Monday, October 19, 2020

أسرار العشق - ألحلقة الرابعة

 

أسرارُ آلعشق – ألحلقة الرابعة:
بقلم العارف ألحكيم عزيز ألخزرجي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته مع محبتي و أمنياتي لكم بآلوصال الدائم و الثابت مع المعشوق .. و بعد:

قال آلحلّاج (ألحُسين بن منصور) رضوان الله عليه:

يا نسيم آلرّيح قولي للرّشا
لم يزدني الوِرد إلّا عطشا
لي حبيبٌ حُبّه وسط آلحشا
إن يشا يمشي على خدّي مشى
روحُهُ روحي و روحي روحُهُ
إن يشأ شئتُ وإن شئتُ يَشا

ألمقدمة:

مأساة الحلاج هي مأساة كل عاشق حقيقيّ في هذا الوجود؛ إنّها مأساة بغداد التي ما زالت تنزف كما كل العالم بألوان و أشكال مختلفة!
قبل إيراد التفاصيل التي نويت عرضها لمن يعرف قيمة الكلمة و أبعاد المعاني وأسرارها؛ أودّ إعلامكم بأن هذا الفصل قد ورد في كتاب (أسفارٌ في أسرار الوجود) و قد طبع قبل 10 سنوات بعد أن مرّ على كتابتها بحدود 22 عاماً ثم طبع كهمسة كونية برقم 163 تم وضعه في الجزء الثاني من سلسلة (همسات كونية برقم 163) في 11كانون1 2010م كما نشر في الكثير من الصحف و المواقع العربية و العالمية, و لأن عارفنا الأديب (الحلاج) يعتبر ركناً من أركان التصوف الإيجابي المنفتح على الوجود, فرأيت من الواجب إعادة نشره, و يؤسفني أن جامعات العراق بما فيها الأقسام الأدبية و الأجتماعية و اللغوية لا تهتم بهذا المجال الذي يمثل بحق عمق الأدب و الفلسفة و الأجتماع و علم النفس بسبب حالة الأدبي و العرفاني ليس في العراق فحسب بل في معظم  الدول العربية و حتى العالمية, لذا أرجو من الحكومات "الجاهلية" خصوصا في بلادنا ملاحظة هذا الأمر الأهم من التكنولوجيا لأنها تتعلق بصلب الحياة و السعادة الأنسانية, فمناهجنا التربوية و الأدبية تخلوا من الأدب الهادف و الدواووين العميقة الكونية التي تنظر لفلسفة العقائد و ما وراء الخيال و الغيب, لا قديماً و لا حديثا .. حين جعلوا المرحوم محمد مهدي الجواهري رائد الشعر العربي و عميده, بينما جميع الأصول و التنظيرات الموضوعيه في أشعاره مستنبطة من آلشعر و الادب الفارسي أمثال الحلاج و سعدي و آلعراقي و الفردوسي و غيرهم.

لهذا جعلنا عنوانه (مأساة الحلاج) في بداية نشر الموضوع؛ و حقا هي مأساة ألأنسانيّة المعذبة ؛ هي مأساة كلّ العاشقين الغرباء عبر الأزمان؛ هي هدر كرامة الكون الذي خلقه الله لأجلنا؛ هي رسالة (العارف الحكيم) ألّذي حملَ الأمانةَ بصدق لأنهُ عَشَقَ الأنسان(ألآدمي) مع العدل الذي لا قيمة و لا معنى للوجود و الموجود والأسلام بدونه .. فقُتل على يد الجهلاء بلا رحمة ..

بعد وشايات عديدة .. إلتقى (حامد بن عباس) وزير ألمُعتصم قاضي بغداد (أبو عمر محمد بن يُوسف), و شهد جمعٌ من علماء بغداد من وعاظ آلسّلاطين ألعباسيين على كفره .. أيّ كُفر(ألحسين بن منصور) ألمُلقّب بـ (الحلاج), و تمّ الحكم بمجرّد إشارة من آلوزير "حامد" على إباحة دم ّ آلحسين بن منصور ألحلاج, ثمّ عرضوا آلأمر على آلخليفة ألعباسي فوافق و إرتضى لطلبهم, فأصدروا بعدها ألحكم النهائي بجلده ألفا سوطاً, فإنْ ماتَ خلالها .. فبها و إلّا فآلشنق و آلذبح!

محنة ألحَلّاج:

تعجّبتُ كثيراً حتّى بكيتُ .. كيف إنّ آلعُشاق ألحقيقيين لا يَحيدُون عن موقفهم و عشقهم لله و ثباتهم إلى أقصى حدٍّ على مبادئهم و حبّهم للحقّ و آلفضيلة .. رغمَ ما يُواجهونهُ من آلأذى و آلخذلان و آلغربة و آلقهر و آلموت بأبشع صوره و لوحدهم وسط جموع الناس بعكس العشّاق ألمجازيين ألذين حبّهم لا يخلو من المصالح الشخصية و المادية و الشهوية!؟

أيّ سرٍّ هذا آلّذي يحويهم - العشاق الحقيقييون - فيجعلهم كونيّون .. يَتَحدّون جبروت آلطغاة و آلمســتغلين؟
كيفَ يُوفّق هؤلاء آلعظام لنيل تلك المراتب العرفانيّة - الكونية محلّقين في فضاء الدّنيا بقلوب صافية بآلحب؟

 أي سرّ ذاك  الذي يجعل ذواتهم تأبى ألعيش كما آلآخرين ضمن حدود مقيدة و جسد ضيق لا يمكنه أن يحوي تلك الرّوح العظيمة .. رافضة العيش بألذّل تحتَ ظلّ ألنفاق و آلتّزوير و آلدّجل و آلتظاهر بآلدّين بل رفض آلحكومات ألظالمة و آلسعي لتثوير آلناس ضدّها عبر ضخّ آلمعلومات و آلحقائق لتوعيتهم, سريرتهم كعلانيتهم, قلوبهم على أكفّهم, كلامهم يُوافق عملهم و هو آلصّواب, لا يستكبرون على أحدٍ, يتألمون لكلّ إنسانٍ مظلوم .. لا يقرّ لهم قرار و لا يرتاح لهم بال مع آلظّلم .. لا يتذوّقون طعم آلرّاحة في آلحياة و غيرهم يُعاني آلجّوع و آلألم و آلحيف, حياتهم بدون آلعشق راكدةً لا معنى لها .. جهادهم من أجل ألحقّ و للحقّ وحدهُ .. مَثَلَهم آلأعلى عليّ(ع) و أبنائهُ آلمظلومين ألشهداء!
حين حَكَمَ طُلاب آلدّنيا على آلحلّاج بآلموت و قدّموهُ للمشنقة بعد ما قضى فترة في آلسّجن؛ جُلِدَ ألفا جلدةٍ بأمر قاضي ألمعتصم ألعبّاسي ألظالم, لكنه كان يبتسم مستهزءاً رغم قساوة ألضّربات على جسده الهزيل و لم تُؤثر بعزيمته سوط آلجّلاد ألقويّ قيد أنملةٍ؛ حتّى سألهُ شيخٌ كبير و هو بطريقه إلى منصّة الأعدام:

ما معنى آلعشق؟

قال: [سترى آلجوابَ "أليوم" و "غداً" و "بعد غدٍ"؛(أليوم عنى به مقتلهُ, و غداً حرق جسمه, و بعد غدٍ رماداً تذروه آلرّياح)]!

و الآن:

ما هي آلرّسالة ألّتي حاول الحلاج إيصالها إلينا؟

هذا هو بيت ألقصيد في أكبر ملحمةٍ إنسانيّة بعد ملحمة آلأمام ألحسين(ع), تُحتّم علينا ألوقوف عندها طويلاً و تحليلها و الأقتداء بها!

طلب غُلامهُ الذي كان يتبعهُ و قد رافقهُ طويلاً في أسفاره و هو يحثّ آلخطى خلفهُ بحرقة و حزن نحو منصّة الأعدام؛ أنْ يُوصيه كآخر وصيّة من مولاه آلذي تجسّد فيه ألتواضع و آلأخلاص و ألصّدق و المحبة كلّها خصوصاً للفقراء و آلمظلومين؟

أجابهُ: [إشغل نفسك بشيئ, و إلّا ستُشغلكَ نفسك], (لاحظ مدى دقّة و عمق و تناسب ألعبارة مع مستوى غلامه)!

ثمّ سأله إبنهُ ألذي كان يرافقه لمصيره أيضاً: أوصني وصيّتك يا أبي آلحنون؟

أجاب: [بينما آلناس و كما ترى يا بُني مُنشغلين بآلأعمال ألمختلفة في هذه آلدّنيا آلحزينة للمال, عليكَ أن تسعى في طلب علم ألحقيقة](1)!

بينما آلحلّاج في طريقه يحثّ آلخُطى مُثقلاً بقيوده وسط آلنّاس .. يُردّد بآلقول؛ [حقٌّ, حقٌّ, حقٌّ], حتّى إستقرّ به آلمقام تحتَ حبل ألمشنقة, فَمَدّ رأسهُ آلشريف و قَبّلَ آلحَبْل و قال: [معراج رجال ألعشق].

أثناء وضع ألحَبْل في عنقه أدار برأسهِ الشريف نحو آلقبلة و قال مُناجياً معشوقهٌ: [هو وحده يعرف لِمَ هؤلاء يضعون حَبْل المشنقة في عنقي] (فآلناس حولي يجهلون كما في كلّ ألأزمان حقائق ألوجود لقلة ألوعيّ,حيث يصرفون جلّ أوقاتهم للكسب ألماديّ كآلبهائم)]!؟

سألهُ جمعٌ من مُريديه (طُلّابَهُ) من آلذين شاركوا آلجّموع في حفلِ ألأعدام مستغربين؛ (ما هو حُكْمنا نحنُ و آلناس ألّذين سكتنا جميعاً أمامَ آلظُلم و لم نتّخذ موقفاً إيجابيّاً كما تعامل الناس مع آلأمام ألحسين, بل و ربما سنشارك آلجموع برمي آلحجارة عليكَ)]؟

أجابَ: [هؤلاء آلنّاس لهم أجران(حَسَنَتان), و أنتم لكم أجرٌ واحد(حَسَنَة), و آلسّبب هو أنّ عموم ألنّاس يرموني بقوّة توحيدهم و صلابة شريعتهم التي يتصورون أني أعاديها(أي إنطلاقاً من قوّة ألتّوحيد عندهم و تمسّكهم بآلشريعة ألتقليديّة) أمّا أنتُم فلأنكم ترموني مع آلحشر لحُسن ظنّكم (حيث تعتقدونَ أنّ ضربي أولى من آلتّرك) و آلتّوحيد في آلشّرع أصلٌ و حسن ألظّن فرعٌ!].

ألحالة الوحيدة التي أبكت الحلاج:

تَقَدّم إليهِ ألشبليّ(2) ألذي كان يمتهن التصوف ضمن منهج الخلافة و قال للحلّاج : [أَ وَ لَمْ نُنْهِكَ عن ألعالمين؟], و أضاف آلشّبلي مُستكبراً و متعالياً بظنونه:
[فما آلتّصوف يا حلّاج, معتقداً ؟]
أجابه عليه الرحمة و الرضوان: [أقلّ مقامٍ للتصوف؛ هو هذا آلّذي تراني فيه].
ثمَّ سألهُ آلشبليّ: [و ما هو أعلى مقامٍ فيه؟]
أجاب: [أنتَ لا سبيلَ لكَ إليهِ], (أيّ أنتَ لا تستطيع وصولهُ), لِكونِ ألشّبليّ كانَ مُقرّباً من آلبلاط ألعبّاسيّ, رغم إدّعائُهُ للتّصوف و الدين و آلعرفان, و كانَ يعلم به آلحلّاج أنّهُ كان يعيش صراعاً بينَ (آلحقّ و آلبّاطل) في نفسه مع شيئ من آلنفاق و كما سَنُبيّنُ ذلك في آخرِ موقفٍ لهُ من آلحلّاج حين حاول إبراء ساحته أمام ألسّلطان ألعباسيّ برمي آلحلّاج بآلحجارة مع الناس مُعلناً ألبراءة منهُ!

كان كلّ حاضرٍ يرمي آلحلّاج بحجارةٍ مع اللعن و السب, لأرضاء آلحاكمين و آلتّقرب إلى آلخليفة آلعباسي أو آلتخلص من بطشهم على آلأقل و كما يفعل الناس مع الحاكمين اليوم و في كل وقت, و كان آلحلّاج صامداً كآلجبل ألأشمّ لذوبانه في الله بسبب سرّ العشق الحقيقي, فكان يتلقّى آلضربات ألمُوجعة بوجهٍ باسمٍ مُنشرح و هو يصيح [أنا الحق], حتّى رماهُ آلشبليّ بحجارةٍ من طين – ألبعض قال؛ رماهُ بوردة - كان يحملها - فتنهّد آلحَلّاج و تنفّس ألصّعداء و كأنه شكى من آلألم أمامَ آلمَلأ بسبب تلك الوردة!

سألهُ آلناس: [ما هذا يا حلّاج, لقد رميناكَ بمئات آلأحجار ألصخريّة و بقسوةٍ حتى أثخنّاك بآلجراح .. و لم تتألم ولم تتفوّه بكلمة .. و لم تَقُلْ شيئاً, بلْ و كنتَ تَبْتَسم .. لكنكَ تَنَهّدتَ و تألّمتَ و دمعت عيناك من (وردةٍ) أو حجارة ألطّين ألّتي رماكَ بها صاحبك آلشّبلي؟]

قال آلحلّاج: [هؤلاء آلناس لا يفهمون و معذورين على ما فعلوا, لكنيّ تألمت من هذا آلّذي يَعْرفُني و يرميني]!؟

فصمتَ آلنّاس ساعةً يتفكّرون متحيّرين ..

حتّى قطع آلجُّناة ذلك آلصّمت بقطع يَدَيّه, فإبْتَسم و قال مُتحدياً جبروت العباسيين و شرطتهم: [ألحمدُ لله على قطعِ يَدايَ .. ألرَّجُلُ منكُم أيّها آلجّلادون؛ هو ذلك آلّذي يَقْدَر على سلب ما في رأسي و قلبي من صفات ألمحبوب و أسراره؟].

كانت تلك آلعبارة تُمثّل قمّة ألتّحديّ ألّذي تحدّى بها ألحلّاج ألطّغاة مُبَيّناً بوضوح؛ أنّ هذا آلبدن ألمُمزّق ألنّحيف لا شيئ أمامَ آلقلب ألّذي في جوفي لأنّه هو آلأصل ألذي يمثل وجود آلأنسان!

ثمّ قطعوا رجليه, و آلأبتسامة لم تُفارق شفتاه قائلاً:
[بِرِجلايَ هاتان سافرتُ و قطعتُ آلمسافات و طويتُ آلصحاري و آلفلوات على هذه آلأرض ألتي أنتم عليها باحثاً عن الحقيقة, و إعلموا أنّ لي قدمان آخران سأسافر بهما لِلعالَمَيْن لملاقاة معشوقي], و أنشدَ يقول:

إقتـلـوني يا ثقــــاتي .. إنّ في قتـلي حيـاتي
و مماتي في حياتـي .. و حيـاتي في مماتي
إنّ عندي محو ذاتي .. من أجل ألمكرمـات
و بقائي في صفاتي .. من قبيح ألسّــــيئات
فأقتلوني و إحرقوني .. بعظامي آلفانيـــات
ثمّ مُرّوا برفــاتي .. في آلقبور ألدارســات
تجدوا سرّ حبيبي .. في طوايا آلباقيـــــات

ثمّ مَسَحَ بِيَداهُ ألمقطوعتانِ مستخدماً ذراعيه و هُما ينضحان دماً على و جههِ و جبينهِ, حتى إحْمَرّتْ وجْنَتاهُ و صورتهُ من آلدّم!

فقال لهُ آلنّاس؛ لِمَ فَعَلتَ هذا يا حلّاج؟

أجاب: [ألصّلاة آلتي يُصَلّيها آلعاشقون لا بُدّ و أنْ يكون وضوءهُ بآلدّم].

ثمّ قلعُوا عينيّه, فتعالتْ صيحات ألنّاس عند ذاك و عمّ آلضجيج و آلغوغاء بينهم, ألبعض كان يبكي, و بعضهم إستمرّ برمي آلحُصى و آلحجارة عليه, و حين قرّر ألجلّادون قطع لسـانه قال:
[إمهلوني لأقول شيئاً]: ثمّ رفع وجههُ نحو آلسّماء و قال:

[إلهي لا تُحرمهم – أيّ ألمُتعاطفين - ثوابَ ما يتحملونهُ من أجلي, و لا تُحرم ألجلادين - نصيبهم من دولتهم هذه, ألحمد لله ألّذي في سبيله قُطعتْ يَدايَ و رِجْلايَ و عيوني, و لو إنّهم فصلوا رأسي عن جسدي فأنّهُ لا يكون إلّا لكوني سعيتُ لرؤية جمالِ وجهكَ آلكريم يا ربّ].

ثمّ قَطَعَ آلجّلّادون أذُنيهِ و أنفهِ, و كانَ آخر كلماتٍ قالها, هو:

[حُبّ آلواحد إقرارُ آلواحد له]!
ثمّ قرأ آلآية:
[يستعْجلُ بها آلذين لا يُؤمنون بها و آلّذين آمنوا مُشفقونَ منها و يعلمونَ أنّها آلحقّ ألاَ إنّ آلّذين يُمارون في آلسّاعة لفي ظلال بعيد](3).

يقول أبو إسحاق ألرّازي؛ عندما كانوا يُريدون شنقهُ كنتُ واقفاً على مقربة منهُ و سمعتهُ يقول:
[إلهي أصبحتُ في دار ألرّغائب أنظر إلى آلعجائب, إلهي إنّك تَتَوَدّدُ إلى من يُؤذيك .. فكيف من يُؤذى فيك؟]!؟
ألله .. ألله أكبر على هذا الكلام!

ينقل أحد مشايخ الطريقة قوله: [في آلليلة التي سبقتْ شنق الحلّاج كنتُ نائماً تحت آلشجرة ألتي عُلّق عليه, سمعتُ مُنادياً من آلغيب يقول: (أطْلعناهُ – أيّ الحلّاج - على سرٍّ من أسرارنا فأفشى سرّنا, فهذا جزاءُ منْ يُفشي سرّنا)]. و لهذا علَّقَ حافظ ألشّيرازي على هذه آلحقيقة بأبيات شعرية ترجمتها بآلقول:
حين عُلّقَ ذلك آلعاشق على آلمشنقة .. كان ذنبه أنّه أفشى أسرارنا(4).

وأعتقد يقيناً بأن علّة العلل في تعذيه و شنقه هي أنه عندما مرّ في سوق بغداد قبيل سجنه و أعدامه و داس برجله شيئاً , و بدأت ينادي الناس بقوله: [إنّ ربّكم تحت قدمي هذا], فتجمع الناس حوله بعد ما إتهموه بآلجنون و اللعن و سحبوه ليشهدوا ما أخفى تحت قدميه؛ فرؤوا  درهماً ] حيث عبر برمزية عاليه على قضية ما زالت قابلة للتأمل بسبب إنحراف الناس و ظلمهم!

هكذا يشتري ألعاشق ألصّادق بروحه و قلبه و كل وجوده وصال آلمعشوق .. حيث لا يكون همّهُ سوى آلوصال, فآلعارف حين يغرق في بحر جمالِ ألمعشوق؛ لا تُؤثر في وجوده كلّ أنواع ألمغريات ألدّنيوية أو ألتعذيب و آلقهر و آلقتل, و لا تستهويه كلّ ملذّات و شهوات ألدّنيا, إنّهُ كآلفرّاشة ألتي إشترتْ محبّة ألمعشوق بآلرّوح حتّى إشتعلتْ آلحرائق في وجودها.

محنة الحلّاج ألذي كان يُدافع عن ألمظلومين و آلفقراء؛ هي محنة كل المفكريين الثائرين ضد الظلم و الفساد في الأرض وفي كل زمان و مكان .. و ذنبهُ آلعظيم مع آلنّظام ألعبّاسي ألظالم كان بسبب دعوته لنهج أهلِ آلبيت(ع) و للأمام محمد ألمهدي(عج) الذي وحده يعرف و يطبق العدل؛ حيث كان يقول للنّاس:

[قريباً سيظهر من طالقان ألدّيلم], و هي إشارة إلى ظهور الأمام آلغائب(عج) لخلاص ألناس من الظلم, لذلك أُلقي آلقبض عليه و أُقتيدَ إلى بغداد القهر و الدم و الحسد ليلقي ذلك آلمصير ألمأساوي و سط هلاهل و تأييد البغداديين بتهمة ألزندقة و آلكفر .. لتكون ذريعةً للتخلص منهُ, بينما كان هو سيّد ألعرفاء آلموحّدين في زمانه!
فأين بني آلعباس ألمُجرمين؟

و أينَ هذا آلقائد ألمفكر ألكونيّ ألعظيم ألذي رفض تكبّرهم و تسلّطهم و ظلمهم و جاهد ضدّهم في سبيل حقّ آلفقراء و أهل بيت آلله ألطاهرين(ع)!؟

و العاقبة أبداً للمُفكرين و العرفاء الكونيين ألمُتّقين.

ملاحظة: هذا المقال, هو مقطع من بحثٍّ مُفصّل ورد في مؤلّفنا: [أسفارٌ في أسرار الوجود], للأطلاع على التفاصيل راجعوا ذلك في الجزء الرابع ج4 ح10.

وأسفي على بغداد التي ما زالت تصيح؛ [بآلروح بآلدّم نفيديك يا ظالم] بألوان و تعابير شتى!

من قبل الكُـّاب و المثقفين و الأكاديميين للتّقرب من الحُكّام لأجل الدرهم, و المشكلة أن أساليب النفاق تطورت في العراق بعد صدام, حيث يستخدمون اليوم ما لم يخطر على بال (سمرة بن جندب) ولا حتى الجن الأزرق من خلال نظريّة(الشرط الأنعكاسي), و ذلك بإنتقاد الوضع, لأجل الظهور و جذب المنظور للحصول على المحظور, و نموذج هذا الطراز كُثر .. و منهم الأعلامي المعروف (وجيه عباس) الذي ولمجرد ما حصل على بضع عشر ملايين, تغيير معتقده 360 درجة, و لا أعتقد بوجود إعلامي عراقي كان متشدداً للحقّ و للفقراء بقدره من بين الأعلاميين الذين وصل عددهم لأكثر من 50 آلف إعلامي عراقي و الله يعلم ما في القلوب و نحن بآلظاهر نحكم, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
ألعارف الحكيم عزيز الخزرجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ألحقيقة في نظر ألحلّاج, هي: حقيقة الأنسان ثم حقيقة أهل ألبيت(ع) ثمّ آلله تعالى, لأنّ تلك آلمعرفة هي آلمعرفة ألوحيدة ألتي تُحقّق في وجود ألأنسان كلّ آلخير و آلسّعادة!
وهي ترجمة أمينة لقول العلي الأعلى ألذي قال: [معرفة النفس هي أعلى المعارف].
(2) أبو بكر ألشبليّ؛ هو أبو بكر دُلَف بن جَحْدَرْ, و قيل جعفر, كما يُقال: إسمهُ: جعفر بن يونس بحسب ما ورد في طبقات ألصّوفية لأبو عبد آلرّحمن ألسّلمي. و في وفيّات ألأعيان لأبن خلكان؛ ولد آلشبلي سنة 247هـ, و هو خراساني ألأصل, بغدادي ألمولد و آلمنشأ, و قيل إنّ مولده في سامراء, نصبهُ آلخليفة ألعباسي ألمعتصم والياً له في دماوند و هي إحدى ولايات آلرّي, صحب آلجُنيد ألبغدادي شيخ ألعرفاء و ألطريقة ألصوفيّة و غيرهُ, و سنتحدث عن أصدقهم في آلحلقات ألقادمة إنْ شاءَ الله.
(3) سورة ألشورى / 18.
(4) ألنصّ ألفارسي:[ كَفتْ آنْ يار كز أو كشت سردار بلند .. جرمش إين بود كه أسرار هويدا ميكرد].

 

No comments:

Post a Comment