر , فهي الأخرى أصابت من الحضارات ما هو أعرق و أفخم من غيرها , كما كانت فيها أعظم مدينة علمية عرفها العصر الوسيط و هي مدينة الأسكندرية التي كانت تحتوي بين أسوارها علماء من طينة (إيراثوستينوس) و هو أول من حسب محيط كوكب الأرض في تأريخ البشرية , و من أوائل ممن أقاموا دلائل عقلية على كروية الأرض , ثم أفلاطون و أفلوطين الفيلسوفين, و "إقليدس" أشهر علماء الرياضيات و المنطق في التاريخ و باطليموس صاحب كتاب الماجسطي و هيباتيا عالمة الرياضيات و الفلك و غيرهم من لالئ الفكر و العلم في التأريخ , حيث كانت تجمع كتبهم و مصنفاتهم في مكتبة الإستكندرية التي كانت أنذاك أعظم مركز علمي فوق كوكب الأرض, و كغيرها من البلاد القريبة من غزية العرب تعرضت مصر و الأسكندرية للغزو العربي فدخلها المسلمون فاتحين و ما كان منهم كذلك إلّا أن يستفتوا الخليفة عمر في شأن المكتبة العظيمة التي وجدوها في الأسكندرية؛ أيَبقون عليها أم يعدموها؟ و الأمر لا يقتصر على ذلك لأبقاء الأمة في وحل الجهل والتخلف, بل وصل الحال لأن يمنع الخليفة عمر تعلّم حتى اللغات الأخرى و العولمة و الأنفتاح على العالم,بقوله: [إياكم و رطانة العجم], فكيف بالانفتاح على تراثهم العلمي؟ وسبحان الله تجد الوهابي السلفي الحقيقي اليوم يحمل ذات العقلية العمرية الظلامية على هذا الصعيد. إذ يذكر المؤرخ العربي المسلم المقريزي في كتابه (المواعظ و الأعتبار) في ذكر الخطط و الآثار ج1 ص 195, و أكد الخبر من بعده المؤرخ جورجي زيدان في الجزء الثالث من كتابه [تأريخ التمدن الإسلامي]؛ أنّ عمر بن الخطاب أجاب عمرو بن العاص؛ بأن يتقدّم إلى المكتبة و يحرقها و يتلف ما فيها من كتب و مخطوطات و ذلك ما حصل فعلاً, حيث كانت تظمّ هذه المكتبة أكثر من 700,000 ألف مجلّد من مختلف أنواع المعرفة البشرية ساعتئذ و بذلك أقدم المسلمون على واحدة من أبشع الجرائم الثقافية و الفكرية التدميرية في التأريخ الأسلامي! إذ إرتدّت الإسكندية إلى مدينة طقوس و أساطير بعد أن كانت أعظم منارة للعلم و المعرفة قبل دخول العراق إليها. و هكذا في مصر , فقد كانت في القاهرة أحد أهمّ المكتبات المودودة أنذاك و هي مكتبة (القصر الكبير) التي أسسها الحاكم بأمر الله الفاطمي , حيث كانت تظم أكثر من 1,600.000 مليون و ستمئائة ألف كتاب مجلد و كان الدخول إليها و ألأستنساخ و الترجمة مجاناً , غير أنها تعرّضت إلى النهب و التلف إثر الخلاف الذي نشب بين المسلمين من الجنود السودانيين و الأتراك , إذ أُحرق الكثير من محتوياتها و هناك مَنْ يذكر أن بعضهم قد جعل من جلودها نعالاً له و ما تبقى منها أجهز عليها حرقاً صلاح الدين الأيوبي الذي كان يقود جيش المسلمين, يوم دخل القاهرة ثم و بسبب إنتشار القحط و المجاعة في مصر في عامي 1348 – 1349م راح بعضهم يعرض مجلداً كاملاً للمقايضة على رغيف خبز .. هكذا إنضافت مكتبة القصر الكبير إلى الكتب في التأريخ الإسلامي و كما تذكر ذلك, (زهراء حسن , حرق الكتب في التأريخ الإسلاميّ ص 286م). و في المغرب العربي أيضاً , تمّ حرق مكتبة الغزالي سنة 500 هـ,من طرف (يوسف إبن تاشفين) نظراً لأحتوائها على مصنّفات علم الكلام الذي يعادل الفلسفة في آلغرب! و لنفس السبب أحرق السلطان محمود بن سبكتكين مكتبة مدينة الري سنة 384هـ ثم إحراق مكتبة دار العلم للفقيه الشيعي (أبا عبد الله محمد بن نعمان) , نظراً لاحتوائها على نسخة من قرآن عبد الله بن مسعود الذي ذكر فيها أسباب النزول و بعض القضايا المتعلقة بخلافة الرسول و وصيّه, و كان يختلف عن نسخ قرآن عثمان بن عفان! ثمّ حرق المسلمون بأمر المتوكل العباسي مرتين .. مكتبة الطوسي في بغداد التي أسسها (سابور إبن أردشير), نظراً لاحتوائها على قضايا تتعلق بآلامامة و الوصاية من بعد الرسول(ص), و في المرة الثالثة حين أرادوا حرق ما تبقى من مكتبته, غادر بغداد هارباً قبيل ذلك بيوم واحد إلى النّجف خلسة و إستطاع أن ينجي بعض تلك الكتب. كما تمّ حرق مكتبة قرطبة في الأندلس التي أسسها المستنصر بآلله الأموي, إذ تمّ عزل كتب الطب و الفقه و ما تبقى من علوم المنطق و الفلسفة و الفكر بعد ما حصل إحراق جزء منه و رمي الجزء الآخر في آبار القصر , للتفاصيل راجع : (زهراء حسن؛ ص 284). من جانب الكُتّاب و المؤلفين فإنهم أيضا ذاقوا عذابات الإضطهاد , إذ شهد (عبد السلام) الحفيد الأكبر للشيخ أحمد إبن حنبل حرق مكتبته الخاصة بأمر قضائي من الفقهاء بعد أن وجدوا في مكتبته مؤلفاً لأرسطو و رسائل (أخوان الصفا), إلى جانب أهانته أمام عوام الناس, راجع (أمير علي بيود, ص 235)! لقد تسبب عثور الخليفة على مجموعة من الكتب في الفلك و التنجيم عنده جرماً كبيراً , ما جعل الفقهاء يحكمون عليه بآلزندقة .. و لإذلاله نزعوا عمامته عن رأسه فداست عليها العامة تحقيراً لهُ, راجع (أمير علي بيود , الإسلام و العلم , ص 219")! ثم من بعده حرّض الفقهاء الخليفة على الفيلسوف "الكندي" أوّل فيلسوف عربي , فأمر بحرق مكتبته , ثمّ إألاتيان به إلى أحد ساحات بغداد و كان رجلاً طاعن في السن بلغ عمره أنذاك 60 سنة, فتمّ جَلدهُ 50 جلدة أمام عوام الناس, راجع(أمير علي بيود, الأسلام و العلم ص210). أما في قرطبة فقد تمّ إذلال العالم ألشّارح "أبو الوليد إبن رشد", حيث تم صده عن الصلاة في المسجد, نظراً لتكفيره من طرف الفقهاء و وصفه بآلزنديق أيضاً, كما أمر الخليفة المنصور بحرق كتبه في باحة المسجد الأعظم بقرطبة و نفي إبن رشد خارج المدينة, راجع (عابد الجابري, المثقفون في الحضارة العربية, ص145 فما فوق). هكذا إذن فإنّ المسلمين تأريخياً إنتزعتهم نزعة تدمير المعرفة و المفكرين و الفلاسفة و محاصرتهم و التضيق عليهم خصوصا إذا ما برز أو ظهر منهم ما يخالف الدّين بنظرهم طبعأً , و لا نقول أن هذه النزعة قد خفّت أوارها, بل لا زال حامياً إلى يومنا هذا! فإلى متى هذا الجنون و الحرب ضد الفكر و الثقافة و أهله؟ و إلى متى تبقون تشحذون و بذلة بسبب الجهل يا من تسمون أنفسكم بآلعلماء الفقهاء!؟ فآلحرب ما زالت قائمة ولم تضع أوزارها ضد الفكر و المفكرين و الفلاسفة ؛ بل ما زال قائماً و ما زال ا لمفكريين الحقيقيين و الفلاسفة العرفاء متغربون حتى في اوطانهم, فهذا محمد باقر الصدر تمّ القصاص منه بآلأمس القريب بعد الأعلان على محاربته و محاصرته على كل صعيد من قبل مقربيه و أجهزة السلطة البعثية الظالمة, لانه برهن لأقرانه من آلفقهاء بأن الأسلام لا ينحصر على مجموعة أحكام عبادية أو طقوسيّة و كفى ؛ بل الأسلام يُمثل كل جوانب الحياة الأخلاقية و الأقتصادية إلى جانب العبادية, فقامت قيامة المُدّعين و المراجع و كفّروه و وشوا به للسلطان وشاركوا في قتله و إغتياله .. و رفض مساومة الظالم الذي ركع أمام بيته صاغراً بكلّ معنى آلكلمة؛ طالبين منه فقط كلمة تأئييد واحدة مقابل صك مفتوح و أمكانات هائلة ؛ لكنه قال لهم: طريقي غير طريقكم .. بينما غيره و لاجل دنيا ذليلة ركعوا والهين أمام الطاغية معلنين تأئيدهم بل و وقوفهم أمام السلطان بكل ذلة .. و هكذا مضت الأيام و أخذ العراق و العراقيين نصيبهم من الذل بسببهم خصوصاً الأحزاب الأسلامية و غيرها و التي إدعت بأنها توالي الصدر و تعمل تحت قيادته .. بينما لم يناصره ولا عضو واحد منهم أيام المحنة, بل الجميع تبرؤوا منه و هرب بعضهم من قادسية صدام .. من الموت و ليس لنصرته أو نصرة الأسلام و نهجه. و ما زال الأمر قائماً ؛ و إن اهل الدكاكين من الأحزاب و التيارات و المراجع المخلتفة : ترى أن أي تطور فكري أو نظرية جديدة ؛ إنّما تؤثر على كسبهم و رواتبهم و إرتزاقهم و ربما إغلاق دكاكينهم ؛ لهذا و لمجرد سماع كلمة أو همسة معاديّة من فيلسوف ينتقد تصرفاتهم و نفاقهم و نهبهم و دجلهم ؛سرعان ما يهبون و يحملون عليه لتكفير ذلك المدعي و كما فعل أجدادهم عبر التأريخ حيث أشرنا لجوانب و أمثلة كثيرة و واضحة على ذلك في مقالات سابقة مشابهة, و ها نحن اليوم نواجه نفس المصير حين أشرنا بأن حزب مثل حزب الله أو حزب الدعوة أو منظمة أمل أو منظمة جعجع أو لحد أو أمثالهم و هم كثر؛ إنما إتخذوا الدّين و الأسلام غطاءاً لجيوبهم و وسيلة لأرتزاقهم لتأمين مصالحهم الآنية مدّعين بغرور كاذب الدفاع و الجهاد للأسلام, بينما لا تجد صفة واحدة من أخلاق و قيم الأسلام و المؤمنين في وجودهم و من بعد يمكنك كشف دنائتهم و تكبرهم و لهوثهم وراء الرب الحقيقي (الدولار) بكل ذلة, و هم يسرقون حتى الفقير الأعمى! لهذا ترى شعوبنا و منهم – المسلمون – و رغم أنهم يملكون المنابع و الخيرات الاقتصادية و الصناعية و الزراعية المختلفة كآلنفط و المعادن و الأراضي الصالحة و الأنهار و المياة و المواقع المخلتفة: لكن معظمهم يستجدون و يشحذون و يلجؤون لبلاد "الكفر" حال ما وجدوا منفذاً لاجل الإستجداء و الفساد و الظلم و السرقة. و السبب كما أشرنا لأنهم لا يكرهون ولا يعادون سوى الفكر و الفلسفة و الثقافة و العلم و الادب .. لهذا لا بد ان يكونوا تابعين أذلاء لسلطة الدولار دوماً ما لم يغييروا ما بأنفسهم . أسباب هدم وحرق ألمكتبات : حرق المكتبات هجوم على المعرفة و العلم: (هدم المكتبة فعل يعود إلى أقدم العصور، ظهر مدمرو المكتبات بالتزامن مع ظهور الكتب نفسها)، هذا ما يثبته الكاتب الفرنسي لوسيان بولاسترون في كتابه؛ "كتب تحترق.. تاريخ تدمير المكتبات". يُسطر الكتاب تاريخ العمليات الكبرى لتدمير المكتبات، فعلى مر العصور، كانت هناك رغبة صريحة في تدمير المكتبات دون إبقاء أي أثر لها، ويرى لوسيان أن سر هذه الرغبة يكمن في أنه لا يمكن الهيمنة على الشعب المتعلم المثقف. تأريخ محاربة ألفكر و حرق الكُتب في الأسلام: حكمة:[إن أمة كأمة الإسلام تحرق مكتباتها لتصنع من جلود كتبها النعال والأحذية وكتّابها و وعاظها يهلهلون؛ حري أن تُذلّ و تخنع للنهاية]. كان العرب قبل و حتى بعد الرسالة الإسلامية وإلى زمن طويل تجاوز القرن؛ يعتمدون على الحفظ و ليس التدوين فمعظمهم كانوا عاطلين عن العمل الحقيقي و يحصلون قوتهم بآلإغارة و القنص و إلى يومنا هذا يعتمدون على النفط, غير أنه ما إن إنصرم قرن و نصف على بعثة النبي محمد(ص), و ما إن آل الحكم إلى العباسيين حتى بدأت أولى بوادر الأهتمام بآلفكر و التدوين لكن بشروط سلطانية و حزبية تتم تعينها من قبل الحكام و الأحزاب الرائجة و في هذه الفترة تم تأسيس بيت الحكم و خزانة المنصور فضلا عن المكتبات التي أنشأها المسلمون في الأندلس غير أن ذلك لم يأت إلا متأخراً , أي بعد نضح المسلمين في التعامل مع ثقافة الآخر أي ثقافة البلدان التي فتحوها, غير أن مرحلة ما قبل حصول هذا الوعي للمسلمين, تميزت بجرائم في حق ثقافة و ذاكرة باقي الشعوب التي دخلوا عليها فاتحين. كانت بلاد فارس تزخر بحركة ثقافية و فكرية عظيمة جداً كما إنبعثت فيها حضارات عريقة , إذ كانت هذه البلاد تتوفر على مكتبات تظم من الكتب النفيس و الناذر في مصنفات الفلسفة و الطب و الفلك و غيرها , غير أن المسلمين ما إن إستوثق لهم الأمر و تحققت لهم الغلبة على أهل الدار حتى إصطدموا بتلك المكتبات العظيمة, فأشكل عليهم الأمر , إلّا أن يعرضوه على الخليفة عمر بن الخطاب , فبعث له قائد جيش المسلمين "سعد إبن أبي وقاص" مستفتياً الخليفة عمر ؛ ماذا نفعل بهذه الكتب يا أمير المؤمنين؟ فجاء جواب عمر كآلتالي : [إن يكن فيها من هدي , فقد هدانا الله إلى ما هو أهدى منه و إن يكن ضلال ؟ فقد كفانا الله تعالى شره , فإطرحوها في النهر أو إحرقوها, فطرحوها في الماء .. فذهبت علوم الفرس]. راجع مقدمة إبن خلدون, ص373. للأطلاع على التفاصيل. و هكذا أتلف المسلمون في دقائق أثمن مصدر للعلم و الفن و الفلسفة و أفسدوا أرقى المكتبات التي كانت موجودة و قتئذ في بلاد فارس و أضاعوا عن أنفسهم و عن غيرهم فرصة التعلم و الدراسة و الحكمة و التقدم و علوم الأولائل. أما في مصر , فهي الأخرى أصابت من الحضارات ما هو أعرق و أفخم من غيرها , كما كانت فيها أعظم مدينة علمية عرفها العصر الوسيط و هي مدينة الأسكندرية التي كانت تحتوي بين أسوارها علماء من طينة (إيراثوستينوس) و هو أول من حسب محيط كوكب الأرض في تأريخ البشرية , و من أوائل ممن أقاموا دلائل عقلية على كروية الأرض , ثم أفلاطون و أفلوطين الفيلسوفين, و "إقليدس" أشهر علماء الرياضيات و المنطق في التاريخ و باطليموس صاحب كتاب الماجسطي و هيباتيا عالمة الرياضيات و الفلك و غيرهم من لالئ الفكر و العلم في التأريخ , حيث كانت تجمع كتبهم و مصنفاتهم في مكتبة الإستكندرية التي كانت أنذاك أعظم مركز علمي فوق كوكب الأرض, و كغيرها من البلاد القريبة من غزية العرب تعرضت مصر و الأسكندرية للغزو العربي فدخلها المسلمون فاتحين و ما كان منهم كذلك إلّا أن يستفتوا الخليفة عمر في شأن المكتبة العظيمة التي وجدوها في الأسكندرية؛ أيَبقون عليها أم يعدموها؟ إذ يذكر المؤرخ العربي المسلم المقريزي في كتابه (المواعظ و الأعتبار) في ذكر الخطط و الآثار ج1 ص 195, و أكد الخبر من بعده المؤرخ جورجي زيدان في الجزء الثالث من كتابه [تأريخ التمدن الإسلامي]؛ أنّ عمر بن الخطاب أجاب عمرو بن العاص؛ بأن يتقدّم إلى المكتبة و يحرقها و يتلف ما فيها من كتب و مخطوطات و ذلك ما حصل فعلاً, حيث كانت تظم هذه المكتبة أكثر من 700,000 ألف مجلّد من مختلف أنواع المعرفة البشرية ساعتئذ و بذلك أقدم المسلمون على واحدة من أبشع الجرائم الثقافية و الفكرية التدميرية في التأريخ الأسلامي! إذا إرتدّت الإسكندية إلى مدينة طقوس و أساطير بعد أن كانت أعظم منارة للعلم و المعرفة قبل دخول العراق إليها. و هكذا في مصر , فقد كانت في القاهرة أحد أهمّ المكتبات المودودة أنذاك و هي مكتبة (القصر الكبير) التي أسسها الحاكم بأمر الله الفاطمي , حيث كانت تظم أكثر من 1,600.000 مليون و ستمئائة ألف كتاب مجلد و كان الدخول إليها و ألأستنساخ و الترجمة مجاناً , غير أنها تعرّضت إلى النهب و التلف إثر الخلاف الذي نشب بين المسلمين من الجنود السودانيين و الأتراك , إذ أُحرق الكثير من محتوياتها و هناك مَنْ يذكر أن بعضهم قد جعل من جلودها نعالاً له و ما تبقى منها أجهز عليها حرقاً صلاح الدين الأيوبي الذي كان يقود جيش المسلمين, يوم دخل القاهرة ثم و بسبب إنتشار القحط و المجاعة في مصر في عامي 1348 – 1349م راح بعضهم يعرض مجلداً كاملاً للمقايضة على رغيف خبز .. هكذا إنضافت مكتبة القصر الكبير إلى الكتب في التأريخ الإسلامي و كما تذكر ذلك, (زهراء حسن , حرق الكتب في التأريخ الإسلاميّ ص 286م). و في المغرب العربي أيضاً , تمّ حرق مكتبة الغزالي سنة 500 هـ,من طرف (يوسف إبن تاشفين) نظراً لأحتوائها على مصنّفات علم الكلام الذي يعادل الفلسفة في آلغرب! و لنفس السبب أحرق السلطان محمود بن سبكتكين مكتبة مدينة الري سنة 384هـ ثم إحراق مكتبة دار العلم للفقيه الشيعي (أبا عبد الله محمد بن نعمان) , نظراً لاحتوائها على نسخة من قرآن عبد الله بن مسعود الذي ذكر فيها أسباب النزول و بعض القضايا المتعلقة بخلافة الرسول و وصيّه, و كان يختلف عن نسخ قرآن عثمان بن عفان! ثمّ حرق المسلمون مرتين مكتبة الطوسي في بغداد التي أسسها (سابور إبن أردشير), نظراً لاحتوائها على قضايا تتعلق بآلامامة و الوصاية بعد الرسول(ص)! كما تمّ حرق مكتبة قرطبة في الأندلس التي أسسها المستنصر بآلله الأموي, إذ تم عزل كتب الطب و الفقه و ما تبقى من علوم المنطق و الفلسفة و الفكر بعد ما حصل إحراق جزء منه و رمي الجزء الآخر في آبار القصر , للتفاصيل راجع : (زهراء حسن؛ ص 284). من جانب الكُتّاب و المؤلفين فإنهم أيضا ذاقوا عذابات الإضطهاد , إذ شهد (عبد السلام) الحفيد الأكبر للشيخ أحمد إبن حنبل حرق مكتبته الخاصة بأمر قضائي من الفقهاء بعد أن وجدوا في مكتبته مؤلفاً لأرسطو و رسائل (أخوان الصفا), إلى جانب أهانته أمام عوام الناس, راجع (أمير علي بيود, ص 235)! لقد تسبب عثور الخليفة على مجموعة من الكتب في الفلك و التنجيم عنده جرماً كبيراً , ما جعل الفقهاء يحكمون عليه بآلزندقة .. و لإذلاله نزعوا عمامته عن رأسه فداست عليها العامة تحقيراً لهُ, راجع (أمير علي بيود , الإسلام و العلم , ص 219")! ثم من بعده حرّض الفقهاء الخليفة على الفيلسوف "الكندي" أوّل فيلسوف عربي , فأمر بحرق مكتبته , ثمّ إألاتيان به إلى أحد ساحات بغداد و كان رجلاً طاعن في السن بلغ عمره أنذاك 60 سنة, فتمّ جَلدهُ 50 جلدة أمام عوام الناس, راجع(أمير علي بيود, الأسلام و العلم ص210). أما في قرطبة فقد تمّ إذلال العالم ألشّارح "أبو الوليد إبن رشد", حيث تم صده عن الصلاة في المسجد, نظراً لتكفيره من طرف الفقهاء و وصفه بآلزنديق أيضاً, كما أمر الخليفة المنصور بحرق كتبه في باحة المسجد الأعظم بقرطبة و نفي إبن رشد خارج المدينة, راجع (عابد الجابري, المثقفون في الحضارة العربية, ص145 فما فوق). هكذا إذن فإنّ المسلمين تأريخياً إنتزعتهم نزعة تدمير المعرفة و المفكرين و الفلاسفة و محاصرتهم و التضيق عليهم خصوصا إذا ما برز أو ظهر منهم ما يخالف الدّين بنظرهم طبعأً لأن الدين عبارة عن طقوس و أحكام لبطونهم و شهواتهم, و لا نقول أن هذه النزعة قد خفّت أوارها, بل لا زال حامياً إلى يومنا هذا, و يقتلون و يشردون كل من يخالفهم خصوصا و إن العوام ما زالوا يعيشون الجهل! فإلى متى هذا الجنون و الحرب ضد الفكر و الثقافة و أهله؟ و إلى متى تبقون تشحذون و بذلة بسبب الجهل يا من تسمون أنفسكم بآلعلماء الفقهاء!؟ فآلحرب ما زالت قائمة ولم تضع أوزارها ضد الفكر و المفكرين و الفلاسفة ؛ بل ما زال قائماً و ما زال ا لمفكريين الحقيقيين و الفلاسفة العرفاء متغربون حتى في اوطانهم, فهذا محمد باقر الصدر تمّ القصاص منه بآلأمس القريب بعد الأعلان على محاربته و محاصرته على كل صعيد من قبل مقربيه و أجهزة السلطة البعثية الظالمة, لانه برهن لأقرانه من آلفقهاء بأن الأسلام لا ينحصر على مجموعة أحكام عبادية أو طقوسيّة و كفى ؛ بل الأسلام يُمثل كل جوانب الحياة الأخلاقية و الأقتصادية إلى جانب العبادية, فقامت قيامة المُدّعين و المراجع و كفّروه و وشوا به للسلطان وشاركوا في قتله و إغتياله .. و رفض مساومة الظالم الذي ركع أمام بيته صاغراً بكلّ معنى آلكلمة؛ طالبين منه فقط كلمة تأئييد واحدة مقابل صك مفتوح و أمكانات هائلة ؛ لكنه قال لهم: طريقي غير طريقكم .. بينما غيره و لاجل دنيا ذليلة ركعوا والهين أمام الطاغية معلنين تأئيدهم بل و وقوفهم أمام السلطان بكل ذلة .. و هكذا مضت الأيام و أخذ العراق و العراقيين نصيبهم من الذل بسببهم خصوصاً الأحزاب الأسلامية و غيرها و التي إدعت بأنها توالي الصدر و تعمل تحت قيادته .. بينما لم يناصره ولا عضو واحد منهم أيام المحنة, بل الجميع تبرؤوا منه و هرب بعضهم من قادسية صدام .. من الموت و ليس لنصرته أو نصرة الأسلام و نهجه. و ما زال الأمر قائماً ؛ و إن اهل الدكاكين من الأحزاب و التيارات و المراجع المخلتفة : ترى أن أي تطور فكري أو نظرية جديدة ؛ إنّما تؤثر على كسبهم و رواتبهم و إرتزاقهم و ربما إغلاق دكاكينهم ؛ لهذا و لمجرد سماع كلمة أو همسة معاديّة من فيلسوف ينتقد تصرفاتهم و نفاقهم و نهبهم و دجلهم ؛سرعان ما يهبون و يحملون عليه لتكفير ذلك المدعي و كما فعل أجدادهم عبر التأريخ حيث أشرنا لجوانب و أمثلة كثيرة و واضحة على ذلك في مقالات سابقة مشابهة, و ها نحن اليوم نواجه نفس المصير حين أشرنا بأن حزب مثل حزب الله أو حزب الدعوة أو منظمة أمل أو منظمة جعجع أو لحد أو أمثالهم و هم كثر؛ إنما إتخذوا الدّين و الأسلام غطاءاً لجيوبهم و وسيلة لأرتزاقهم لتأمين مصالحهم الآنية مدّعين بغرور كاذب الدفاع و الجهاد للأسلام, بينما لا تجد صفة واحدة من أخلاق و قيم الأسلام و المؤمنين في وجودهم و من بعد يمكنك كشف دنائتهم و تكبرهم و لهوثهم وراء الرب الحقيقي (الدولار) بكل ذلة, و هم يسرقون حتى الفقير الأعمى! لهذا ترى شعوبنا و منهم – المسلمون – و رغم أنهم يملكون المنابع و الخيرات الاقتصادية و الصناعية و الزراعية المختلفة كآلنفط و المعادن و الأراضي الصالحة و الأنهار و المياة و المواقع المخلتفة: لكن معظمهم يستجدون و يشحذون و يلجؤون لبلاد "الكفر" حال ما وجدوا منفذاً لاجل الإستجداء و الفساد و الظلم و السرقة. و السبب كما أشرنا لأنهم لا يكرهون ولا يعادون سوى الفكر و الفلسفة و الثقافة و العلم و الادب .. لهذا لا بد ان يكونوا تابعين أذلاء لسلطة الدولار دوماً ما لم يغييروا ما بأنفسهم . مكتبة الإسكندرية : سطا الرومان على مصر في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ولكن عندما رأى يوليوس قيصر أنه وقع في مطب بعيدًا عن روما بقواته المحدودة، قرر أن يدمر الأسطول المعادي الموجود في الميناء، وهو أسطول تلقى المدد من خمسين باخرة أخرى وصلت على عجل لمساعدة أعدائه، وقد اشتعل الحريق الكبير حتى انتشر إلى أبعد مكان، وانتقلت النيران بسرعة البرق فوق السطوح والجدران، وعلى هذا النحو تم تدمير مكتبة الإسكندرية الكبرى عام 48م. مكتبة القسطنطينية : أسس الإمبراطور قسطنطين الكبير مكتبة القسطنطينية عام 330م، وكانت ضخمة وغنية بالكتب، حيث كانت تحتوي على 7 آلاف كتاب، ولم تكن كلها مسيحية، وبعد مئة عام من تأسيسها وصل عدد الكتب إلى 120 ألف كتاب، وهو رقم لا يمكن تجاوزه عام 475م، حيث كانت أكبر مكتبة في العالم آنذاك. حظ المكتبة العاثر شاء أن يستولي على السلطة بشكل غير شرعي شخص قليل الكفاءة يُدعى بازيليسكوس، ودامت سلطته بضعة أشهر فقط انتهت بالفوضى واندلاع الشغب في الشارع، مما أدى إلى اندلاع حريق كبير في المدينة أتى على المكتبة كلها وحولها إلى ركام من الأنقاض. مكتبات بغداد : في أواسط القرن الثالث عشر، كانت توجد 36 مكتبة في العاصمة العباسية، هجمت عليها عصابات هولاكو واستباحتها، وحرقت قوات المغول كل مكتبات بغداد، ورمت خلال أسبوع في نهر الفرات عددًا مهولًا من الكتب، لدرجة أن قوات المشاة من الجنود والفرسان اتخذتها جسرًا تمر عليه، وأصبحت مياه النهر سوداء قاتمة بسبب حبر الكتب والمخطوطات. كتب اليهود : تعرضت كتب اليهود في القرون الوسطى لتنكيل مستمر، حيث كان يعتقد أباطرة وباباوات المسيحية أنها تحتوي على تلميحات سلبية تجاه العذراء وابنها المسيح. رمت قوات المغول خلال أسبوع في نهر الفرات عددًا مهولًا من الكتب، لدرجة أن قوات المشاة من الجنود والفرسان اتخذتها جسرًا تمر عليه، وأصبحت مياه النهر سوداء قاتمة بسبب حبر الكتب والمخطوطات, الملك السوري أنطيوشوس بدأ تلك الملاحقات، ولكن الشخص الذي بالغ فيها هو البابا غريغوار التاسع، حيث حرض ملوك ومطارنة فرنسا وإنجلترا والبرتغال وإسبانيا والبرتغال لجمع كتب اليهود وتسليمها إلى رهبان المسيحية، وفي 1242م، انطلق الفرنسيون قبل غيرهم وحرقوا حمولة 14عربة من الكتب في الساحة العامة بباريس أمام الناس ثمّ أتبعوا ذلك بحرق حمولة 10عربات أخرى في يوم آخر. محاكم التفتيش في الغرب : في عصر محاكم التفتيش، كانت تُصلى بالنار أجساد الرجال والنساء أكثر مما يجري من حرق للمكتبات، كما أخبرنا فولتير. وفي 1515م أعد مجمع لاتران القرار البابوي الذي أمر بإتلاف الكتب المترجمة من اليونانية والعربية والعبرية والكالدية إلى اللغة اللاتينية، وكذلك الكتب التي تحتوي على مغالطات في الإيمان أو تلك التي تدعو لـ"العقائد المفسدة"، كذلك الكتب التي تسيء للشخصيات المرموقة. كتب الصين : في 1772م، أمر الإمبراطور الصيني كيان لونغ بضرورة البحث في المحفوظات العامة والخاصة، طوعًا وعنوة، عن جميع كتب الصين النادرة من مخطوطات أو مطبوعات، بحجة جمعها في موسوعة شاملة، وبالفعل جرت مصادرة 79.337 لفافة في 6 سنوات، لكن بعد جمع هذا العدد الهائل، أمر "لونغ" بحرق أي كتب لمعارضيه. وفي 11 من يونيو 1778م، شهدت بكين تنظيم عملية حرق هائلة للعديد من نسخ الكتب المصادرة. مكتبة الكونجرس الأمريكي : على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية أنها لم تتعرض لاعتداء على أراضيها قبل 11 من سبتمبر 2011، فإن التاريخ يخبرنا أن ذلك غير صحيح، ففي عام 1800م أنشا الكونغرس الأمريكي مكتبته بعد أن حصلت على أول دفعة كتب من لندن تمثلت بـ740 عنوانًا، وفي 24 أغسطس 1814، أضرم جيش الغزو البريطاني النار في الكونجرس والثلاثة آلاف كتاب التي كانت تحتويها المكتبة آنذاك. المكتبة الفرنسية : اندلعت الحرب الفرنسية البروسية في أغسطس 1870م، وأُجبرت مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الاستسلام بعد سقوط 193 ألف قنبلة بروسية عليها، ولكن كانت المكتبة الفرنسية قد احترقت وبداخلها 400 ألف كتاب. هولوكوست الكتب : مساء 10 من مايو 1933م، وبعد وصول هتلر للسلطة بأربعة أشهر، تجمع وفد كبير من الطلبة الألمان بساحة دار الأوبرا في برلين، كان الطلبة يرتدون لباس مهرجانات اتحاداتهم ويحملون المشاعل بأيديهمـ وجُلبت لهم شاحنات الكتب التي اعتبرها النازيون مخالفة لأيدولوجيتهم، حيث تم سحبها من مكتبات ألمانيا قبل هذا اليوم بعدة أسابيع. في 25 من أغسطس 1992م، دكّ الصربيون بقنابلهم الفوسفورية مدينة فيجكنيكا التي كانت تحتوي على مكتبة ضخمة ظلت تحترق لمدة 3 أيام كاملةفي تلك الليلة، أضرم الطلبة النيران في أكثر من 20 ألف كتاب. مكتبة ليتوانيا الوطنية : تأسست المكتبة الوطنية في ليتوانيا عام 1919م، وضمت 20 ألف مجلد عام 1941م أتلف الجيش الألماني منها 19.175 مجلد، ثم احتل الاتحاد السوفييتي البلاد، وجرت عمليات تخريب في إطار عملية "تخليص المكتبات من المطبوعات الخطيرة أيدولوجيًا"، هكذا تم إرسال 37 طنًا من الكتب إلى مصنع لعجينة الورق خلال عام 1950م وحده. مكتبات كمبوديا : سيطرت عصابات "الخمير الحمر" على الحكم في كمبوديا عام 1975م، وخلال 3 سنوات من الحكم الدموي المطلق، تم قتل ثلث السكان، ودُمرت 5857 مدرسة و1987 معبدًا بوذيًا و108 مساجد وكنائس و796 مستشفى، وأُعلنت الحرب ضد الورق، إذ أُلغيت العملة ووثائق الهوية، وأصبح امتلاك صورة عقوبته الموت، وبالطبع في هذه الأجواء الدموية لم ينجُ الكتاب من الهلاك، حيث انقضّت تلك العصابات على المكتبات وفي مقدمتها المكتبة الوطنية، وتحول 70 ألف مجلد إلى رماد وفتات، والحال نفسه بالنسبة لكليات الآداب والعلوم والتربية عندما أُحرقت أكداس هائلة من الكتب بالقرب من قاعات المحاضرات. مكتبة سريلانكا: في 31 من مايو 1981، هجمت شرذمة من رجال الشرطة في سريلانكا على مكتبة "جافنا"، وأحرقوا مبناها المؤلف من طابقين، بمجلداتها الـ97 ألف المكتوبة على الورق والألواح، من بينها 150 دراسة عن تاريخ "جافنا" اختفت كلها في اللهب. مكتبة البوسنة : في 25 من أغسطس 1992م، دكّ الصربيون بقنابلهم الفوسفورية مدينة فيجكنيكا التي كانت تحتوي على مكتبة ضخمة ظلت تحترق لمدة 3 أيام كاملة، ورغم الخطر الكبير كان الناس يخرجون من بيوتهم للمشاركة في درء المأساة دون جدوى، حيث تحولت أعمال الشعراء والنقاد والكتب الدبلوماسية وكل ما كانت تحتويه المكتبة إلى غبار، ويبدو أن المعتدين لم يكونوا يأبهون بكتبهم نفسها عندما أحرقوا أيضًا رفوف الكتب الكرواتية والصربية داخلها. مكتبة كابول : ازدهرت مكتبات أفغانستان خلال السبعينيات، كان كل مترجم كاتبًا والعكس في أثناء الحقبة السوفيتية، هذا كله تغير على يد "طالبان"، ففي 1996م دمر التنظيم مكتبة كابول العامة التي كانت تحتوي على 55 ألف مؤلَّ". مكتبات العراق : هبت رياح الجنون على العراق في أبريل 2003م، وتم نهب متاحف بغداد والموصل، وأكثر من 10 آلاف موقع أثري، بخلاف المعابد، باختصار تم نهب العراق. بالطبع لم تسلم مكتبات العراق من هذا التخريب، حيث تم تدمير المكتبة الوطنية العراقية التي تأسست عام 1961م في بغداد، وكانت تضم في الثمانينيات 417 ألف مجلد و2618 مجموعة من الصحف والدوريات و4412 كتابًا نادرًا، وقُدرت مقتنياتها عشية الغزو الأمريكي بمليوني مطبوعة رقمية، من بينها أكبر مجموعة في العالم من الصحف العربية. بعد الغزو، لم يبق من المكتبة الوطنية العراقية سوى طبقة سمكية من الغبار يمكن لليد أن تلجها دون أي مقاومة، كما تعرضت للنهب والحرق في الوقت نفسه مكتبة الأوقاف الواقعة على بُعد 500 متر من المكتبة الوطنية.المضنون به على غير أهله. علماء تخلصوا من كتبهم بأنفسهم : عرف أبو حيان التوحيدي كعالم موسوعي لقب بفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، وجمع إضافة للفلسفة والأدب علوم البلاغة وعلم الكلام والتصوف وغيره، وعاش أغلب عمره الطويل في بغداد، وتميزت مؤلفاته بتنوعها وغزارة مضمونها وأسلوبه الأدبي البارع الذي اشتمل على وصف للأوضاع العامة في عصره. لكن التوحيدي الذي ألف "الإمتاع والمؤانسة" و"المقابسات" و"البصائر والذخائر" أحرق كتبه في أواخر عمره ضنّاً بها على من لا يقدرها بعد وفاته واشتكى من تجاهل إبداعاته والفقر وقلة الرزق، وكتب لأحد أصدقائه يبين له أنه ليس أول من أحرق كتبه "فلي في إحراق هذه الكتب أسوة بأئمة يقتدى بهم". وذكر التوحيدي في رسالته أيضا نماذج لمن سبقوه، أبرزهم سفيان الثوري الذي مزق كتبه وطيرها في الريح، وأبو عمرو بن العلاء الذي دفنها في باطن الأرض بلا أثر باقي، وداوود الطائي الذي "طرح كتبه في البحر وقال يناجيها "نعم الدليل كنت، والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول، وبلاء وخمول"، وأبو سليمان الداراني الذي جمع كتبه في تنور وسجرها بالنار ثم قال "والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك". وذكر جلال الدين السيوطي في "طبقات اللغويين والنحاة" أن أبا حيان التوحيدي أحرق كتبه لما انقلبت به الأيام ووجد أنها لم تنفعه، فجمعها وأحرقها ولم ينج منها غير ما نقل أو تم نسخه قبل إحراقها، وروى التوحيدي كذلك عن شيخه أبو سعيد السيرافي سيد العلماء أنه قال لولده محمد "قد تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير الأجل، فإذا رأيتها تخونك فاجعلها طعمة للنار". وهكذا تنوعت الأسباب التي دفعت علماء عصور التأليف العربي الذهبية للتخلص من كتبهم بأنفسهم سواء بالحرق أو الغسل أو الدفن أو التقطيع أو الإغراق أو غير ذلك، وتنوعت هذه الدوافع بين الخوف من إساءة توظيفها والفقر وقلة الانتفاع بها أو تقديرها أو نجاحها في القيام بدورها المؤقت أو حتى التنسك والرغبة في خفوت الذكر. الزهد و الوصول : اعتبر بعض الكتاب أن هدف الكتابة الوحيد هو أن تكون جسرا إلى الخالق، فما إن يتحقق الوصول حتى يسعوا لحرق الكتب التي استعانوا بها في الرحلة، وقال أحمد بن الحوّاري وهو من أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري، مخاطبا كتبه التي أغرقها "يا عِلم، لم أفعل بك هذا استخفافا، ولكن لما اهتديت بك استغنيت عنك"، وقال أبو سليمان الداراني مخاطبا كتبه "نعم الدليل كنتِ، والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال". واعتبر بعض العلماء أن عدم إخلاص النية في تأليف الكتب يستدعي التكفير عنه بالتخلص من الكتب، وذكر الذهبي عن بشر الحافي الزاهد المعروف "أنه قيل له ألا تشتهي أن تحدث؟ قال: أنا أشتهي أن أحدَّث. وإذا اشتهيت شيئا تركته".وروي عن الفقيه الزاهد داود بن نصير الطائي أنه ترك طلب الفقه وأقبل على العبادة ودفن كتبه، وأوصى الفقيه الكوفي الزاهد سفيان الثوري بإحراق كتبه، وقيل إنه دفن بعضها بنفسه وإنه كان نادما على بعض ما كتب فيها, وروي عن الشاعر أبي الحسين عاصم العاصمي الكرخي أنه مرض وغسل ديوان شعره في أواخر حياته، ونقل أبو محمد عبد الله اليافعي في مرآة الجنان أن العاصمي كان شاعرا مشهورا ظريفا صاحب ملح ونوادر وأخلاق فاضلة.ونقل اليافعي كذلك عن أبو بكر السمعاني التميمي أنه غسل ديوان شعره لئلا يؤثر ذلك في قيمة ما كتبه في الفقه الشافعي والحديث. وروي عن أبي عمرو بن العلاء الذي كان إماما في القراءة وعلوم اللغة أنه تنسك فأمر بحرق كتبه أو تخلص منها. حفظ العلم بإتلاف الكتب! وتخلص بعض العلماء من كتبهم خوفا من التلاعب بها من بعدهم، أو دس فيها ما ليس منها، وأشار الخطيب البغدادي في كتابه (تقييد العلم) ؛ [إلى أن بعض المتقدمين كان إذا حضرته الوفاة أتلف كتبه بنفسه أو أوصى بإتلافها , خوفا من أن تصير إلى من ليس من أهل العلم، فلا يعرف أحكامها، و يحمل جميع ما فيها على ظاهره، و ربما زاد فيها ونقص، فيكون ذلك منسوبا إلى كاتبها في الأصل]. وهذا كله وما أشبهه قد نقل عن المتقدمين الاحتراس منه". وورد عن أبي عمرو الكوفي الذي أسلم في حياة النبي وروى الحديث وتوفي في القرن الأول الهجري أنه دعا بكتبه عند وفاته ومحاها وقال "أخشى أن يليها قوم يضعونها في غير موضعها"، بحسب ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم وفضله". وأوصى المحدّث شعبة بن الحجاج أن تغسل كتبه بعد وفاته، وذكر ابنه سعد أنه غسلها، وأضاف سعد "كان أبي إذا اجتمعت عنده كتب من الناس أرسلني بها فأدفنها في الطين". وعلق شمس الدين الذهبي على كلام سعد بن شعبة في "سير أعلام النبلاء" قائلا "فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عدة من الحفاظ، خوفا من أن يظفر بها محدِّث قليل الدين، فيغير فيها، ويزيد فيها، فينسب ذلك إلى الحافظ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أبدا، وإنما انتخب من أصوله ما رواه وما بقي، فرغب عنه، وما وجدوا لذلك سوى الإعدام". ونقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء أن النحوي علي بن عيسى الشيرازي الربعي من القرن الرابع الهجري صنف تصانيف كثيرة منها شرح الإيضاح ومختصر الجرمي والبديع في النحو وشرح كتاب سيبويه، لكن الأخير غسله بنفسه بعد أن جادله أحد التجار في مسألة فيه فصب عليه الماء وغسله وجعل يلطم به الحيطان ويقول لا أجعل أولاد البقالين نحاة. ورغم أن بعض نسخ الكتب التي أتلفها مؤلفوها عمدا قد نجت بفضل وجود نسخ أخرى أو كانت قد انتشرت قبل إتلافها، فإن الخسارة العلمية التي نجمت عن هذا الإتلاف المتعمد قد تقارن بالخسارة التي تسبب بها إحراق السلاطين للكتب والمجلدات لأسباب سياسية. حرائق مخازن المعرفة على مر العصور.. المكتبات وتاريخ انتصار الهمجية : مستعربة إسبانية تتحسر على ضياع المعرفة العربية الأندلسيةعلى مر العصور تعرضت المعرفة الإنسانية لهجمات عديدة استهدفت محوها، وأتت نيران الجهل على العديد من المكتبات والسجلات والمخطوطات منذ الأزمنة القديمة وحتى العصر الراهن, وفي كتابه "إحراق الكتب: تاريخ الهجوم على المعرفة" -الصادر حديثا بنسخته العربية عن الدار العربية للعلوم ناشرون- يروي ريتشارد أوفندن -مدير مكتبات البودليان الشهيرة في أكسفورد والمسؤول الـ25 الذي يشغل المنصب التنفيذي الأول في مكتبة جامعة أكسفورد منذ عام 1987م- تاريخ إحراق الكتب والمكتبات والمخطوطات والهجوم على المعرفة، متنقلا في أزمنة ومدن مختلفة بينها الأندلس وبغداد وواشنطن وغيرها. المكتبة الفاطمية : مكتبة الفاطميين 2.6 مليون كتاب وفهرس عناوين خزانة الأمويين بقرطبة 900 صفحة.. تعرف على المكتبات في الحضارة الإسلامية عمل أوفندن في عدد من الأرشيفات والمكتبات المهمة، بما في ذلك مكتبة مجلس اللوردات، والمكتبة الوطنية في إسكتلندا (بصفته أمينا للمكتبة)، وفي جامعة إدنبرة حيث كان مديرا لمجموعات تؤرشف تاريخ تدمير المعرفة المسجلة على مدار 3 آلاف سنة الماضية. مخازن المعرفة : يقول المؤلف إن الحفاظ على شعلة المعرفة كان أمرا معقدا، ويشير إلى أن سجلات بلاد ما بين النهرين اُحتفظ بها في المعابد، وبحلول عام 1254م خزّنت السجلات في عهد ملك فرنسا فيليب أغسطس في مجموعة غرف مبنية لهذا الغرض في موقع مصلى سان شابيل بباريس، وفي المقابل استخدمت الوسائط الرقمية لحفظ التراث في العصر الحديث. ويقول أغناطيوس فيراندو فروتو المستعرب الإسباني والأكاديمي بجامعة قادس -للجزيرة نت- "إنَّ بعض وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في نشر الكتب والمخطوطات وأوعية الثقافة الأخرى وحفظ المعرفة، حيث هناك العديد من المنتديات والمدونات المتوفرة على الشبكة العالمية تدور مواضيعها حول الكتب والمخطوطات وما إلى ذلك". البروفيسور أغناطيوس فيراندو الأكاديمي بجامعة قادس في إسبانيا (الجزيرة). محرقة من ورق البردي : يدرس ريتشارد أوفندن المكتبات الأسطورية بعد مكتبة الإسكندرية، التي يقول إنها لا يزال يُنظر إليها -بالمُخيلة الغربية- على أنها أعظم مكتبة في الحضارات القديمة. ويقول الكاتب لقد خزّنت بها معرفة العالم كاملة لتضم 500 ألف مخطوطة، موضحا كيف قام الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر بإشعال حريق بأسطول بحري في البحر المتوسط إلى أن وصلت النيران إلى مكتبة الإسكندرية الكبرى وتمّ تدميرها وسُويت بالأرض تماما جراء الحريق عام 48 م. وتقول الأكاديمية والباحثة العراقية خديجة حسن جاسم -في حديثها للجزيرة نت- "ارتبطت ظاهرة إحراق الكتب والمكتبات في أغلب الأحيان وعبر التاريخ الإنساني بالحروب التي قامت بين الدول، واعتبر ذلك الإجراء من الأسلحة التي استخدمت في الحرب لطمس الهوية الثقافية للشعوب ورسالة تحذيرية للأعداء واستعراض للقوة أمام العالم". ويقول أوفندن إن الحرائق كانت من الحوادث الكبرى التي فقدت فيها العديد من الكتب، ومنها حريق المكتبة الإمبراطورية في روما عام 192 ميلادي، إذ "دمرت النيران المخطوطات الأصلية التي حوت نسخة العلماء الشهيرة من أعمال هوميروس، وهو أحد المؤلفين المؤثرين في العصر الكلاسيكي (وربما في كل العصور)". مكتبات الأندلس المحروقة : ويوضح ريتشارد أوفندن أنه كان هناك أكثر من 70 مكتبة في إسبانيا الإسلامية، ولم يعرف العالم أمة أحرقت كتب غيرها من الأمم أكثر من إسبانيا. كتاب [إحراق الكتب: تاريخ الهجوم على المعرفة] لريتشارد أوفندن صدرت ترجمته العربية حديثا, يقول المؤرخ العراقي الدكتور عبد الرحمن الحجي (1935-2021م) إنه بعد سقوط الأندلس أمرت السلطات الإسبانية الجديدة -عبر التهديد والوعيد ومحاكم التفتيش- السكان المسلمين بتسليم ما لديهم من الكتب والمخطوطات. ويضيف أن عملية جمع الكتب استمرت 7 سنوات، وبعد ذلك أُحرقت الكتب والمخطوطات التي تم جمعها في غرناطة في منطقة باب الرملة، وقَدر كثير من الدارسين الغربيين ما تمّ إحراقه ذلك اليوم بمليون مخطوطة. وتبدي المستعربة الإسبانية الدكتورة كارمن رويث برافو -من جامعة مدريد- تحسرها على فقدان تلك المعرفة، وتقول ؛ [إن ذلك أثّر في ذاكرتنا وتجربتنا الجماعية تأثيرَ المأساة والفقدان]. و تضيف [تمّ إحراق كتب عربية في غرناطة من قِبل الضباط في الجيش المنتصر على المملكة الأندلسية في 1492م، وما يزيد على خطورة العملية ومأساويتها أنها تمت بعد توقيع اتفاقية وعدت باحترام حقوق الغرناطيين الدينية والثقافية]. وتابعت [نعرف أنَّ كثير من الكتب النفيسة النادرة العربية الأندلسية أُرسلت إلى الخارج وبيعت، كما بقي بعضها في المكتبات المؤسساتية الرسمية، كمستشفى غرناطة الملكي، أو في مكتبات خاصة لأشخاص ذوي مكانة وقوة وثقافة نهضوية]. وبينت كارمن برافو في -تصريحها للجزيرة نت- أنه "مع مرور الزمن تبنّى حكام إسبانيا نمطا من الثقافة السلطوية ازداد استبدادا ومبالغة في الوحدوية، إلى حد أنهم منعوا استعمال اللغة العربية، كما منعوا امتلاك الكتب أو المخطوطات المكتوبة بها.. وبقيت الثقافة الإسبانية على هذه الحالة إلى بداية القرن الـ18". وبدوره، يؤكد المستعرب فيراندو فروتوس : [أنه من المعروف أن الكاردينال سيسنيروس الإسباني -و هو أمين سرّ الملكة إيزابيلا- أمر في عام 1500م بإحراق ما يزيد على 4 آلاف مخطوطة عربية ذات طبيعة دينية وتاريخية وشعرية محفوظة في غرناطة، ولم يستثن منها سوى ما يتعلق بعلوم الطب]. و يتابع ؛ [رغم كل ما حدث في تلك الحقبة من الزمان -من الاعتداء على المسلمين وعلى لغتهم وعلى ثقافتهم- فإن الثقافة الإسبانية اقترضت من الثقافة العربية عناصر وجوانب مهمة]. الإبادات الورقية : يستعرض ريتشارد أوفندن نماذج من عمليات إحراق الكتب، حيث يقول :[إن بيت المعرفة -الذي بناه في عام 991م الفارسي صبور بن أردشير- كان يحتوي على أكثر من 10 آلاف مجلد عن مواضيع علمية، لكنه دُمر في منتصف القرن العاشر]. و يرد في الكتاب قسوة الغزوات و التدمير المغولي في العراق، خصوصا أيام غزو تيمورلنك (1239-1400م)، حيث هدمها و أحرق مكتباتها، و لا سيما مكتبة بيت الحكمة في بغداد عام 656هـ، وهي أكبر مكتبة في العالم، حيث رمى أطنان الكتب و المراجع في النهر حتى اصطبغ باللون الأحمر. ويقول الباحث العراقي الدكتور (عبد الأمير زاهد) الأستاذ بجامعة الكوفة : [إنه بعد غزو المغول لبغداد 1258م- 656هـ حدث الإحراق لأسباب التفاوت الفكري بين جماعات المغول المحتلة وأهل البلاد المحتلة، إذ أن بغداد كانت عاصمة لديها تاريخ طويل في إنتاج العلوم، لذلك أحرق المغول مكتباتها]. ويشير زاهد ؛ إلى أن إحراق المغول [ليس له دوافع دينية أو مذهبية، إنما كانت دوافعه سياسية (بدوية)]، لكن إحراق مكتبتي قرطبة وغرناطة 1492م كان لدوافع دينية، وكل هذه الدوافع أضرت المعرفة إضرارا بالغا، و بسبب الإحراق والإتلاف ضاع الكثير من التراث، وحسبك الفهرست لابن النديم الذي فيه مئات الآلاف من عناوين الكتب الضائعة". مخطوطات بدلا من الحجارة .. و يتتبع المؤلف الحديث عن عمليات إبادة الكتب والمخطوطات، فيقول ؛ [إنه في أثناء الحرب البريطانية الأميركية 1812-1814م، هاجم البريطانيون واشنطن، وأضرموا النار بالبيت الأبيض ومبنى البرلمان الذي كان يحوي مكتبة الكونغرس المملوءة بالكتب القيمة، حيث احتُقر البريطانيون جداً بسبب فعلهم الهمجي. و حين "سطعت" وجوه الجنود باللهب قال أحد أولئك الجنود [لا أتذكر أنني شهدت في أي فترة من حياتي مشهدا أشد أسرا أو مهابة]. و يبيّن الكاتب؛ [أن الولايات المتحدة كانت قد شنت هي الأخرى هجوما على المدينة البريطانية يورك (حديثا تورنتو) في أبريل/نيسان 1813م، أدى إلى إحراق المكتبة في مباني السلطة التشريعية]. و يذكر المؤرخ الألماني يوهان ليتزنر من القرن الـ16 أنه في بلدة ووكنريد حُرقت مكتبة ضخمة في عشرينيات القرن الـ16، و تم استخدام مجلدات ثمينة من مكتبة الدير بدلا من الحجارة للمشي في الطرق المُوحلة. حرائق المعرفة : و يتابع أوفندن أنه تم حريق الكتب النازي لأكثر من 20 ألف كتاب أمام عيون الجميع، لمجموعة من أعمال كتّاب ألمان شهيرين في ساحة أوبرا برلين. و يؤكد الكاتب أنّ صعود هتلر للسلطة في 10 مايو/أيار 1933م كان مجرد تمهيد لما يمكن أن يُعد أكثر عمليات إزالة الكتب من الوجود تهيئة وتجهيزاً عبر التاريخ. و يقول المؤلف : [بالعراق أثناء الغزو الأميركي في أبريل/نيسان 2003 لم يتم تدمير معظم السجلات المهمة، بل نُقلت إلى الولايات المتحدة]. أَمَّا الباحث العراقي (عبد الأمير زاهد) فله رأي أخر، حيث يقول في -تصريحه للجزيرة نت- : [كانت هناك فرق مجهولة الهوية في العراق تحرق المكتبات، وقد أحرقت دار الكتب والوثائق ببغداد والمكتبة المركزية لجامعة بغداد، ومكتبة الأوقاف المركزية ومكتبات أخرى]. ويُذكر أنه في عام 2007م بقيت النيران مشتعلة في شارع المتنبي ببغداد 5 أيام، وقد أتت على آلاف الكتب التي تحويها المكتبات المتراصة على جانبي الشارع. وعن أسباب إحراق الكتب والمخطوطات تؤكد المستعربة كارمن رويث برافو -في حديثها للجزيرة نت- أن [هناك سببين؛ فمن جهة تجدون نُخبويّة ثقافية لا تؤمن بفوائد دَمْقرطة الثقافة و ترمي إلى الرقابة و إلى الحفظ بسيطرة العقول التامة و بأية طريقة كانت .. ومن جهة أخرى تجدون دوافع سياسية بحتة و منها تقديم تراث الأخر ليكون سلاحا عدواني يقصد الاصطدام بثقافتنا ولا يريد حوار اللغات والثقافات وتعددها وتعاونها في جو سلمي]. سراييفو : أمَّا المعلومات الأكثر إثارة التي ذكرها ريتشارد أوفندن في كتابه، فإنها تلك التي تتعلق بالهجوم بواسطة القنابل والقذائف الحارقة على المكتبة الوطنية والجامعية في البوسنة والهرسك، و التي تأسست عام 1945م، حيث كانت توجد في مبنى يطلق عليه اسم فياشنيكا (دار المدينة) على يد المليشيا الصربية أثناء حصار [سراييفو) في مساء 25 أغسطس/آب 1992. يقول أوفندن -دون مواربة- [كانت المكتبة هي الهدف الوحيد للهجوم]. و يقول : [تم إحراق هذه المجموعة المؤلفة من مليون ونصف المليون كتاب ومخطوطة وخريطة وصورة وغيرها من المقتنيات]. ويوضح؛ [استغرق احتراق المكتبة بالكامل 3 أيام (من 25 وحتى 27 أغسطس/آب]. ويؤكد الكاتب؛ [أنها كانت جزءاً من عملية إبادة منظمة بدقة متناهية، هدفها الأقصى محو الآثار الماديّة للوجود الإسلامي في البلقان و الذي يعود بجذوره إلى عدة قرون]. و من جانبه، يقول المستعرب أغناطيوس فيراندو ؛ [لعل الدافع الأساسي هو رغبة الطرف الغالب أو القوي في الانتقام من الطرف المغلوب أو المستضعف، و بما أن الكتب والمخطوطات تعتبر رمزا متميزا من رموز الثقافة لدى شعب ما، فإن إحراقها بمثابة ضربة شديدة عليه و إبراز من لديه السلطة و من لا يحق له التعبير عن أفكاره و معارفه علناً من خلال المؤلفات المكتوبة],ويشاطره الرأي عبد الأمير كاظم، فيرى؛ [أنَّ القوى الظلامية لا تتكيف مع مجتمعات مستنيرة تعطي للمعرفة دورها]. ملاحظة أخيرة: يُبرر الكاتب ألمصريّ ألمعروف (عباس محمود العقاد) لعمر قضية حرقهِ للمكتبات و المعارف و العلوم, رغم إنّهُ أيّ(عمر) كرّر ذلك و بتصريح و توثيق من القائد (عمر بن العاص), مرة في مكتبة الإسكندرية و مكتبة الشاه في البلاط الملكي بعد فتح بلاد فارس و غيرها, و كما أكّد ذلك المؤرخ العربيّ الكبير (إبن خلدون) في مقدمته ص373م, لكن العقاد بلا دليل برّر و نفى ذك, حيث قال: [أميل إلى عدم إقدام عمر على ذلك, و لا أعتقد ذلك] .. و غيرها من الظنون, و هي بعيدة عن أيّ سند تأريخي, راجع: http://www.natharatmouchrika.net/index.php/latin-articles/in-english/item/2929-2017-02-18-07-21-55 ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.