Monday, April 06, 2009

رسالة إلى ليبرالي

رسالة إلى ليبرالي

أخي آلليبرالي .. بين تفسيركم آلليبرالي للإسلام من جهة و آلفكر آلإسلامي من جهة أخرى , مفارقات .. و مسافات شاسعة , فقد غاب عن وعيكم و أحكامكم كماً هائلاً من آلأصول و آلمفاهيم , و أشياءاً و أشياء , و لذلك حصرتم هذا آلفكر آلكوني آلعظيم في إطارٍ محدود يأباه كل من له إلمام بهذا آلفكر آلعملاق , خصوصاً في محاولتكم لحجبه خلف جداران آلمساجد و آلبيوت كطقوس عبادية و أخلاق شخصية , بالضبط كما فعل رواد آلنهضة في أوربا بالدّيانة آلمسيحية آلمنحرفة مُتّخذين فساد آلكنيسة ذريعةً لإقصائهِ عن مسرح آلحياة لينتهي آلأمر بحصره ضمن دولة آلفاتيكان في أرض لا تتجاوز مساحتها أربعين كليومترا مربعاً ليقرؤا آلفاتحة عليه إلى آلأبد .
لقد أوردت أحكاماً ناقصة و مبتورة في مقالك لا تمت بصلة إلى عقيدة آلإسلام , و لم تنصف معها حتى ألليبرالية نفسها , عندما بدأت بذلك آلعنوان في مقالتك .. لأن آلليبرالية أساساً لا تؤمن بالدّين .. أي دين و بالدّين آلإسلامي و رسولنا آلكريم و أئمتنا نحن (آلشيعة) خصوصاً - كعقيدة و نظام للحياة بالذات , و يُمكنك أن تُراجع نصوص مفكري آلليبرالية و تطبيقاتها في واقع آلدّول آلغربية نفسها ليتوضح لك آلأمر أكثر , ثم إنّ آلليبرالية مبدئياً لا تمتلك موازيناً فلسفيةً و قواعد عقيدية في بنائها آلفكري كي تُؤهلها لتكون نظريةً معرفيةً في آلوجود لتُحدّدَ بعدها نظرتها للفكر آلإسلامي . و يبدو أنكم لم تقرؤا تعليقي آلمقتضب حولَ مقالكم آلسابق , و هذا يعني عدم وجود رد عندكم , و بالتالي هل أستطيع آلحكم بقبولكم لما أشكلتُ على توجهاتكم في موضوع آلليبرالية ؟ على أي حال , أضيف لما أسلفت بأن آلفكر آلإسلامي ليس مجرد نصوصاً جامدةً في آلقرآن و آلسنة أو مجموعةً من آلقواعد آلأخلاقية , بل يمثل كلّ نتاجات آلعقل آلإسلامي منذُ بعثة آلرّسول آلكريم (ص) و إلى يومنا هذا , و لذلك يُفترض بك على آلأقل , و لكي تكونَ أحكامك شاملةً و صحيحةً و منصفةً .. أن تضع أمامك كل آلمحتوى آلفكري للإسلام لا فقط قسماً أو جانباً واحداً منه , لأن أحكامك بدون ذلك ستخرجك عن آلموضوعية و بالتالي ستفقد مصداقيتك عند آلناس خصوصاً أهل الفكر , و تكون آثماً يوم آلقيامة , و هذه قاعدة لا يختلف عليها عاقلان , و عليك أن تؤمن بكل آلكتاب (ألقرآن) لا ببعضه , لأن قائلهُ هو آلباري تعالى و قد حذّرنا فيه بقولهِ : ( يؤمنون ببعض آلكتاب و يكفرون ببعض) ولا يكفي هذا فقط بل عليك آلإيمان بأهل آلبيت(ع) طبقا لقول آلرسول آلكريم:(إني تارك فيكم آلثقلين كتاب آلله و عثربي أهل بيتي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ آلحوض) . إن فصلك للدين عن آلسياسة هو كفرٌ و غطاءٌ لحقيقة آلقرآن و غايته , و لرسالةِ نبيّنا مُحمّد (ص) بدليلِ آياتٍ محكمات ربّما لم تطلع عليها بدقّة , أو ربما إطلعت عليها و لكنك لم تتفهم معانيها و غاياتها كما ينبغي , و هي آيات مُحمكة لا تحتاج لفهمها و إدراكها إلى عناء كبير , و سأورد لك بعضاً منها :ـ ( و من لم يحكم بما أنزل آلله فأؤلئك هم آلكافرون) و (و من لم يحكم بما أنزل آلله فأؤلئك هم آلظالمون )و( من لم يحكم بما أنزل آلله فأؤليك هم آلفاسقون ), هذه فقط ثلاث آيات تدين كل من يفصل آلسياسة و آلحكم عن آلدين, و لا أتطرق إلى نقل آلأحاديث أو أقوال آلأئمة و آلمفكرين آلمسلمين في ذلك لأنها هي الأخرى بحاجة إلى مجلدات . و بالمقابل عليك أن تعي بأن جميع آلأحزاب آلوضعية آلتي إختلقها آلبشر إنّما هي لأجل آلمناصب و آلسيطرة على آلناس لإستحمارهم بتوجيه من قبل آلشركات و آلبنوك آلعالمية لخنق صوت آلشعوب آلمستضعفة عندما جعلوا آلديمقراطية سلاحاً ذو حدّين لإسكات آلناس من جانب .. و آلحفاظ على آلنّظام لرعاية شؤون آلأغنياء آلذين يُقرّرون أكثر آلقوانين آلهامة عن طريق لوبياتهم وممثليهم , بل لتعجيزهم عن فعل أية معارضة سياسية أو نضال ضد آلمستغلين فالفائزون قلّما يُوفون بعهودهم آلتي تنحصر في تقليل آلضرائب قبل آلإنتخابات وزيادة آلخدمات , لأنّهم هُم آلذين إنتخبوهم حسب آلظاهر فكيف يُعارضوهم - بالمناسبة لا يُشارك في آلإنتخابات إلا مجموعات قليلة نسبياً - من آلدّاعمين و آلمرتبطين بالأحزاب من ذوي آلمصالح وعدد قليل من الناس , و آلحالة هذه يكاد يكون مستوى آلوعي آلسياسي بشكل عام مُتدنيا إلى حد كبير لا يمكن تصوره لدى عموم آلمواطنين في آلغرب , لأن همّ آلمواطن آلغربي لا يتعدى تأمين لقمته و دفع فواتيره آلمتعددة آخر آلشهر , مقابل فناء عمرهِ كأجير لدي أصحاب آلشركات و آلبنوك , و لأنّ مُعظم آلغربيّين عند وفاتهم لا يتركون ورثة بسبب آلتفكك آلاسري آلمعروف فالدّولة هي آلتي تُسيطر عليها , و آلدّولة عبارة عن مجموعة من آلموظفين ترعى مصالح آلأثرياء و أصحاب آلبنوك و آلشركات , و آلمرشحون عادةً ما يكونون من طبقة آلأغنياء و أصحاب آلمصالح و آلنفوذ , و نسبة قليلة جداً من فقراء طبقة آلتكنوقراط يصلون أحيانا إلى مناصب قيادية , و لهذا آلسبب أصبحت حكومات آلغرب تابعة و محكومة , بل بعبارة أدق أصحاب آلشركات و آلبنوك في تلك آلدّول يملكون قوة إقتصادية يتحكمون كيفما شاؤا بالناس جميعاً , وربما سيتحكمون بك آلعالم من خلال ما إدعوه بالعولمة , ومن هنا جعلوا خطاً أحمراً على آلاحزاب آلاسلامية آلاصلية و الفكر آلإسلامي آلذي يرفض إستغلال وأستحمار وإذلال آلانسان وبالتالي فصل آلدين عن آلسياسة . و ما إنتشار آلأحزاب آلقومية و آلليبرالية و غيرها في آلوطن آلإسلامي إلا بدعم منهم لأجل تفكيك وحدة آلمسلمين آلتي لا يجمعها إلا آلاسلام ولا يفرقها إلا آلوطنية والقومية لنهب خيراتهم بعد إستحكام آلسيطرة عليهم بواسطة آلأحزاب آلوضعية آلتي لا تمتلك عادة فكراً معرفياً شاملاً عن حقيقة الانسان وآلوجود , ليقينهم بان تحكيم آلإسلام سيوحد آلعالم آلإسلامي حتى لو كان طبقاً للمذهب آلسني آلذي تنقصه ولاية آلأئمة عليهم آلسلام وبالتالي آلاجتهاد آلذي من شأنه أن يفعل النظرية الاسلامية على أرض الواقع من خلال ولاية الفقية آلمتصدي لامور المسلمين , و من هنا إتفقوا حتى على إزالة آلدولة آلعثمانية ألسنية على آلرغم من كل مساوئها . إن ما أشرت إليه هي مُجرّد عناوين وإشارات أولية أتمنى أن تكون مناراً لأفق جديد في وعيك يا أخي آلليبرالي لمعرفة حقيقة آلإسلام أولاً ثم حقيقة آلليبرالية و آلذي لا يتعدّى سوى أن يكون إسلوباً ظاهرياً للحكم ثانيا , مع إحترامي آلكامل لمعتقداتك , و أن فهمك للإسلام لم يكن دقيقاً من خلال طرحك , فهو ليس فقط كما تصورت نظاماً يحثّ على آلإخلاق و آلقيم و آلسلوك آلشخصي فقط , بل هو قبل هذا نظامٌ للحياة على كل صعيد . فما فائدة آلإسلام آلذي طرحتهُ إذا تسلطت على آلإمة آلإسلامية أحزباً مثل حزب آلبعث أو آلحزب آلشيوعي أو آلليبرالي وهم يؤمنون بالاباحية وآلاستغلال (كما هو حال آلغرب آليوم)؟ فهل يبقى مع تلك آلأنظمة أثراً أو قيمةً للمُثل و آلأخلاق تناسب فطرة آلإنسان آلسليم و تنسجم مع مشاعره مع مرور آلأيام و تطور آلزمان !؟ و أضنك تذكر ما فعل نظام آلبعث في آلعراق عندما حول شعباً طيباً بكاملهِ تقريباً إلى أناسٍ همجٍ باتوا لا يثق أحدهم بالآخر عند آلمعاملة ! حتى آلزوج مع زوجتهِ و آلأب مع إبنه , بل تحوّلوا إلى مُقاتلين و جواسيس وقتلة ومجرمين "للقائد آلضرورة" , لا يفهمون سوى ( يس و يم ) وكتابة آلتقارير , و هكذا حال جميع شعوب آلدول آلعربية بفوارق نسبية . أمّا في آلغرب فلو أردت أن تعرف معايير آلشرف و آلأخلاق و آلمثل أو ما يخص آلعلاقات آلإجتماعية و آلعائلية فسوف أكتب لك ما يشيب منهُ رأس كل إنسان شريف , ولولا صرامة آلقوانين ودقتها وشموليتها لتحول آلغرب إلى غابة موحشة . و آلفكر آلإسلامي فكرٌ غنيّ و شاملٌ و كاملٌ حرّي بكلّ مُثقفٍ أن يقرأهُ قراءةً واعيةً من خلالِ فهم آلقرآن آلكامل , و من خلال سُنّة آلرّسول و أهل آلبيت(ع) او آلتابعين لهم أو من ينوب عنهم من آلعلماء آلصالحين و آلمفكرين آلمراجع , طبقاً للمواصفات آلمحددة من قبل صاحب آلأمر و آلزمان (عج) .ـ
أخي آلليبرالي :ـ
إعرف آلإسلام من موقف رسول آلله (ص) لترى ماذا فعل على أرض آلواقع , و ما قام به عندما بعثه آلله إلى آلعالمين ؟ أ لم يُؤسّس أول حكومة إسلامية في آلجزيزة آلعربية ؟ لماذا لم يجلس في آلغار أو آلبيت فقط أو في آلمسجد ليوجه آلناس و يدعوهم إلى مكارم آلأخلاق ؟ أو من خلال أصحابه و ما كان أكثرهم ؟ لماذا قام بأكثر من ثمانين غزوة لتثبيت أركان آلدّولة آلإسلامية , و كاد أن يستشهد في إحداها ؟
إعرف آلإسلام من خلال حكومة علي (ع) , و ما أدراك ما عليّ ؟ هذا آلعظيم آلذي لا يلد آلزمان بمثلهِ ؟ إفهم آلإسلام من خلال فكر آلفيلسوف آلكبير محمد باقر آلصدر(قدس)و ما أدراك ما باقر الصدر ؟
إنظر و إقرأ و تمعن بإنصاف إلى فكر آلإسلام من خلال نهضة آلإمام آلخميني (قدس) ! هذا آلعظيم آلذي إمتلك أكبر إمبراطوريةٍ في آلشرق آلأوسط في عصرنا هذا , لكنه لم يأخذ لنفسه شيئا منها سوى كسرات خبز مع آلماء أو آللبن كغذاء يومي , حتى إنه لم يشتري ثوبا جديداً بعد إنتصار ثورة آلإسلام في إيران ! كجدّه علي (ع) , بل أبى إلاّ أن يسكن في غرفةٍ في مسجد من مساجد طهران لقيادة آلثورة ضد آلغزاة و آلطامعين و آلمستكبرين في آلأرض , و أكثر من ذلك حجب آلمسؤولية و آلحكم حتّى عن ولده أحمد و مقربيه ! ترفعاّ منهُ عن هذهٍ آلدّنيا آلتي قتل آلآخرون أنفسهم عليها لكنّها لم تُساوى عند آلإمام آلخُمينى شسع نعل و لا حتى عفطةِ عنز .ـ
و أقول في ختام قولي يا أخي آلليبرالي : عليك أن تعرف آلحق أولاً و قبل كل شئ , و لا تدع آعلام آلمستعمرين وآلشركات آلكبرى و طُلاب آلدّنيا تُؤثّر فيك .
لأنّك لو عرفت آلحقّ عرفت أهله
و بالحقّ يُعرف آلرّجالُ و لا يُعرفُ آلحقّ بالرجالِ
و آلسلام عليكم و رحمة آلله وبركاته
د. عزيز آلخزرجي
alma1113@hotmail.com

No comments:

Post a Comment