Sunday, December 14, 2008

ألعرفان و آلحب في آلفكر آلأنساني9

بسم آلله آلرحمن آلرحيم
ألعرفان و آلحب في آلفكر آلأنساني ألحلقة آلتاسعة
معنى آلعرفان ....أدلته و دلالاته:ـ
العرفان وهو السعي للإجابة على أسئلة الوجود والكون والمصير،والوصول إلى تخوم فهم الذات والصفات، البعد والقرب من الله .. وهو أمر بعيد عن إمكانيةالبشر الا للقليل من الذين استحق بعضهم صفة أولياء الله.. هو فلسفة ما وراء العالم المادي، حيث وصّف أهل العرفان المادّة بأنها قيد الروح التائقة للمطلق الخالق.
طريق للسالكين:ـ
الصعب المستصعب كما وصفوه.. العشق اللامحدود.. عالم المحبة والسعادة بلقاء المحبوب طمعاً بالقرب والدرجات العليا التي لا يمكن أن تقدمها المادة في عالمها المؤقت المحدود إلى درجة الملل، هو الحق الذي اتعب الباحثين عنه. فهل هو فلسفة الموت؟
سيد العارفين علي بن طالب(ع) قدم هذه النصيحة العجيبة عندما سئل عن القدر (وهو جزء من أسئلة العرفان)، فأجاب: "طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه".
ومع ذلك فإن العرفان مؤداه الأخير الزهد في الدنيا عبر سلوك هذا الطريق المنير للعارف وسر الله والبحر العميق، وقد خاضه الإمام بذاته كتلميذ لرسول الله(ص) ليقول "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة سالكيه
العرفان مقاربة فهم الزمن، ولعل ذلك وحده ذورة العرفان عندما تقترب من الحديث القدسي القائل"يؤذيني عبدي عندما يسب الدهر... أنا الدهر.. اقلب الليل والنهار"، الزمن حركة، والله المطلق، وسؤال العارف كيف يتوافق المطلق والمتحرك، وكيف تكون الحركة في المطلق" ما دامت الحوادث لا تقع فيه كما يدعي الاشاعرة"، وكيف يكون كل يوم هو في شأن إذا كانت ابعاد الزمن الثلاثة فيه: لوحة مرسومة تبدي مصير الكائنات خلقاً وسيرورة ونهاية، أسئلة علاقة المتزمن باللامتزمن، علاقة المكان المحدود بالمطلق، فالعرفانيون أسياد فهم التوحيد والتنزيه ووحدة الوجود في ذات الله، إذا جاز لنا القطع في أنهم فهموا.
العرفان فلسفة الحب بكل معانيه الجوهرية، وهو بذلك اتصال بالانسانية المجردة عن الدين والقبيلة والطائفة والمذهب والعرفان، ولعلّ الشيخ محي الدين به عربي ظل من أبرز المعبرين عن هذه الفلسفة شعراً حين قال:
لقد كنت قبل اليوم انكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دان
فقد صـار قلبي قابلاً كل صورة فمعبد أوثان ودير لرهبــــــان
ادين بـدين الحـب أنى توجّهَـت ركائبه فالحب ديني وإيمانــــي

العقل الخالص:
والعرفان عقل خالص، لأن الله سبحانه كما عبر العرفانيون القدامى من مختلف الأعراق (وخاصة من اليونان وفارس والهند)، هو العقل الأول، كذلك أشار رسول الله إلى أن العقل هو أول ما خلق الله .
فإن قاعدة إيمانهم بالعقل وجّهتهم إلى توصيفه سبحانه بالمطلق، ومن هنا أقروا بوحدة الوجود التي أثارت ضجيجاً لا زال يتردد صداه في الفكر الإسلامي حتى اليوم. هذه المقولة رفضٌ للتجسيم الذي صبغ الفقه الإسلامي في جانبه الاجتهادي السني باقرار فكرة العلو والسماء في صلب التشريع وعلم الكلام، بينما هي ببساطة أن الله في كل مكان {فاينما تولوا فثم وجه الله} كما تقول الآية الكريمة، وذلك ما دفع متصوفاً شهيداً كالحلاج إلى الصراخ "ما في الجبّة إلا الله"، وذلك أيضاً ما جعل من العرفانيين (أولياء الله) كما يُقال عنهم إلى أنه يصبحوا في عين الاعصار عندما عبروا عن فلسفتهم بالأنسنة والمحبة والعقل وصولاً إلى ما أُطلق عليه(شطحاتهم) الصوفية، بحيث يطالعنا عند محيى الدين عربي في (فصوص الحِكَم)نص كهذا :"فيسوق المجرمين وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم وهي عين الأهواء التي كانوا عليها إلى جهنم وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه، فلما ساقهم إلى ذاك الموطن حصّلوا عين القرب فزال البعد، فزال مسمى جنهم بجهنم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون، فما أعطاهم هذا المقام الفوقي اللذيذ من جهة المنّة، وإنما أخذوه من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة، فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر لهم إلى أن وصلوا إلى عين القرب، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وما خص إنسان من إنسان، فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الأخبار الإلهية...".
هذا النص تلخيص لوجهة نظر باطنية في تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية التي لا يخرج عنها العرفانيون قيد أنملة، فيربطون وجهة نظرهم بالعقل والقلب معاً فاستحقوا بذلك الولاء لله والحرب الضارية التي شنت عليهم وصولاً إلى القتل وارتقوا إلى مرتبة الصفوة، وارتقى بعضهم إلى مرتبة الأدب الرفيع والشهرة من جهة، وإلى ما قيل عنهم من كرامات ومعجزات من جهة أخرى. جاء في الحديث القدسي: "لا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت عينه التي يرى بها ورجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها" وهذا يعني إذا صح النقل امتلاك المقدرة المطلقة بإذن من الله، ولله اولياء إن أرادوا أراد، وكان الإمام روح الله الخميني أحدهم بكل تأكيد، ولكن هذا الإنسان العرفاني عالم دين وفقيه بالدرجة الأولى، والفقه يقتضي النظر إلى ظاهر النص من أجل الاجتهاد ووضع أسس الشرعية الإسلامية، عبادات ومكاسب وغيرها، وذلك يقتضي أيضاً تفسير القرآن ظاهراً وباطناً، وهو أمر أتفق عليه المفسرون، خاصة عندما لم يتمكنوا من اكتناه المعاني من خلال تفسير الكلمات ومعانيها وما تؤدي إليه، ولعلّ أبرز اعتراف بضرورة النظر في باطن القرآن ما ورد لدى الشيخ متولي شعراوي عند تفسيره لسورة الكهف، أما بالنسبة لمدرسة أهل البيت فقد ظلت أكثر التصاقاً بالذهاب إلى عمق ما يؤدي إليه النص، كما نلحظ في تفسير الميزان للسيد طباطبائي وغيره.
بين الفقه والعرفان:
لقد استمر الفقهاء في صراع مع العرفانيين أو "الصوفيين"، ولكن نخباً من هؤلاء تمكنوا من التوفيق بين الأمرين، نذكر منهم قديماً الشيخ الغزالي و إبن عربي وحديثا الإمام الخميني(قده)و آلأمام محمد باقر آلصدر(قده) اللذين جددا بالقطع هدف الرسالة المحمدية بأنها تعريف الناس بالله سبحانه أولاً وتأتي بقية الأهداف الأخلاقية والتشريعية والسياسية.
الزهد في الدنيا قاسم مشترك بين الجميع ولكنه زهد مسؤول يؤدي عند تولي السلطة السياسية إلى صنع النخبة الأخلاقية التي تربط مجسّم الأخلاق بالسياسة، باعتبار السلطة مجرد تكليف لتسهيل حياة الناس وليس للتسلط عليهم، وكان الإمام الخميني بذلك تلميذاً وفياً للإمام علي أبي طالب(ع) كما نرى..
من خطبة شهيرة للإمام نقتبس: " أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز".
هذه الكلمات تلخص الثنائية الإنسانية لدى الإمام الخميني: الزهد والمسؤولية ثم العرفان والتشريع، تماما كالاستاذ العرفاني والقائد السياسي قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.
لقد قام الإمام الخميني بثورة كبيرة قدمها هدية للشعب المسلم وغادر طهران للإقامة في مدينة قم، ولكن مجريات الأحداث أجبرته على العودة، فلم يكن هدفه السلطة، ولم يرغب بها أبداً، حتى أنّه حجبها عن أقرب الناس إليه، إبنه أحمد رحمه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله آلعلي آلعظيم أبو محمد آلبغدادي
تورنتو

No comments:

Post a Comment