Friday, June 18, 2021

صغحات كونية(9) المشكلة التكوينية للأنسان :

صفحات كونيّة(9)ألمشكلة آلتّكوينيّة للبشر:

إنّ آلآفة الكبرى التي يعانيها آلبشر اليوم : هو فقدان الثقة بأصل الوجود و آلعنف و الأختلاف و الفرقة و إنتشار الكذب و الحسد و النفاق بسبب آلظلم و الفوارق الطبقية و الحقوقيّة و قلة المعرفة بحيث بات سلوكاً طاغياً, ممّا تسبّب في شقائهم و تدميرهم, و لقد حَذّرَنا الله من ذلك و أمرنا بآلمعرفة و الخير في جميع الرّسالات السّماوية و على لسان المرسلين و خاتمهم الصادق الأمين, لأن آلفساد و الظلم ليس فقط تبعد الأنسان عن الهدف الذي وجد لأجله؛ بل و يحلّ معها كلّ مُحرّم حتى الكبيرة كعقوق الوالدين و التعدي على الناس و الربا و تزوير الحقائق بحذف أو إضافة كلمة مفصلية والتغاضي عن هدف المستغاب و الكذب و الغيبة و النفاق و الحسد و سرقة الفقراء و تبريرها في نفس الوقت ليُسبب تدمير طبيعة الناس التكوينيّة و إعلان غضبهم و ثورتهم للأنتقام ضدّ بعضهم البعض ليعمّ الفوضى و الفساد, لكن على آلرغم من وجود تلك آلصفات ألسّلبيّة ألمخرّبة في تكوينه إلى جانب ألعوارض ألجانبيّة التي تُحدّد مصيره نحو آلشّقاء و الهلاك؛ إلا أنّه جُبل على الخير و الحرّية و رفض العبوديّة بسبب ألكرامة التي أهداها الله للمخلوقات و في مقدمتها آلأنسان لكونه الوحيد الذي يستطيع أن يكون خليفة لله , و كل مخلوق له كرامة بحسب هدفه و غريزته التي تطبّعَ عليها؛ لهذا يُمكن إنتشال الأمة حتى ولو كانت مصابة بكل تلك العاهات و العلل, و كما نجح الرّسول الكريم في ذلك بداية الرسالة حين قلب المجتمع الجاهلي إلى مجتمع إسلاميّ كان يمكن أن يستقيم للآن لو كانت القيادة تستمر بنهج الرسول(ص) بشرطها و شروطها!

راجعتُ و درستُ و تمعّنّتُ في جميع الكتب السّماوية و مقالات و نتاج الفكر الأنسانيّ و نظريات الفلاسفة ونهج البلاغة منذ الصّغر .. حتى تعلمت بفضل الله سرّ الوجود و سبب آلخلق .. لكوني الوحيد منذ آدم(ع) و للآن حملت همّ البشريّة لخلاصه من 33 صفة مشينة رافقت خُلق و خَلق الأنسان(1) من الأزل و من لحظة إندماج الرّوح مع آلبدن بحسب تقديرات إلهية في غاية التعقيد و التداخل و التناسب .. لتبدء قصّة الحياة التي لا نعرف بدايتها من نهايتها و ما يجري فيها و هكذا تتحدد المصائر وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه!
ليقول شاعرها أبو ماضي قصيدة لوصفها ما عادلها سوى ديوان حافظ الشيرازي:


جئت لا أعلم من أين .. ولكني أتيـت!؟
و لقد أبصرت ق
دّامي طريقا فمشـيت!؟
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم ابيت!؟
كيـف جئت ؟ كيف ابصــرت طريقي!؟
لست أدري!(2).

لقد أحسست منذ السنة الأولى بعد ولادتي وفي كل مراحل حياتي و لليوم بأني وكيل و مسؤول لهداية الناس و لا بد من إستقامتهم لتحقيق رسالتهم, فحملت من وقتها همّ تنظيم و توعية الناس حتى الكبار في عائلتي و في كلّ مكان!

قد يُمكنك أن تكون عالماً و مرجعاً و حتى ملكاً أو إمبراطوراً لتحكم العالم و كما هو الحال اليوم .. لكن ليس من السّهل أنْ تكون وارثاً  للفكر الأنسانيّ و خليفة لله؛ لأنها تتطلب ألتّخلق بصفات الله
التي لا يمكنك تعلّمها إلا إذا ما كان الله معلمك (و إتقوا الله و يعلمك الله)(3)؛ لأنّهُ يتطلب معرفة و إستيعاب الكثير بحجم مبادئ الرسالات السّماويّة و ما أنتجه الفكر – منذ البداية و حتى عصر ما بعد المعلومات و الدخول في الكّوانتوم و آلنانو الذي يعجز العلم لوحده من حلّ معضلاته فتضطر لدخول عالم المعرفة الكونيّة و أبعادها الكثيرة المجهولة إلى يومنا هذا  .. و معرفة تفاصيل  هذا العلم شبه مستحيل إلا بأذن الله ولبعض الحدود الممكنة, فلا بد من الأمداد الغيبي إلى جانب آلسّعي لنيل المتطلبات بآلصبر و المُكابدة و السّهر و الرياضات المختلفة, و يتطلب أوّل ما يتطلب طهارة النفس بألأبتعاد عن الغيبة و النفاق ألذي أصبح زاد الناس على موائدهم, و الأمانة عند الحكم و النقل بمعرفة  تفاصيل الأحداث و غاياتها مع المعرفة الدّقيقة لحقيقة الأنسان و الخلق و الوجود كـ (آلعلل الكونيّة الأربعة) و (أسفار العرفاء) و (أحكام الفلسفة الكونية) بشأن علّة الخلق, ثمّ (الأسئلة الكونية الستة) و (قضية التكثر و التوحد) و أيهما يتقدم على الآخر (إصالة الفرد و المجتمع)؟  و الأمر الأهمّ الآخر هو معرفة صفات الله و تخلّق المخلوق بها, و مسألة خلق القرآن من عدمه و العلة في طرح هذا الموضوع أساساً, و فلسفة الخلاف بين المعتزلة و الأشاعرة؛ و السّر الآخر؛ معرفة سبب حُزن و ضجر الله تعالى و مقته و حتى بُغضه من المنافقين ألذين خصص لهم أشدّ العذاب و هو الدرك الأسفلمن جهنم لأنهم يتسببون بنشر الفرقة و الفساد بين آلأزواج و آلأصدقاء و الناس و الجماعات وحتى الشعوب, و هناك مسائل معقدة أخرى تتطلب مراجعة كتابنا [أسفارٌ في أسرار الوجود] لمعرفتها.

 فعند حدوث خلاف أو سوء تفاهم أو كدر بين زوجين أو صديقين أو فئتين أو شعبين, قد تكون نهايته الطلاق و الفراق و الحرب بينهم لينهار كل شيئ! و بآلتالي فإن نظام الوجود كلّه سيختل بقتل الأنسان .. بل و يهتز عرش الرّحمن(الله أكبر), ألذي وصف (الطلاق) الذي هو نهاية الزواج بـ : [بكونه يهزّ العرش] و أيّة قوة كونيّة بإمكانها فعل ذلك غير (الطلاق)!؟ وقول المصطفى(ص): [أبغض الحلال عند الله ألطلاق], يعني رغم وجود (ألحلّيّة) فيه لكنه أبغض شيئ عند الله! فكيف الحال لو تسبب المسبب في فراق الشعوب و الأمم!؟


 و أقوال أخرى تمنع زرع الفتنة و الطلاق ألذي سببه الرئيس هي الغيبة التي ربما تكون أحياناً نظرة أو إشارة أو قول مغرض, ممّا يُؤشر لعظمة الأمر و إفرازاتها التي أوّل ما تنعكس على حياة الأطفال و المقربيين و بآلتالي تخريب المجتمع!

لذلك صحَّ آلحديث و حتى آلآشارات القرآنية بكون: [أفضل الأعمال في الأسلام هو إصلاح ذات البين و أسوأها زرع الفتن].
و قد ورد في آلحديث أيضا: [بأن إصلاح ذات البين أفضل من العبادات و النوافل], لأنه يقي المجتمع من الفساد و القتل و الجرائم.

و لمعرفة مدى حساسيّة و أهمية الوحدة و الأخاء؛ يكفيك أن تعرف بأنّ أحكام الصلاة بنظر جميع الفقهاء و العلماء تفرض الإستمرار في أدائه و حرمة قطعه حتى بإشارة أو نظرة لصورة أو إطلاق كلمة إلاّ في حالتين :

ألاولى: إذا توقعت إستمرار الصلاة يسبب الضرر أو الوفاة لك بسبب عارض خارجي يتطلب قطع الصلاة للنجاة.
و الثاني
ة: يجوز قطع الصلاة لردّ آلسّلام على المُسلّم في حال عدم وجود شخص آخر يرد عليه!؟
كما حدد الخالق عقوبة إستثنائية للباغي إلى الفتنة, حيث لا يمهله بل يعاقبه سريعاً, و يؤشر هذا إلى بغض الله ألشديد و مقته لمن يريد إحلال الفتنة والفرقة و الخراب بين الناس.

من هنا أَ تَعجّب ممّن يدعي الإسلام و يسعى للتفرقة بين الناس و يتحايل لكشف عورات
هم و إشاعة الفواحش بينهم, و هكذا رأيت جماعات و شعوب باتت تمتهن تلك الأخلاق المشينة كشعب العراق و غيره من الشعوب التي تحب الضيحة و تكره الحقيقة حين آمن رجالاً و نساءاً و شباباً و شيبة و بدون تمعّن و روية بآلخراب و بآلسّحر و النفاق و الغيبة و الكذب و الفساد كأساس لثقافتهم ومفتاح لحلّ مشاكلهم وسعادتهم كما توهّموا و يتوهمون بأن ذلك يكسبهم الخير, بينما هي مجلبة لكل شرّ و فتنة وفقر و فراق لعوائلهم و أبنائهم و مجتمعهم؟

فهل حقاً وصل الجّهل و الأجحاف بحقّ الله و القسوة في قلوب عباده في العالم و العراق خاصّة إلى هذه الدّرجة, بحيث بدأت بعض الجّامعات العراقيّة تختصّ بدل دراسة الكّوانتوم و علم الفضاء و فلسفة العدالة؛ دراسة السّحر و الشعوذة وإعطاء شهادة الماجستير و الدكتوراه للدارسين في أنواع السحر و الشعوذة بدل العلم و العرفان و الفضاء و الكونيّات؟

فهل يصيب مجتمع كهذا سوى العنف و الفساد و النهب و التفرقة بحيث وصل أعداد الأحزاب و التيارات إلى أكثر من 500 حزب و تيار و منظمة!؟

تلك هي آلنتائج المدمرة أمامكم على شعب العراق و أمّة الإسلام, بسبب الأيمان الشكلي و ترك فلسفة الحُب و الجّمال و جوهر المخلوقات و الأسرار في الآيات الآفاقية والنفسية و إستبدالها بآلنفاق لملأ البطن دون ملاحظة الوصفات الطبية في ذلك, وترك العقل حتى الظاهر ناهيك عن الباطن بلا غذاء و لا عرفان و لا حكمة!؟

مَنْ آلسّبب ألذي جعلهم يفعلون ذلك بلا حياء ولا وجدان و لا ضمير أو دين !؟
هل هي لقمة الحرام التي دخلت بطون الجميع تقريباً؟ أم هناك أسباب أخرى!؟


و إلّأ كيف يسمح للحسد الذي يُولّد النفاق لأنْ يتغلغل في أرواحهم .. لدرجة أنهم لا يطيقون حتى سماع الخير أو قراءة مقال عنه أو نقل حديث لمقرّبيهم فيبدء بزرع الفتنة و كشف عورات الناس بسهولة و قطع الخير عنهم لترتاح روحه المريضة .. و قد شهدت في عراق الجّهل كما في أمّة العرب و غيرهم من الروس و الشرقيي
و منذ أيام السبعينات حين كنا نجاهد مع ثلة قليلة الفساد و بؤر الفتنة البعثية و القومية التي توسعت بين الناس؛ كيف أنهم كانوا يعتبرون كتابة تقرير للأمن ضدّ مؤمن شريف يريد الخير للناس؛ عمل عظيم و صيد ثمين للفوز بآلجائزة و الحصول على آلأموال و المناصب الحرام بعد إعدامه و غيره من المؤمنين الأخيار, و هكذا الحال مستمر إلى يومنا هذا, فما زال آلوضع على هذا المنوال مستمر للأسف و إن تغييرت الشعارات و العناوين و تبدلت الوسائل و العدد و الأحزاب(4)!

إن
ّ جوهر كتاب الله و غاية رسالاته .. تُؤشر بوضوح لعلّة خلق البشر بكونه لأجل التزوّد بآلمعرفة و العلم ثم معرفة الجمال و الحبّ للوصول إلى عالم آلجمال الحقيقي المطلق لتقديم الخير بدون إنتظار الأجر و الشكر و بعدها التعمق في فلسفة الوجود عبر آلسّعي للتوحد و آلتخلص من الكثرة بإتجاه الوحدة, و قد ورد هذا (آلسّر) الذي يجهله الكثير بكل وضوح و بيّنه في آية :
[... و تعانوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الأثم و ألعدوان ](5) و كذلك :

[القول في تأويل قوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلّا من رحم ربك و لذلك خلقهم و تمّت كلمة ربّك لأملأن جهنم من الجنة و الناس أجمعين](6).

حيث يؤكد الله تعالى في الآيات التالية على وجوب التثبت على الدِّين , و التثبّت لا يكون بآلعبادات .. بل بآلمعرفة و الوعي و التقوى.

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربك ، يا محمد ، لجعل الناس كلها جماعة واحدة و على ملة واحدة ، و دين واحد، و رأي واحد كما أشارت الآية:

 
 جاء في (التفسير)؛ حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد : عن قتادة، قول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
 ..  يقول: لجعلهم مسلمين كلهم و موحدين, و قوله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
(ولا يزال النَّاس مختلفين، إلا من رحم ربّك), (ألأختلاف)؛ الذي وصف الله الناس؛ أنهم لا يزالون به, هو محل البحث.

فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان و إختلف المفسرين في ذلك، فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء : (و لا يزال الناس مختلفين) على أديان و مذاهب شتى، من بين يهوديّ ونصرانيّ، ومجوسي و حتى المسلمين، و نحو ذلك, و قال قائل و هذه المقالة: إستثنى الله منهم (من رحمهم)، و هم أهل البيت(ع), بنظري يشمل (أهل الذين في قلوبهم ألرّحمة لا أكثر ولا أقل..).
و بآلتالي : فإن عملية السعي في الدنيا لتحقيق فلسفة الوجود يتمحور على هذا الأصل الذي هو ميدان ألأختبار و بدونه لا يمكن تحقيق السعادة .. بالتوحد مع الناس بآلتوحيد و التعاون و التمسك  بحبل الله لأنجاز مهمة الوجود.
 
إذن ألنتيجة بإختصار وجيز هي؛ أنّ التوافق والوحدة رحمة و محبة؛ و الأختلاف و التفرقة نقمة و شقاء كما هو حال الأمة التي أصبحت اليوم متفرقة و منقسمة إلى 500 حزب في العراق فقط و هكذا بقية دول الأسلام و العالم, حيث  عمّت الفوضى و الأختلافات و الظلم و آلقتل و القنص بلا رحمة ولا وجدان لسرقة الناس بعد (فرّق تسد) لكسب المال و الرواتب الحرام..

يقول مؤلف كتاب (أفكار و مواقف) لعبد الفتاح إمام, نقلاً عن إسطورة هندية هي الأخرى مقتبسة عن قصّة خلق ألرَّجل و آلمرأة و إشكالية التزاوج و الإتحاد بينهما, حيث يقترح المؤلف ان يحتفظ كلّ زوجين .. بل كل عائلة .. بنسخة من هذا الموضوع في مكاتب منازلهم أو المكتبات العامة، ليعيد قرائته الزوجان و كل أبناء العائلة, بل كل إنسان بهدوء وتأنّ، كلما ظهرت بينهما بوادر ازمة عاطفيّة.

فعلاقة الرّجل بزوجته علاقة وجدانية، عاطفيّة حسّاسة للغاية، وهي لهذا السبب علاقة متناقضة مؤثرة و متأثرة، لأنها مزيج من الحب والبغض؛ من القرب والبعد؛ من الرغبة والنفور؛ من الاقدام والاحجام، قد تؤثر فيها كلمة جارحة أو نظرة أو إشارة عابرة.

أيّ .. تشمل باقة متناقضات!

و لست أجد تصوراً مقبولاً لتراجيديا هذه العلاقة .. أكثر من تلك (الإسطورة الهنديّة) التي تروي قصّة خلق ألرَّجل و المرأة، حيث تقول :
[
إنّ الاله ( تواشتري ) الذي خلق الرجل واراد ان يخلق المرأة، اكتشف ان مواد الخلق قد نفذت لديه، ولم يبقى من المواد الصلبة شيء يخلق منها المرأة، و ازاء هذه المشكلة راح يصوغ المرأة من اجزاء و قصاصات يجمعها من هنا وهناك : (فأخذ من القمر استدارته؛ و من الشمس إشراقها؛ و من السّحب دموعها؛ و من الازهار شذاها؛ و من الورود الوانها؛ و من الاغصان تمايلها؛ و من النسيم رقته؛ و من النبات رجفته؛ و من النار حرارتها؛ و من ألمها عيونها؛ و من الحَمَام هديله؛ و من الكلب وفاءه؛ و من الكروان صوته؛ و من العسل حلاوته؛ و من الحنظل مرارته … و مزج هذه العناصر مع بعضها و خلق منها المرأة)و ثم وهبها للرجل الذي أقبل عليها و أخذ بيدها و سار بها الى حجلته.

لكن لا يمضي على وجودها معه سوى – شهر العسل – حتى يسرع الرَّجل الى الاله وهو يجرّ المرأة من يدها بعنف – ليقول: يا الهي: هذه المخلوقة التي وهبتها إليّ قد أحالت حياتي جحيماً لا يُطاق، فأنقلب النعيم الذي كنت فيه الى شقاء! فهي ثرثارة؛ لا يكلّ لسانها عن الكلام و لا يمل؛ وهي تطالبني بأن ارعاها رعاية مفرطة مستمرة؛ و كلما رجعت من الصيّد(العمل) مُتعباً
مرهقاً و نِمتُ .. أيقظتني لأُسلّيها، مدّعية أنّها مورقة! فإذا خاصمني آلنوم و ارقّني؛ نامت هي و آذتني بشخيرها .. ! لهذا كله فقد جئت لأردّها إليك لأنني لا أطيق العيش معها.
فقال الاله : ( هاتها و انصرف )!

ولم يمض على ذلك سوى شهر واحد حتى عاد الرَّجل ليقول : ( يا الهي ! لقد رددت هذه المخلوقة التي وهبتها اليّ .. و لكني أشعر منذ ذلك الحين بالوحدة ! بل أحسّ بوحشة لا تُطاق لم اكن اشعر بها من قبل, كما ان حياتي اصبحت فراغا مجدباً، لقد إفتقدت أنسها و حُرمتُ من لذّة مصاحبتها، و حديثها المُمتع و دعابتها المرحة، وعبثها المسلّي فهلا ارجعتها لي مرة اخرى؟

فأمعَنَ الإله النظر فيً و قال : أجل، خذها فهي لك!

و بعد ايام قليلة عاد الرّجل يقول : ( يا الهي إنني في حيرة من أمري، فانّ هذه المخلوقة، سِرٌّ مغلق، لا يمكن كشفه !
لغز مُحيّر لم أستطع فهمه، إنني لا أستطيع العيش معها، لكنني لا أستطيع العيش بدونها ...!


و تستمر الاسطورة ليُكرر الشيء نفسه مع المرأة التي جاءت بدورها تشكو من الرَّجل قائلة: ( يا الهي: انّ هذا المخلوق الذي وهبتني له، قد ضقت ذرعاً بأنانيته، و صلفه و قسوته و غروره ! انه لم يُحسن عشرتي إلا يوما واحداً، ثمّ بعد ذلك كان يقصيني اذا دنوت منه، و لا يصغي اليّ اذا حادثته، و اذا اشرت اليه برأي سفّهه، و اذا فعلت فعلاً قبّحه، و اذا هفوت كلمة أقام الدّنيا و اقعدها!
اللهم إجعل بيني وبينه سد
ّاً و ردّماً ...)!

فأبتسم الاله و أشار بيده، فإذا الجنة التي كانا يسكنان جنتان، بينهما سدّ عال ! لا تستطيع المرأة بعد ان ترى زوجها ! .. لكنها سرعان ما تعود بعد ايام قليلة لتقول للأله وهي تبكي : ( لقد إكتشفت يا الهي في الايام الماضية انني لا استطيع ان أعيش بدونه, لقد ظللت طوال هذه المدة خائفة أ ترقب! اذا تحرك غصن فزعت، واذا عوى ذئب ذُعرت وأغلقت الباب، وبقيت في ركن الغرفة أرتجف، و لقد كنت من قبل اجوب الغابة أجمع الثمار غير آبهة لعلمي انه ورائي يحميني … كنت اذا دعوته، هرع اليّ، و اذا إستصرخته، سارع لنجدتي ! لا .. لا إنني لا اقوى على فراقه : إنه جاري و حصني و أمانيّ و معقلي و ملاذي.

فأعادها الاله اليه و هو يقول : ( إذهبي اليه، فهو لباس لكِ وانتِ لباس له، كلٌّ منكما يسعد صاحبه و يشقيه، يشكو منه و هو راغب فيه، كلٌّ منكما بمثابة مرآة يرى فيها صورة الآخر، حسناته؛ سيئاته؛ محاسنه و عيوبه )]. إنتهت القصة.

و
ألنتيجة التي توصلنا لها من خلال تلك العلاقة الكونيّة المقدّسة التي يتحدد مصير المجتمع على أساسها, و المضطربة الآن للأسباب المُبيّنة أعلاه؛ هي أنّها مفتاح رئيسي لتحديد سعادة و شقاء الأنسان (امرأة كانت أو رجُل), فآلبيت الذي يجمعهما هو الوطن الأوّل ألذي يرتاح فيه و يتنفس بأمان و المنطلق الذي يُحدّد مستقبل الأنسان و سعادته .. فإما أن يكون ذلك البيت و البيئة روضاً من رياض الجَّنة الذي فيه ينمو الفكر و الفنّ و الثقافة و المحبة و أسباب التطور و النمو؛ أو يكون حفرة من حفر النيران ليحل و ينمو فيها الجهل و القسوة و العصبية التي تنتشر بسرعة ليكدّر الأرواح ويُسمّم الأجواء و يزيد التخاصم و ينتشر الفساد و لقمة الحرام و بآلتالي يقتل الفكر و الصفاء و الأنتاج العلميّ في أفراد العائلة و المجتمع و المحيط, و هذا خيار يرتبط بوعي الزوجين و دور الزواج في عمليّة التنمية في كلّ فرد و عضو فيه و بآلتالي تحقيق السعادة أو الشقاء, لهذا قلنا بإن السعادة خيار بيد الأنسان لا قدر.

بإختصار ؛ أستطيع القول بحسب مؤشرات الآيات القرآنية العديدة؛ [بأنّ آلشّر و المصيبة التي تحلّ في وجود شخص أو عائلة أو مجتمع أو أمة هي نتاج أعمالها و من يدها؛ و لو إنتشر الخير و النعم في بلدة أو مجتمع أو أمة فأن السبب هو الله الذي رآى أهلها يستحقون ذلك لأستقامتهم و تقواهم.

و العارف ألحكيم
وحدهُ يعرف ذلك جيّداً .. و أكثر تفصيلاً, لهذا لا يجعل المؤمن أكثر همّه بآلأهل و الولد وطيّبات الدنيا, فإن يكونوا من أولياء الله؛ فأنّ الله لا يُضيّع فقط أوليائه بل حتى الحشرة العمياء في قعر البحر لا يتركها و هكذا الدودة في ثنايا الأرض, و إن يكونوا أعداء الله؛ فما باله و شغله بأعداء الله!؟

لكنه لا يتوقف و لا يستكين, بل يسعى لبناء الحياة لهم و للمجتمع بفرح و رغبة..

و الطبابة العرفانيّة ألتي تتسبّب في سعادة الأنسان؛ لا تتحقق إلّا من خلال وجود :

عائلة صالحة منسجمة مُتحابّة فيما بينها؛
أو من خلال الأيمان ألكامل بآلله س
ـبحانه؛
و
لو إجتمع الأثنان فقد أصاب أهله خير الدارين, لأنّ إجتماعهما تُحقق في وجود ألأفراد ألخلافة ألكونيّة الإلاهية, بمعنى يصبح الأنسان متّصفاً بصفات الله و بآلتالي خليفة له في الأرض و يمهد لظهور الأمام المهدي(ع).

إلى هنا ينتهي (ألجّزء الأوّل) من كتاب (ألطبابة العرفانيّة), و ستتركّز بحوثنا القادمة في (الجزء الثانيّ) من كتاب (الطبابة الكونيّة) على دور و فنّ تلك العلاقة ألمُقدسة في طبابة ألنفوس و إصلاح المجتمع و العالم و هدايته للبناء ألمدني و الحضارة إن شاء الله, هذا بحسب ما دلّت عليه الآيات المحكمات و الدراسات العلمية التي تقول:

[سعادة الأنسان رهن وجود عائلة سليمة من الأمراض مُتحابّة وسط مجتمع موحّد], و لذلك ركّزَ المعشوق على قوانين دقيقة بشأن التعامل بين الأسر وآلأولياء و تربية الأبناء و حقوق الناس.

حكمة كونيّة: [ألأشجار تتّكأ على الأرض لتنمو و تُثمر؛ و الأنسان يتّكأ على المحبّة لينمو و ينتج].
ألعارف ألحكيم ؛ عزيز حميد مجيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد في القرآن الكريم ككتاب جامع للكتب السماوية التي إكتنزت سرّ سعادة الأنسان و فلاحه في الدارين؛ بوجود 33 صفة سلبية بعضها خطيرة في وجود الأنسان كآلحسد و الجهل و الظلم وغيرها, و على الإنسان محاربتها و تزكية نفسه, و إلا لا و لن يتحقق عنده حتى الأيمان العادي و السّلم في وجوده ناهيك عن تحقيق المراتب الكونيّة التي تبدء بـ:
قارئ – مثقف – كاتب – مفكر – فيلسوف – فيلسوف كوني – عارف حكيم.
(2) قصيدة رائعة للفيلسوف إيليا أبو ماضي جسّد فيها جانباً هاماً من قضية الخلق و الوجود, للمزيد يرجى مراجعة ديوانه.
(3) سورة البقرة/282.
(4) تصّور رئيس دوله إختاره شعب العراق كصدام بسبب الجّهل حتى علّم الناس كره الثقافة و الفكر, بل و إتهام من يمتهن ذلك بآلعمالة و مصيره الأعدام خصوصا إذا لم ينتمي لحزبه, كما قد سبق الجميع في الفساد حين قبل بآلعمالة للـ سي آي أي و نشر الفساد بعد ما نفذ بدقة وصايا المخابرات العالمية من خلال مندوبهم عن طريق وزارة الخارجية البريطانية (اللورد كارنيجتون) أثناء زيارة سرّية عشية نجاح الثورة الأسلامية و أوصاه بملاحقة و قتل كل معارض مثقف و مؤيد للثورة فبدأ بقص الرقاب و أعدام الدّعاة و المؤمنين على نواياهم لا على جرم إرتكبوه فخلي العراق من مثقف مؤمن منذ ذلك الحين, كما أقدم على أوّل فعلة نكراء يندى له الجبين حين فصل زوجة مدير مطار بغداد (سميرة الشابندر) عن زوجها و تزوجها وقتها في لعبة خبيثة معروفة لدى العراقيين, فماذا تنتظر من باقي أبناء الشعب العراقي الذي كان منتظما مع النظام في الظاهر و مختلفا في كل شيئ بداخله فولّد التناقض و العقد و الأحقاد والفساد فيما بعد بشكل عميق على كل صعيد؟
(5) سورة المائدة / آية 2.
(6) سورة هود / 118 و 119.