Friday, December 10, 2021

صائد الفرص…. ربما قد يذكرنا العنوان بالسيرة الذاتية لصائد الجواسيس التي منعتها السلطات البريطانية لانها كانت تكشف الكثير من الجرائم المسكوت عنها. المهم ان صائد الفرص هذا شخصية هلامية متشظية في داخلها عشرات الشخصيات في نفس الوقت هذا الصائد شخصية متحفزة ومتربصة قد يجلس خلف مكتب مرفه او داخل سيارة مصفحة او في فندق درجة اولى او عقار او شركة او مؤسسة او مسلح بتيار او حزب او جبهة( سواء كانت جبهة انقاذ او تشليح ) او كتلة وينتظر فرصته للانقضاض على اي موقع او منصب او وليمة او صفقة صائد الفرص هذا لا يعبأ بهموم الناس ومعاناتهم وشقائهم لا تعنيه الازمات والكوارث والقهر لا تخصه المواطنة والقانون والعدالة والدولة الحديثة ليس له علاقة بتحولات المجتمع السياسية والاخلاقية والاجتماعية مختبأ وصامت وحذر وقليل الكلام يعتقد انه شخصية فهيمة وخبيرة بكل شي بما في ذلك التتن واللبن يفهم بالسياسة والثقافة والفكر والفن والحداثة وما بعدها وهو الوحيد الذي يعرف الحقيقة والبقية من الناس عبارة عن شخصيات مغفلة ومطفية ( كما يعتقد ) لا يناقش افكار ولا هموم ولا تعليقات ولا اخبار ( لأنه يعاني من الجهل والعمى العقلي) لديه قصور شديد في الرؤية والرأي يعشق من يغدق عليه الالقاب والعناوين والمديح ( لأنه يعاني من فقر ونكوص داخلي كبير) يغلس سنوات واشهر طويلة عن كل شي لكن سرعان ما تجده وقد هبط علينا وهو مسلح بمنصب او عنوان كبير اكتشف هذا الصائد ان افضل طرق المكامن للطريدة ( المنصب ‘ المسؤولية ‘ المصلحة ‘ الامتيازات ) هو ان يقوم بدور المتسلق الصابر والماهر. لهذا و أسباب أخرى داخلية و خارجية تولد نوع من الشباب الغير المؤدلج الذي يختلف في تفكيره عن الأجيال السابقة و حتى الجيل الذي سبقه .. يعني هناك فصل كبير بينهم و بين من سبقهم: لهذا ستتكاثر ألأجيال العراقية الغير المؤدلجة لتجد ضالتها في النت لا العقائد!؟ الشباب يمثّل الجيل الأكبر والأكثر تنوعًا في العراق، بل هو السمة البارزة للمجتمع، في وقت تصِف فيه دول أوربية متطورة، أنفسها بـ (الشعوب الرمادية)، نتيجة ارتفاع معدلات الشيخوخة، لكن العراق مثل الكثير من البلدان، لا يستثمر في هذه الثروة الشبابية. يزيد من أهمية ذلك، ان الشباب العراقي بدى مكترثا جدا بالأوضاع السياسية، اكثر من أي وقت مضى في تأريخ بلاده، ما يجعل ذلك محور انتقال انقلابي في الوضع الاجتماعي لهذه البلاد. يشبّ في العراق جيل غير مؤدلج، لا يجد الأجوبة على اسئلته في التنظيرات التقليدية المؤدلجة في الكتب، بل في الانترنت والتواصل الاجتماعي والثقافات العالمية بحكم تقنيات الاتصالات الحديثة. لا يحّبذ هذا الجيل، المعارك الأيديولوجية الأساسية، ويمتلك الجرأة على تجاوز الثوابت الفكرية وحتى الدينية، بحكم التحرر الثقافي، والاجتماعي، وهو أمر أصبح من الصعب ردعه حتى من قبل الأنظمة الشمولية والقمعية، وكانت ثورات الربيع العربي أنموذجا صارخا لهذا التحول الجيلي. لا بد من الاعتراف بان النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العراق، فشل في استيعاب الجيل الجديد، لاسيما ما يتعلق بارساء سياسات اجتماعية تقضي على الحرمان، والبطالة، نتيجة الفساد، وسوء الإدارة، والحروب التي تسببّت في انهيار الاقتصاد، وما نتج عنه من نفور جيل الألفية من نظام (ديمقراطية النخبة). يعبّر العراقيون الشباب عن رغبة واضحة في التغيير في طريقة إدارة الحكومة والمجتمع، وهم متناقضون مع الكثير من العناصر الأساسية في النظرة المحافظة للأوضاع، ما يتطلّب تجديدا يستوعب هذه التطلعات. فضلا عن كل ذلك، فان هناك ما يدل على ديناميكية أكثر تعقيدًا، فالشباب العراقي لم يعد يبالي بالعقائديات السياسية، وهي التي حكمت العراق عقودا طويلة، ويفضّلون عوضا عن ذلك، تأمين مستقبل حرياتهم، غير عابئين بأسباب الصراع السياسي في بلادهم والمنطقة. مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا، يتبنى قطاع واسع من الشباب العراقي، وجهات نظر أكثر ليبرالية وميلا للديمقراطية، ويقترب بشكل واضح من شباب المجتمعات الصناعية المتطورة الذي يفضل الإنجازات المادية في الاتصالات والبنى التحتية، والترفيه، على الانشغال بالاشتباكات السياسية والإيديولوجية والعقائدية. واضح جدا، ان النزعة المحافظة التي يتميز بها العراقيون الأكبر سنًا تتآكل بين جيل الألفية الذي تربي على الإنترنت، و ينحسر الخطاب الموجّه والمتحزّب، بين الكثير من الشباب، ومن المفترض ان يحل محله الخطاب العلمي، الابستمولوجي، بحكم التطور الاجتماعي، كما هو الحال في الكثير من البلدان التي مرت بتجربة مشابهة للعراق، لكن الكثير من الشباب بدا عاجزا عن ذلك، متبنيا طروحات مثقلة بالعاطفة الثورية، ومتأثرا بالخطاب التأليبي الموجّه، المولّد للوعي الزائف. لا يمكن استيعاب الجيل الجديد بتطبيقات تجميلية، ذلك ان احتجاجاته التي تضمحل، سرعان ما تعاود الاشتعال طالما ان حجم البطالة لم ينخفض، ورقعة الفساد، تتّسع، والصحة ونوعية التعليم، والمشاركة السياسية، لا تحظى بمعالجات منهجية.