Saturday, March 24, 2018


عصر ما بعد المعلومات(1)(الحلقة الأولى)
لا أدري كيف و من أينَ أبدأ!؟
للجواب على ذلك آلسّؤآل الخطير(2) و علماء و مثقفيّ العالم خصوصا الوطن العربي – الأسلامي ليس فقط عجزوا عن الجواب عليه؛ بل لا يعلمون حتى في أيّ عصر يعيشون!؟
لا أدري من أينّ أبدأ و مثقفي و أكاديميّ العالم, لا يهتمون لما جرى و يجري عليهم و حولهم و كأنهم في سبات عميق؟
لا أدري من أين أبدأ و مفكري العالم لا يعرفون حتى إسم العصر الذي يعيشون فيه ناهيك عن خصوصياته و أخطاره؟
لا أدري من أين أبدأ و مفكري العالم لا يعرفون فلسفة الوجود و الخلق و دورهم في تحقيق العدالة الأنسانية ؟
لا أدري من أين أبدأ و مراجع الدِّين لا يعرفون حتى حرفاً واحداً من هذا (العصر) و يدّعون (الأعلمية) في الفقه و القرآن و السنة و نهج أهل البيت(ع), و الحال أنّ القرآن و نهج آهل البيت(ع) فيها عِلمَ ما كان و يكون من الأولين و الآخرين؟
لا أدري من أين أبدأ مع هذا الوضع الخطير الذي يعشش فيه الجهل و التكبر بأبشع صوره .. و أنا بصدد تقديم جواب مفصل قدر المستطاع و ما يتوفر لدي من إمكانات للسؤآل الذي طرحناه قبل مدة و كرّرنا نشره في كلّ العالم(3) و بعدة لغات عبر وسائل الأعلام المختلفة!؟

ذلك أنّ الذي يعيش في هذا العصر و لا يعلم صفته و حتى إسمه و عنوانه .. ثمّ يدعي العلم و الثقافة و نشر الوعي؛ لقضية مأساوية تُبيّن مسخ القلوب و تشويه الحقائق و تنذر بعواقب وخيمة جدا ًجداً, أقلّها الأستضعاف و من ثمّ الفناء على أيدي المستكبرين الماضين فعلا ًلتحقيق ذلك؟

و هل هناك موقف مأساوي و حزين أكثر من أمّةٍ .. بل أمم مع مثقفيها و مفكريها و علمائها لا يعلمون أين يعيشون؟
و ماذا يُخطط لهم؟
و ماذا عليهم أن يفعلوا؟
و إذا كان المثقفين و المفكرين بهذا المستوى من الوعي؛ فكيف بالسّياسيين؟ و عامة الناس؟
و لذلك يحترق العالم على نار هادئة يتحكم بنيرانها مجموعة صغيرة و الناس ماضون إلى مصير مجهول و مظلم؟

لقد بكيت من هول المأساة .. و كم بكيت؟
و سأبقى حزيناً متغرّباً حتى يستفيق الناس من سباتهم العميق و ينتبه العلماء و المفكرون و المثقفون, خصوصاً المُدّعين للوعي و للعلم الذين يجهلون خفايا هذا ألعصر و ما تمّ آلتخطيط له من قبل (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تدير حكومات العالم و البنوك و الشركات الكبرى؟
- و لكن مع كل هذا .. و بعون الله و مدد الولاية سأكون مناراً و شمعةً تضيئ و إن كانت صغيرة دياجير الليالي الحالكة في عالمنا المخيف المريب؟

- هكذا أراد الذين بيدهم زمام السياسة و آلمال و الأقتصاد و الأعلام و الجيوش و التكنولوجيا الذرية في العالم أن يكون عليه الناس خصوصاً العلماء و المفكرين و الأكاديميين الذين يظنّون جهلاً أنّهم ما زالوا يعيشون في عصر (المعلومات) الذي أنقضى قبل ما يقرب من نصف قرن, ليكونوا مجرّد آلات تُسيّر لأجل البقاء و لقمة خبز حقيرة من أيدي الحاكمين الظالمين,لأنهم يعيشون خارج الزمن الحقيقي؟

تلك السياسة أدّتْ إلى فقدان الناس لجواهرهم المتمثلة بأنسانيتهم؛ بضمائرهم؛ بقلوبهم ؛ بفكرهم ؛ بآلرّحمة و المحبة التي هي عماد تألق الأنسان و نهضته, و آلفاجعة النهاية الكبرى, هي: فقدان السعادة التي يفترض أن تكون الغاية في هذه الحياة!؟

يا إلهي:
أنا وحدي أجابه كلّ هذا الظلم المقنن .. و هذه المحنة الكبيرة التعيسة .. و أتعس ما فيها ؛ أنّ المثقفين و المفكرين و العلماء و المراجع في هذا الوسط؛ يتخيلون أنهم يعلمون .. ثمّ يكتبون و يكتبون و يطبعون و يؤلّفون و يُحاضرون و يُصرّحون, و يفتون, و ما هم بعالمين و لا عارفين و الله حتى أبجديات هذا العصر و عنوانه و ما خطط لهم في الخفاء و العلن, و ها هو الدّليل أمامكم قد بَرْهَنّاهُ و أثبتناه فبانَ جليّاً بعد نشرنا المتواصل و سؤآلنا المُكرّر؛ لمعرفة ما إذا كانوا يعلمون حقيقة زمانهم هذا أم لا؟
فكيف يمكن لفتوى أو مقال أو كتاب أو تصريح أو مؤلف, أن يكون مثمرأً و مفيدأً و صاحبه لا يعلم في أيّ زمن يعيش!؟
كيف يكتب و هو لا يعلم الموازيين و المقايس لتطبيقها على واقع يجهله جملة و تفصيلا!؟
و قد أثبت المعصوم بإشارة لهذه الحقيقة عبر حديث قويم بقوله:
[العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس].
فكيف لا تهجم اللوابس و هم يعيشون خارج الزمن؟
و هذا الحال لا يعني فقط فقدان وجودهم و دورهم من عملية البناء و التطور و الكدح نحو الحقيقة؛ بل يمثل إنصهارهم مع حركة التدمير و الفساد و الفناء!

لقد تيقّنا من هذه الحقيقة المُرّة, حين أرسلنا سؤآلنا (للأستبيان) إلى آلاف الأكاديميين و المثقفين و الكُتاّب و المتابعين و كرّرناهُ على مدى شهر تقريباً و في معظم المواقع و المجموعات الفكرية و الأنسانية و العلمية و المدنية, و طلبنا منهم جواباً و توضيحاً على سؤآلنا و لو تعريفاً مختصراً لعصرنا الرّاهن هذا و آلمستقبل المنظور, و كرّرنا طلبنا مرّات و مرّات؛ لكن دون جواب شافي و مفيد!؟
سوى بضع أجوبة سطحية تافهة لا تتعلق بأصل و غاية الموضوع؟

حيث أعطى بعض المثقفين و المفكرين أجوبة, كانت خارج سياق الحقيقة و غاية و فلسفة السؤآل, و أنكر بعضهم وجود (عصر جديد) بإسم (عصر ما بعد المعلومات).. رغم إنّي ألمحت لهم من خلال السؤآل بيان آلأسم و بعض العناوين و المؤشرات الواقعية .. 

بل تمادى آخرين بآلقول: [أنّكَ يا أستاذ تريد بِبَيانكَ تضعيف المذهب و تشويه عقيدة الناس]!؟
و تلك كانت نتيجة الأستبيان!

فكيف يُمكن في وسط  عالم مزيّف كهذا .. لا يعلم حتى مثقفيه و كُتّابه و علمائه في أيّ عصر يعيشون؛ أنْ نحيا و نتفاعل و نكون أنسانيين على الأقل .. ليكون لنا بآلتالي دوراً في إرساء قواعد العدل و بناء الحضارة و الحياة المدنية السّليمة؟؟

إنّهُ حقاً زمنٌ مُخيف .. تمّ التخطيط له من زمن و بإتقان .. حتى لم يَعد فيه (الأسلام) إسلاماً و لا (اليهودية) يهوداً و (المسيحية) مسيحاً و لا الحقّ حقّاً و لا آلأنسان إنساناً ..

فلا الدِّين دين و لا الطين طين .. و لم تعد الأشياء على طبيعتها .. كل شيئ تشوّه و يبشر بآلعنف و الأنانية و الكسب الحرام بكل الأساليب الممكنة, حتى تعدى الناس المفهوم الميكافيلي الذي كان سائداً (الغاية تبرر الوسيلة) ليصبح (الغاية فوق القيم), بل لا قيم سوى ما تؤمن به أنت و (تريد أن تراه)!

و هكذا مُسخت عقائد الناس, و إنشغل المفكرون و العلماء لفقدان بصيرتهم و الحكومات منهم بقضايا ذاتية و شخصية و جانبية حزبية, كما إنشغل بعضهم بتأليف الكتب و المقالات المُكرّرة ألتراكمية التي لا تغن و لا تسمن من جوع, سوى لتحقيق رغبات شخصية و ذاتيه!

بينما لو كان هؤلاء الكُتّاب .. إنسانيون و محبون للخير لتبرّعوا بتلك الأموال الطائلة للفقراء و المعوزين, أو حاولوا بها أنشاء مدرسة أو مستشفى أو بيوت للمشردين, بدل تكرار ما كتبه السابقون!

 حياة غريبة و متناقضة يكتنفه عصر ما بعد المعلومات ..
حياةلم تعد سائغة هذه التي يقضي الناس فيها زمانهم بجنون و بلا علم أو فكر أو إنسانيّة هدفهم الأول و الأخير المال و الشهوات ..

حياة خُليتْ من الأدب و العرفان و الصداقة و المحبة و العشق و الرّحمة ..

حياة خُليتْ حتى من لقمة خبز كريمة .. بسبب منظري (عصر ما بعد المعلومات) الذين يسعون للتحكم بآلماء و المال و الخبز و حتى (الحقيقة) كما يريدونها أن تظهر للبقاء وحدهم مع حصر منابع القدرة و الأقتصاد و الماء و المال بأيديهم ..
و ما هم بباقين و لا خالدين بإذن الله, فلهذا الوجود ربٌّ يحميه و أمام موعود يُدبّر أمره !

أنّهم يُريدون إفناء أكثر البشريّة بطرق عجيبة و غريبة لخوفهم من تلوث البيئة و قلّة مصادر الغذاء و فقدان طبيعة الطبيعة, و سنفصل الكلام فيها أن شاء الله لاحقاً!؟

نحن لا ننكر بوجود بعض الأحرار و المفكرين الواعين الذين يتعذبون من هذا الوضع إجمالاً و التخريب المبرمج, لكنهم بعدد الأصابع و أقلّ .. و لا مكانة لهم بين الحكام و أصحاب المال .. بل الحُكّام المزيفين(3) يستغلون مقالاتهم و حكمهم ليظهروا أمام الناس و يعلنوها من دون وعي و فهم و دليل .. فقط للأستهلاك المحلي لأدامة تسلطهم بذلك ..

كما أن هناك بعض الكتاب و المثقفين الذين يتألمون حقّاً، لأحساسهم بآلواقع البشري الخطير الذي يسير نحو مصير مجهول؛ إلى الهاوية و الدمار الذاتي؛ إلى عواقب وخيمة, و فوقهم الحكام الوضعيون في كلّ دول العالم بإستثناء (دولة واحدة) غافلون و معظمهم مشاركين في تكريس المأساة ينفذون خطط أصحاب هذا (العصر الجديد) الذي لا يعلمون حتى تسميته بـ: (عصر ما بعد المعلومات)!

بجانب هذا و مع شديد الأسف .. نرى أنّ (الدّعاة) مُنبطحين كآلمجانين المشعوذين, خانعين لا قرار لهم يتلهفون لراتبٍ و منصب على حساب الحقّ للحصول على ضربة العمر أو راتب تقاعدي لأدامة تلك الحياة الرتيبة الحقيرة و بأيّ ثمن!
حتى لو كان على حساب دم الفقراء و المحتاجين و اليتامى و الأرامل و قبلهم الشهداء المظلومين و ما أكثرهم !؟

لقد بات حالهم و الناس كالهنود الحمر أو الغجر السائبون .. المشردون, أو أذلّ من ذلك!

لقد لعبوا بديننا و ضحكوا على لحانا و أرهبونا بآلأرهابيين و هم الإرهابيون!

و ها هم بصدد إنتاج داعش جديد بل دواعش و حكومات و أحزاب و سياسيين و مذاهب شتى .. بعد ما أنتهى تأريخ و مذهب (الأخوان) و (الطالبان) و (القاعدة) ثم (التوحيد) ثم (النصرة) ثم (جند الصحابة) و أمثالهم من وحوش و آلبرابرة الذين عاشوا خارج العصر؟

أصبحنا غرباء في أوطاننا مذعورون؛ فقراء؛ أذلاء؛ مهمشون؛ أيتام على مأدبة اللئام!

ربّاه .. أنقذنا .. أنصرنا, فنحن المستضعفون و (دولتنا) الوحيدة لم تعد قادرة على إشباع و تأمين حتى مواطنيها بسبب كثرة الذئاب و الحروب و الحصار عليها من قبل أصحاب (عصر ما بعد المعلومات)!

نحن المشردون؛ نحن المغلوبون في كلّ بقاع الأرض؛ مُقَتّلون؛ مهجرون؛ نتعرّض لأنواع الظلامات و الأخطار!
ماذا نفعل .. و إلى أين نوليّ وجوهنا؟

ربّاه إنْ لم تنصرنا فنحن المستعبدون و المنقرضون الخاسرون!؟
أنتَ ربّنا الرؤوف الرّحيم و نحن لك عابدون آيبون, نحبّ و نريد خلافتك السّماوية أنْ تتحقق!

نسألك أنْ تُعجّل في فرج مولانا صاحب الزمان لأنقاذ البشرية كلّ البشرية, فقد ضاقت الصّدور و تعمقت المآسي و الجروح و لم يعد هناك مجال بعد لعيش كريم سعيد!

و ها نحن نتضرع في ساحة مغفرتك يارب .. فأنت الغفور التواب .. خلقتنا و أنعمت علينا, لكن لم نعرف قدرك و ضيّعنا نهجك .. بسبب نفوسنا المستكبرة و أعمالنا السيئة, وعلى الرّغم من إرسالك لمئات الآلاف من الأنبياء و الرّسل و الأئمة و الأوصياء و شهادة الشهداء و على رأسهم سيد الأحرار الأمام الحسين(ع), الذي يُحي بعض الموالين مقتلهُ كلّ عام من دون وعي و فكر و دراية أو معرفة سبب شهادته؛ بل وصل الحدّ و قلّة الحياء ببعض المدّعين للثقافة الحسينية؛ إلى كتابة المقالات و الكتب عن سيرتك و حلقات عن منهجك و لكنهم في الخفاء يمدّون أيديهم للمستكبرين الذين قتلوا الحقيقة و ما زالوا يتآمرون على الأنسانية لتأمين مراكزهم و محطاتهم و إعمار  بيوتهم!

إنّهُ حقّا (عصر ما بعد المعلوت) الذي يجهل المفكرون و الناس حقيقته, إنه عصر التزيف؛ عصر الخداع؛ عصر العنف و زرع الكراهية؛ عصر تزوير حقيقة الدِّين, و تشويهه و محوه حتى لا يعلم أهله و علماء الأديان أنفسهم أبسط مبادئها  خصوصا تلك المتعلقة بآلتوحيد و آلولاية التي لا تتحقق إلا عن طريق العشق الألهي, و إنا لله و إنا إليه راجعون, و (الملك يؤمئذ لله يحكم بينهم فآلذين آمنوا و عملوا الصّالحات في جنات النعيم)(4), و (هو الرّحمن آمنّا به و عليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين)(5).
عزيز الخزرجي
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Postmodernism
(2) السؤآل: في أي عصر نعيش الآن, و ما هو عنوانه؟
(3
)
 https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/10/01/417563.html

No comments:

Post a Comment