Tuesday, March 26, 2024

أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة أنصاف المثقفين - الحلقة الرابعة :

أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة: أنصاف آلمثقّفين : الحلقة آلرّابعة : أخطر ظاهرة في الحكم و السياسة: أنصاف آلمثقّفين : الحلقة آلرّابعة : ملامح وظلال (أشباه المثقفين) الذين يشكّلون العمود الفقري للنّخبة السياسية العراقية و حتى العربية و العالمية، هي أنّهم قد قادوا حركتهم نحو (النهاية الحزينة) و التي باتت معروفة و كما توقعت ذلك منذ عقود في فلسفتي الكونية العزيزية, على أنّ (شبه المثقف) الذي أنتجته على نطاق واسع ظروف التفرغ المموّل غير المنتج في صفوف الأحزاب والمنظمات والتيارات و الحكومات المختلفة كدعاة اليوم في العراق الذين توكّؤوا على دماء الشهداء لنهب أموال البلاد و العباد كمستهلكين طفيليين و الاخوان المسلمين في مصر و حركة الغنوشي في تونس وحركات و نهضات باقي بلادنا؛ و قد أصبح ظاهرة عربية - عالمية, و إنتقل هذا الفيروس المعدي لصفوف النّخب و النخبة العراقية - العربية خصوصاً بشكل غريب بعد 2003م أضافت بدورها أسوأ صفاتها لهذه الظاهرة التي تقترب لرؤية غرامشي, و نظريته الحديثة في المنهج النقدي بخصوص إدارة الدولة و العلاقات الدولية و تستكشف واجهة الأفكار و المنشآت و القدرات المادية أثناء تشكيلها لمعالم هيئة الدولة, و تشمل كيفية تحديد مجموعة معينة من القوى الأجتماعية لتحاصص مراكز القوى و الحفاظ عليها, بل و تكسر الغرامشية الجمود القائم بين المدارس الفكرية الواقعية و النظريات الليبرالية عبر إضفاء طابع تأريخي على الأساسات النظرية للأتجاهين كجزء من نظام عالمي معين و يجد العلاقة المتشابكة بين البنية و الفاعلية, إضافة لذلك ؛ يصنّف كل من كارل بولانبي و كارل ماركس و ماكس فيبر و نيكولو ميكيافيلي و ماكس هوركهايمر و تيودور إدورنوا و ميشال ؛ على أنهم مصادر رئيسية في النظرية النقدية للعلاقات الدولية. عموماً النظرية الغرامشية فيها جوانب إيجابية و سلبية يجب الأستفادة من جوانبها الأيجابية و ترك الجوانب السلبية(1). شبه المثقف إنسان مريض يُعدي الآخرين, وهو ليس وصفاً في نزع المهارة، مع أن شبه المثقف يكون على الأرجح، غير ماهر أيضاً؛ ولكنه وصف في نزع المرجعية المبدئية عنه والتفاعل الإبداعي بين الذات والمجتمع, و بآلتالي فهو أخطر من الجاهل في أي مكان كان. في الحالة العراقية كما البلاد العربية؛ توجد دولة يتطلّب تسييرها مهارات غير إعلامية، قد يكون شبه المثقف، على العموم، (مثقفاً) من الناحية التقنيّة - الأبجدية، لكنه يفتقر للقدرة الإبداعيّة سواء على مستوى المعرفة أو الفن ـ بكل تجلياته ـ أو على مستوى الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية و الأقتصادية و حتى العسكرية. ومردّ ذلك هو افتقاره للموهبة أو إلى ما يُعوّض الموهبة من الرؤى الشمولية والالتزام بقضية عامة تتجاوز الذات و المصالح الخاصة و الحزبية؛ إلتزام يتمحور عليه كلّ النشاط الشخصيّ. فالثقافة؛ رؤية شاملة للعالم و إلتزام نقدي بأولويات المجتمع والإنسانية و كدح دؤوب في معاناة الكلمة/الفعل لتحقيق المصلحة العامة. المُثقف، بالنظر لامتلاكه الرؤية والتزامه بها؛ يصبح قادراً على فرض حضوره بمعزل عن دعم السلطة أو حتى على الضدّ منها لكونه مسلّح برؤية متكاملة وأهداف واضحة و مستقلّ في معيشته و راتبه. و هي فكرة يجدها المثقف التقليدي غير معقولة لقصوره الفكري و محدودية أفكاره، و بآلتالي عجزه عن استبصار المجالات المتعددة للسلطة غير السلطوية/الحكومة، لأنها تعتمد الهيمنة الفكرية والمعنوية بـ (المفهوم الكوني العزيزي). فالمثقف، باتحاده مع وعيه إلى سلطة كائنة مستقلة لها مساحة هي مساحة (القول/الفعل)، أيّ الكلمة بوصفها كشفاً عن اللحظة المطابقة للاحتياجات الاجتماعية التاريخية، قادرة على صنع تأثيرها على جمهور يسير في سيرورة بناء الثقة مع صاحب القول, وسيكون من شروط حيازة هذه السلطة التعفف عن أيّ أطماع أو سلطة أو منافع أخرى، أو ممارستها عند الضرورة بوسائل هي على النقيض من طابعها السلطوي. (شبه المثقف) لوحده عاجز عن الحضور إلّا بالعلاقة مع سلطة مّا خارجه لتضمن له(لشبه المثقف) لتُحضره .. بل و تُوجّهه في نطاقها، فإذا عافته أو إنفصلت عنه انتهى حضوره, بمعنى ليس أصيلاً في حركته الثقافية الفكرية و كما هو حال كُتّابنا و إعلاميّنا و حتى ساستنا! وتبدأ هذه السلطة التي يتكئ عليها شبه المثقف إبتداءاً من العائلة وعند المعلم، حيث الطلبة مضطرون للإصغاء تحت تهديد الامتحان. لكنها على العكس من سلطة المحاضر العام الذي يمارس سلطته بحضوره الشخصي لا بقدرته على منح علامة النجاح. ومن نمط السلطات نفسها سلطة خطيب الجمعة أو الكنيسة و المعبد؛ حيث يكون الكلام جزءاً من الطقس محمولاً على الصلاة لا على مضمون الخطبة و شخصية الخطيب. شهوة (أنصاف آلمثقفين) و الذي يشمل الأعلاميين أيضاً - الدائمة و الخطيرة هي للتّقرب من السّلطة السياسيّة و الذوبان بها وخدمتها, و هو ما يشطب جوهر الممارسة الثقافية و الفكريّة و الفلسفية، و يُحوّل أشباه المثقفين إلى أدوات على درجات أو طبقات .. بين أولئك الذين ينخرطون في خيانة ذواتهم لقاء بضعة مكاسب تافهة كمرتزقة، و بين أولئك الذين يحصلون على المواقع أو المناصب العليا. في المنصب سواء جاءه بالتعيين أو بالانتخاب؛ يتحوّل (شبه المثقف) لديكتاتور من نمط تقليدي يتلذّذ بالسلطة ويتوهّم ألانشغال والإنتاج ويتوقف عن الإصغاء، و يتنكّر للأصدقاء، ويغرق في التفاصيل والمظاهر، و يعجز، كما هي طبيعته، عن الحوار أو عن تصوّر حلول إبداعيّة شمولية للمشاكل ويواظب على إصدار الأوامر الفوقيّة ويمحور كلّ اهتمامه و وقته حول مهمة واحدة هي إرضاء نوازعه الذاتية بما فيها شهوة الحضور تحت الأضواء و الكامرات وإرضاء السلطات .. فمن دونهم يتيه و يتوهم أو يقتلهُ مرض التّوحد, يحدوه دائماً ألحسد و هوس الانتقام من المُثقفين الموهوبين، بينما يكف نهائياً عن أيّ توسل للرأي الآخر أو الميل إلى التوافق مع المجتمع. هذه حقيقة مرّة تكلف الشعوب عادة الكثير من المال و الوقت و الجهود بسبب الجهل و شهوة العلو وشيطان النفس, بالطبع هذا ليست دعوة للعدميّة إزاء انتزاع مواقع في إدارة المجتمع بل العكس, إنّها نزوع إلى شرطين لا بد من تحقّقهما لتلافي سقوط المثقف، هما : ــ المشاركة من موقع حزبي جماعي لا موقع فردي, و هذا واقع هو واقع الحال في بلادنا و حتى بلاد العالم, لفقدان المقياس الكوني . ــ الحفاظ أثناء المشاركة بالإدارة؛ على الالتزام بالقيم و مبدء العدالة وقوة الوجدان و الضمير إزاء الفئات الاجتماعية التي انتدب المثقف نفسه لتمثيلها. العلة الأساسيّة المسببة لتلك آلتبعيّة في (أنصاف المثقفين) التي أشرنا لها كخطر كبير يهدد المجتمع كله قبل الحاكم أو الحكومة أو حتى المثقفين؛ هي فقدان المقياس الكوني و (إلأصالة الفكرية) في ثقافتهم, و المعيار الكوني هو: التدرج الفكري و يبدأ بـ : [قارئ؛ مثقف؛ كاتب؛ مفكّر؛ فيلسوف؛ فيلسوف كوني؛ عارف حكيم],هذا التدرج يجب أن يتلازم مع حسن سير السلوك للوصول إلى الله بعد عبور مدن العشق السبعة و هي: [الطلب؛ العشق؛ ألمعرفة؛ التوحيد؛ الأستغناء؛ الحيرة؛ الفقر و الفناء](2). إن مجرد إكتفاء شبه المثقف بما كان قد قرأه في صباه أو حتى بعد صباه، ثمّ تحوّله كلياً إلى الثقافة السماعية، نُتَفاً يأخذها من هنا و هناك، و يستخدم الدارج منها في لعبة القول الفارغ و العناد الأبله، معتقداً بأنّ أيّة تضحية سبق أن قدمها في زمان غابر، تمنحه صك غفران نهائي عن كل الموبقات و التنازلات والصمت الذليل الذي يخضع له. إنه يبحث عن الاعتراف به، لا من جمهوره المفترض، و لكن من السلطة المعنية، و يداري كَسَلَهُ المُملّ بافتعال معارك مع الموهوبين. أشباه المثقفين ظاهرة ولدت ولا زالت مع التعليم الجامعيّ وتوسّعت بتوسّعه, فقد أصبح لدى شبه المثقف شهادة رسميّة على أنه (مثقف)! وإذا كان حظّهُ جيداً و كتب كلمتين أو مقال أو كتاب كَتَبَ معظمه ونقّحه آخر؛ فإنه ينتهي إلى الإحساس بأنهُ شخصيّة مهمة للغاية, وهو إحساس يملأ شبه المثقف، فلا تشغله القضايا والأفكار الجديدة أو الدور الاجتماعي ـ السياسي المطروح على جدول أعمال المجتمع, ولعل هذا هو السبب الرئيسي في إنحراف السياسيين و فسادهم, حين يتصدى للقيادة أو الرئاسة, و في بلادنا أمثلة كثيرة على ذلك. أشباه المثقفين منتشرون في حياتنا, وهم موجودون في حقل الإدارة الحكومية والنقابات والحياة السياسية والثقافية و الأعلامية، في الموالاة والمعارضة، لدى الوطنيين الوسطيين وأنصار الحكومات المتعاقبة كما لدى الإسلاميين والقوميين واليساريين, وعلى خلفية مكونة من هؤلاء يمتنع النقاش، و ندخل في باب الأمراض النفسيّة، حيث يتركّز القول و الفعل على ذات متضخمة لا يُمكنها حكماً؛ التفكير العميق أو رؤية الواقع أو التفاعل مع الآخرين. ومن (أنصاف المثقفين)، يأتي أسوأ و أفسد المسؤولين وأسوأ المعارضين والقادة النقابيين والنواب الحزبيين أيضاً وأن السلطات كما الجماهير كما المستكبرين؛ يُفضّلون أنصاف المثقفين المستعدين للخنوع للرأي العام أو تكرار المواقف المعروفة على أولئك المثقفين أصحاب الرأي المستقل, في بلادنا اليوم مئات الآلاف من آلكُتّاب و المؤلفين و الأدباء؛ لكن كم منهم مبدعين ومصلحين ومنتجين!؟ أشباه المثقفين لا يمثّلون نخبة وطنية أو فكرية قادرة على إعادة تعريف ذاتها و وطنها و تحديد الرؤية الكونيّة للناس زمكانياً!؟ و يتضح ذلك العجز جليّاً في إحجام النخب (البورجوازية) عن تمويل النشاطات المدنية و الفكرية, وهو ما يدفع الهيئات و الناشطين إلى تسوّل المساعدات الأجنبية أو الحكومية المشروطة, و هكذا تنعدم الرؤية الكونيّة و حيوية العمل والأنتاج باعتبارها مشاركة مدنية تُعبّر عن استقلال المجتمع وتطلعه للحرية والازدهار الحضاري و المدني المبني على القوّة الروحيّة والثقافية الكونيّة المستدلة. البورجوازي العراقي و العربي ليس بورجوازياً بالمعنى الثقافي؛ إنّما هو مجرّد فلاح بخيل أو بدوي فردي أو كلاهما معاً، و ليست لديه القدرة النفسيّة - ألرّوحية على التخلي ولو بجزء ضئيل من ثروته أو دخله للعمل العام أو طبع كتاب مفيد, ولو طلبت من أحدهم تبرّعاً ثقافياً أو إجتماعيّاً؛ فإنه يتهرّب أو يمنحك القليل، لكنه مستعدّ لأن يُولم لمناسبة سياسية أو اجتماعية ما يكلفه الكثير, بل يأتي أبناء بعضهم لإحياء مناسبة زواج أو ولادة لينثر الملايين من الأموال على رؤوس الحاضرين لأحياء تلك المناسبة العابرة, وهذا ليس كرماً؛ إنما استثمار مأمول في مكسب أو وجاهة, و قد تتذابح مع عراقي كريم على دفع فاتورة المطعم، لكنهُ غير مستعد للتبرع بالمبلغ نفسه لإحياء المعرفة أو حتى للخط السياسيّ الذي يُؤيّده أو النشاط الذي يعتقد بأنه مهم للمجتمع, فالكرم في تسديد فاتورة المطعم أمرٌ يعود إلى شأن ذاتيّ خاص، لكن التبرع العام شيء غير مفهوم بالنسبة إلى تكوينه الثقافي, وهو يعتقد أن تأييده اللفظي لنهج سياسي تبرّع ثمين بحدّ ذاته, أمّا الأغلبية، تريد لقاء ذلك الموقف اللفظي مكافآت, انعدام القدرة النفسيّة الثقافيّة على التبرع بالمال لغايات فكريّة أو مدنية، سوف تتّسع إذن ليشمل انعدام القدرة تلك على التطوّع حتى بالوقت أو الجهد أو أية تضحيات من أجل التقدم. لدينا، ككل المجتمعات العربية و المسلمة، نزوع للعمل الخيري تحت تأثير و ضغط الوازع الدّيني، خصوصاً في مناسبات الأتراح الشخصية أو المناسبات والأعياد الدّينية, وقد أفاد الإسلام السياسي من هذا النزوع للتوسط بين الخيّرين والمحتاجين، والحصول على مكاسب سياسية، وفي الوقت نفسه تمويل نشاطاته ومنظماته وهذا قد تجسّدَ في العراق مع أحزاب السلطة كحزب الدعوة وغيره, لكن تقاليد التبرع للعمل العام هي شيء آخر غير العمل الخيري, وهي لا تستهدف إرضاء الضمير الديني الذي هو في النهاية ضمير شخصي و لكنها تنبع من الضمير الاجتماعي ـ السياسي. تحتاج بلادنا للكثير من الجهود الفكرية والعمل الفكري و الثقافي المشترك والتضحيات من آلجميع, و هذه ليست قضيّة عقائدية و أخلاقيّة و إنسانيّة فحسب .. بل قضيّة تتعلق بوجودنا و عاقبتنا, وتحرّرنا وإختيارنا لنهج الصالحين, فالمرتزق و البخيل و الأنانيّ و آكل لقمة الحرام؛ لا يُمكنه أن يكون حرّاً و مشاركاً فاعلاً في القرارو البناء، والبلد لا ينهض بدون تضحيات والتضحيات لا تأتي إلّا بآلفكر وآلوعي, و الفكر و الوعي يحتاج للمؤسسات و للمنتديات الفكريّة و المنابر الهادفة لا التقليدية. عزيز حميد مجيد ــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أصول المنظور الغرامشي الحديث يُوعز في بداية نظريته الحديثة وكما ورد في مقالة الأستاذ المتقاعد في جامعة يورك، روبرت دبليو كوكس بكندا؛ إلى مجموعة مباحث [قوى إجتماعيّة؛ الدول وأنظمة العالم؛ نظرية ما بعد العلاقات الدولية] في الألفية الأولى سنة (1981) ومقالة (غرامشي)؛ والهيمنة؛ والعلاقات الدولية؛ مقالة عن النظرية], في المقالة التي كتبها عام 1981، يطلب كوكس دراسة نقدية للعلاقات الدولية بطريقة تعارض نظريات (حل المشكلة) المعتادة، التي لا تبحث في الأصل و الطبيعة، و تطور البنى التاريخية, و لكنها تتقبل على سبيل المثال فكرة الدول و العلاقات الفوضوية فيما بينها و بداخلها كما في المفهوم التجريدي لإيمانويل كانت. (2) لمعرفة التفاصيل عن تلك المحطات الكونية راجع كتابنا الموسوم بـ : تحميل كتاب ألأسفار الكونية ألسبعة pdf - مكتبة نور (noor-book.com)

No comments:

Post a Comment