Sunday, September 19, 2010

ألأسوء الذي سيواجه العراق بعد الأرهاب _ الباحث عزيز الخزرجي

ألاسوء الذي سيواجه العراق بعد الأرهاب

ألعراق لا يمكن أن يمتلك إقتصاداً حقيقيّاً مُنتجاً .. و بما أنّ ألاقتصاد يُؤثّر بعمق في السياسة لذلك أيضاً لا يُمكن للعراق إذا لم يُحْدثُ فيه ثورةٌ فكريّةٌ و ثقافيّةٌ أصيلة أنْ يمتلك سياسةً مُستقلة , و كذا في الجانب العسكري و العلمي و الأجتماعي الذي هو الأهم !
كيف و من حوّل إقتصاد آلعراق إلى إقتصادٍ ماليٍّ إمتصاصي؟
بحلول نهاية آلحرب العالمية الثانية كان المطبخ آلامريكي قد فرغ من إتمام خططه للمنطقة آلكبرى آلتي رُسم لها أنْ تقودَ آلعالمَ إلى الاقتصاد العالمي ألمُعَولَم . فقد أوجدت تلك آلخطط ألمؤسسات آلدولية آلسياسية كـ (آلأمم آلمتحدة) و آلمالية كـ (صندوق آلنقد الدولي) و (ألبنك آلدولي) و آلعسكرية كـ (حلف آلناتو) وآلأعلامية كـ (سي إن إن) و الـ (بي بي سي) لقيادة إمبراطورية أميركية تحلّ محلّ الامبراطورية البريطانية آلعجوزة . و تضمنت الخطط أن تمارس هذه آلأمبراطورية ألنفوذ آلامريكي الأمبريالي من خلال أنظمة دفاعية و إبداعية خلاقة و غير منظورة ظلت تخضع للتعديلات و الاضافات و التغييرات و آلاساليب الادارية الجديدة . و هكذا فأن الهدف آلاستراتيجي لخلق إقتصاد عالمي برعاية رأسمالية أمريكية لم يشهد تغييراُ على الاطلاق, و بعد إنتصار آلسياسة الغربية بقيادة الولايات آلمتحدة في الغرب, كانت كلّ من أوربا , أليابان و أجزاء كثيرة من آلعالم تئن مضرجة بدمائها من وطأة الحرب و الدمار الشديد. أما آلاتحاد السوفياتي فهي الأخرى تعرضت للدمار و الابادة في بناها آلتحتية . و كانت أمريكا آلوحيدة في موقف يُسمح لها بفرض ألنظام آلجديد آلذي إرتأته لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية , و لو على الأقل بقدر ما يعني هذا الأمر حلفاؤها من جهة , و المنطقة آلكبرى (ألكَراند إيريه) من جهة أخرى. فأذا كان صحيحاً أن سحب القروض آلأمريكية المُقدمة إلى ألمانيا عام 1928م تسبّب في تباطؤ و تراجع إقتصادي كان واحداً من الأسباب آلتي أدت إلى ظهور هتلر, و كذلك إذا كانت الصراعات الداخلية في صفوف الرأسماليين قد جرّت الأقتصادات آلعالمية إلى نفق الركود و الكساد - فأنّ الولايات المتحدة قد صمّمت أن تحُول دون تكرار مثل هذه آلأحداث و أنْ تتولّى بنفسها قيادة نظام رأسمالي عالمي . كما أنّ قارة أوربية مُوحّدة سيسهّل على الولايات آلمتحدة إدارة الرأسمالية العالمية, حيث ذلك يبقيها تدور في فلك آلولايات المتحدة و تضطلع بالدور الذي تعهد به إليها آلولايات آلمتحدة على نحو مُحدّد . و منذ ذلك آلحين بدأت أمريكا تقدم جرعات الحياة إلى أوربا و دول آسيا لأنتشالها من وحْل آلمأساة التي حلّت بها , فقد وافق الكونغرس عام 1948م على خطة مارشال لأعادة الأنتعاش إلى القارة الأوربية . و تمّت المُوافقة على حقيبة مساعدات. حيث تدعو خطة مارشال إلى إلغاء سريع للقيود و آلقوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي , و لم تمضي سوى ثلاثة أو أربعة عقود حتى توحّدت أوربا عندما وحّدت سياستها و البرامج آلاقتصادية و المالية بتوحيد عُملتها و ستراتيجيتها آلعسكرية من خلال الأحلاف و القواعد آلعسكرية, بالتوافق مع سياسة الأرادة الامريكية.
بعد أنْ تمّ إعادة إعمار أوربا بسبب آلمساعدة آلأمريكية آلتي بلغت 71 مليار دولار وضعت قيد التخصيص و ترتّبت الأوضاع في أكثر المواقع التي كانت تُعَدّ قلقة بالنسبة لأمريكا كروسيا آلتي قطعت أمريكا عنها عمليات التمويل التأجيري بعد فترة قصيرة, حيث عدّ آلخبراء ذلك بمثابة رسالة تحذير , بانّ نظاماً لفترة ما بعد آلحرب آلعالمية الثانية يجري تجديده و تحديده و ضخ دماء جديدة داخله. و آلولايات المتحدة هي وحدها القادرة التي تُقدّم جرعات الحياة هذه, و بعدها باتتْ عمليّة إعمار أوربا أولوية أمريكية, و كانت لخطة مارشال ألدّور آلكبير عندما ألغت بسرعة ألقيود و القوانين آلتي تعيق النمو آلاقتصادي, بالضبط كما تحاول الأن بعض آلأصوات في أمريكا و الحكومة العراقية برفع آلبند آلسابع من قرارات الأمم المتحدة, و إلغاء القوانين التي تُعيق النمو آلأقتصادي و تسهيل مُشاركات آلشركات آلعالمية بالعمل في آلعراق دون قيد أو شرط. لكن آلمُشكلة آلكبيرة آلتي نُعاني منها و بالعكس من أوضاع أوربا تماماً هي عدم وجود برنامج عمل و نهج واضح و أيادي أمينة و مُخلصة لتمريرها على الأقل على أمل تجاوز آلمحن العديدة التي خلّفتها الحروب و السياسات البعثية الظالمة السابقة بحق العراق و العراقيين , و هذا يعود إلى آلطبيعة الديمغرافية و السايكلوجية و التأريخية للعراقيين و إلى طبيعة التعاون و آلتعامل من قبل آلغرب مع الأحداث خصوصاً ألتعاطي مع الحركات آلأسلامية العراقية و هاجس آلثورة , الاسلامية في إيران و المنظقة و آلتي أصبحت المُعادلة آلأصعب أمام أمريكا و حكومات آلغرب التابعة لها يضاف لكل ذلك التدخل العربي الأقليمي في شؤون العراق الداخلية, و محاولة آلتأثير لأشراك البعثيين في الحكم .
أن حالةالعراق اليوم تشبه إلى حدٍ كبيرٍ - بغض آلنظر عمّا أسلفنا من خصوصيات - حالة أوربا و اليابان و روسيا أنذلك بعد الحرب العالمية الثانية مع فارق أساسي هو أن آلعراق يحوي حركةً أسلاميةً أصيلةً لم تتقدّم بعد إلى ساحة الصراع بشكل جديّ . . و أنما تُحاول التأسيس لعمل أساسي عبر بناء الثلة الواعية آلتي سوف تلتزم سياسة آلنفس الطويل لتتساقط بشكل طبيعي ألكثير من القوى التي تقدّمت للسلطة بقوة المال و التزوير - بإستثناء المُخلصين منهم - منذ آلأطاحة بالنظام آلعراقي البائد بعد أن جرّبت حظها في آلحكم و السياسة, و هذا الأمر تنبّه لهُ و أشار إليهِ مُبكراً و بوضوح مرجع السياسة الأمريكية الكبير هنري كيسنجر ألذي أبدى تخوفهُ آلوحيد أمام بُوش الإبن من تلك الحالة عندما كان يُريد أنْ يحصل على الأذن آلنهائي للهجوم قبل دخول قوات الحلفاء للعراق بليلة واحدة , أيّ في آلسابع من نيسان عام 2003م , هذا بجانب بروز ألدولة الإسلامية في إيران كقوة عظمى ثانية - بعد تفكك روسيا , خصوصاً بعد إنتصارها في الحرب المفروضة عام 1988م رغم تكالب معظم آلدّول العربية و الأستكبارية عليها بتخطيط من أمريكا و الغرب , ثم أنتصارها في برنامج الملف النووي قبل أشهر مضت في آلأجتماع الاخير لهيئة الأمم آلمتحدة و الذي عدّه آلخبراء آلحدث الأكبر في تأريخ المنطقة و آلعالم بعد حدوث الثورة الأسلامية عام 1979م.

بعد عام 2003م إنقلبت آلأوضاع و تغير النظام العراقي ألذي عُدّ أسوءُ نظام في آلعراق و ربّما في تاريخ البشرية على آلاطلاق - واجه العراقيون في خضم أوضاع جديدة و قلقة .. صفحة الأرهاب بأبشع صورها و بمرآى و مسمعٍ من أمريكا آلتي حكمت و تواجدت على الأرض كونها هي المسؤولة عن آلأوضاع القائمة قانونياً, فقد تمّ آلأعداد و التنسيق لصفحة آلأرهاب قبل دخول قوات الحلفاء بعشر سنين ,فقد أشار طارق عزيز ألمنسق للسياسة الأمريكية في العراق في مقابلة مع "لاري كنك" في شبكة (سي إنْ إنْ) العالمية بتأريخ 27 حزيران عام 1996م بقوله : (إننا قد أعددنا كافة المُقدمات و آلمُستلزمات الضرورية لمواجهة الوضع آلمُرتقب عند دخول قوات الحلفاء إلى العراق بدءاً بالقوات العسكرية و آلمُفخخات و الأحزمة الناسفة و آلانتحاريين و أساليب أخرى سنعلن عنها في وقتها و سوف ندمر كل شئ) والجدير بالذكر إن أمريكا مهّدت للأنتحاريين العرب بعد إعطائها الضوء الأخضر للسعودية بالسعي إلى تقويض الشيعة و تدميرهم .

إنّ ذلك الإعتراف آلصريح و آلشفاف لطارق عزيز بالمناسبة و في قلب العاصمة الأمريكية يكفي لإدانة البعثيين و الحكومات العربية في مُجمل العمليات آلأنتحارية و آلتخريب آلذي حصل في العراق بعد عام 2003م بالتنسيق مع المرتزقة آلعرب و إلى يومنا هذا ! لذلك كان آلإرهاب هي آلصفحة القاسية آلمؤلمة جداً للعراقيين, لكنها ليست آلأسوء آلتي نخرت ما تبقى في العراق و أهل العراق عندما إستشهد و تعوق بسببها آلملايين من العراقيين آلابرياء , و يا ليت آلبعث الهجين و مَنْ تعاون معهُ إستخدم تلك آلأموال و المُفخخات و الأحزمة الناسفة و و و … إلخ ضد قوات الإحتلال حسب إدّعائها ؟ حيث دلّت أدق آلإحصائيات بأنّ نسبة آلشهداء العراقيين والذين أكثرهم من المدنيين هي ألف مواطن مقابل أمريكي واحد , و هكذا ختم هذا الحزب الأرهابي آخر أنفاسه في صفحة آلتأريخ آلأسود للعراق , و من الغرابة أن يمدّ آلبعض من الذين يدّعون السياسة في آلحكومة و البرلمان بعد هذا أيديهم  إلى البعثين الذين أنفسهم و دّعوا ساحة العراق بجرائمهم آلأرهابية بلا عودة , تلك هي قصة شعب حزين مغلوبٌ على أمره قد سكت عن آلظلم طويلاً و ربّما تعاون مع الظالمين البعثيين في ظروف قاهرة ليذوق ألواناُ و أشكالاً من البلاء و آلجوع و المرض و الموت.
لكن ذلك آلأرهاب آلذي سيزول - عاجلاً أو آجلاً رغم كل آثاره و قسوته – سوف لن يكون آلأسوء في وضع العراق آلجديد و مستقبله كما تصوّر آلكثيرون , فهناك ما هو ألأسوء منه بعد حصول العراق على قرض مقداره 1,8 مليار دولار, و هو قابل للزيادة بلا شك من صندوق النقد الدّولي بتأريخ 29 9 2009م لمساعدته على الخروج من الأنكماش آلإقتصادي بسبب هبوط أسعار النفط ألذي سبب عجزاً كبيراً في آلمُوازنة السنوية, حيث بلغ 19 مليار دولار هذا آلعام(2009) , فدخول آلعراق تحت طائلة الديون قصة محزنة لها بداية و آثار و ليست لها نهاية , لأنه سيسبب بقاء الأقتصاد العراقي إقتصاداً مالياً أمتصاصياً.
فقد نقل موقع " داو جونز " الإقتصادي عن مستشار البنك المركزي العراقي مظهر قاسم قوله : على هامش اجتماع بين العراق وصندوق النقد الدولي عُقد في العاصمة الأردنية “ عمّان “ إجتماع لتوقيع القرض , الغرض من المال هو دعم السيولة و تحسين النمو في الاقتصاد العراقي .
قد يبدوا الموضوع غريباً لدى آلكثيرين بل و حتى لدى أصحاب الرأي و آلأختصاص لعدم معرفتهم الكاملة بحقيقة هذا الصندوق و قوانينه و تعامله و أرباحه و أسباب تأسيسه عام 1944م, و هي نفس سنة تأسيس هيئة الأمم آلمتحدة , و كيفية إنقضاضه على مقدرات الدّول خصوصاً آلآسيوية ! لذا سنحاول بيان تلك آلحقائق آلخطيرة التي تبدو أنّها خافيةً على جميع أعضاء "حكومتنا آلوطنية" إبتداءاً برئيس الجمهورية و حتى آخر موظف في وزارة المالية و الإقتصاد ؟
لالقاء الضوء على هذه المحنة آلجديدة آلخطيرة في أبعادها و آثارها لا بُدّ لنا من عرض دقيق لسياسة هذا الصندوق و كيفية آلأطاحة بالمضاربين في الأسواق المالية العالمية , لتوليد " آلأحداث الصحيّة النافعة " من وراء تلك الأزمات آلتي تساعد على تهدئة و كبح جماح آلأسواق حتى يظلّ التضحم قيد السيطرة في آلدول الغربية و خصوصاً في الولايات آلمتحدة الأمريكية.

ألمعادلة الخطيرة:
أموال عالمية مضاربة + مموّلون ذوو دمٍ بارد = كوارث إنسانيّة عالميّة

لتوضيح المُعادلة أعلاه , و آلتي ستنطبق علينا مستقبلاً حسب توقعاتنا , أو بالأحرى بدأت تنطبق علينا بالفعل ! لا بد لنا من دراسةِ حالاتٍ واقعية كنماذج تُبينّ كيفية تبديل إقتصاديات دُول آلعالم آلمالي إلى إقتصاديات أمتصاصية كالدّول آلآسيوية و دول أمريكا آلجنوبية كالمكسيك و آلبرازيل و غيرها لتكون مُؤشراتٌ على ذلك .
لقد حقّقت آلولايات المتحدة بوسائل الأموال المضاربة ما عجزت عن تحقيقه بإستعمال آلوسائل آلدبلوماسية أو القوة العسكرية .
يوعز آلاقتصاديون العالميون بأنّ آلأسباب الرئيسية للأزمات التي أبتليت بها آلاسواق الآسيوية ما كان ناجماً عن الاقراض غير آلمتعقل لهذه آلدول و الذي قدّمته المؤسسات آلمالية آلمستحدثة حيث إكتسبت قدرة جديدة على خلق العرض آلنقدي آلوفير ممّا يستدعي معه خلق طلب مقابل على هذه الأموال , و لما كانت هذه آلشركات على يقين بأن أموالها ستعود إليها , سواءاً أ كانت تلك آلقروض منتجة أم لم تكن ؟ عن طريق صندوق آلنقد الدّولي و آلنفوذ آلأمريكي عند آللزوم , فأنها لم تتّخذ جانب آلتعقل و لم تحاول أن تكون حصيفةً في إقراضها , إذ أنّ لدى صندوق النقد الدولي و المؤسسات الأخرى التابعة و النفوذ آلأمريكي آلطاغي من الضخامة و القدرة ما يكفي لضمان إستعاذة هذه الأموال المقرضة بأساليب عديدة . إنها مثل عملية "المرابين" في المافيا , حيث يتمّ وضع آلطُعم لعملائهم لإغرائهم بالإقتراض من أموال آلمافيا آلقذرة , و عندما يحين موعد آلسداد , فأن المُحصّلين من ذوي آلعضلات من رجال المافيا قادرون على ضمان جمعْ الدّيون مع فوائدها .
ففي كلّ مرّة يتكوّن لدى النظام المالي آلعالمي فائض ضحم مفاجئ من السيولة النقدية , تتكرّر آلدّورة ذاتها . ففي غضون آلعقود الثلاثة أو الأربعة المنصرمة حدثت دورتان مُماثلتان , كانت آلاولى عشية آلهزة النفطية و ما نتج عنها من آلبترو دولارات آلفائضة . و قد أستخدم آلغرب أسلوباً ذكياً في أستعادتها, كلّ قارة حسب آجوائها و مُعادلاتها آلجيوسياسية و الأمنية و العسكرية و الأقتصادية و طبيعة نوع آلأنظمة الحاكمة فيها , خصوصاً في آسيا آلتي تزامن وضعها مع حدوث الثورة الإسلامية التي قلبت الموازين في العالم و في منطقة آلخليج آلتي تضم أكثر من 82% من مخزون النفط العالمي , حيث إختلقت حروب الخليج آلمدمرة بقيادة صدام حسين آلذي أعتبره أقسى و أغبى عميل في التأريخ آلبشري و بإسناد من حكام الخليج الذين صرفوا تريليونات من الدولارات لشراء الأسلحة بعد أنْ أرهبتهم أمريكا والغرب من قوة إيران و ثورتها , حيث أوصلوا المنطقة إلى أدنى معدلٍ و أضعف نقطة في آلمنحنى الاقتصادي و السياسي و العسكري و آلبشري لتصبح آلمنطقة برمتها مهياةً للتدخلات الأجنبية و لقمةً سائغة لكلّ من هبّ و دبّ . حتىّ انّ دُولاً مثل آلكويت و السعودية و غيرها و آلعراق طبعاً في مقدمتهم أصبحت مدينة بالمليارات بسبب تلك آلحروب و الأنقلابات و السياسات الخاطئة, فجاء دور صندوق النقد الدولي لتستدين تلك الدول .
كما قدمت صندوق آلنقد آلدولي آلأغراآت .. لأغواء دول أمريكا آللاتينية لتطلب جانباً من العرض آلنقدي آلجديد آلذي وفّرته البنوك و تلقت تشجيعاً بأن تقترض من الأموال ما يفوق إمكانياتها و طاقاتها على السداد .

أما آلدّورة الثانية فقد جاءت في أعقاب آلعرض النقدي آلجديد خلال آلتسعينات , و هذه آلمرة أكلت الطعم و وقعت في آلمصيدة آلدول آلأسيوية حيث أستدرجت لِتستدين من العرض آلنقدي آلجديد . و كانت وظيفة إجماع واشنطن مع المؤسسات المالية و النفوذ آلامريكي في كلتا آلحالتين ؛ آلعمل على ضمان أن يسترد الممّولون آلعالميون أموالهم بصرف آلنظر عن آلنتائج المدمرة على السيادة آلوطنية و آلظلم الاجتماعي آلذي سيتحمله و يرزح تحت نيره جمهور الفقراء و المستضعفين و آلذي لا شأن له , لا من قريب و لا من بعيد بتلك آلاتفاقيات , بسبب آلدّكتاتوريات آلغبيّة الحاكمة في أوساطها , حيث تشيير الأحصائيات بوجود أكثر من مليار أنسان يعيشون تحت خط الفقر في العالم, القسم الاكبر منهم يعيشون في اسيا و أفريقيا و أمريكا الجنوبية نتيجة تلك السياسات . إن هذا آلعدد آلمخيف لا علم لهم أساساً حتى بالعرض آلنقدي أو آلطلب عليه , و ألذي لم يَجْنِ في المقام الاول أيّة منافع من لعبة آلأموال هذه . أمّا آللاّعبون فهم آلأعضاء آلمحليون من طبقة الواحد بالمائة * في تلك الدّول بالتواطؤ مع آلممّولين الدّوليين , و كلا آلطرفين سيخرج رابحاً , أما آلفقر و البؤس و التقشف , فأنها ستكون من نصيب عامة الشعب (99%) الذين كانوا و ما زالوا يُقدّمون كقرابين على مذبح آلألعاب آلمالية آلعالمية هذه .
إن تلك آلأموال آلعالمية آلتي جناها صندوق النقد آلدّولي أدّت لئن تُؤسّس بها و بمساعدة مراكز القرار في واشنطن و نيويورك بورصة نيويورك بعد أن جُهّزت بأحسن التقنيات و عمليات “كيب كانفيرال” آلقاعدة التي تَطلقُ منها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ألصواريخ و أقمارها آلأصطناعية إلى الفضاء الخارجي , منها لعمليات “وول ستريت” و تعني لهم ما تعنية آللغة اليونانية بالنسبة للصينيين . فقد بدأت سلالة جديدة من المُحترفين بالقدوم إلى “وول ستريت” خلال عقد آلتسعينات لأجل مزاوجة آلعلم و التكنولوجيا مع لعبة المال - أمثال كروبرت ميرتون و مايرون سكولز الحائزان على جائزة نوبل و اللّذان أشتركا مع فيشر بلاك في إختراع طريقة آلسعر الأمثل واضعين بذلك الدّعامات آلاساسية لهذا العالم المالي الجديد . و قد طوّر هؤلاء نظام مراجحة جديد و متطور وُصِف بأنّهُ مُحايد تجاه السوق ؛ أي إنّه يُحقق آلفائدة و يكسب عندما تكون الأسعار مُتجهةً نحو آلأرتفاع , أو بالعكس يحُقّق الأرباح أيضاً عندما تتّجه الأسعار نحو الأنخفاض, و على أثر ذلك تشكّل صندوقاً آخر سموّهُ بـ (إدارة رؤوس آلأموال طويلة الأجل) عام 1994م برئاسة جون ميري ويدز , و بحلول عام 1997م ضاعفت صندوق النقد آلدولي رأس مالها ثلاث مرات . من آلوسائل الأعلامية و النفسية آلمستخدمة , أن آلأعلام يحاول بطرقٍ ذكيّة أعتبار قروض صندوق النقد الدّولي ذريعةً للانقاذ و إجراءاً ضرورياً للحيلولة دون مزيد ٍ من آلتدهور آلمالي على الصعيد العالمي , و بذلك إدّعى القائمين على آلصندوق بأنّ عقودها بلغت أكثر من تريليون و نصف دولار .
إن جميع الوسائل المستخدمة تقوم على المُضاربة و التلاعب و تقع خارج دائرة الإقتصاد الحقيقيّ و المُنتج . و على النقيض فأن هذه الوسائل جزءٌ من إقتصاد طفيلي تساعد على إمتصاص ثروات الآخرين و نهب إقتصادهم .
إن هؤلاء المضاربين مجرمين , لأن آلممُولين الدّوليين يقومون بخلق دورات و أزمات ُتمكّنهم فيما بعد أن يجنوا منافعها لمصلحتهم . و يوجدون فقاعات إقتصادية كبرى - ربما تدعم بحركات سياسية أو عسكرية أو إرهابية - ُيمكنهم أن " يفجروها" لمصلحتهم ساعة آلصفر , و لعل آلملف النووي الأيراني يُعتبر أكبر مصداقٍ على ذلك, خصوصاً عندما أوحو بأنّ إيران تريد أن تصبح قوة نووية للسيطرة على دول الخليج فسارعت دول الخليج لشراء الاسلحة والمعدات تمهيداً لمواجهة ذلك الخطر المزعوم . حيث ناوروا على آلايرانيين ما يقرب من عشر سنوات و إلى الآن في محاولةٍ لضرب عدة عصافير بهذا الحجر منها لأختراق صف الثورة الاسلامية و إجهاضها و كذلك بيع الأسلحة بأسعار خيالية و آلأهم من كل ذلك التدخل المباشر في منطقة الخليج والدول الأسلامية.
أن المصائب و الرزايا آلإجتماعية آلتي تمنى بها المجتمعات البشرية و التي تنتج بسبب مُمارساتهم لا تقضّ مضاجعهم و لا تجد صدىً في نفوسهم و عقولهم و ضمائرهم , فهم مُنهمكون دائماً بجمع الأموال حتى لو تسبب ضياع شعوبٍ بكاملها, و يصفون الحكومات آلتي قد تقف بوجههم أحياناً بأنهّا حُكومات ضالة مُتخلفة تعويقية تضع العراقيل و العوائق في وجه التجارة الحُرة .

إن عالم التمويل آلذي لا تحدّه حدوداً أنسانية عادلة و لا قوانين منصفة هو عالم مُرعب يبزّ فيه النفوذ المطلق للمُتداولين و مدراء الصناديق - نفوذ و صلاحيات آلبنوك المركزية و السياسيين والتكنوقراطيين ... و فيما يضغط آلمتداولون على أزرار حواسيبهم آلضخمة و يدمجون آلفيزياء بالرياضيات و المال بالتكنولوجيا لخلق وسائل و آليات بالغة التعقيد - فأن الأسواق المالية ستنقلب أكثر كفاية و مُخاطرة على نحو بالغ القسوة و الضراوة لم تشهده من قبل .

أن التقلبات المالية ستصبح حقيقة هذه الحياة .. بَيْدَ أنّ تكلفة الوقوف في وجه قوة طاغية مُستكبرة تُقدّر أمكانياتها مجتمعةً بتريليونات الدّولارات تصبح أمراً عسير الإحتمال لو لم يفكر المخلصون بإتباع منهج قويم و بدعم الثورة الأسلامية التي حملت راية الدفاع عن المستضعفين ضد المستكبرين .

إنّ رفض ممارسة اللعبة و التجاوب مع المتداولين قد يُخضع دولةٍ مّا أو إقتصادٍ ما إلى أسعار فائدة باهضةآلتكلفة, أو إيقاف إستثمارات في الأسهم في عمليات الخصخصة و المطلوبة لتدعيم الأنتاجية و خلق فرص عمل جديدة ... لقد أوجد هؤلاء الممُولون آلعالميون نظاماً مالياً عالمياً هُم فيه الكاسبون وحدهم على سبيل الحصر , و كلّ ما عداهم مُدان و ملعون إذا فازوا , و مُدان ملعون إذا لم يفوزوا !
أن آلتعاون و التنسيق آلذي حصل بين آلمُمولين و طبقة آلتكنوقراط آلناشئة حديثاً , شكّلت و أسّست علاقة متينة أصبحت بمقتضاها آلقررات و المسائل المهمة على الصعدين السياسي و المالي و من ثم العسكري إذا تطلب الأمر ذلك - تُتّخذ وراء الكواليس في معزل عن مناقشة الجمهور و آلناخبين. و قد حلّت التكنوقراطية - ألفنيّة , محلّ الدّيمقراطية, و هذه بدورها تحولت إلى عملية ميكانيكية حيث بات بالأمكان , من خلال سلطة الأعلام المدعومة بتكنولوجيا متطورة , و آلمال و آلتسويق , أن يُباع على الجمهور ألمنتجات التي تُصنّعَها فئةُ الواحد بالمائة, و يمكن تغليف هذه المنتجات بطريقة مهنية عالية آلجودة و آلهيئة , و من آلأمثلة القريبة آلناصعة على ذلك قانون السكائر في يونيو - حزيران 1998م و الحرب آلخاطفة التي شنّتها ضدّه الشركات ؛ شركات التبغ , و التي تمكّنت آلأخيرة نتيجة لها - من تغليف مصالحها كما لو كانت مسألة حكومية تتعلق بأستيفاء آلضرائب و إنفاقها و ليست مسألة صحة عامة تتعلق بعموم الناس و مصير البشرية جمعاء.

أن مجلس آلاحتياطي آلفيدرالي آلذي لم يكن لها أية قوة شرعية خارج آلولايات آلمتحدة آلأمريكية فأنّه يبلغ الآن من آلقوة حدّاً يجعل قراراتهُ ذات أثرٍ فوري عظيم على إقتصاديات آلدّول الأخرى في العالم . فلو قرّر آلمجلس - أن يرفع مُعدلات آلفائدة آلحالية للسيطرة على النمو آلأقتصادي آلأمريكي فأن ذلك سيطيح بالين الياباني و يُسبب آلتخفيض على عُملات الدّول الاسيوية , و يُعمّق الكساد و الركود في روسيا و معظم دول آسيا و حتى معظم دول أمريكا آلجنوبية و العكس صحيح . بل بات هذا آلمجلس يُملي آلسياسة آلنقدية آلعالمية . و بطبيعة الأمر فهو ُيمليها أولاً و أخيراً لصالح الاقتصاد الأمريكي . ممّا يُؤثّر مُباشرة على وسائل آلعيش و الرفاه للدول الأخرى, و من ذلك أسعار الأسهم و تقويم العُملات و بصورة عملية أوْجُه و مناحي آلاقتصاد كافة في آلدّول الأخرى آلتي يجري إخضاعها لقراراتٍ يتمّ إتخاذها خارج حُدودها, و ليست مسؤولة تجاهها بأي شكلٍ من الأشكال , و بالتالي يُعتبر تدخلاً سافراً في شؤون آلدّول الأخرى .

إن هذا النظام آلعالمي تأسّس بشكلٍ لا يخدم سوى أقتصاد آلطرف الأمريكي ثمّ الغربي آلذي يمتلك كلّ عناصر القوة و آلمال و التكنولوجيا و العُملاء و آلأعلام, لتُمْنى مُعظم إقتصادات دول آلعالم الأخرى بالدّورات التي كان يُفترض أن يقع ضحيتها آلاقتصاد آلامريكي آلمحلي, و هذا على الأقل ُيمثّل أحد ألأسباب آلتي تُعزى إليها مواطن القوة في آلأقتصاد آلجديد للولايات المتحدة .

أما تجربة المكسيك آلتي وضعت كما يقول المثل السياسي (جميع عنبها في سلّة الأمريكان)فهي قصة محزنة أخرى, لهذا قال آلرئيس المكسيكي بورفيريو ديز " مسكينة هي المكسيك ... لبعدها عن آلله ... و قربها من الولايات المتحدة ", إنها تجربة واضحة و مؤلمة أيضاً بسبب ما خلفتها سياسة حكومتها آلتي لم تعتني بتطلعات الأمة و إرادتها , بل خضعت للسياسة المالية آلتي فرضها صندوق النقد الدّولي و الولايات المتحدة, و أسوء من ذلك , و بالاضافة إليه ؛ فأن تلك الشروط أجبرت المكسيك على المرور بركود إقتصادي قاسٍ بالإضافة إلى ما لزم من التخفيض في الواردات . رغم أن آلمكسيك قد أممّت شركات النفط الأمريكية عام 1939م , و أصبحت شركة النفط المكسيكية "بيمكس" ألمالكة و القائمة على إدارة صناعة آلنفط و الغاز منذ ذلك الحين , و بالمقابل فقد فرضت حقيبة الانقاذ آلتي أدرجت تفاصيلها آلولايات المتحدة و صندوق آلنقد الدولي عام 1995م شروطاً تلتزم آلمكسيك بموجبه و ذلك بِرَهْن كافة ألايرادات النفطية و إيداعها كضمان لدى بنك آلأحتياط آلفيدرالي في نيويورك . و رفض مسؤولوا وزارة الخزانة آلامريكية كفاية توقيع وزير آلمالية آلمكسيكي عل صك الرهن , فطلبوا توقيع شركة “بيمكس” أيضاً , و أضطرت آلمكسيك ببيع مرافق القطاع العام آلمكسيكي كمجمعات صناعة البتروكيمياويات و الغاز و غيرها .

كلّ ذلك كان ثمار هجرة آلأموال آلعالمية بسبب آلمضاربة , لأنّ مُعدّلات آلفائدة في آلولايات المتحدة متدنيّة و في المكسيك مُرتفعة , فقد كان في ذلك فرصة ذهبية لمُدراء صناديق الأموال الأمريكيين للقيام بأعمال آلمراجحة حيث يقترضون الأموال في الولايات المتحدة و يستثمرونها في المكسيك ليملئُوا جيوبهم بهوامش آلربح الكبيرة. و هكذا إقتحم آلأمريكيون سوق المال المكسيكي بالضربة القاضية . و كانت الطامة الكبرى يوم جاءت التقديرات أن الحاجة ماسة لمبلغ 50 مليار دولار تقريباً لوقف الهبوط المريع للبيزو - ألعملة المكسيكية ! لتدخل آلمكسيك بسبب ذلك القرض مرحلة آلخضوع آلتام و الفناء الأقتصادي .
لقد جرى نفس الشئ في العراق خلال تسعينيات القرن الماضي, فقد فُرِض على آلحكومة العراقية البائدة إيداع رصيد مبيعات آلنفط آلعراقي من آلدُولار أيضاً في بنوك أمريكية في نيويورك لتمويل مشتريات العراق من الغذاء و الدّواء تحت شروط قاسية لا تعرف الرّحمة إلى قلوب واضعيها سبيلاً . و قد كان العراق من أوائل الدّول آلتي أمّمَت شركات آلنفط آلغربية في الشرق الاوسط أيضاً , لكن إعتماد العراق على واردات النفط فقط في إقتصادها جعله غير قادرٍ على مُواجهة آلحصار آلذي دمّرَ آلإنسان آلعراقي و جميع البنى التحتية فيه.

لقد كان آلأقتصاد العراقي كما هو حال الأقتصاد المكسيكي إقتصادٌ ماليّ أمتصاصي و غير مُنتج , لذلك لم يحدث أيّ نموٍ إقتصادي فيه لأسباب عديدة يأتي في مُقدمتها آلأعتماد آلكامل على النفط أساساً حيث كان يمثل بحدود 98% من وارداته . إلى جانب آِلسياسات الخاطئة على الصعيد الأداري و الفني في هيكلية الحكومة بسبب آلنهج آلدكتاتوري آلبعثي ألذي بذر أموالاً طائلة كهبات و عطيات لحكومات و فئات ظالمة لشراء ذممهم, حيث إنها ليس فقط لم تقف و لم تقدم للشعب العراقي شيئاً لا في الرخاء ولا في السلم بل ساندت ذلك النظام ضد تطلعات الشعب, و كذلك أستخدام جميع الفائض آلنقدي من قبل النظام البائد في شراء الأسلحة آلتقليدية ليتمّ حرقها في حروب خاسرة معلومة النتائج.

إن مُداولات صندوق آلنقد الدّولي لم تقتصر على الدّول التي أشرنا لها فقط , بل هناك وقائع أخرى قاسية شبيهة بما ذكرنا عندما شجّعوا عمليات الإقتراض غير آلمدروس في آسيا , حيث كان بأمكان أيّة دولةٍ أو بنكٍ أو شركةٍ أن تحصل على القروض مقابل فارق طفيف زيادةً عمّا تدفعهُ حكومة الولايات المتحدة . و تمّ التخلي عن إختبار آلجدارة آلائتمانيّة و ملاءة آلعُملاء آلذّين تُقدّم لهم القروض. فقد تدخلت هذه آلمرّة بجعل آلُمستثمرين الأجانب ألقيام بتسوية ما حلّ مِنْ إضطرابٍ و فوضى من خلال إعادة هيكلية آلبنوك و الشركات بالشكل الذي يتلائم مع مصالحهم و هكذا أصبح آلمستثمرون العالميّون الذين لعبوا دوراً رئيسياً في خلق الازمات هُم المسؤولونَ في إيجاد الحلول لها .

و آلأوضح من كلّ ما ذكرنا من آلأمثلة ؛ أنّ سوهارتو قد إستلم مقاليد السلطة في بلاده في آلستينات بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أي) من خلال أنقلاب مسلح خلفت ضحايا تتراوح بين  500000 - 1000000مواطن أندونيسي إتهم بعضهم بالشيوعية و بمؤيدي آلرئيس المخلوع أحمد سوكارنو آلذي آثَرَ الأبتعاد عن كلا طرفي الحرب الباردة . حيث كان يعتقد أن النمط آلغربي للديمقراطية أدنى درجة من آلدّيمقراطية الموجهة آلتي يُؤمن بها على أساس آلثقافة القومية و الوطنية و آلاسلامية , و بعد أن تربّع سُوهارتو على قمّة السُلطة في بلاده لأكثر من ثلاثينَ عاماً إستقبل وفداً أمريكاً رفيع المستوى يترأسهم وزير الدفاع كوهين ؛ أبلغوه أن إستقرار أندونيسيا كان أمراً حيوياً بالنسبة للأمن آلقومي للولايات المتحدة, و أن كلينتون قد إتصل به ليبلغه ؛ " إن هذا الإستقرار مرهونٌ بإنصياع سُوهارتو إلى الوصفة بالغة القسوة آلتي قدّمها صندوق آلنقد آلدّولي , و إعتبارها من المسلمات كما لو كانت مُرسلة من السماء ."(1)

في نهاية هذا آلبحث ألمُكثّف يبدوا أن هذه آلعولمة غير آلمسؤولة كانت سبباً في إختيار عنوان "العولمة المسؤولة " كعنوان لمنتدى دافوس في سويسرا عام 1999م. فالإندماجات الأخيرة بين آلشركات خلال آلسنوات الاخيرة و آلآثار العالمية لأحداث آلثورة الإسلامية في إيران و ما رافقتها من آلصحوة الأسلامية آلتي رافقتها و التي أذهلت الشرق و الغرب و كذلك أحداث روسيا و البرازيل, بالأضافة إلى آلأنعكاسات و التبعات التي رافقت التدخل الأمريكي في أفغانستان و العراق و حقيقة أنعدام أهمية آلحدود حسب النظرة الغربية بين آلدول كلّها إشارات بأنّ حقيقة العولمة تخطت كونها عملية مراحل بعيدة المدى إذ أصبحت حالة واقعة حسب تصريح "كلوب شواب" مؤسس منتدى دافوس , حيث يقول : " أمّا لماذا العولمة المسؤولة ؟ ففي عالم تلاشت فيه حدود آلدّول, أصبحَ لزاماً إيجاد حُدودٍ عالمية بديلة تتمثل في أيجاد آلآليات التنظيمية و آلادارية, و القانونية و الاجرائية لتلافي آلآثار آلخبيثة لثورة آلعولمة" .

إن مركز إقتصاد آلعولمة آليوروأمريكي آلأطلسي من دول آلعالم آلأخرى يأخذ آلعرق و آلنفط و آلخبراء و ساعات العمل و المعادن , و يبادلهم إياها بأرقام و أوهام في دفاتر بنوكه أو ذاكرات كامبيوتراته , فيتمّ تبادل المحسوس و الحقائق بالأرقام و الأوهام , و كم هي سهلةٌ تبديد آلأوهام و تغيير آلأرقام كما بيّنته الأيام ؟

و أخيراً إن أمريكا لا تُحارب من أجل آلدّيمقراطية في آلعراق أو افغانستان , لأنّه ليست هناك ديمقراطية في العالم العربي أساساً , بل و في العالم الغربي أيضاً كما أشرنا ! و بالتالي فأنها لا تحُارب من أجل آلمظلومين, و إن الولايات المتحدة إنمّا تحركت نحو أفغانستان ثمّ العراق بعد أن إختلقت و رتّبت بمهارةٍ فائقة أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لتُسيطر أو تُحَجّم على الأقل من قُدرة و فاعليّة آلثورة الأسلامية و إمتداداتها آلطبيعية على المدى المنظور بعد أن عجز حُكام آلعرب و في مقدمتهم آل سعود و صدام و نهيان من صدّها, و ليس هذا فقط بل أوصلوا آلمنطقة إلى أدنى نقطة في آلمنحني الأقتصاديّ و السياسيّ و العسكريّ و آلأمنيّ و في كلّ جانب و قضية , ليأتي الغرب بنفسه للسيطرة على أهم و أقدس منطقة في العالم, كلّ ذلك كما لا يُخفى على أحد هو للقضاء على المدّ الأسلامي أو على الأقل لتحجيمه و بالتالي للسيطرة على ثروة آلنفط آلتي تمُثل ما يقرب من 83% من ثروة العالم و إحتياطيّه في منطقة الخليج , و هو آلوقود آلأساسي للصناعة العالمية , و يعني في مفهوم الغرب " آلفرق بين آلحياة الأقتصادية و بين الإندثار" حسب تعبير إيه إم روزنثال - من صحيفة آلهيرالد تريبون بتأريخ آلسابع و العشرين من آب عام 1990م عندما مهّدت القوات الأمريكية في حينها عبر عاصفة الصحراء للتمهيد لفتحها الكبير ألذي تمّ في نيسان عام 2003م.

د . عزيز آلخزرجي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مجموعة الواحد بالمئة هي آلطبقة التي تسيطر على مقدرات الامم آليوم , ففي أمريكا تسيطر تلك آلطبقة على 48% من آلدخل آلقومي آلأمريكي و آلبقية بالمقابل تتوزع على جميع آفراد آلشعب .
.(1)صحيفة نيوز ويك - العدد آلصادر بتأريخ آلثاني من شباط عام 1998م