Wednesday, October 13, 2021

ألمحور المنسي في عملية التغيير و الأصلاح:

ألمحور ألمنسيّ في عمليّة ألإصلاح و آلتّغيير: تعتبر هذه الصفحات المعدودة: بمثابة الملحق لما كتبت عن العراق لخلاصه من أيدي الفاسدين الذين تحاصصوا كل شيئ! ففي رسالتي ألثّالثة(ألأخيرة) للسّيد مقتدى الصّدر في مجال (أسس ألحكم في الإسلام) طبقا للنظرية العلويّة – الكونيّة؛ ذكرت تفاصيل كثيرة حول أسباب ألأزمات ألعراقيّة و إستفحالها, و فقدان النظرية المطلوبة تحقيقها, و بآلتالي ألمستقبل الخطير الذي سيواجه الجّميع .. خصوصا الفقراء منهم و الذي بات قاب قوسين أو أدنى , حيث نبهتهم بعد فوزهم المُجدّد و للمرّة الثانية بوجوب إقامة حدود الله لتحقيق العدالة و أمامه تجربة واضحة و شعب مؤيّد له و جيش بل جيوش مطيعة له إجمالاً, لأخذ حقّ المحرومين الذين يُعانون من كل شيئ و تزداد معاناتهم و شظف العيش و المرض و الفقر و الجوع و الأوبئة و فقدان الخدمات و الكهرباء و السكن, حيث يعيش ربع الشعب العراقي في آلبيوت العشوائيّة التي تقوم السلطات الظالمة يوميّا بهدمها على رؤوس أهلها الفقراء.. و في مقابل ذلك نرى الطبقة السياسية المتنعّمة التي لا تخاف لا من الله و لا من القانون المسيس بحسب مقاسات جيوبهم؛ يتمتّعون بآلقصور و البيوت و آلرّواتب التقاعديّة المسلوبة من حقّ و دمّ الفقراء و المساكين و المشرّدين و المهاجرين ألّذين إمتلأت بهم دول العالم حيث وصل عددهم لـ 5 مليون نسمة تقريباً. و هناك حديث عظيم يبدو أنهُ منسيّ تماماً .. أو لم يطّلع عليه ألمدّعين للدِّين و العدالة و الإستقامة و الفقه؛ وهو حديث عظيم بسند صحيح و معتبر لدى المذاهب خصوصاً مذهب أهل البيت(ع), حديث يُدين و يتعلّق بوضوح و بيّنة بألمُدّعيّن للدِّين و وجوب إستقامة القيادة المرجعيّة لكونهم هم آلسّبب في (فساد) أو (صلاح) ألأمة في نفس الوقت, و نودّ هنا تذكيرهم به(الحديث), علّهُ يردعهم عن ما هم فيه من آلإجحاف بحقّ الله تعالى وعباده المظلومين إن كانوا متّقين, وهو: قال القرطبي كما ورد في شرح أصول الكافي بعد نقله لحادثة المواخاة بين المهاجرين و الأنصار؛ [آخا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بين على بن أبي طالب ونفسه فقال: أنت أخي و صاحبي، و في رواية أخرى: أخي في الدنيا والآخرة، و كان علي (رضي الله عنه) يقول: [(أنا عبد الله و أخو رسوله، لم يقلها أحدٌ قبلي و لا بعدي إلّا كاذب مُفتر)، و آخا بين أبي عبيدة بن الجراح و أبي طلحة, و بين أبي بكر وخارجة بن زيد وبين عمر و عتبان بن مالك، و بين عثمان و أوس ابن ثابت أخي حسان بن ثابت، و هكذا بين بقيتهم], و نصّ الحديث عن الأمام الصادق(ع) و هو إستاذ أئمة المذاهب الأسلامية: [لأحملّن ذنوب سفهائكم على علمائكم , قالوا له؛ لماذا يا سيّديّ .. ما ذنب العلماء؟ قال: ذنب العلماء هو أنهم برّؤوا آلسّفهاء و يغبتون, و لم يأمروا بآلمعرفو و لم ينهوا عن المنكر](1). لذلك .. الإصلاح مسؤولية عامة تحكمها الأولويّات: ألتجربة العملية بجانب ألأدارة الحديثة و المؤهلات العلمية و الأمانة التي بيّنا حدودها و مصاديقها؛ هل الكفيلة لأنجاح أية عملية إصلاح و بناء و تقدم .. و الحال لا نملك في العراق خصوصا الحزبيين لمعرفتي الدقيقة بمناهجم البالية و بآلشخصيات التي تحكمها؛ لهذا كان الخراب نتيجة طبيعة و محتملة توصلت لها حتى قبل سقوط النظام بعشر سنوات تقريباً و قد عرضنا الدلائل وقتها و المصاديق بانت واضحة فيما بعد على تلك التوقعات, لكن ساحتنا و بسبب موت البصيرة لم يدرك قادتها ولا معظم مراجعها ما عرضناه من الحقائق و لحدّ هذه اللحظة لفقدان المعايير الكونية. وسؤآلنا المكرّر نعيده هنا لأهميّته, وهو : لماذا يا ترى يقصر العلماء و حتى بعض المراجع و مقلّديهم من أبناء الأمة الإسلامية ناهيك عن الأحزاب الموجودة التي أثبتت فشلها و نهبت كآلقراصنة ما أمكنها و إختفت بلا رجعة فرحة برواتبها الحرام .. بعد ما فشلت في أداء تكاليفها, بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ولماذا لم يلتفت الكثير من المنتسبين للإسلام لهذا الواجب الشديد الأهمية والحساسة و المصيرية لأنها تتعلق بآلدّنيا و الآخرة؟ فلو سألت أغلبهم و أسيدهم حتى بعد الذي كان : من هو آلمسؤول عن الإصلاح و إقامة العدالة في المجتمع؛ لَمَا تردّد أكثرهم من أن يُسْمِعُك قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم : [كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته](2), محاولاً تبرير فساده بإلقاء اللوم على الغير سواء كان على الداخل أو الخارج! والقرآن الكريم كما آلرّسول؛ كما العلي الأعلى قد حدّدوا حتى نوع العلاقة بين مجتمع المؤمنين بالولاية قائلاً: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ (التوبة/71), إلى جانب المحددات المطلوبة في المسؤول و كما بيّنا أهمّها في مقالٍ سابقٍ(3). فكل واحد من المؤمنين تربطه بباقي الأفراد رابطة الولاء، وهو مسؤول تجاه أخيه المؤمن بأداء حقّ هذه الرابطة بما يتعلق بجميع أنحاء وجوده، ثم يكمل المولى عزَّ وجلّ‏ مبيناً كيف تُؤدى هذه المسؤولية: [يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ](ألتوبة / 71). فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناشئان من الولاية التي تشكل الرباط بين أعضاء المجتمع الإسلامي، وهو الممارسة العملية لهذا التوحد العاطفي والعملي لأبناء المجتمع ولذا فمسؤولية كلّ فرد أن يأخذ موقعه في نصرة المجتمع من خلال تقوى الله و القيام بواجبه الأنساني تجاه أخيه و خدمة مجتمعه, لا أن يكون عالة عليه و كما هو حال أعضاء الأحزاب و المليشيات و حتى الموظفين. ولكن قد نقع في حالة إهمال لهذه المسؤولية، فما هي العوامل التي تجعل أبناء الأمة يتخلفون عن أداء هذا الواجب المقدس!؟ لا بد من البحث عن هذه الأسباب بادئين بفهم و وعي عقيدة الأسلام, ذلك أن الإسلام العلوي لا يعرفه حتى المُدّعين للدين ناهيك عن غريهم, و بعدها ألأسباب النفسية التي تعود إلى مشكلات تتعلق بشخصية الأفراد و مسألة تغيير النفس و التسلّح بآلفكر لبدء عملية التغيير التي تقع على العلماء و الفقهاء و الفلاسفة قبل أيّ شخص أو جماعة .. ثم يأتي دور النخبة لبيان ذلك الفكر! هناك مرض خطير أصاب الناس بشكل عام حتى المسلمين, لهذا كانت له تجليات، وهو إشكالية علاقة الإنسان المسلم بالدّنيا بعبادة المال(الدّولار) بجانب الحرص والذي إنعكس على خطواته العملية في حياته، فإذا كان الإنسان شديد الحُبّ و الحرص لمال آلدّنيا و شديد الرغبة فيها؛ فإن هذا سيقلب أولوياته بمعنى تقديم دنياه على آخرته، فيتحوط لكل خطر على نفسه و ماله و عائلته، بينما لا يبالي بما يُؤدي إلى حفظ الكيان الإسلامي العام، وعليه فأمثال هؤلاء سيتركون (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إذا شكلّ أداؤهما مانعاً مقابل بعض المنافع الدنيوية, بل أعرف البعض من الذين ليس فقط فعلوا ما أشرنا .. بل أصبحوا جواسيس على أخوانهم و مجتمعهم, و قد وصفهم أمير ا لمؤمنين(ع) بقوله: [يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر. يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ويتبعون زلات العلماء وفساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلفهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها](4). و أشار الأمام الحسين(ع) أيضاً بقوله: [الناس عبيد الدنيا والدِّين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونهُ ما درّت معايشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّيانون](5). ويعلل الإمام علي عليه السلام في رواية نقلها عنه ابنه الإمام الحسين عليه السلام ذلك بأن اللَّه عاب على الربانيين والأحبار لعدم نهيهم عن المنكر قائلاً: [وإنما عاب اللَّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظَلَمة المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة مما يحذرون](6). والحميّة أيّ (الدّفاع مع آلشدة) فقد حدّثنا القرآن الكريم عن حمية الكافرين و إعتبرها حميّة الجّاهليّة. ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة﴾(الفتح:26) ، معرضاً بهذا النوع من الحمية، ولكن هناك حمية إيمانية هي مطلوبة بقدر مبغوضية حميّة الكفار. ومعنى الحمية الدينية هي وجود الغيرة و الدفاع الواعي في نفوس المؤمنين على دين اللَّه وعقائده ومقدساته بوجه الذين يتعدون حدود اللَّه وينتهكون حرمات الدين والمسلمين. وهذا ينم عن مدى مؤثرية الدين في النفوس. وقد صرح الإمام الحسين عليه السلام عن أحد أسباب غلو طاغية زمانه يزيد بن معاوية وجلاوزته في ظلمهم وتعدياتهم وطمعهم بأكثر مما ارتكبوا إلى درجة أصبح الموت في نظرهم أفضل من العيش مع أناس فقدوا هذه الغيرة والحمية فقال عليه السلام: [ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن بلقاء ربه محقاً](7) بل تصبح الحياة مع شيوع الفساد و الكفر و النفاق كسجن للمؤمن حين تكون جنّة للكافر بآلمقابل, و كما ورد عن النبيّ(ص) في حديث صحيح! قال الإمام الصادق عليه السلام: . [لا تسخطوا اللَّه برضى أحد من خلقه، و لا تتقرّبوا إلى أحد من الخلق بتباعد من اللَّه عز وجل](8) وفي موعظة بليغة لنبي اللَّه عيسى على نبينا وآله وعليه السلام يقول: [إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة، إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم قواعده، فلا تجد فيه النار معملاً, وكذلك الظالم الأول لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده أمام ظالم فيأتون به، كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشباً و ألواحاً لم تحرق شيئاً، من نظر إلى الأفعى تؤم أخاه لتلدغه و لم يحذره حتى قتلته، فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه أيضاً، من نظر إلى أخيه يعمل بالمعاصي و لم يحذره حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه, ومن استطاع أن يغيّر الظلم(الظالم) ثم لم يغيره فهو كفاعله، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم، لا ينتهي ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه، فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لا يفترون, أفحسب أن يقول أحدكم: لا أظلم ومن شاء فليظلم, و يرى الظلم فلا يغيره فلو كان الأمر على ما تقولون؛ لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم، حتى تنزل بهم العثرة في الدنيا](9). وعدم المبالاة وما سبقها من أمراض ستؤدي إلى استصعاب أداء هذه المهمة وترك القيام بها، وعلى الأقل ستؤدي إلى التردد في أدائها في أول ظهورها والمبادرة لعلاج الآفات مما سيؤدي إلى استفحال المرض وصعوبة العلاج إن لم يؤدِ إلى استعصائه على العلاج ووصوله إلى مرحلة خطيرة بحيث تصبح تكلفة هذا العلاج باهظة جداً إلى مستوى أن يكون الثمن هو دم كدم الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وتضحية كتضحياته وعياله. وقد رسم الإمام علي(ع) في بعض وصاياه موقع المال و النفس و الدّين وقيمة كل منها و مقامه بالنسبة لحياة المسلم فقال عليه(ع): [فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أن الهالك من هلك دينه و المريب من خرب دينه](10). أما الحديث ألمحوري الذي نقصده بشكل مباشر و المعنيّ الذي يمثّل ألعمود الفقريّ لعملية التغيير و الإصلاح ألجّذري في المجتمع الأسلاميّ - ألأنسانيّ خصوصاً (المجتمع المسلم) الذي يُمثل ذلك الحديث بآلمناسبة أيضاً أحد (المحاور الكونيّة الثلاثة) بخصوص عملية النهضة أو الثورة ألتغييريّة, فهو كما ورد عن: - سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن خطاب بن محمد، عن الحارث بن المغيرة، قال لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق المدينة فقال: من ذا؟ أَ حارث؟ قلتُ: نعم، قال: [أَمّا لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم ...](11). ثمّ مضى فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت, فقلتُ: لقيتني فقلت: (لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم)، فدخلني من ذلك أمرٌ عظيم، فقال: نعم, ما يمنعكم إذا بلغكم عن ألرَّجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به آلأذى أن تأتوه فتؤنّبوه و تعذّلوه و تقولوا قولاً بليغاً؟ فقلتُ لهُ: جعلت فداك .. إذاً لا يطيعونا و لا يقبلون منا؟ فقال: إهجروهم و إجتنبوا مجالسهم.و أخيراً فإن شرح مفاد قوله: [ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرّجل منكم ما تكرهون] من الذنوب و إفشاء السّر و خلاف الأدب (أن تأتوه فتؤنبوه و تعذلوه) - التأنيب: المبالغة في التوبيخ، و التعنيف و العذل: الملامة كالتعذيل و الاسم العذل محركة و اعتذل و تعذّل قبل الملامة (و تقولوا له قولاً بليغاً) أيّ بالغا متراقيا إلى أعلى مراتب النصح والموعظة من قولهم بلغت المنزل إذا وصلته أو كافيا في ردعه عن نكره كما كان يقال في هذا بلاغ أيّ كفاف أو فصيحاً مطابقاً لمقتضى المقام (فقلت له جعلت فداك إذا لا يطيعونا و لا يقبلون منا فقال: إهجروهم و إجتنبوا مجالسهم) هذا أيضا نوع من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و فيه فوايد: الأولى: ترك التشابه بهم؛ الثانية: ألتّحرز من غَضَب الله و عقوبته عليهم؛ ألثالثة: تحقق لزوم البغض في الله و ثباته؛ الرابعــة: رفض التعاون في المعصية فإن الوصل بالعاصي و المساهلة معه يوجب معاونته في المعصية و جرأته فيها؛ ألخامسة: بعثه على ترك المعصية فإن الوصل العاصي إذا شاهد هجران الناس عنه ينفعل و ينزجر عن فعله بل تأثيره قد يكون أنفع من القول و الضرب. صفات منبوذة لأهل المهن و السياسة و الفقاهة والقوميات و غيرهم لتجنّبها : سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن سيابة بن أيوب، و محمد بن الوليد، و علي بن أسباط يرفعونه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنّ الله يُعذّب (ألستة بالسّتة): ألعرب بالعصبيّة، و آلدّهاقين بالكبر، و آلأمراء بالجّور، و آلفقهاء بالحسد، و آلتّجار بالخيانة، و أهل ألرساتيق بالجّهل. أما قوله: (إن الله تعالى يعذب الستة بالستة) أيّ ستة أصناف بستة أوصاف .. واحداً بواحد: فـ(العرب بالعصبية), قيل: العصبية من لوازم الكِبر و كانت حقيقتها تعود إلى العصب عن تصوّر المؤذي مع الترفع على فاعله، و اعتقاد الشرف عليه، و كانوا قبايل متعدّدة، و كان الرَّجل يخرج من منازل قبيلة فيمرّ بمنازل قبيلة أخرى فيقع أدنى مكروه من أحدهم فينسب إليه و إلى قبيلته ما لا يليق فينادي هذا نداء عالياً أي آل فلان فيثور عليه فساق القبيلة ويضربونه، فمضى هو إلى قبيلته و يستصرخ بها يقصد به الفتنة و إثارة الشر، فتسل بينهم السيوف و تثور الفتنة و يقتل جم غفير ولا يكون لها أصل في الحقيقة ولا سبب يعرف. (والدهاقين بالكبر) قيل: دهقان: معرب دهبان، وفي المغرب، الدهقان: معرب يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر، وعلى من له مال وعقار، وداله مكسورة، وفي لغة تضم، والجمع دهاقين و دهقن الرجل و تدهقن: كثر ماله. (و الأمراء بالجور)؛ الأمراء لمشاهدة قوّتهم الفانية في نفوسهم. و هكذا بقيّة الصّفات النكرة للموصوفين ... نختم قولنا بآلإشارة إلى ألمثال الذي ذكرناه في آخر كتاب صدر لنا بعنوان؛ [ألطبابة الكونيّة ج2], و يخصّ طبيعة الحكم في أوساط الهنود الحُمر الذين يعتبرهم البعض من أدنى الشعوب في العالم للأسف : لقد قلنا و قرّرنا بأنّ آلظلم الذي يقع على إنسان واحد بحسب الفلسفة الكونية؛ هو ظلم يشترك فيه كلّ المجتمع بدرجات متفاوتة - خصوصاً حُكامه و علمائه و مسؤوليه المباشرين, حيث يُعتبرون مُشاركين بآلظلم مباشرة, لهذا نرى الهنود الحمر ولكونهم الطبقة الوحيدة ألتي حافظت على توازنها و فطرتها آلأنسانيّة المسالمة من بين شعوب الأرض لأسباب معروفة؛ منها الطبيعة التكوينيّة و لقمة الحلال لأنّ موردها على الأكثر من الزراعة و التواضع و آلتآلف و البساطة و المحبة الصّافية؛ لهذا تراهم حين يسرق فرد منهم أو يشذ عن وضع المجتمع الطبيعي؛ يجتمع على الفور جميع قادتهم و قضاتهم لحل الموضوع من الآساس ببحث الجذور والعلل! و ذلك بطرح سؤآل محوري على أنفسهم(القادة و القضاة) مفاده: [ما آلخطأ ألذي إرتكبناه نحن القادة و القضاة ليسرق ذلك آلمواطن/المواطنة]!؟ و لديهم عادات تدلّل على قمّة الأنسانية في تعاملهم .. منها: لو أُجري سباق معين, فأنهم لا يحتفلون بآلحائز على المركز الأوّل؛ بل يحتفلون و يشجعون الفائظ الأخير! كما طرحنا نفس تلك المضامين الواردة في بُعده الأجتماعي – الأخلاقيّ عبر همسة كونيّة: [لو زنت إمرأة في المجتمع؛ فيجب جلد المجتمع بدل جلد المرأة لأنه هو المسبب لخطئها]. أما في مجتمعنا فنرى العكس! بل نرى فوق ذلك ؛ أنّ الفاسد أكثر إحتراماً و مكانةً و علوّا لدى القادة و المشرعين و القضاة, و يكون معتبراً أكثر كلما كان متمرساً في الخيانة و النفاق أكثر أو نافذاً و خلفه من المسلحين و آلأحزاب المؤتلفة الحاكمة! لهذا لا أمل بإلأستقامة و إجراء العدالة و المجتمع فيه عشرات الطبقات و الدرجات الحقوقية و المعاشية بحيث يصل الفارق إلى مئات الأضعاف بين رئيس (موظف) و (موظف عادي) آخر, و كأن قوانين فرعون و حمورابي و نبوخذنصر و سرجون وحمدون وأوردغون وصدام هي الحقّ و قوانين الله و العليّ الأعلى ألذي ساوى مرتبه مع مرتب الفقير هي آلخطأ و آلوهم. لهذا فنحن متأخّرون عن ركب الأنسانيّة و نحتاج إلى (الأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر) بحسب قوانين الله لا كما كان سائدا للآن بآلخطأ و النهب والأرهاب و الظلم و الطبقيّة بكل أنواعها و أشكالها للأسف. فما هو (الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر) في الإسلام العلويّ لا ألأسلام ألتجاريّ؟ ألنسّبية ألحقّة في آلقانون إلإلاهي عند مُعاقبة ألشّعوب بشكل جماعيّ: لماذا يشمل العقاب الجمعي في حالات معيّنة المؤمنين مع الكفار و المعاندين و المشركين !؟ أمّا قانون الله في معاقبة الشعوب قياساً لموقفها و ميلها للحقّ أو آلباطل .. فهو بحسب ما ورد في أهمّ مصادرنا , و منها ما ورد في آلكافي - للشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٥٥, قم , إيران: 1- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن بشر بن عبد الله، عن أبي عصمة قاضي مرو، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: [يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون و يتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف و لا نهياً عن منكر إلّا إذا أمنوا الضّرر, يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير يتّبعون زلاة العلماء و فساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض و أشرفها، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب الله عز وجل عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب (1) و تحل المكاسب و ترد المظالم و تعمّر الأرض و ينتصف من الأعداء و يستقيم الأمر فأنكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. فجاهدوهم بأبدانكم و أبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته. قال: و أوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي (عليه السلام): أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال (عليه السلام): يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: (داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي). 2- علي إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن جماعة من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [ما قدست أمّة لم يؤخذ لضعيفها من قويها بحقه غير متعتع] معنى (ألمتعتع) بفتح التاء؛ أيّ من غير أن يصيبه اذى يقلقله ويزعجه عن (مجمع البحرين). 3- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عن محمد عمر بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب. 4- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 5- وبإسناده قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 6- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم ابن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى عن عقيل، عن حسن قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي و لم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك و إنهم لمّا تمادوا في المعاصي و لم ينههم الربانيّون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم يقطعا رزقا، إن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان فإن أصاب أحدكم مصيبة في أهل أو مال أو نفس ورأي عند أخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس فلا تكونن عليه فتنة فإن المرء المسلم البرئ من الخيانة ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت ويغري بها لئام الناس كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم ويدفع بها عنه المغرم وكذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة ينتظر من الله تعالى إحدى الحسنيين إما داعي الله فما عند الله خير له وإما رزق الله فإذا هو ذو أهل و مال ومعه دينه وحسبه، إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه واخشوه خشية ليست بتعذير. و لعلك أيها القارئ – الفطن – عرفت الآن و بعد آلغوص في أعماق المباني و المبادئ التي ذكرناها؛ سبب العذاب الجمعي!؟ وهو إن الله تعالى يريد أن يُوصل لنا رسالة هامّة للغاية تمثل كل الفلسفة من خلق الخلق في هذا الكون, وهي أن الشعوب و الأمم بجب أن تتحد و تتعاون في السّراء و الضّرّاء و كما أشار في آية (و لو شاء ربّك لجعل الناس أمة ...) سورة هود/118 حيث جعلها تعالى بمثابة الأمتحان النهائي لمصير الأمم التي يجب أن تتحد و تتعاون على البر و التقوى و تنفي الأنانية و الطبقية المقيتة التي تسبب الظلم لا محال! فيا سيدّنا الجليل مقتدى الصّدر سدّد الله خُطاك و من معك و كل مَنْ يريد أن يتصدى لهذا الأمر العظيم و هو واجب كفائي بشرطها و شروطها؛ و أَ لَستُم بمستوى (آلهنود الحُمر) لتطبيق تلك ألحكمة التي عرضناها لكم عنهم .. و بآلتالي تطبيق العدالة العلويّة في أوساط الناس ألذين إنتخبوكم و يأملون آلخير منكم لأنكم من نسب و نسل طاهر و تدعون لولاية الأمام عليّ على نهج رسول الله(ص) الذي هو نهج الله تعالى؟ خصوصا و أنت العارف في هذا الظرف؛ بمدى المظلومية الواقعة على هذا الشعب و الفقراء منهم بآلذات حيث ما زال ربع الشعب يعيش في البيوت العشوائيّة و نصفه تقريباً يعيش في الأجار بسبب سياسة الحكومات والأحزاب و طبيعة الدستور العراقي الفاسد و هكذا بقية المظالم الكثيرة ألمعروفة, فهل أنت لها هذه المرة؟ أم ستترك الناس ثانيةً لتكون أوّل المذنبيين يوم القيامة لا سامح الله بحسب الدلائل آلتي أوردناها, خصوصاً لو تسلط على الناس مناهج الضلال و آلأنحراف التي تولّد الطبقية و الظلم و الفساد و القتل و الأرهاب و الحرب كنهج صدام و مَنْ سبقه و لحقه؟ بقلم ألعارف الحكيم : عزيز حميد مجيد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١٢ - الصفحة ١٨٦ نقلاً عن القرطبي. 1- (2) بحار الأنوار، ج‏72، ص‏38 (3) راجع التفاصيل في المقال التالي : https://www.sotaliraq.com/2021/10/12/%d8%a3%d9%84%d8%b5%d9%91%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d8%a3%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%91-%d9%87%d9%88-%d8%a2%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d9%84%d9%88%d8%b6%d8%b9-%d8%a2%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7/ (4) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٥٥ (5) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٨٣. (6) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٧ - الصفحة ٧٩, و كذلك ؛ نهج البلاغة، ج‏1، ص‏223 (7) بحار الأنوار، ج‏44، ص‏381. (8) ألأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٥٧٧. (9) بحار الأنوار، ج‏14، ص‏308. (10) الكافي، ج‏2، ص‏216. (11) في حديث ورد عن آلأمام الصادق (ع): [ لأحملّن ذنوب سفهائكم على علمائكم , قالوا له؛ لماذا يا سيدي.. ما ذنب العلماء؟ قال: ذنب العلماء هو أنهم برؤوا ا لسّفهاء و يغبثون, و لم يأمروا بآلمعرفو و لم ينهوا عن المنكر]. ألمحور