Monday, April 06, 2009

ألفكر آلإسلامي بين آلمفكر و آلفقيه

ألفكر آلإسلامي بين آلفقيه و آلمفكر

هذا آلبحث هو إستكمال لموضوعنا آلسابق (محنة آلمفكر...)و هو مكاشفات في طريق تأصيل آلفكر آلإسلامي لمعرفة أسباب إستمرار هيمنة آلإستكبار و آلأفكار آلوضعية على آلإنسان بجانب تململ آلمرجعيات آلدينية آلعتيدة وآلتي يفترض أن تكون سندا للتمهيد إلى ظهور آلمصلح آلكبير(عج) لا عاملا في تأخيره , فهل آلفكر آلإسلامي يجيز لنا آلسكوت على مجرد إعلان خطابنا آلعلوي آلإسلامي آلذي إنتظرته آلأمة طويلا ؟ خصوصا و إنها (ألمرجعية) تمتلك رصيدا شعبيا كبيرا يتعدى أرصدة كل آلأحزاب و آلحكومات في آلعالم . ألم يحن آلوقت بعد أن تقشعت سحب آلدكتاتورية في سماء آلعراق لكسر صمت آلقرون ؟ أين آلخلل ؟ هل هو في مفاهيم آلفقهاء و مصطلحاتهم , أم في عقول آلمفكرين آلذين دفعوا قبل آلجميع ثمن آلكرامة و آلحرية على مذبح آلشهادة ليكونوا شهداء على كل آلكون ؟

حقيقة آلمصطلح و آلمفهوم بين آلفكر و آلواقع :ـ

من ضمن آلمباحث آلفكرية آلتي حاولنا بيانها إبتداءا في آلفكر آلإسلامي هو أهمية تحديد آلمصطلحات و آلمفاهيم و آلألفاظ كوسيلة لزيادة آلفهم و آلوعي من جهة و ألتقدم في مجال ربط آلنخبة و تحسين سبل آلتواصل آلمعرفي بين آلمتحاورين و آلباحثين و بالتالي شعوب آلأرض من جهة أخرى على أساس معرفي رصين , للتمهيد إلى تحقيق آلدولة آلكريمة , ليكون آلتواصل متفاعلا و متعادلا من خلال أصل و حقيقة (آلمفهوم) أو (آلنص) , و بالمقابل ألإنفعال أو آلتعامل مع (آلنص) , و كيف يفهمه عموم آلناس و ليس فقط طبقة معينة قفلت على نفسها داخل مؤسسة يصعب دخولها لحل ألغازها آلكهنوتية و كأنها تعيش مع آلموتى . لأن مثل هذا آلواقع يصطحبه نوعا من آلظلم للأمة يصعب إثباته لإدانة آلمقصرين في وقتنا آلراهن , و إني أتذكر جيدا كيف إن آلمرجع آلكبير آلذي كنت أقلده في شبابي رفض بشدة بل سخر مني عندما طرحت عليه إمكانية إستخدام إسلوب لغوي و أدبي أكثر فهما و رواجا و وضوحا في (آلرسالة آلعملية) للتخفيف عن معاناة آلناس في فهمها و بالتالي توفير وقتهم و مالهم و جهدهم في آلقصد و آلسفر كل مرة من أقاصي آلبلاد إلى آلنجف آلأشرف , لمعرفة جواب أو فهم مسألة من آلمسائل آلشرعية , و كذلك و هو آلأهم .. ألإسراع في تثوير عملية آلوعي في واقعنا آلمتخلف , و تعبيد آلناس لله وهدايتهم من خلال لغة مفهومة وأضحة و معبرة بدقة عن معنى و غاية آلأحكام في آلفكر آلإسلامي .
لقد كان سعينا هذا سبقا معرفيا و منطلقا أساسيا في آلبناء آلحضاري ألإنساني برمته , خصوصا في واقعنا آلعراقي و آلعربي آلمتأزم إلى حد بعيد , حيث يعيش داخليا : وأقعا إنتقاليا يتسم بعدم آلتوازن مع آلدكتاتورية و آلخلط في آلمفاهيم و آلعقائد , و خارجيا : يعيش هواجس آلإحتلال و آلهجوم و آلسيطرة آلإستعمارية . و للحقيقة نقول إن آلمرجع آلوحيد آلذي بدأ بمحاولات و لو أولية في وقتها لبيان آلفكر آلأسلامي و آلذي يتلخص عادة - كما هو معروف في آلوسط آلشيعي - بـ (ألرسالة آلعملية ) هو آلإمام آلشهيد محمد باقر آلصدر (قدس) مع ثلة من آلمفكرين , لكنه للأسف لم يكمل رسالته آلعملية و بحوثه في جانبها آلمعاملاتي و آلإجتماعي و هو آلأهم في أبعادها و مدياتها و تأثيراتها في نهضة آلأمة و كرامتها . فقد كان من أهم خصوصيات ذلك آلإمام آلمظلوم هو رفضه للتعامل آلمصلحي أو آلخامل و آللامسؤول مع آلفكر آلإسلامي آلذي يمثل روح آلإسلام و ثمرته .
إن محاولاتنا لتأصيل هذا آلعلم و صياغته جاءت بعد إنفتاحنا آلواعي على كل ثقافات آلإنسان و آلفلسفات آلسياسية آلمعاصرة و بعد جهود و دراسات مكثفة من خلال تحليل و إستكشاف طرق و مناهج مختلفة كانت لها أثرا كبيرا على آلبنية آلفكرية و آلأخلاقية و آلعقائدية للمثقفين آلإسلاميين جاوزت حدود آلوطن آلعربي لتشمل آلإنسان أينما كان .
و بالتزامن مع حركتنا آلفكرية إهتم علماء آلغرب مؤخرا لحل ألغاز آلإنفكاك و آلتدهور في آلقيم و آلروابط آلإجتماعية و بالتالي ألتأزم آلحضاري , و ما نتج عنه من آلتفكك في آلعلاقات آلإجتماعية داخل آلمجتمع آلواحد أو خارجه فيما بين آلمجتمعات آلإنسانية و حكومات آلدول و آلعلاقات آلدولية فولدت بسبب تلك آلسياسات صداما بين آلحضارات لا تقاربا بينها , و صلت إلى حد آلحرب و آلنزاع و آلإبادة آلجماعية و ما تزال هناك مناطق ساخنة قد يؤجج فيها نار آلحرب بين لحظة و أخرى و كأننا ما زلنا نعيش بعقلية إنسان آلعصر آلحجري آلقديم – فقد إهتم علماءآلغرب بالموضوع عن طريق علم آلسيمولوجيا , و لا نريد بيان حالة آلتنابذ و آلقهر و آلصراع آلخفي بين طبقات آلمجتمع آلإنساني شرقا و غربا و ما رافقه من آلتفكك آلأسري و إنحطاط آلعلاقات آلإجتماعية و كثرة آلجرائم و تنوعها , بسبب إنغماسهم في آلشهوات و آلماديات و آلصراع آلحثيث من أجل آلبقاء و آلمزيد من آلشهوات بجانب آلأزمات آلكبرى آلتي حلت و تحل بها , كدلالة على فقدانها للنظرية آلإجتماعية آلمثلى , و لم يكن عبثا أو ترفا فكريا ما جاء في أقوال و توقعات علماء آلغرب حول مسار و مصير آنظمتها و سياساتها آلمنحرفة و فشلها في تحقيق آلسعادة آلإنسانية بل و إصابتها على آلدوام بأزمة تلو أخرى , و قد سبق لـ ( روجز تيري) و (آبرهام ماسلو) و (ماكس فيبر) و غيرهم في آلتأكيد على وجوب إعادة آلنظر بشكل جذري و جدي في أصل آلنظام لا في نتائجه , لانه هو آلمسبب و آلمنطلق لقضايا آلإنسان آلمصيرية , و حذروا من مغبة عواقبها , و للأسف ما زالت آلأنظمة آلحاكمة مستبدة في موقفها إزاءهم , لأنها بدت و كأنها عاجزة لتبني نظرياتهم في آلواقع رغم إعترافها آلضمني بصحتها و إقرارها ضمن آلمناهج آلتعليمية لتعارضها مع مصالح أصحاب آلشركات و آلبنوك آلكبرى , و ليس هذا فقط بل تحاول تعميم هذه آلتجربة على آلعام عبر ما أسموه بالعولمة ! مما أفرز وقائع مأساوية بين شعوب آلأرض قاطبة بسبب ذلك آلتناقض , و ما زالوا يراوحون في دائرة دوغماتية مغلقة بعد ما فرضوا حصارا عمليا على أكاديمياتها و جامعاتها آلتي تهتم بهذا آلمنحى جهلا أو تجاهلا للحقيقة , لقد حاول أؤلئك آلعلماء آلناصحين صياغة آلأساسات آلفكرية آلصحيحة .. على آلرغم من ترددهم في آلإيمان آلمطلق بأهم دليل و مصدر في بحوثهم و عقائدهم و هو رسالة آلإسلام و بشكل خاص آلقرآن رغم إعتماده مؤخرا كمادة و أساس للبحوث آلإجتماعية في جامعاتهم و مراكزهم آلعلمية لنيل شهادة ( آلدكتوراه) في تفسير علومه بعد إنتباههم لريادته في مجال آلفكر و آلعلم , و أهميته آلفائقة في إمكانية آلإستفادة منه في حل أزماتهم و منها آلإقتصادية بشكل خاص .
و جانب كبير من موضوعنا هذا يتعلق بفهم و بيان آلمفاهيم و آلنصوص كمدخل للفكر آلإسلامي , و من هنا جاء تركيزنا على أهمية تحديد آلمفاهيم و آلمصطلحات ليس فقط لفهم آلقرآن بل لتأصيل آلفكر آلإسلامي و آلإنساني برمته , و بالتالي صياغة و بيان ألنظرية آلإجتماعية آلحديثة من خلال علم إجتماع آلمعرفة و آلتي تسعى للكشف عن آلقوانين و آلسنن آلسيسيولوجية – حسب آلمصطلح آلغربي – ألتي تحكم علاقة آلوعي بالواقع بصورة عامة و بالواقع آلإجتماعي بصورة خاصة .
فلو أدركنا مفهوم آلمصطلح كونه يعبر عن آلمعنى آلذي يحويه و يحمله إلى ذهن آلإنسان و من ثم حاويا – عند وردوه في آلنص – للمواضيع و آلثوابت آلأساسية آلتي توضفها آلنظرية في خطابها آلعام و آلخاص , فأن قواعد آلفكر تحتم فهم و إدراك هذه آلمسألة من زاوية آلنظر إلى علاقة آلمفهوم , أو آلمصطلح بالواقع و آلمحيط بدقة , لتأخذ مداها آلطبيعي في حركة آلإنسان و سعيه لتحقيق آلسعادة .
و لذلك إزدادات أهمية تحديد آلمفاهيم و آلمصطلحات كلما تنبهت آلنخبة و من ورائها آلأمة لأسباب آلمحن آلتي واجهوها , و لا يكتمل آلبناء آلفكري إذا لم تحدد ألأسس آلفكرية و آلمعرفية آلتي ينبغي آلوقوف عليها أولا و قبل كل شئ . إنني أرى إن نهضة آلأنسانية آلحديثة رغم ظهورها لكنها مصابة بحالة من آلعوق بسبب عوامل عديدة أهمها فقدان آلأنظمة لموجبات آلتكوين آلعلمي و آلمعرفي بسبب فقدان آلعلة آلغائية في ممعتقداتها و مسعاها , فآلمادة وحدها لا يمكن أن تحقق آلسعادة للإنسان , قد تكون في أفضل آلحالات عاملا واحدا من بين عدة عوامل لتحصيلها . و قد تبين ذلك بشكل واضح و قوي عبر مستويين :
ألأول : عبر آلواقع آلإجتماعي و آلأخلاقي و ما نتج عنه من إصابة آلمجتمعات خصوصا ألغربية , بأنواع آلإنحرافات و آلأمراض و آلشذوذ و آلتفكك آلعائلي و آلإجتماعي , بالرغم من حدية آلقوانين آلوضعية و شموليتها على كل صعيد في مجتمعاتها .
ألثاني : من خلال آلأزمات و آلحروب و آلإرهاب و آلمكر و آلخداع و حب آلتسلط عبر سياسة آلمهيمنين من اصحاب آلشركات آلكبرى و آلبنوك آلعالمية , و مصاديقها كثيرة و متنوعة لا حاجة لشرحها أو بيانها .
أن جذور آلنهضة آلأنسانية آلمعاقة ترجع إلى عدم إستنادها على موجبات آلتكوين آلعلمي و آلمعرفي آلصحيحين و فقدانها للعلاقة مع آلله تعالى أساسا , و هذا ينطبق على واقعنا آلإسلامي أيضا رغم إسلامنا في آلهوية و آلظاهر , و إن مسألة آلتبادل و آلمثاقفة آلمفاهيمية و آلإصطلاحية آلتي برزت بشكل قوي مع بروز آلافكار ذات آلطبيعة آلتغريبية قد أدت إلى نوع من آلخلط و عدم آلإنسجام في واقعنا ألمتأزم أصوليا و تأريخيا , فولدت بالإضافة لما ذكرنا آلعنف و آلدكتاتورية لتكون مهيئة و مستقبلة لكل أنواع آلاستعمار و آلهيمنة , و كان آلخطأ آلقاتل آلأخير بعد فقدانها للصبغة آلإسلامية هو إستعارة – إن لم نقل فرض – ما عند آلآخرين من مفاهيم و مصطلحات و مناهج و نظريات بقوة آلسلاح , في إطار نقل آلتجربة آلغربية آلعامة آلدافعة إلى تحقيق ما يظنون أنه سيتحقق , و هو ( عصر آلتنوير آلعربي ) قياسا على (عصر آلتنوير آلغربي ) كرد حاسم , لكنه سلبي .. على ( عصر آلتخلف آلعربي ) , متناسين قاعدة أساسية في هذا آلأمر و هي : { لا قياس مع وجود آلفارق} و ما أكثر آلفوارق ؟ و قد يكون حالنا متمثلا بالمثل آلشعبي (راواه آلموت و رضى بالصخونة) أي أراه آلموت فرضي بالحمى .
و في هذا آلواقع آلمكبل و آلمحزن رأيت أن من ابرز آلمهمات آلواجبة و آلضرورية هي إعادة و تصحيح "ألفكر آلإسلامي".
بسبب ما حمل من تأويلات و تفسيرات و جعل و تزوير أخرجتها من إطاره آلصحيح , فتحجر عند آلبعض من مدعية , و أستغل عند آخرين , فأوجبت علينا إعادة تقديمه و صياغته للنخبة آلمثقفة و كذا آلامة تباعا بكل إتجاهاتها و إختصاصاتها . ليكون خطابنا على قدر مهم من آلكفاءة و آلفاعلية لتحديد مقومات إستشراف آلمستقبل .
و لكي نكون على بينة من آلامر علينا قبل بحث آلأسس آلمعرفية بيان ومعرفة معنى آلفكر .
معنى آلفكر :ـ
ورد معنى آلفكر في آلقرآن و آلحديث و معاجم آللغة عبر مفاهيم و تعابير مختلفة , يمكن تلخيص جميعها في تعريف شامل و واضح هو :ـ
إعمال آلنظر و آلتركيز في آلشئ للوصول إلى آلحق .
معناه في آلقرآن :ـ
لقد إهتم آلقرآن آلكريم بموضوع آلفكر كمعيار لمعرفة آلحق و آلباطل أي معرفة آلمصير , و من هنا كان سبب إحتواء آلقرآن لآيات متشابهة , لحث حامليها على آلتفكر و آلإبداع من خلاله مع تطور آلفكر آلإنساني , فقد كان بإمكان آلله تعالى أن يجعله محكما و واضحا ! لكنه أبى إلا أن يفتح أمام آلإنسان آفاقه للإبداع و آلعمل و آلبناء حيث قال تعالى في سورة آل عمران\7 : {و هو آلذي أنزل عليك آلكتاب منه آيات محكمات هن أم آلكتاب و أخر متشابهات}.
لقد إستعمل آلباري ألفاظا محتملة و متشابهة لجعل آلطريق إلى آلمعرفة و آلتفكر ضربا من آلإستدلال و آلبراهين و آلنظريات و لذلك أطال في موضع , و أسهب في آخر , و أوجز و إختصر أو إقتصر في محل آخر , و ذكر قصة في موضع , و أعادها مسهبا في موضع آخر , و ربما كرر آلحقائق مع إشارات ضمنية لحقائق أخرى , و هذا بمجمله و تفصيله يؤكد لنا آلباري تعالى بشكل علمي و أدبي رصين و جوب إعمال آلفكر في آلخلق و آلوجود , و لأنه هو آلرحمان آلمنان فقد فتح أمامنا آفاقا رحبة و ممتدة إلى أعماق آلكون , و اعطانا كل مفاتيح آلمعرفة بحيث لم يبق أمامنا سوى آلتفكر و آلسعي لدخولها . و لكي لا يختلط آلأمر على آلباحثين فإن هذا آلتشابه مع كونه دالا على ما أشرنا إليه فإنه في نفس آلوقت لا يعنى و جود أي إختلاف فيه فهو كما أشرنا إما يأتي هذا آلتشابه إستكمالا لآية محكمة أو تأكيدا لمفهوم أو مرادا آخر عند إنضمام آية لأية أخرى و هذه آلحقيقة هي إحدى معجزات آلقرآن آلكريم بذاته , يضاف لذلك أنه وردت آيات خاصة تركز على أهمية آلتفكر بشكل صريح , منها :
{إنه فكر و قدر} ألمدثر\18
{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} سبأ\46
{كذلك يبين آلله لكم آلآيات لعلكم تتفكرون}ألبقرة 219
{قل هل يستوى آلأعمى و آلبصيرأفلا تتفكرون...}ألأنعام \50
{أولم يتفكروا في أنفسهم...}ألروم\8
{...و يتفكرون في خلق آلسموات و آلأرض}آل عمران \191
{...كذلك نفصل آلآيات لقوم يتفكرون}يونس\24
{...و أنزلنا إليك آلذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون}ألنحل\44
{قل إنظروا ماذا في آلسموات و آلأرض و ما تغني آلآيات و آلنذر عن قوم لا يؤمنون}يونس \101
نستنج بوضوح من معانى آلآيات آلمباركة أن آلله تعالى يتمنى للعبد أن يتفكر في هذا
آلوجود في كل شئ بعدما أعطاه حرية آلإختيار و مهد له آلطرق , و هي من ألطف آلإشارات في أصل موضوعنا .
أما آلنصوص آلروائية فهي آلاخرى أكدت بشكل كبير و واسع على أهمية آلموضوع بل و وجوبه على كل مسلم و مسلمة , ويكفينا آلتمعن في معنى آلحديث آلذي رواه معظم آلفرق و آلمذاهب آلإسلامية كدلالة على وجوبه , و هو : ( من تساوى يوماه فهو مغبون و من كان يومه أفضل من غده فهو ملعون ) , بل ذهب حديث آخر إلى أبعد مدى بالقول : نقلا عن رسول آلله (ص) و هو حديث مشهور بين جمهور آلمسلمين و متفق عليه حيث قال (ص) : ( من أصبح و لم يهتم بأمور آلمسلمين فليس بمسلم ) , و آلإهتمام بأمور آلمسلمين يحتاج لمصداقين , الأول : هو معرفة أحوال و أوضاع آلمسلمين و آلنظر و آلتفكر فيها , لمعرفة إمكانية تقديم ما أمكن للإهتمام بها , و آلثاني : هو ألمتابعة آليومية آلواعية للأحداث و آلأخبار عبر آلمطالعة أو سماع آلأخبار عن طريق قنواتها آلمتوفرة و يعتبر آلإنترنيت من أفضل و أحكم وسائل آلإتصال بجانب آلوسائل آلصوتية و آلمرئية لفعل آلممكن في طريق خدمة آلإنسانية . أما مسألة آلعلاقة بين آلمؤمنين فهناك نصوص أدق توجب علينا من خلالها إطلاعنا على أوضاعهم آلخاصة مع ترتيب نوع آلعلاقات آلتي تربط بعظهم ببعض , أما لو بحثنا في نوع آلعلاقة آلإيمانية بين أتباع أهل آللبيت فإن آلمعادلة ستكون أصعب بكثير, بإعتبارهم قدوة آلمسلمين , لكن أوضاعهم في هذا آلعصر ليس بأحسن حال من بقية أهل آلإسلام للأسف حيث من آلمفروض أن تكون علاقات حميمية للدرجة آلتي أشار إليها آلإمام آلصادق (ع) في إحدى آلروايات( بحيث يكون أحدهم يمد يده في جيب صاحبه فيخرج ما يشاء و صاحبه لا يعلم بمقدار ما أخذه) ! و إن كنا لم نصل هذا آلمستوى فهو بسبب آلبعد و ضعف آلإيمان بالله تعالى أو آلتعاطي آلخاطئ مع آلنصوص آلواردة عن أئمة أهل آلبيت آلطاهرين عليهم آلسلام و كذا آلقرآن آلكريم . حيث يفترض بنا ألإلتزام بنصوصه و بأقوال أؤلئك آلعظام من ائمة أهل آلبيت (ع) , و إلا فمن آلصعب أن ندعى إنتمائنا لمدرستهم .
معناه في آلمعاجم آللغوية:ـ
أما آلمعاجم آللغوية فقد أجمعت هي آلأخرى على ما ذهبنا إليه في معنى آلفكر و آلتفكر , فقد ورد في آلمنجد بأن معناه هو إعمال آلخاطر و آلتأمل أو آلتدبر في آلأمر .
و عرفه إبن منظور في لسان آلعرب بنفس آلمعنى بقوله : ألفكر هو إعمال آلخاطر في آلشئ .
و عرفه آلفيروز آبادي في آلقاموس آلمحيط بالقول : ألفكر بالكسر أو آلفتح ألنظر في آلشئ كالفكرة .
و قد فصلت بعض آلدراسات آلحديثة معناه أيضا , حيث يقول جميل صليبا في آلمعجم آلفلسفي : ( أن آلفكر يطلق على آلفعل ألذي تقوم به آلنفس عند حركتها في آلمعقولات , أو يطلق على آلمعقولات نفسها) .
و عرفه صاحب آلمعجم آلوسيط بالقول : ( ألفكر هو إعمال آلعقل في آلمعلوم للوصول إلى معرفة آلمجهول) .
كما ذكر صاحب آلموسوعة آلفلسفية تعاريف عديدة للفكر أهمها : (هو آلنتاج آلأعلى للدماغ كمادة ذات تنظيم عضوي خاص , و هو آلعملية آلإيجابية آلتي بواسطتها ينعكس آلعالم آلموضوعي في مفاهيم و أحكام و نظريات , و آلكلام هو صورة آلفكر) .
و قد أبدع آلفيلسوف آلشهيد محمد باقر آلصدر في بحوثه حول آلفكر و آلمعرفة لكن آلأيادي آلأثيمة حرمت آلامة من هذا آلمفكر آلكبير لإستكمال بياناته في آلفكر آلإسلامي . و لا أجانب آلحقيقة لو قلت : بأنه لولا آلإمام آلخميني و آلفيلسوف آلمطهري و آلمفكر آلكبير شريعتي و آلفيلسوف محمد باقر آلصدر لبقي آلفكر آلإسلامي غائما و غائبا في أعماق مصادرها إلى قرون أخرى ألله وحده أعلم بعددها .
إن مشكلتنا تكمن في كيفية آلتعاطي مع آلنص , لإستنباط آلأحكام ليس فقط في مجال آلعبادات آلشخصية .. بل في كل آلمجالات و في مقدمتها نظام آلحكم و آلإدراة , لان آلفكر آلإسلامي يشمل جميع شؤون آلحياة بل كل آلكون هكذا فهمنا آلموضوع من خلال آلنصوص آلقرآنية آلصريحة , و لذلك لا يجوز لاي كان أن يحجر هذا آلفكر آلكوني آلعملاق في موضوع دون آخر لان هذا آلفصل و هذه آلتجزئة سيؤديان بالفكر آلإسلامي إلى آلجمود و آلتحجر و فقدان ماهيته و غايته و فاعليته في نفوس آلناس و على أرض آلواقع مع مرور آلزمن نتيجة لتطور آلفكر آلإنساني . و مشكلتنا بالأساس تبدء من مناهج آلأصول و طرق آلإستنباط آلخاطئة للفكر آلإسلامي آلحديث بما يواكب مسيرة آلإنسان آلذي إتخذ مسارين قد يصعب تلاقيهما : مسار آلتقدم آلعلمي آلطبيعي , و مسارآلتخلف و آلتحلل آلإجتماعي و آلاخلاقي . فهل آلفكر آلغربي آلرائد للتقدم آلتكنولوجي في عالم آليوم و آلمتخلف من آلناحية آلإجتماعية (ألأخلاق و آلقيم) هو أفضل من آلفكر آلإسلامي ألذي تخلف في آلمجالين معا ؟ حيث لم يعد يكفي مجرد آلإدعاء بالنظرية من دون مصداق عملي ! كما لم يعد مؤثرا ألتفاخر بالتأريخ .. طبعا في بعض صفحاته و ليس كله .
و لكن لماذا تخلفنا بالأساس ؟
و هل يمكن أن تبدأ نهضتنا من هذا آلسكون آلراقد في وسط آلوحل ؟ ثم كيف و متى ؟
إن مقولة آلمفكر آلكبير آلافغاني ستبقى ذات وقع خاص في نفوس آلعاملين و آلنخبة آلمثقفة و عنوان لكل باحث , حيث قال : ( لا أمة بدون أخلاق و لا أخلاق بلا عقيدة و لا عقيدة بدون فهم ) ,
و نضيف و نؤكد أن تكوين هذا آلوعي كأساس في نظرنا لا يتحقق إلا من خلال آلفهم و آلفهم لا يكون إلا من خلال آلسعي في آلمطالعة و آلبحث و آلتحقيق ثم آلسعي إلى نشره و من ثم تطبيعه على أرض آلواقع كنظام للحياة .

ألأسس آلمعرفية للفكر آلإسلامي :ـ
بنظرنا يعتمد نجاح أو فشل أي فكر في آلمجتمع آلإنساني بمدى تعلقه بقلوب أفراده و فطرتهم . و آلسؤال هو : كيف يتعلق قلب آلإنسان بفكر معين و إلى أي حد ؟
من أهم آلعوامل آلتي تنمي تلك آلعلاقة هي :ـ
أولا : تناسبه مع آلفطرة و آلعاطفة آلإنسانية .
ثانيا : و ضوح مفاهيمه و غاياته .
ثالثا : إنسجامه و موائمته مع تطور آلفكر آلإنساني ألحضاري .
رابعا : وجود (آلنخبة) كقدوات صالحة تأخذ على عاتقها مسؤولية آلهداية .
خامسا : وجود قوة عظيمة من ورائه ترعى و تجذب آلتابعين له , و تشدهم بإتجاه تلك آلقوة , ونعني به توحيد آلله كقوة عظمى و كمحور أساسي يرتبط به كل آلعاملين و آلتابعين .
سادسا : معادلة يوم آلقيامة , و هو وجود يوم آلجزاء ليأخذ كل منا حقه بعد آلممات .
سابعا : وجود محركات ذاتية (روح) في أحكامها و قوانينها , و رموز تضفي عليها آلقوة و آلجاذبية في آلنفوس .
و آلفكر آلإسلامي هو آلوحيد آلذي يضم جميع تلك آلأصول و آلمبادئ , إلا أن فقدانها في أوساط آلناس كان لعاملين سببا تقهقره , و هما :
أولا : غياب آلقيادة آلربانية آلصالحة عن ساحتها مع تذبذب و تشتت آلنخبة من حولها , و إبتعاد آلناس عنهم , بسبب فاعلية خط آلشيطان و سط آلناس و ميلهم نحوه في مقابل ذلك .
ثانيا : عدم وضوح مفاهيمه و غاياته للناس بسبب محنة قادة آلفكر فيها حيث لم تواكب آلنخبة تطورات آلعصر و لم تلتف هي آلأخرى حول أصحاب آلفكر لإعمال فكرهم .
و خلاصة لما أوردنا : فإن آلفكر آلإسلامي هو مجموع ما أنتجه آلمفكريين آلمسلمين منذ بعثة آلرسول آلكريم محمد (ص) و إلى آليوم حول آلوجود و قضايا آلإنسان , و قد عبر عنه آلإمام آلصدر في كتاب فلسفتنا بنظرية آلمعرفة آلأسلامية مع أن فلاسفة آخرين سبقوه في ذلك آلطرح إجمالا أو تفصيلا كالملا صدرا آلشيرازي في موسوعته آلفلسفية (الأسفار آلأربعة) , مركزين على أساسين للإدراك آلبشري هما ألتصور و آلتصديق ألذين يتم من خلالهما إثبات آلضرورات آلصحيحة إما بدليل أو برهان كمبدأ عدم آلتناقض و مبدأ آلعلية و آلمبادئ آلرياضية آلأولية , كأضواء عقلية أولية , و آلتي على هديها تقام سائر آلمعارف و آلتصديقات , و كلما كان آلفكر أكثر دقة و موضوعية كلما كان أبعد عن آلخطأ , و أضمن لسعادة آلإنسان و آلمجتمع , و لم يعد في وقتنا آلحاضر من يعطي آلأسبقية آلمعرفية للعلوم آلتجريبية على آلعلوم آلميتافيزيقية و آلرياضية كما كان من قبل , و قد يكون آلعكس هو آلأصح لكون نتائجها أكثر دقة و قطعية , لأن آلتجارب آلطبيعية في آلغالب ناقصة و قاصرة عن كشف جميع آلشروط , و لذلك لا تكون نتائجها قائمة على أساس آلقطعية في كثير من آلأحيان . و هذه مسألة بديهية لدى جميع علماء آلطبيعيات بعد دخول أبعادا أخرى على آلموجودات وصلت إلى إحدى عشر بعدا بعدما كانت تعرف ضمن آلأبعاد آلثلاثة ألمعروفة (ألطول و آلعرض و آلإرتفاع) حتى عهد قريب .
و إن تعريف آلفكر آلإسلامي هو : ألإطار آلذي به و عليه و حوله تدور تأملات و نظرات آلمفكرين آلمسلمين , و هوية آلفكر .. أي فكر , و منهجه يتم معرفتها من خلال علاقتها مع آلمرجعية آلتي ينتمي إليها , لأنها هي آلتي تحدد له أصول آلمنهج و خصوصياته و أهدافه .
و سعيا منا في بيان آلفكر آلإسلامي آلاصيل وتصحيح آلمناهج آلخاطئة آلتي شاعت حوله و آلتي أفرزت كثيرا من آلمحن في ظل بعض آلمرجعيات بسبب إجتهادات غير صائبة في علم آلفلسفة و آلكلام و آلفقه مع أصوله و آلتصوف و آلعرفان و غيرها من آلعلوم آلإنسانية آلأخرى , فقد إستقرأنا أربع نظريات للمرجعية آلدينية من خلال من إنتسبوا إلى فكر و مدرسة أهل آلبيت (ع) و تصدوا لمهمة آلقيادة آلمرجعية , و لم يكن ذلك آلإنشطار آلمربع تحولا إيجابيا في مذهبنا , بل كانت مأساة حقيقة إكتوى بنارها عموم آلمسلمين , خصوصا في جانبه آلمتعلق بنظرية آلحكم و آلإدراة في آلفكر آلإسلامي , بل كان مجرد وجود بعضها سلبيا و عبئا على شرائح آلأمة و قد بحثنا هذا آلموضوع في كتابنا آلموسوم بـ (دور آلقيادة آلمرجعية في آلحكومة آلإسلامية), و لهذا لم يبرز آلفكر آلإسلامي بكل قوته و مداه في منعطفات تأريخية كثيرة مرت على آلأمة على مدى أكثر من عشرة قرون , مما أدى إلى تقويضه و فسح آلمجال أمام آلآخرين لنشر منهجهم و تثبيت حكوماتهم , مع إنهم لم يكونوا يملكون خطابا إسلاميا و لا حتى إنسانيا متزنا بل بالعكس طالما إستخدموا آلعنف و آلقوة و آلمكر متزامنا مع مبدء آلجبر لإستحمار آلناس و آلسيطرة عليهم طيلة سنوات وجودها في آلحكم , كالأمويين و آلعباسيين و آلعثمانيين , و لم تتوقف محنة آلإنسانية عند تلك آلحدود , بل إستمرت مع إستمرار سياسة آلإستحمار و آلإستكبار من قبل آلظالمين حتى يومنا هذا , فما شاهدناه و نشاهده آليوم مع دعاة آلمنهج آلديمقراطي في آلغرب أو آلإشتراكي آلشيوعي في آلشرق حتى آلأمس آلقريب . لا تختلف كثيرا عن سابقاتها في مصداقية متبنياتها أو توافقها مع آلفطرة آلإنسانية , لتحقيق سعادة آلإنسان و آلمجتمع على حد سواء . و لا حول و لا قوة إلا بالله آلعلي آلعظيم .
alma1113@hotmail.com عزيز آلخزرجي

No comments:

Post a Comment