Wednesday, October 28, 2020

أْ تمروا بآلمعروف (الحلقة الثالثة)

 

أْتَمروا بآلمعروف (ألحلقةُ آلثالثة)
بقلم العارف الحكيم عزيز الخزرجي
في آلحلقة الماضية بيّنا؛ أسرار خلق الله تعالى في خلقه للوجود من العناصر الأربعة و للأنسان من آلحمأ ألمسنون(السيان ألآسن)
مع العناية الفائقة بيديه لتحديد تفاصيله التكوينيّة و آلجّماليّة, بجانب أسرار كثيرة في علاقة آلبدن بآلحواس و بآلقلب وبآلعقل في موضوعات سابقة وأشرنا لفلسفه خلط الرّوح بالطين ليكتمل ألخلق, لدخول الأمتحان الألهي بإختيار بعد عملية الهبوط للأرض؟

و بيّنا ؛ لماذا خُلقنا من ألحمأ المسنون ألآسن؟ و ما آلفرق بينهُ و بين (ألحمأ غير ألمسنون)؟

و لماذا لم يخلق الله ألانسان من طين أو معدن آخر كآلذهب أو البلاتنيوم أو الزئبق مثلاً؟

و السؤآل ألأهمّ ممّا ذكرنا: لماذا و كيف خلط الباري (ألرّوح الطيبة) مع (الطين العفن)!؟

أعتقد ألسّبب الأساسيّ يتعلّق بفلسفة الخلق نفسه و بموضوع [ألتّضاد], و إرتباطهُ بمصير الأنسان و إمتحانه عبر آلنّجدين ألمُتضادّين؛
ألأوّل : طريق الخير ألذي يسير مع مدى إرتقاء ألرّوح ..
والثاني : طريق الشّر ألذي يتواأم مع مكوّن الطين, و الطريقان يرتبطان بأصل و ماهية ألمُكوّنيين: [الرّوحيّة] و [ألطينية], فإما يكون إنساناً روحانيّاً أو يكون طينيّاً؟ فآلروحانيّة من جانب تدفع صاحبها نحو الفضيلة و الأخلاق و القيم و الأدب و التواضع حتى للنملة.
و الطينية ؛ تجرّ صاحبها نحو الهبوط و آلتّعدي و التجاوز و الفساد عبر خلق التهم و الكذب و النفاق و الغيبة و الحسد وغيرها.
و الانسان مخيّر و مختار .. و له كامل الحريّة في إنتخاب أحد المسلكين(الخير أو الشّر), فلو إرتبط و مال و حثّ النفس و سعى بطاقته نحو الخير و المعروف و هو إتجاه (الرّوح) لفاز و نجح في الأمتحان الذي يواجهه في هذه الدّنيا من خلال مستويات سلوكية وفكرية عديدة! و أما لو إرتبط بالشّر و المنكر و أطلق عنان نفسه فقد سار في خط الشيطان وهو إتجاه الطين العفن و المكان الرحب لتلاعب الشيطان بصاحبه, عن طريق (الماديّات وحُبّ الشهوات والمال والتسلط والظهور) ليكون مصيره آلخسران وآلفشل في الأمتحان وسقوطه في المعاصي!

إنّ عبور هذا (الأمتحان) من خلال تجاوز العقبة الكأداء و كما خصص الباري له سوراً و آيات عديدة؛ ليست سهلة و لا يستطيعها إلّا الذين تمرّسوا في المعروف عبر المطالعة و القراءة لمعرفة نفوسهم و ذواتهم و أصل تكوينهم عبر رياضات و جهاد طويل مع النفس التي هي آلبؤرة التي تنتعش فيها آلشّر إن لم يُسوى بآلتقوى, و كما بيّن ذلك الخالق و حذّرنا إجمالاً في سورة الشمس و مُفصّلاً في سورة البلد وإسهاباً في سورة المؤمنون, و تفصيلاً في قصص و حوادث و آيات قرآنية عديدة, يُمكن للباحثين ألتّعمق و التأمل في مضامينها و أبعادها لمعرفة ألسّر في جمع النقيضين (أيّ الطهارة و النّجاسة في وجود الأنسان, بحيث إن الفلاسفة بجانب علماء الدِّين قد أشاروا إلى أنّ نظريّة [ألتّضاد] تعتبر ألدّافع و المُحدد للأطار ألعام لخلق الأنسان و سعيه و كدحه إما لجهة ألخير أو لجهة ألشّر!

بإختصار: [
لولا ألتّضاد ما صحّ دوام الفيض عن ألمبدأ ألجواد](1) و أضفتُ تكملةً, هي؛[... أو آلفيض من آلشيطان].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يؤول ما ذكره الأستاذ الشهيد المطهري و ما بيّناه في الفلسفة الكونية؛ أن الموت و الشيبة لازمتان لتكامل الرّوح و انتقاله من نشأة إلى نشأة أخرى، كما أنه لولا التزاحم والتضاد لا تقبل المادة لصورة أخرى، بل اللازم أن يكون لها في جميع الأحوال والأزمان صورة واحدة، وهو كاف للمانعية عن بسط تكامل نظام الوجود، إذ بسبب التزاحم والتضاد وبطلان وانهدام الصور الموجودة، تصل النوبة إلى الصور اللاحقة ويبسط الوجود ويتكامل، ولذا اشتهر في ألسنة الحكماء " لولا التضاد ما صح دوام الفيض عن المبدأ الجواد " هذا مضافا إلى تأثير الشرور في التكامل والتسابق الحضاري والثقافي ألا ترى أنه لولا العداوة والرقابة، لما كانت المسابقة والتحرك، ولولا الحرب لما كانت الحضارة والتقدم، وهكذا. فمع التوجه إلى أن العالم الطبيعي عالم تدرج وتكامل وحركة من القوة إلى الفعل ومن النقص إلى الكمال، وتلك الحركة والتدرج من ذاتيات الطبيعة المادية، وإلى أن حركة العالم المادي وسوقه نحو الكمال، لا تحصل بدون التزاحم والتضاد وبطلان وانهدام، بل، تكون موقوفة على تلك الأمور التي تسمى شرورا، تظهر فائدة الشرور ومصلحتها. وبذلك ينقدح أن شرية ما سمي شرا بلحاظ إضافته إلى جزئي وشئ خاص لا بلحاظ أوسع وإلا فهو خير وليس بشر. (المطهري أصول الفلسفة - ج 5 ص 69.).